الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَائِدَةٌ] مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ
جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ: وَنَظِيرُهُ لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إذَا حَسِبَ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ.
(وَلَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بِشَرْطِ قَوْلِهِ عَنِّي أَوْ عَلَيَّ أَنَّهُ عَلَيَّ وَهُوَ غَيْرُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ مَحْجُورَيْنِ ابْنُ مَلَكٍ رَجَعَ عَلَيْهِ (بِمَا أَدَّى)
ــ
[رد المحتار]
لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَهَذَا ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي الْمَعْنَى، وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ فَقَطْ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ نَهْرٌ
[فَائِدَةٌ مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ]
(قَوْلُهُ: مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي صُورَةِ الضَّمَانِ: أَيْ ضَمَانِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إذْ قَضَاهُ عَلَى فَسَادٍ فَيَرْجِعُ، كَمَا لَوْ أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ.
وَنَظِيرُهُ لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إذْ حَسِبَ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَدَّى مِنْ غَيْرِ سَبْقِ ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ لِتَبَرُّعِهِ، وَكَذَا وَكِيلُ الْبَيْعِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ لِمُوَكِّلِهِ لَمْ يَجُزْ فَيَرْجِعُ لَوْ أَدَّى بِغَيْرِ ضَمَانٍ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ اهـ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) شَمِلَ الْآمِرَ حُكْمًا، كَمَا إذَا كَفَلَ الْأَبُ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مَهْرَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِأَمْرِ الصَّبِيِّ حُكْمًا لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ، فَإِنْ أَدَّى بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَشْهَدَ رَجَعَ وَإِلَّا لَا كَذَا فِي نِكَاحِ الْمَجْمَعِ، وَكَمَا لَوْ جَحَدَ الْكَفَالَةَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَيْهَا بِالْأَمْرِ وَقَضَى عَلَى الْكَفِيلِ فَأَدَّى فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا لِكَوْنِهِ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ نَهْرٌ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ فُضُولِيًّا أَنَّ إجَازَةَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ قَبُولِ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ بِالْكَفَالَةِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ: أَيْ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ) فَلَوْ بِأَمْرِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا رُجُوعَ أَصْلًا فَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَكْفُلَ عَنْ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَكَفَلَ وَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَلَيَّ) أَيْ عَلَى أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ يَكُونُ عَلَيَّ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ قَالَ اضْمَنْ الْأَلْفَ الَّتِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لِيَرْجِعَ أَوْ لِطَلَبِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَيَّ كَعَنِّي، فَلَوْ قَالَ اُكْفُلْ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اُنْقُدْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اضْمَنْ لَهُ الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيَّ أَوْ اقْضِهِ مَالَهُ عَلَيَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا قَالَ لِآخَرَ اضْمَنْ لِفُلَانٍ الْأَلْفَ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ فَضَمِنَهَا وَأَدَّى إلَيْهِ لَا يَرْجِعُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ، وَقَدْ جَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي نَحْوِ اضْمَنْ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ إذَا لَمْ يَقُلْ عَنِّي أَوْ هِيَ لَهُ عَلَيَّ وَنَحْوُهُ فَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا كَانَ خَلِيطًا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ مُطْلَقًا، وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَكَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ لَوْ كَانَ خَلِيطًا رَجَعَ وَهُوَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجِيرٍ وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ عَنَانٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالْخَلِيطُ أَيْضًا الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ وَيُدَايِنُهُ وَيَضَعُ عِنْدَهُ الْمَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ يُعْطِي لَهُمْ حُكْمَ الْخَلِيطِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قُلْت: وَمَا اسْتَظْهَرَهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ صَبِيٍّ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ إنَّمَا تُوجِبُ الرُّجُوعَ لَوْ كَانَ الْآمِرُ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَبِيٍّ مَحْجُورٍ وَلَوْ أَمَرَهُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْقِنِّ بَعْدَ عِتْقِهِ اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فِيهِمَا لِصِحَّةِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا: أَيْ لِلْكَفَالَةِ.
(قَوْلُهُ: رَجَعَ بِمَا أَدَّى) شَمِلَ مَا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَنْ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَرْجِعُ بِهَا لَا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، أَوْ إبْرَاءٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ قَوْلَهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا دَفَعَ مَا وَجَبَ دَفْعُهُ عَلَى الْأَصِيلِ، فَلَوْ كَفَلَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ فَدَفَعَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا فِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ اهـ.
