الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَمْ يَصِحَّ) .
وَلَوْ شَرَطَ الْمُحْتَالُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحِيلِ صَحَّ وَيُطَالِبُ أَيًّا شَاءَ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ خَانِيَّةٌ وَفِيهَا عَنْ الثَّانِي: لَوْ غَابَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ الْمُحَالُ وَادَّعَى جُحُودَهُ الْمَالَ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ بَرْهَنَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ غَائِبٌ، فَلَوْ حَاضِرًا وَجَحَدَ الْحَوَالَةَ وَلَا بَيِّنَةَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَجُعِلَ جُحُودُهُ فَسْخًا.
[فَرْعٌ] الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ كَانَ الثَّانِي أَمْلَأَ صَحَّ سِرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي مُضَارَبَةِ الْجَوْهَرَةِ.
قُلْت: وَمُفَادُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ لَوْ تَسَاوَيَا أَوْ تَقَارَبَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَجْهُ لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَالْعُقُودُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْفَائِدَةِ.
كِتَابُ الْقَضَاءِ
لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ يَقَعُ فِي الدُّيُونِ وَالْبِيَاعَاتِ أَعْقَبَهَا بِمَا يَقْطَعُهَا (هُوَ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ لُغَةً الْحُكْمُ
ــ
[رد المحتار]
فَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَا يَضُرُّهَا التَّبْعِيضُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَلَوْ يَضُرُّهَا جَازَ وَتَكُونُ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ. اهـ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَضَاهُ مِثْلَ قَرْضِهِ ثُمَّ زَادَهُ دِرْهَمًا مَفْرُوزًا أَوْ أَكْثَرَ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْقَرْضِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) لِكَوْنِ الْمُحِيلِ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ لِيَسْتَفِيدَ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ بَحْرٌ عِنْدَ قَوْلِهِ هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ ط وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَوَالَةَ. . . إلَخْ) كَمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ) أَيْ وَحَلَفَ الْجَاحِدُ ط (قَوْلُهُ وَجُعِلَ جُحُودُهُ فَسْخًا) هِيَ مَسْأَلَةُ تَوَى الدَّيْنِ السَّابِقَةُ فِي الْمَتْنِ، وَمَرَّ أَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مَشْرُوطَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّ الْمُحَالِ ط (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ.
قَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَمِنْهُ مَا لَوْ احْتَالَ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إذَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لِكَوْنِهِ إبْرَاءً مُؤَقَّتًا فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ، وَهَذَا إذَا كَانَ دَيْنًا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ وَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدِهِمَا جَازَ التَّأْجِيلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ.
(قَوْلُهُ قُلْت وَمُفَادُهُمَا) أَيْ مُفَادُ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ رَجَّحَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْقَضَاءِ]
ِ تَرْجَمَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَدَبِ الْقَاضِي، وَالْأَدَبُ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ فَذَكَرَ مَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَكُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْأَدْبِ بِسُكُونِ الدَّالِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَالدُّعَاءُ، وَهُوَ أَنْ تَجْمَعَ النَّاسَ، وَتَدْعُوَهُمْ إلَى طَعَامِك، يُقَالُ أَدَبَ يَأْدِبُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ إذَا دَعَا إلَى طَعَامِهِ، سُمِّيَتْ بِهِ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ؛ لِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْخَيْرِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْحُكْمُ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي إيرَادُهُ عَقِبَ الدَّعْوَى وَأَيْضًا كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُ وَجْهِ التَّأْخِيرِ عَمَّا قَبْلَهُ، كَذَا قِيلَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَرَادُوا بَيَانَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ أَيْ الْحُكْمِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عِنْدَهُ، فَلَا جَرَمَ أَنْ ذُكِرَ قَبْلَهَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ وَجْهَ التَّأْخِيرِ عَمَّا قَبْلَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُنَازَعَاتِ فِي الدُّيُونِ وَالْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ مُخْتَصَّةٌ بِهَا فَذُكِرَ بَعْدَهَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لُغَةً الْحُكْمُ) وَأَصْلُهُ قَضَايَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الْأَلِفِ هُمِزَتْ، وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ حَكَمَ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ تَقُولُ: قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ قَتَلَهُ وَقَضَى نَحْبَهُ مَاتَ وَبِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
وَشَرْعًا (فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَقَطْعُ الْمُنَازَعَاتِ) وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا بُسِطَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.
وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ عَلَى مَا نَظَّمَهُ ابْنُ الْغَرْسِ بِقَوْلِهِ:
أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ
…
سِتٌّ يَلُوحُ بِعَدِّهَا التَّحْقِيقُ حُكْمُ
ــ
[رد المحتار]
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: 66]- وَبِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]- وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدْرُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا فَصْلُ الْخُصُومَاتِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُحِيطِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَإِلَّا دَخَلَ فِيهِ نَحْوُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) مِنْهُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٌ إنَّهُ إنْشَاءُ إلْزَامٍ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الْمُتَقَارِبَةِ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ النِّزَاعُ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، فَخَرَجَ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَمَا لَيْسَ بِحَادِثَةٍ، وَمَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْغَرْسِ إنَّهُ الْإِلْزَامُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى صِيغَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِأَمْرٍ ظُنَّ لُزُومُهُ فِي الْوَاقِعِ شَرْعًا قَالَ: فَالْمُرَادُ بِإِلْزَامٍ التَّقْرِيرُ التَّامُّ، وَفِي الظَّاهِرِ، فَصْلٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْإِلْزَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى صِيغَةٍ مُخْتَصَّةٍ أَيْ الشَّرْعِيَّةِ كَأَلْزَمْتُ وَقَضَيْت وَحَكَمْت وَأَنْفَذْتُ عَلَيْك الْقَضَاءَ وَبِأَمْرٍ ظُنَّ لُزُومُهُ إلَخْ فَصْلٌ عَنْ الْجَوْرِ، وَالتَّشَهِّي، وَمَعْنًى فِي الظَّاهِرِ أَيْ الصُّورَةُ الظَّاهِرَةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ مُظْهِرٌ فِي التَّحْقِيقِ لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ، لَا مُثْبِتٌ خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ مُثْبِتٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ بِنُفُوذِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ فِي مِثْلِهِ ثَابِتٌ تَقْدِيرًا وَالْقَضَاءُ يُقَرِّرُهُ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يُثْبِتْ أَمْرًا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ يَعْتَبِرُ الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا أَوْ الْمَوْجُودَ مَعْدُومًا كَوُجُودِ الدُّخُولِ حُكْمًا فِي إلْحَاقِ نَسَبِ وَلَدِ الْمَشْرِقِيَّةِ بِالْمَغْرِبِيِّ فَأَجْرَى الْمُمْكِنَ مَجْرَى الْوَاقِعِ لِئَلَّا يَهْلِكَ الْوَلَدُ بِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ مَعَ وُجُودِ الْعَقْدِ الْمُفْضِي إلَى ثُبُوتِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَتِهِ
(قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ، وَالْحَكَمُ أَحَدُ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا لِنَفْسِهِ فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَيَأْتِي بَيَانُهُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا نَظَمَهُ) أَيْ مِنْ بَحْرِ الْكَامِلِ وَنِصْفُ الْبَيْتِ الثَّانِي الْحَاءُ مِنْ مَحْكُومٍ ط.
(قَوْلُهُ: ابْنُ الْغَرْسِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْيُسْرِ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْغَرْسِ لَهُ شَرْحٌ عَلَى الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمُسَمَّاةُ الْفَوَاكِهُ الْبَدْرِيَّةُ فِي الْبَحْثِ عَنْ أَطْرَافِ الْقَضَايَا الْحُكْمِيَّةِ وَلَهُ الشَّرْحُ الْمَشْهُورُ عَلَى شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ لِلتَّفْتَازَانِيِ.
