الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ
(هُوَ) لُغَةً: مَا تُعْطِيهِ لِتَتَقَاضَاهُ، وَشَرْعًا: مَا تُعْطِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ لِتَتَقَاضَاهُ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ قَوْلِهِ (عَقْدٌ مَخْصُوصٌ) أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ (يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ) بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ (مِثْلِيٍّ) خَرَجَ الْقِيَمِيُّ (لِآخَرَ لِيَرُدَّ مِثْلَهُ) خَرَجَ نَحْوُ وَدِيعَةٍ وَهِبَةٍ.
(وَصَحَّ) الْقَرْضُ (فِي مِثْلِيِّ) هُوَ كُلُّ مَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ (لَا فِي غَيْرِهِ) مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ كَحَيَوَانٍ وَحَطَبٍ وَعَقَارٍ وَكُلِّ مُتَفَاوِتٍ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمِثْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ كَمَقْبُوضٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ سَوَاءٌ
ــ
[رد المحتار]
بِرَمْزِ بَكْرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ كَانَ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْأَصِيلِ، وَيَبِيعُهُ بِالْمُرَابَحَةِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ دِينَارًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ اهـ. هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ.
[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]
ِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مِنَحٌ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ ذِكْرُ الْقَرْضِ فِي قَوْلِهِ: وَلَزِمَ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا الْقَرْضَ ط (قَوْلُهُ مَا تُعْطِيهِ لِتَتَقَاضَاهُ هـ) أَيْ مِنْ قِيَمِيٍّ أَوْ مِثْلِيٍّ، وَفِي الْمُغْرِبِ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاسْتَقْضَيْته طَلَبْت قَضَاءَهُ وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي أَخَذْته (قَوْلُهُ وَشَرْعًا مَا تُعْطِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ لَكِنْ الثَّانِي غَيْرُ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِتَتَقَاضَى مِثْلَهُ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الدَّيْنَ أَعْلَمُ مِنْ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَقْدٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَفْظٌ، وَلِذَا قَالَ أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ أَيْ كَالدَّيْنِ وَكَقَوْلِهِ: أَعْطِنِي دِرْهَمًا لِأَرُدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ الْقَرْضَ وَغَيْرَهُ، وَلَيْسَ جِنْسًا حَقِيقِيًّا، لِعَدَمِ الْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ قَوْلُهُ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ خَرَجَ بِهِ مَا لَا يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَفِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ كَمَا عَلِمْت فَصَارَ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِآخَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ دَفْعِ (قَوْلُهُ خَرَجَ نَحْوُ وَدِيعَةٍ وَهِبَةٍ) أَيْ خَرَجَ وَدِيعَةٌ وَهِبَةٌ وَنَحْوُهُمَا كَعَارِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ، لِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
(قَوْلُهُ فِي مِثْلِيٍّ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ أَيْ تَفَاوُتًا تَخْتَلِفُ بِهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّ نَحْوَهُ الْجَوْزُ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا يَسِيرًا (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمِثْلِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا فِي غَيْرِهِ: أَيْ لَا يَصِحُّ الْقَرْضُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ ابْتِدَاءً، حَتَّى صَحَّ بِلَفْظِهَا مُعَاوَضَةً انْتِهَاءً، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ، فَيَسْتَلْزِمُ إيجَابَ الْمِثْلِيِّ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَيَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْقَبْضِ كَالصَّحِيحِ وَالْمَقْبُوضُ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ يَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ، وَفِي الْقَرْضِ الْجَائِزِ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يُرَدُّ الْمِثْلُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ إعْطَاءُ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَعَارِيَّةُ مَا جَازَ قَرْضُهُ قَرْضٌ وَمَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ عَارِيَّةٌ اهـ أَيْ قَرْضُ مَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ عَارِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ لَا مُطْلَقًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ كَمَقْبُوضٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ) أَيْ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا عَلِمْت، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَرْضُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ، حَتَّى لَوْ اسْتَقْرَضَ بَيْتًا فَقَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْيَانِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِشِرَاءِ قِنٍّ بِأَمَةِ الْمَأْمُورِ فَفَعَلَ فَالْقِنُّ لِلْآمِرِ
فَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا بَيْعُهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (فَيَصِحُّ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَكَذَا) كُلُّ (مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ مُتَقَارِبًا فَصَحَّ اسْتِقْرَاضُ جَوْزٍ وَبَيْضٍ) وَكَاغَدٍ عَدَدًا (وَلَحْمٍ) وَزْنًا وَخُبْزٍ وَزْنًا وَعَدَدًا كَمَا سَيَجِيءُ (اسْتَقْرَضَ مِنْ الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَالْعِدَالَيْ فَكَسَدَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا كَاسِدَةً) وَ (لَا) يَغْرَمُ (قِيمَتَهَا) وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِغَلَائِهِ وَرُخْصِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَجَعَلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَوْلَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّانِي عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ الثَّالِثِ قِيمَتُهَا فِي آخِرِ يَوْمِ رَوَاجِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ فَيَحْرُمُ إلَخْ) عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الْقَرْضُ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِعَدَمِ الْحِلِّ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ كَبَيْعٍ فَاسِدٍ اهـ فَقَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَعْنَى يَصِحُّ لَا بِمَعْنَى يَحِلُّ إذَا لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْفَاسِدَ يَجِبُ فَسْخُهُ وَالْبَيْعُ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا يَحِلُّ كَمَا لَا يَحِلُّ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَكَاغِدٍ) أَيْ قِرْطَاسٍ، وَقَوْلُهُ: عَدَدًا قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَاغِدِ ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْكَاغِدِ عَدَدًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ اهـ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ نَوْعُهُ وَصِفَتُهُ.
(قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ الرِّبَا حَيْثُ قَالَ: وَيُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ وَزْنًا وَعَدَدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ مَالِكٍ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَيْسِيرًا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ وَاسْتِقْرَاضُهُ لَا عَدَدًا وَلَا وَزْنًا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَقَوْلُهُ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعَلَيْهِ أَفْعَالُ النَّاسِ جَارِيَةٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ مُلَخَّصًا وَنُقِلَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي: أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ اسْتِقْرَاضِهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي اهـ وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ وَسَيُذْكَرُ اسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ وَالْخَمِيرَةِ.
(قَوْلُهُ وَالْعَدَالِيِّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِاللَّامِ الْمَكْسُورَةِ: وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْعَدَالِيِّ، وَكَأَنَّهُ اسْمُ مَلِكٍ نُسِبَ إلَيْهِ دِرْهَمٌ فِيهِ غِشٌّ كَذَا فِي صَرْفِ الْبَحْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ.
قُلْت: وَالْمُرَادُ بِهَا دَرَاهِمُ غَالِيَةُ الْغِشِّ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بَدَلَ لَفْظِ الْعَدَالِيِّ، لِأَنَّ غَالِبَةَ الْغِشِّ فِي حُكْمِ الْفُلُوسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا فَتَبْطُلُ ثَمَنِيَّتُهَا بِالْكَسَادِ، وَهُوَ تَرْكُ التَّعَامُلِ بِهَا بِخِلَافِ مَا كَانَتْ فِضَّتُهَا خَالِصَةً أَوْ غَالِبَةً، فَإِنَّهَا أَثْمَانٌ خِلْقَةً فَلَا تَبْطُلُ ثَمَنِيَّتُهَا بِالْكَسَادِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا كَاسِدَةً) أَيْ إذَا هَلَكَتْ وَإِلَّا فَيَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي صَرْفِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ بِغَلَائِهِ وَرُخْصِهِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكَسَادِ، وَهُوَ تَرْكُ التَّعَامُلِ بِالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا كَمَا قُلْنَا، وَالْغَلَاءُ وَالرُّخْصُ غَيْرُهُ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى اتِّحَادِ الْحُكْمِ فَصَحَّ التَّفْرِيعُ تَأَمَّلْ.