إنْ أَدَّى بِمَا ضَمِنَ وَإِلَّا فِيمَا ضَمِنَ، وَإِنْ أَدَّى أَرْدَأَ لِمِلْكِهِ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَكَانَ كَالطَّالِبِ، وَكَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ عَيْنِيٌّ (وَإِنْ بِغَيْرِهِ لَا يَرْجِعُ) لِتَبَرُّعِهِ إلَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَرْجِعُ عِمَادِيَّةٌ، وَحِيلَةُ الرُّجُوعِ بِلَا أَمْرٍ يَهَبُهُ الطَّالِبُ الدَّيْنَ وَيُوَكِّلُهُ بِقَبْضِهِ وَلْوَالِجِيَّةٌ.
(وَلَا يُطَالِبُ كَفِيلٌ) أَصِيلًا (بِمَالٍ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ) الْكَفِيلُ (عَنْهُ) لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِالْأَدَاءِ، نَعَمْ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ رَهْنٍ مِنْ الْأَصِيلِ قَبْلَ أَدَائِهِ خَانِيَّةٌ (فَإِنْ لُوزِمَ) الْكَفِيلُ (لَازَمَهُ) أَيْ بِلَازَمَ هُوَ الْأَصِيلُ أَيْضًا حَتَّى يُخَلِّصَهُ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَدَّى الْأَصِيلُ قَبْلَهُ، فَفِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: الْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ أَدَّى الْمَالَ إلَى الدَّائِنِ بَعْدَ مَا أَدَّى الْأَصِيلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حُكْمِيٌّ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ اهـ أَيْ بَلْ يَرْجِعُ عَلَى الدَّائِنِ.
(قَوْلُهُ: إنْ أَدَّى بِمَا ضَمِنَ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى أَرْدَأَ) إنْ وَصْلِيَّةٌ: أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ مَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى بِمَا ضَمِنَ كَمَا إذَا ضَمِنَ بِالْجَيِّدِ فَأَدَّى الْأَرْدَأَ أَوْ بِالْعَكْسِ.
(قَوْلُهُ: لِمِلْكِهِ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ إلَخْ) أَيْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَيَصِيرُ كَالطَّالِبِ نَفْسِهِ فَيَرْجِعُ بِنَفْسِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ بِالْإِرْثِ بِأَنْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ فَإِنَّمَا لَهُ عَيْنُهُ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيُطَالِبُ بِهِ الْمَكْفُولَ بِعَيْنِهِ، وَصَحَّتْ الْهِبَةُ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَيْسَ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ إذَا أَذِنَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَهُنَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بِغَيْرِهِ) أَيْ وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ. .
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ قَبْلَ قَبُولِ الطَّالِبِ، فَلَوْ كَفَلَ بِحَضْرَتِهِمَا بِلَا أَمْرِهِ فَرَضِيَ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا رَجَعَ، وَلَوْ رَضِيَ الطَّالِبُ أَوَّلًا لِإِتْمَامِ الْعَقْدِ بِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ السِّرَاجِ.
(قَوْلُهُ: وَحِيلَةُ الرُّجُوعِ بِلَا أَمْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ ادْفَعْ إلَيَّ مَا لِي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ حَتَّى تَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ الدَّيْنَ إلَى الطَّالِبِ وَيَهَبَهُ الطَّالِبُ مَالَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ، فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فَإِذَا قَبَضَهُ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ بِغَيْرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَلَوْ أَدَّى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ لَا يَجُوزُ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَفَالَةُ مَالٍ بَلْ كَفَالَةُ نَفْسٍ فَقَطْ، لَكِنْ إذَا سَاغَ لَهُ الرُّجُوعُ بِدُونِ كَفَالَةٍ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ فَمَعَ الْكَفَالَةِ أَوْلَى، لَكِنْ عَلِمْت آنِفًا أَنَّ هِبَةَ الطَّالِبِ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِذْنُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ يَتَضَمَّنُ إذْنَهُ بِالْقَبْضِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهَا بِإِذْنِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِدُونِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيُوَكِّلُهُ بِقَبْضِهِ غَيْرُ لَازِمٍ هُنَا، بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا عَقْدُ كَفَالَةٍ بِالْمَالِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِيهَا التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ إذْ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ بِدُونِهِ.
وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ دَيْنَ الْأَصِيلِ بَرِئَ الْأَصِيلُ مِنْ دَيْنِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَفَعَ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ دَيْنَ الْأَصِيلِ أَيْ بِأَنْ يَدْفَعَهُ لِلطَّالِبِ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ.