(قَوْلُهُ: أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ) الْأَطْرَافُ جَمْعُ طَرَفٍ بِالتَّحْرِيكِ وَطَرَفُ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ، وَقَضِيَّةُ أَصْلِهِ قَضَوِيَّةٌ بِيَاءِ النِّسْبَةِ إلَى الْقَضَاءِ حُذِفَتْ مِنْهُ الْوَاوُ بَعْدَ قَلْبِهَا أَلِفًا وَحُكْمِيَّةٌ صِفَةٌ مُخَصَّصَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ وَالْمُرَادُ بِالْقَضِيَّةِ الْحَادِثَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا التَّخَاصُمُ كَدَعْوَى بَيْعٍ مَثَلًا فَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهَا، وَلَا تَكُونُ قَضَوِيَّةً أَيْ مَنْسُوبَةً إلَى الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ أَيْ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُدَّعِي فِيهَا وَعَدَمِهِ إلَّا بِاسْتِجْمَاعِ هَذِهِ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الشَّيْءِ الْمُحِيطَةِ بِهِ أَوْ أَطْرَافِ الْإِنْسَانِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: بِعَدِّهَا) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مَصْدَرُ عَدَّ الشَّيْءَ يَعُدُّهُ أَحْصَى عِدَّةَ أَفْرَادِهِ، وَيَلُوحُ بِمَعْنَى يَظْهَرُ وَالتَّحْقِيقُ فَاعِلُهُ.
(قَوْلُهُ: حُكْمُ) تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ، وَعَلِمْت أَنَّهُ قَوْلِيٌّ وَفِعْلِيٌّ فَالْقَوْلِيُّ مِثْلُ أَلْزَمْت وَقَضَيْت مَثَلًا، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِمُعْتَمَدِهِ أَقِمْهُ وَاطْلُبْ الذَّهَبَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي يَكْفِي، وَكَذَا ظَهَرَ عِنْدِي أَوْ عَلِمْت فَهَذَا كُلُّهُ حُكْمٌ فِي الْمُخْتَارِ زَادَ فِي الْخِزَانَةِ أَوْ أَشْهِدْ عَلَيْهِ، وَحَكَى فِي التَّتِمَّةِ الْخِلَافَ فِي الثُّبُوتِ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَكِنَّ عُرْفَ الْمُشَرِّعِينَ وَالْمُوَثِّقِينَ الْآنَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلِذَا يُقَالُ: وَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ حُكْمٌ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ وَقَعَ الثُّبُوتُ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْحُكْمِ كَقَوْلِ الْمُسَجِّلِ ثَبَتَ عِنْدَهُ جَرَيَانُ الْعَيْنِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ إلَى حِينِ الْبَيْعِ، فَلَيْسَ بِحُكْمٍ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّعْوَى الْحُكْمَ عَلَى الْبَائِعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي لِلْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ حُكْمٌ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِيهَا أَيْضًا.