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي دَانِقَ حِنْطَةٍ فَأَقْرَضَهُ رُبْعَ حِنْطَةٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ وَإِذَا اسْتَقْرَضَ عَشَرَةَ أَفْلَسَ، ثُمَّ كَسَدَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الْفِضَّةِ يُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَقْرَضَ دَانِقَ فُلُوسٍ أَوْ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ، ثُمَّ رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ عَدَدِ الَّذِي أَخَذَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ غَلَّةٍ بِدِينَارٍ، فَأَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَلَاءِ الدَّرَاهِمِ، وَلَا إلَى رُخْصِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ فَالْقَرْضُ فِيهِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ مَا يُعَدُّ مِنْ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ اهـ وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً فَأَعْطَى مِثْلَهَا بَعْدَمَا تَغَيَّرَ سِعْرُهَا يُجْبَرُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْقَبُولِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ الثَّانِي إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّاحِبَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ رَدِّ الْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ بِالْكَسَادِ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهَا كَمَا قَبَضَهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُ قَوْلِهِمَا فَتْحٌ
قَالَ وَكَذَا الْخِلَافُ إذَا (اسْتَقْرَضَ طَعَامًا بِالْعِرَاقِ فَآخُذهُ صَاحِبُ الْقَرْضِ بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اقْتِرَاضِهِ عِنْدَ الثَّانِي وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَوْمَ اخْتَصَمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ) مَعَهُ (إلَى الْعِرَاقِ فَيَأْخُذُ طَعَامَهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الطَّعَامَ بِبَلَدٍ الطَّعَامُ فِيهِ رَخِيصٌ فَلَقِيَهُ الْمُقْرِضُ فِي بَلَدٍ الطَّعَامُ فِيهِ غَالٍ فَأَخَذَهُ الطَّالِبُ بِحَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَطْلُوبِ وَيُؤْمَرُ الْمَطْلُوبُ بِأَنْ يُوَثِّقَ لَهُ)
بِكَفِيلٍ (حَتَّى يُعْطِيَهُ طَعَامَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ صَاحِبُ الْقَرْضِ عَلَى تَأْخِيرِهِ إلَى مَجِيءِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْقِيمَةِ) لِعَدَمِ وُجُودِهِ بِخِلَافِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ وَتَمَامُهُ فِي صَرْفِ الْخَانِيَّةِ
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ إنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الضَّمَانِ قَالَ فِي صَرْفِ الْفَتْحِ: وَأَصْلُهُ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَوْمَ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُمَا: أَنْظِرْ لِلْمُقْرِضِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمِثْلِ إضْرَارٌ بِهِ ثُمَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: أَنْظِرْ لَهُ أَيْضًا، لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمِ الِانْقِطَاعِ وَهُوَ أَيْسَرُ أَيْضًا فَإِنَّ ضَبْطَ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ عَسِرٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَرْجِيحَ قَوْلِهِ فِي الْكَسَادِ أَيْضًا وَحُكْمُ الْبَيْعِ كَالْقَرْضِ، إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ فِي الْكَسَادِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ.
(قَوْلُهُ فَآخَذَهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ طَلَبَ أَخْذَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اقْتَرَضَهُ) مُتَعَلِّقَانِ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهُ، وَالثَّانِي يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَوْمَ اخْتَصَمَا) وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: قِيمَتُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اخْتَصَمَا فَأَفَادَ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاخْتِصَامِ الَّتِي فِي بَلَدِ الْقَرْضِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ قَوْلِهِ بِالْعِرَاقِ هُنَا وَإِسْقَاطَهُ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ طَعَامَهُ) أَيْ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الطَّعَامَ إلَخْ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَا لَوْ ذَهَبَ إلَى بَلْدَةٍ غَيْرِ بَلْدَةِ الْقَرْضِ وَقِيمَةُ الْبَلْدَتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الطَّعَامَ فِي مَكَّةَ أَغْلَى مِنْهُ فِي الْعِرَاقِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا مَرَّ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا طَعَامًا أَوْ غَصَبَهُ إيَّاهُ وَلَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَالْتَقَيَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى الطَّعَامُ فِيهَا أَغْلَى أَوْ أَرْخَصُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يَسْتَوْثِقُ لَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ طَعَامَهُ حَيْثُ غَصَبَ أَوْ حَيْثُ أَقْرَضَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ تَرَاضَيَا عَلَى هَذَا فَحَسَنٌ وَأَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِيمَةَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ: وَهِيَ الْقِيمَةُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ الِاسْتِقْرَاضِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِهِ لَا عَلَى الْقِيمَةِ اهـ وَفِيهَا أَيْضًا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ بُخَارِيَّةً وَالْتَقَيَا فِي بَلْدَةٍ لَا يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْبُخَارِيَّةِ فَإِنْ كَانَ يُنْفَقُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَجَّلَهُ قَدْرَ الْمَسَافَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ لَا يُنْفَقُ فِيهَا وَجَبَ الْقِيمَةُ اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْبُخَارِيَّةَ فُلُوسٌ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلِذَا أَوْجَبَ الْقِيمَةَ إذَا كَانَتْ لَا تُنْفَقُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لِبُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ بِالْكَسَادِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِضَّتُهَا خَالِصَةٌ أَوْ غَالِبَةٌ كَرِيَالِ الْفِرِنْجِيِّ فِي زَمَانِنَا فَالْوَاجِبُ رَدُّ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، لِأَنَّ ثَمَنِيَّةَ الْفِضَّةِ لَا تَبْطُلُ بِالْكَسَادِ، وَلَا بِالرُّخْصِ أَوْ الْغَلَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى غَلَاءِ الدَّرَاهِمِ، وَلَا إلَى رُخْصِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ إلَخْ) الْمُرَادُ مَا هُوَ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ إذَا اسْتَقْرَضَهُ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يُقْبِضَهُ إلَى الْمُقْرِضِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْبَرُ الْمُقْرِضُ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَى إدْرَاكِ