قُلْت: هَذَا وَارِدٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ، أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَفِيلِ بِلَا أَمْرٍ فَلَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْكَفِيلَ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ وَيَرْجِعُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَافْهَمْ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ سَابِقَةً عَلَى أَدَاءِ الْكَفِيلِ وَإِلَّا كَانَتْ هِبَةَ دَيْنٍ سَقَطَ بِالْأَدَاءِ فَلَا تَصِحُّ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِالْأَدَاءِ) أَيْ تَمَلُّكَ الْكَفِيلِ الدَّيْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بِالْأَدَاءِ لَا قَبْلَهُ فَإِذَا أَدَّاهُ يَصِيرُ كَالطَّالِبِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ حَبْسُ الْمَطْلُوبِ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ رَهْنٍ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ الْأَصِيلُ إلَى الْكَفِيلِ رَهْنًا بِالدَّيْنِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ
(وَإِذَا حَبَسَهُ لَهُ حَبْسُهُ) هَذَا إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ مِثْلُهُ وَإِلَّا فَلَا مُلَازَمَةَ وَلَا حَبْسَ سِرَاجٌ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ أَدَاءُ الْكَفِيلِ يُوجِبُ بَرَاءَتَهُمَا لِلطَّالِبِ
ــ
[رد المحتار]
نَعَمْ لِلْأَصِيلِ دَفْعُ رَهْنٍ لِلْكَفِيلِ لِئَلَّا يُوهِمَ لُزُومَ الدَّفْعِ عَلَى الْأَصِيلِ بِطَلَبِ الْكَفِيلِ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُفِيدُ مَا قُلْنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا بِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِالْمَالِ رَهْنًا إلَى سَنَةٍ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُؤَدِّك فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ يَجُوزُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا حَبَسَهُ لَهُ حَبْسُهُ) فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ.
أَقُولُ: سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ بَحْثِ الْحَبْسِ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ حَبْسِ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَكَفِيلِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا يَبْرَأُ بِهِ الْكَفِيلُ عَنْ الْمَالِ
(قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ إلَخْ، وَقَيَّدَهُ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِمَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْكَفِيلِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مُلَازَمَتُهُ اهـ، وَقَيَّدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَطْلُوبُ مِنْ أُصُولِ الطَّالِبِ، فَلَوْ كَانَ أَبَاهُ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْكَفِيلِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِالْمَطْلُوبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ الْأَصْلُ بِدَيْنِ فَرْعِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ اللَّازِمُ امْتَنَعَ الْمَلْزُومُ.
وَاعْتَرَضَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَبِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبِعَهُ بَعْضُهُمْ اهـ.
قُلْت: وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَإِنْ حُبِسَ حَبَسَ هُوَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ إلَّا إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْجَدَّيْنِ فَإِنَّهُ إنْ حُبِسَ لَمْ يَحْبِسْهُ بِهِ يُشْعِرُ قَضَاءَ الْخُلَاصَةِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ أَجْنَبِيًّا وَالْمَطْلُوبُ: أَيْ الْمَدِينُ أَصْلًا لِلْكَفِيلِ لَا لِلطَّالِبِ، وَهَذَا غَيْرُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَصْلًا لِلطَّالِبِ لَا لِلْكَفِيلِ، فَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ لِلطَّالِبِ حَبْسَ الْكَفِيلِ، وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِمْ لِلْكَفِيلِ حَبْسُ الْمَكْفُولِ إذَا حُبِسَ: أَيْ إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ أَصْلًا لِلْكَفِيلِ فَلِلطَّالِبِ الْأَجْنَبِيِّ حَبْسُ الْكَفِيلِ وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ إذَا حُبِسَ أَنْ يَحْبِسَ الْمَكْفُولَ لِكَوْنِهِ أَصْلَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ أَصْلًا لِلطَّالِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ حَبْسُ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَبْسِهِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ هُوَ الْمَكْفُولَ فَيَلْزَمُ حَبْسُ الْأَصْلِ بِدَيْنِ فَرْعِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا نَقْلًا، وَحَقَّقَ فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، لَكِنْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ثُمَّ قَالَ: لِلْكَفِيلِ حَبْسُ الْمَكْفُولِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدَّائِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ لِحَقِّ الْكَفِيلِ، وَلِذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَبَسَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَمُفَادُهُ أَنَّ لِلطَّالِبِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ الْمَكْفُولِ حَبْسَ الْكَفِيلِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَحْبِسُ الْمَكْفُولَ مَا لَمْ يَحْبِسْهُ الطَّالِبُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَكْفُولَ إنَّمَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الطَّالِبِ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ حَبْسُ الْأَصْلِ بِدَيْنِ فَرْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَابِسُ لَهُ مُبَاشَرَةً غَيْرَ الْفَرْعِ، نَعَمْ يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَمْلِكُ الدَّيْنَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَبَقِيَ الدَّيْنُ لِلطَّالِبِ وَلَزِمَ الْمَحْذُورُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: يُوجِبُ بَرَاءَتَهُمَا) أَيْ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَقَوْلُهُ لِلطَّالِبِ قِيلَ مُتَعَلِّقٌ بِأَدَاءٍ.