وَمَحْكُومٌ بِهِ وَلَهُ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ وَحَاكِمٌ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي التَّنْفِيذِ
وَأَمَّا التَّنْفِيذُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا إذْ مِنْ صِيَغِ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ: أَنْفَذْت عَلَيْك الْقَضَاءَ قَالُوا وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ أَمْضَاهُ بِشُرُوطِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّنْفِيذُ الشَّرْعِيُّ وَمَعْنَى رَفْعِ الْيَدِ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فِيهِ خُصُومَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَأَمَّا التَّنْفِيذُ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا غَالِبًا فَمَعْنَاهُ إحَاطَةُ الْقَاضِي الثَّانِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ لَهُ وَيُسَمَّى اتِّصَالًا اهـ مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْحَبْسِ. مَطْلَبُ أَمْرُ الْقَاضِي هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَوْ لَا؟
وَأَمَّا أَمْرُ الْقَاضِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً بِالْحَقِّ كَأَمْرِهِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، وَعَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِصَرْفِ كَذَا مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ إلَى فَقِيرٍ مِنْ قَرَابَةِ الْوَاقِفِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، حَتَّى لَوْ صَرَفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ صَحَّ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ سَلَّمَ الدَّارَ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَأَطْلَقَ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي تَبَعًا لِلْبَزَّازِيِّ أَنَّهُ حُكْمٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. مَطْلَبُ الْحُكْمِ الْفِعْلِيُّ
وَأَمَّا الْحُكْمُ الْفِعْلِيُّ فَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ أَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي حُكْمٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، وَحَقَّقَ ابْنُ الْغَرْسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَمَحْكُومٌ بِهِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضُ كَحَدِّ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ الْمَحْضُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا فِيهِ الْحَقَّانِ وَغَلَبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ ابْنُ الْغَرْسِ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَعَنْ هَذَا فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ لَا يَكْفِي مَا لَمْ يَكُنْ الْمُوجِبُ أَمْرًا وَاحِدًا كَالْحُكْمِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَزَوَالُ الْعِصْمَةِ فَلَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ اسْتَلْزَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ، كَالْحُكْمِ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِهِ، وَعَلَى الْأَصِيلِ الْغَائِبِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ فَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَنْعُ الْجَارِ عَنْ الشُّفْعَةِ فَلِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِهَا وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي لَكِنْ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ وَمَحْكُومٌ لَهُ وَهُوَ الشَّرْعُ كَمَا فِي حُقُوقِهِ الْمَحْضَةِ أَوْ الَّتِي غَلَبَ فِيهَا حَقُّهُ وَلَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا تَمَحَّضَ فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ أَوْ غَلَبَ وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُدَّعِي، وَعَرَّفُوهُ بِمَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالشَّرْطُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ حَضْرَتُهُ أَوْ حَضْرَةُ نَائِبٍ عَنْهُ كَوَكِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ فَالْمَحْكُومُ لَهُ الْمَحْجُورُ كَالْغَائِبِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْعَبْدُ دَائِمًا لَكِنَّهُ إمَّا مُتَعَيِّنٌ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ كَجَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلٍ فَقُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَا، كَمَا فِي الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ، بِخِلَافِ الْعَارِضَةِ بِالْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ جُزْئِيٌّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى الْكَافَّةِ فَتُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى الْمِلْكِ، أَوْ وَقْفٍ آخَرَ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ الشَّرْعِ مَنْ يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَوْ لَا، كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي نَفَاذِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَحَاكِمٌ) هُوَ إمَّا الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكَّمُ أَمَّا الْإِمَامُ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا حُكْمُ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ يَنْفُذُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَإِطْلَاقُهُمْ
وَطَرِيقٌ (وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَيْ أَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ
ــ
[رد المحتار]
يَتَنَاوَلُ أَهْلِيَّةَ الْفَاسِقِ الْجَاهِلِ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَأَمَّا الْمُحَكَّمُ فَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ وَيَقْضِي فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ثُمَّ الْقَاضِي تَتَقَيَّدُ وِلَايَتُهُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْحَوَادِثِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَوَاكِهِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ سَيَأْتِي مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ مَعَ بَيَانِ بَقِيَّةِ صِفَةِ الْحَاكِمِ وَشُرُوطِهِ.