إلَّا إذَا أَحَالَهُ الْكَفِيلُ عَلَى مَدْيُونِهِ وَشَرَطَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ فَقَطْ (وَبَرِئَ) الْكَفِيلُ (بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) إجْمَاعًا إلَّا إذَا بَرْهَنَ عَلَى أَدَائِهِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَيَبْرَأُ فَقَطْ كَمَا لَوْ حَلَفَ بَحْرٌ.
(وَلَوْ أَبْرَأَ) الطَّالِبُ (الْأَصِيلَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ) أَيْ أَجَّلَهُ (بَرِئَ الْكَفِيلُ) تَبَعًا لِلْأَصِيلِ إلَّا كَفِيلَ النَّفْسِ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ بَرَاءَةٍ: أَيْ مُنْتَهِيَةٌ إلَى الطَّالِبِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى إلَى، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي بَرِئْت إلَى فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَحَالَهُ) فَإِنَّ الْحَوَالَةَ كَمَا يَأْتِي نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَشَرَطَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ فَقَطْ) فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ دُونَ الْأَصِيلِ وَلِلطَّالِبِ أَخْذُ الْأَصِيلِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ مَا لَمْ يَنْوِ الْمَالَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَبِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَالْحَوَالَةُ حَصَلَتْ بِأَصْلِ الدَّيْنِ فَتَضَمَّنَتْ بَرَاءَتَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ.
(قَوْلُهُ: وَبَرِئَ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) وَكَذَا يَبْرَأُ لَوْ شَرَطَ الدَّفْعَ مِنْ وَدِيعَةٍ فَهَلَكَتْ.
فَفِي الْكَافِي: لَوْ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَنْ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهُ مِنْ وَدِيعَةٍ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ جَازَ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا فِي بَابِ بُطْلَانِ الْمَالِ عَنْ الْكَفِيلِ بِغَيْرِ أَدَاءً وَلَا إبْرَاءٍ لَوْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِالثَّمَنِ فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ أَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَكَذَا لَوْ بَطَلَ الْمَهْرُ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ الزَّوْجِ بِوَجْهٍ بَرِئَ مِمَّا بَطَلَ عَنْ الزَّوْجِ أَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِغَرِيمِ الْبَائِعِ فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ أَمَّا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ ضَمِنَ الزَّوْجُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ لِغَرِيمِهَا ثُمَّ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا لَمْ يَبْطُلْ الضَّمَانُ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَرْهَنَ) أَيْ الْأَصِيلُ عَلَى أَدَائِهِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَيَبْرَأُ: أَيْ الْأَصِيلُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ أَنَّ الْأَلْفَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَالْكَفِيلُ عُومِلَ بِإِقْرَارِهِ، أَيْ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا قَامَتْ عَلَى الْأَدَاءِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ عُلِمَ أَنَّ مَا كَفَلَ بِهِ الْكَفِيلُ غَيْرُ هَذَا الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ قَضَاهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، فَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُمَا يَبْرَآنِ.
(قَوْلُهُ: بَحْرٌ) صَوَابُهُ نَهْرٌ.
فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْقُنْيَةِ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إنَّمَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ إذَا كَانَتْ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ بِالْحَلِفِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ يُفِيدُ بَرَاءَةَ الْحَالِفِ فَحَسْبُ اهـ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُصَوَّرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ: اُكْفُلْ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا إقْرَارٌ بِالْمَالِ لِفُلَانٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَالَ فَأَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ بَرِئَ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْأَصِيلُ الْأَدَاءَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَا الْيَمِينُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ إلَخْ) مَحَلُّ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بِإِبْرَاءِ الطَّالِبِ الْأَصِيلَ إذَا لَمْ يَكْفُلْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَإِنْ كَفَلَ كَذَلِكَ بَرِئَ الْأَصِيلُ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ ط، وَلَوْ قَالَ وَلَوْ بَرِئَ الْأَصِيلُ لَشَمِلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْأَصِيلُ وَارِثُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ أَيْضًا اهـ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: بَرِئَ الْكَفِيلُ) بِشَرْطِ قَبُولِ الْأَصِيلِ، وَمَوْتُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ أَمْ لَا؟ خِلَافٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: لَا ذِكْرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ أَيْ بِرَدِّ الْأَصِيلِ الْإِبْرَاءَ كَمَا فِي رَدِّ الْهِبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْكَفِيلِ فَإِنَّهُ إذَا أَبْرَأهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ كَانَ إبْرَاءُ الْأَصِيلِ أَوْ هِبَتُهُ أَوْ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا صَحَّ، وَإِنْ رَدُّوا ارْتَدَّ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُمْ
كَمَا مَرَّ (وَتَأَخَّرَ) الدَّيْنُ (عَنْهُ) تَبَعًا لِلْأَصِيلِ إلَّا إذَا صَالَحَ الْمُكَاتَبَ عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بِمَالٍ ثُمَّ كَفَلَهُ إنْسَانٌ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ تَأَخَّرَتْ مُطَالَبَةُ الْمُصَالِحِ إلَى عِتْقِ الْأَصِيلِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ الْآنَ أَشْبَاهٌ (وَلَا يَنْعَكِسُ) لِعَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ نَعَمْ لَوْ تَكَفَّلَ بِالْحَالِ مُؤَجَّلًا تَأَجَّلَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ تَأْجِيلٌ عَلَيْهِمَا، وَفِيهِ يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْأَصِيلِ الْإِبْرَاءَ
ــ
[رد المحتار]
فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْإِبْرَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَتَأَخَّرَ الدَّيْنُ عَنْهُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ، وَشَمِلَ كَفِيلَ الْكَفِيلِ، فَإِذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ تَأَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ وَكَفِيلِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ تَأَخَّرَ عَنْ الثَّانِي أَيْضًا لَا عَنْ الْأَصِيلِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَشَرْطُهُ أَيْضًا قَبُولُ الْأَصِيلِ، فَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ كَمَا أَفَادَهُ الْفَتْحُ.
(قَوْلُهُ: تَأَخَّرَتْ مُطَالَبَةُ الْمَصَالِحِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَالْفَاعِلُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ أَوْ إلَى فَاعِلِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَلِيُّ وَالْمَفْعُولُ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ الْمُصَالَحَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا أَوْلَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فَافْهَمْ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ بِمَا لَزِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ إلَى عِتْقِهِ وَيُطَالِبُ كَفِيلَهُ لِلْحَالِ، لَكِنْ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ تَأَخَّرَ لَا بِتَأْخِيرِ الطَّالِبِ فَلَمْ يَدْخُلَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ أَيْ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ حَالًّا لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِذَا لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ حَيْثُ يَرْجِعُ اهـ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ تَكَفَّلَ بِالْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ فَكَفَلَ بِهِ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا بِالْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ تَأْجِيلٌ عَلَيْهِمَا) هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ هِيَ أَنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ لَهُ حَالُ الْكَفَالَةِ حَقٌّ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ إلَّا الدَّيْنَ فَبِالضَّرُورَةِ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ بِتَأْجِيلِ الْكَفِيلِ، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ ثَابِتَةً قَبْلَ التَّأْجِيلِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ حُكْمُهَا وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ ثُمَّ طَرَأَ التَّأْجِيلُ عَنْ الْكَفِيلِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِهَا وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ.
[تَنْبِيهٌ] مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ يَتَأَجَّلُ عَلَيْهِمَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا أَضَافَ الْكَفِيلُ الْأَجَلَ إلَى نَفْسِهِ، بِأَنْ قَالَ أَجِّلْنِي أَوْ شَرَطَ الطَّالِبُ وَقْتَ الْكَفَالَةِ الْأَجَلَ لِلْكَفِيلِ خَاصَّةً فَلَا يَتَأَخَّرُ الدَّيْنُ حِينَئِذٍ عَنْ الْأَصِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ. وَنَقَلَ ط عِبَارَتَهَا.
مَطْلَبُ لَوْ كَفَلَ بِالْقَرْضِ مُؤَجَّلًا تَأَجَّلَ عَنْ الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ كَفَلَ بِالْقَرْضِ مُؤَجَّلًا إلَى سَنَةٍ مَثَلًا فَهُوَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى الْأَجَلِ وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْغِيَاثِيَّةِ.
ثُمَّ نُقِلَ خِلَافُهُ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ شُمُولِهِ لِلْقَرْضِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ.
قُلْت: لَكِنْ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَكُلُّ الْكُتُبِ تُخَالِفُهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَرْضِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُشْتَرَطُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدٌ إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلُ إلَخْ، وَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ فِيهِ لَكَانَ أَوْضَحَ.
وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ هَكَذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ إنْ قَبِلَ بَرِئَا أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ مَعًا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا بِلَا عَكْسٍ فِيهِمَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ فَقَطْ بَرِئَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِيَحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ بَلْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالْإِبْرَاءِ، وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ: أَيْ لِلْكَفِيلِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ
وَالتَّأْجِيلَ لَا الْكَفِيلِ إلَّا إذَا وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ دُرَرٌ.
قُلْت: وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ: أَجَّلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ يَتَأَجَّلُ عَلَيْهِمَا، وَعَزَاهُ لِلْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فَلْيُحْفَظْ
وَفِي الْقُنْيَةِ: طَالَبَ الدَّائِنُ الْكَفِيلَ فَقَالَ لَهُ اصْبِرْ حَتَّى يَجِيءَ الْأَصِيلُ فَقَالَ لَا تَعَلُّقَ لِي عَلَيْهِ إنَّمَا تَعَلُّقِي عَلَيْك هَلْ يَبْرَأُ؟ أَجَابَ نَعَمْ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
(وَإِذَا حَلَّ) الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ (عَلَى الْكَفِيلِ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْأَصِيلِ) فَلَوْ أَدَّاهُ وَارِثُهُ لَمْ يَرْجِعْ لَوْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ إلَّا إلَى أَجَلِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ (كَمَا لَا يَحِلُّ) الْمُؤَجَّلُ (عَلَى الْكَفِيلِ) اتِّفَاقًا (إذَا حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ مَاتَا
ــ
[رد المحتار]
تَصِحُّ إذَا سَلَّطَ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ مُسَلَّطٌ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَبَعْدَهُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ اهـ، وَضَمِيرُ بَعْدَهُ لِلْقَبُولِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ حُكْمَ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ فِي الْكَفِيلِ مُخْتَلِفٌ، فَفِي الْإِبْرَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَحْتَاجُ وَفِي الْأَصِيلِ مُتَّفِقٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْكُلِّ، وَمَوْتُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَالرَّدُّ كَالْقَبُولِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الرَّدِّ وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ وَالتَّأْجِيلَ يَرْتَدَّانِ بِرَدِّ الْأَصِيلِ.
وَأَمَّا الْكَفِيلُ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ الْإِبْرَاءَ بَلْ التَّأْجِيلُ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْإِسْقَاطُ الْمَحْضُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ لِتَلَاشِي السَّاقِطِ، بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ لِعَوْدِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْكَفِيلُ التَّأْخِيرَ أَوْ الْأَصِيلُ فَالْمَالُ حَالٌّ يُطَالَبَانِ بِهِ لِلْحَالِّ اهـ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
[تَنْبِيهٌ] نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْهِدَايَةِ مِثْلُ مَا هُنَا مِنْ أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ.
ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِلْكَفِيلِ أَخْرَجْتُك عَنْ الْكَفَالَةِ فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَخْرُجُ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا.
ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَثَبَتَ أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ أَيْضًا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ.
وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَعْنَى الْإِقَالَةِ لِعَقْدِ الْكَفَالَةِ، فَحَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهَا الْكَفِيلُ بَطَلَتْ فَتَبْقَى الْكَفَالَةُ، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ إسْقَاطٍ فَيَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ اهـ، عَلَى أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّأْجِيلُ) هَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ كَمَا عَرَفْته، نَعَمْ هُوَ فِي الْفَتْحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.
(قَوْلُهُ: لَا الْكَفِيلِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْكَفِيلِ الْإِبْرَاءَ وَالتَّأْجِيلَ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الدُّرَرِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ فِي التَّأْجِيلِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ كَمَا سَمِعْته مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ إلَخْ) وَنَصُّهَا: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ضَمِنَ آخَرَ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٌ لَازِمَةٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْمَالِ أَجَّلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ هَلْ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِمَا؟ أَجَابَ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ اهـ.
أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِعِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، عَلَى أَنِّي رَاجَعْت الْحَاوِيَ الْقُدْسِيَّ فَرَأَيْت خِلَافَ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ.
وَنَصُّ عِبَارَةِ الْحَاوِي: وَإِنْ أَخَّرَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ كَانَ تَأْخِيرًا عَنْ الْكَفِيلِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ اهـ بِالْحَرْفِ، وَكَأَنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا لَوْ تَكَفَّلَ بِالْحَالِّ مُؤَجَّلًا مَعَ أَنَّ صَرِيحَ السُّؤَالِ خِلَافُهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ) بَلْ الْوَاجِبُ حِفْظُ مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ فَلَا يُحْفَظُ وَلَا يُلْحَظُ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ) لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ نَفْيَ التَّعَلُّقِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ نَفْيَ التَّعَلُّقِ الْحِسِّيِّ، وَإِنِّي لَا أَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقَ الْمُطَالَبَةِ اهـ ح عَلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَمْ يُوجَدْ
(قَوْلُهُ: وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْغُرَرِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ بِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ عَلَى الْأَصِيلِ) وَكَذَا إذَا عَجَّلَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ حَالَ حَيَاتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ
خُيِّرَ الطَّالِبُ دُرَرٌ
(صَالَحَ أَحَدُهُمَا رَبَّ الْمَالِ عَنْ أَلْفٍ) الدَّيْنِ (عَلَى نِصْفِهِ) مَثَلًا (بَرِئَا إلَّا) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ، فَإِذَا شَرَطَ بَرَاءَتَهُمَا أَوْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ أَوْ سَكَتَ بَرِئَا، وَ (إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ) كَانَتْ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ لَا إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ فَيَبْرَأُ هُوَ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ (دُونَ الْأَصِيلِ) فَتَبْقَى عَلَيْهِ الْأَلْفُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الطَّالِبُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْكَفِيلُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَوْ بِأَمْرِهِ، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ رَجَعَ بِالْأَلْفِ كَمَا مَرَّ.
(صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى شَيْءٍ لِيُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ) خَانِيَّةٌ،
ــ
[رد المحتار]
إلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَفَلَ بِالزُّيُوفِ وَأَدَّى الْجِيَادَ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: خُيِّرَ الطَّالِبُ) أَيْ فِي أَخْذِهِ مِنْ أَيِّ التَّرِكَتَيْنِ شَاءَ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ دُرَرٌ
(قَوْلُهُ: مَثَلًا) فَالنِّصْفُ غَيْرُ قَيْدٍ.
(قَوْلُهُ: بَرِئَا) أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَبْرَأُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ الْكَفِيلَ دُرَرٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ إلَخْ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الطَّالِبَ يَأْخُذُ الْبَدَلَ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْكَفِيلِ مَحْسُوبٌ مِنْ أَصْلِ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي عَلَى الْأَصِيلِ بَحْرٌ، وَنُبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي عَقِبَهَا كَمَا يَأْتِي، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ خَاصَّةً مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمِائَةٍ وَرَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْأَصِيلِ بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ وَلَا يَكُونُ إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَانَتْ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ كَمَا عَلِمْت: أَيْ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ بَاقِي الدَّيْنِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الصُّلْحِ تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْكَفَالَةِ لِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْكَفِيلِ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَسْقُطُ بِهَا أَصْلُ الدَّيْنِ، إذْ لَوْ سَقَطَ لَمْ يَبْقَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ شَيْءٌ مَعَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي بِخِلَافِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ عَنْهُمَا جَمْعِيًّا.
(قَوْلُهُ: فَيَبْرَأُ هُوَ) أَيْ الْكَفِيلُ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَهِيَ الَّتِي سَقَطَتْ بِعَقْدِ الصُّلْحِ، وَكَذَا عَنْ الَّتِي دَفَعَهَا بَدَلًا عَنْ الصُّلْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِبْرَاءٌ عَنْ الْبَاقِي، فَحَيْثُ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْ الْكَفِيلِ بَعْضَ حَقِّهِ وَأَبْرَأهُ عَنْ بَاقِيهِ فَقَدْ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ أَصْلًا، وَبَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَلِذَا قَالَ دُونَ الْأَصِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَالْكَفِيلُ بِخَمْسِمِائَةٍ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ الَّتِي أَدَّاهَا لِلطَّالِبِ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ.
(قَوْلُهُ: لَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ يَرْجِعُ بِهَا لَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى جِنْسٍ آخَرَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ عَلَى نِصْفِهِ اهـ ح.
(قَوْلُهُ: رَجَعَ بِالْأَلْفِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ بِجِنْسٍ آخَرَ مُبَادَلَةً فَيَمْلِكُ الدَّيْنَ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ فَتْحٌ، وَكَذَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ الْبَاقِيَ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِمَا مَرَّ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ
(قَوْلَهُ: صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَمَّا اسْتَوْجَبَ بِالْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الصُّلْحِ وَلُزُومُ الْمَالِ وَسُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْخَانِيَّةِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا صَالَحَ الطَّالِبَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَبْرَأُ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ بَرِئَ اهـ.
وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: صَالَحَ عَلَى مَالٍ لِإِسْقَاطِ الْكَفَالَةِ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْمَالِ، وَهَلْ تَسْقُطُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةٍ تَسْقُطُ وَبِهِ يُفْتَى اهـ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَأَمَّلْ.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمَتْنِ.
هِيَ الرَّابِعَةُ هُوَ أَنَّ هَذِهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْكَفَالَةِ وَاَلَّتِي
وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ بَحْرٌ.
(قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ) الَّذِي كَفَلْت بِهِ (رَجَعَ) الْكَفِيلُ بِالْمَالِ (عَلَى الْمَطْلُوبِ إذَا كَانَتْ) الْكَفَالَةُ (بِأَمْرِهِ) لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ، وَمُفَادُهُ بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ لِلطَّالِبِ لِإِقْرَارِهِ كَالْكَفِيلِ (وَفِي) قَوْلِهِ لِلْكَفِيلِ (بَرِئْت) بِلَا إلَيَّ (أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) رُجُوعَ كَقَوْلِهِ أَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَا إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ بَرِئْت فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْأَوَّلِ أَيْ إلَى قِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى نَهْرٌ مَعْزِيًّا لِلْعِنَايَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَهُ فِي الصَّكِّ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَهَذَا) كُلُّهُ (مَعَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ وَمَعَ حَضْرَتِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ)
ــ
[رد المحتار]
قَبْلَهَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَالْمَالُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْكَفَالَةِ وَهُنَاكَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ.
وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ جَعَلَ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ الْمَارَّةِ تَصْوِيرًا لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ عَكَسَ الْمَوْضِعَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ مَفْرُوضٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ فَقَطْ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ فِي الصُّلْحِ عَلَى إبْرَاءِ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، نَعَمْ رُبَّمَا يُشْعِرُ كَلَامُ الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ: بَرِئْت إلَيَّ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ: أَيْ حَالَ كَوْنِك مُؤَدِّيًا إلَيَّ كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ أَيْ فَهُوَ بَرَاءَةُ اسْتِيفَاءٍ لَا بَرَاءَةُ إسْقَاطٍ.
(قَوْلُهُ: لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ) لِأَنَّ مُفَادَ هَذَا التَّرْكِيبِ بَرَاءَةٌ مِنْ الْمَالِ مَبْدَؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ.
(قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْكَلَامُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْمَدْيُونِ لِلطَّالِبِ: أَيْ الدَّائِنِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَبْرَأُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَبْرَأُ مِنْهَا الْكَفِيلُ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ؛ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.
(قَوْلُهُ: لَا رُجُوعَ) أَيْ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، نَعَمْ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَطْلُوبَ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْقَبْضَ لِيَكُونَ إقْرَارًا بِهِ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِبْرَاءِ بِسَبَبِ الْقَبْضِ وَلِلْإِسْقَاطِ فَلَا يَثْبُتُ الْقَبْضُ بِالشَّكِّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ إلَيَّ) الْمُرَادُ بَرِئْت إلَيَّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ) أَيْ احْتِمَالِ أَنَّهُ بَرَاءَةُ قَبْضٍ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ بَرَاءَةُ إسْقَاطٍ.
وَوَجْهُ الْأَقْرَبِيَّةِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ الْمُخَاطَبِ.
وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ قُمْت وَقَعَدْت وَالْبَرَاءَةُ الْكَائِنَةُ مِنْهُ خَاصَّةٌ بِالْإِيفَاءِ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِفِعْلِ الْكَفِيلِ بَلْ بِفِعْلِ الطَّالِبِ فَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ مُضَافَةً إلَى الْكَفِيلِ، وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَبْضُ بِالشَّكِّ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الِاحْتِمَالَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ اهـ، وَهَذَا أَيْضًا تَرْجِيحٌ مِنْهُ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
(قَوْلُهُ: لَوْ كَتَبَهُ فِي الصَّكِّ) بِأَنْ كَتَبَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعُرْفِ) فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يَكْتُبُ الصَّكَّ عَلَيْهِ فَجُعِلَتْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ إلَخْ) عَزَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ كَمَالٍ، فَتَعْبِيرُ الْبَحْرِ عَنْهُ بِقِيلَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَافْهَمْ، وَالْإِشَارَةُ إلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ: حَتَّى فِي بَرِئْت إلَيَّ لِاحْتِمَالِ لِأَنِّي أَبْرَأْتُك مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الِاسْتِعْمَالِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي لَفْظِ الْحِلِّ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِظُهُورِ أَنَّهُ مُسَامَحَةٌ لَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا اهـ.