(قَوْلُهُ: وَطَرِيقٌ) طَرِيقُ الْقَاضِي إلَى الْحُكْمِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَالطَّرِيقُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَحْضَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ: وَهِيَ إمَّا الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ النُّكُولُ عَنْهُ أَوْ الْقَسَامَةُ أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَوْ الْقَرَائِنُ الْوَاضِحَةُ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَمْرَ فِي حَيِّزِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ ظَهَرَ إنْسَانٌ مِنْ دَارٍ بِيَدِهِ سِكِّينٌ وَهُوَ مُتَلَوِّثٌ بِالدَّمِ سَرِيعَ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ أَثَرُ الْخَوْفِ فَدَخَلُوا الدَّارَ عَلَى الْفَوْرِ فَوَجَدُوا فِيهَا إنْسَانًا مَذْبُوحًا بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِكَ الْخَارِجِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا يَمْتَرِي أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَاتِلُهُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ ذَبَحَهُ آخَرُ ثُمَّ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ أَوْ أَنَّهُ ذَبَحَ نَفْسَهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ، اهـ مِنْ الْفَوَاكِهِ لِابْنِ الْغَرْسِ ثُمَّ أَطَالَ هُنَا فِي بَيَانِ الدَّعْوَى، وَتَعْرِيفِهَا وَشُرُوطِهَا إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ إلَى الْحُكْمِ أَنْ تَكُونَ بِتَمَامِهَا عِنْدَ الْقَاضِي الْوَاحِدِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى عِنْدَ نَائِبِ الْقَاضِي، وَبَرْهَنَ ثُمَّ وَقَعَتْ الْحَادِثَةُ إلَى الْقَاضِي أَوْ بِالْعَكْسِ صَحَّ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا وَقَعَ أَوَّلًا وَيَقْضِيَ اهـ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ مَتْنًا ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ وَاعْتِبَارِهِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخُصُومَةِ لِلشَّرْعِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّ بَاطِنَ الْأَمْرِ لَيْسَ كَظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ لَا تَخَاصُمَ وَلَا تَنَازُعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَضَاءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِيَالُ لِحُصُولِ الْقَضَاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ عُذِرَ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَعَمْرِي هَذَا شَيْءٌ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَبَلَغَتْ شُهْرَةُ اعْتِبَارِهِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى اهـ مُلَخَّصًا، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ بِتَمَامِهِ وَأَقَرَّهُ فَرَاجِعْهُ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي فَتَاوَاهُ. [تَنْبِيهٌ]
بَقِيَ طَرِيقُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ أَيْ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: اعْتِرَافُهُ حَيْثُ كَانَ مَوْلَى فَلَوْ مَعْزُولًا فَكَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا فِي يَدِهِ.
الثَّانِي: الشَّهَادَةُ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا أَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا، وَقَالَ لَمْ أَقْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَرَجَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ، اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ مَعْزُولٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي أَحْكَامِ الْقَضَاءِ يَلْزَمُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَهْلُ الْأَوَّلِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالثَّانِي مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْخَبَرِيَّةَ يُحْكَمُ فِيهَا بِمَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ فَإِذَا عُلِمَ زَيْدٌ وَجُهِلَ قِيَامُهُ تَقُولُ زَيْدٌ الْقَائِمُ، وَإِذَا عُلِمَ وَجُهِلَ أَنَّهُ زَيْدٌ تَقُولُ الْقَائِمُ زَيْدٌ؛ وَلِذَا قَالُوا لَمَّا كَانَ أَوْصَافُ الشَّهَادَةِ أَشْهَرَ عِنْدَ النَّاسِ عَرَّفَ أَوْصَافَهُ بِأَوْصَافِهَا ثُمَّ الضَّمِيرُ فِي أَهْلِهِ رَاجِعٌ إلَى الْقَضَاءِ بِمَعْنَى مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَوْ بِمَعْنَى مَنْ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شُرُوطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْعَمَى وَالْحَدِّ فِي قَذْفٍ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ، وَلِصِحَّةِ حُكْمِهِ بَعْدَهَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ قُلِّدَ الْكَافِرُ، ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَالَ كُفْرِهِ اهـ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِرِوَايَةِ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ أَخْذًا مِنْ كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّحْكِيمِ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَفِي الْفَتْحِ قُلِّدَ عَبْدٌ فَعَتَقَ جَازَ قَضَاؤُهُ بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّحْكِيمِ.
(وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطُ أَهْلِيَّتِهِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ عَلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ عَلَى الْخَصْمِ فَلِذَا قِيلَ: حُكْمُ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ ابْنُ كَمَالٍ (وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَيَكُونُ أَهْلَهُ
ــ
[رد المحتار]
بِلَا حَاجَةٍ إلَى تَجْدِيدٍ بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ صَبِيٍّ فَأَدْرَكَ، وَلَوْ قُلِّدَ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى قَضَائِهِ فَصَارَ الْكَافِرُ كَالْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ وِلَايَةٌ وَبِهِ مَانِعٌ وَبِالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ يَرْتَفِعُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا وَمَا فِي الْفُصُولِ لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ كَافِرٍ: إذَا أَدْرَكْت فَصَلِّ بِالنَّاسِ أَوْ اقْضِ بَيْنَهُمْ جَازَ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْوِلَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ وَمَا تَقَدَّمَ تَنْجِيزٌ اهـ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ الْمُرَادِ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ لَا مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْكَامِلَةُ وَهِيَ النَّافِذَةُ الْحُكْمِ وَأَمَّا تَوْلِيَةُ الْأَطْرَشِ فَسَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا فِي الْحَوَاشِي مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ عَلَيْهِ إسْقَاطُهُ لِيَكُونَ الْمُرَادُ أَدَاءَهَا عَلَى مَنْ يَقْضِي عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ الْكَافِرُ، لَكِنَّ التَّفْسِيرَ بِالْأَدَاءِ احْتِرَازٌ عَنْ التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا حَالَةَ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لَا أَدَاؤُهَا فَيُنَافِي ذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ تَحَمُّلَهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ. نَعَمْ يَخْرُجُ عَنْهُ الصَّبِيُّ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ أَدَاءَهَا فَقَطْ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرُ الْمُوَلَّى عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ حَالًا وَكَوْنُهُ قَاضِيًا خَاصًّا لَا يَضُرُّ كَمَا لَا يَضُرُّ تَخْصِيصُ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْوَاجِبُ إسْقَاطُ ذَلِكَ الْقَيْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعْرِيفَ الْقَاضِي الْكَامِلِ.
(قَوْلُهُ: لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ) أَيْ حَالَ كُفْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَافِرَ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا يَحْكُمُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الدُّرْزِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ [تَنْبِيهٌ]
ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ حُكْمُ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ فِي بِلَادِ الدُّرُوزِ فِي الْقُطْرِ الشَّامِيِّ، وَيَكُونُ دُرْزِيًّا وَيَكُونُ نَصْرَانِيًّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الدُّرْزِيَّ لَا مِلَّةَ لَهُ كَالْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ وَإِنْ سَمَّى نَفْسَهُ مُسْلِمًا وَقَدْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ حُكْمُ الدُّرْزِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَبِالْعَكْسِ تَأَمَّلْ، وَهَذَا كُلُّهُ يُعَدُّ كَوْنُهُ مَنْصُوبًا مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورِهِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْوَاقِعُ أَنَّهُ يُنَصِّبُهُ أَمِيرُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ أَمِيرَ صَيْدَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ فِي تِلْكَ الثُّغُورِ وَالْبِلَادِ بِخِلَافِ دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ أَمِيرَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لَهَا قَاضِيًا فِي كُلِّ سَنَةٍ يَأْتِي مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَاَلَّذِي لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ الَّذِي نَصَّبَهُ الْخَلِيفَةُ، وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ وَكَذَا الَّذِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ نَاحِيَةً، وَجَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ وَيَعْزِلَ كَذَا قَالُوا: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُصَرِّحَ لَهُ بِالْمَنْعِ أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بِعُرْفِهِمْ فَإِنَّ نَائِبَ الشَّامِ وَحَلَبَ فِي دِيَارِنَا يُطْلَقُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي الرَّعِيَّةِ وَالْخَرَاجِ وَلَا يُوَلُّونَ الْقَضَاءَ وَلَا يَعْزِلُونَ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ اهـ ح، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ تَبَعًا لِلْغُرَرِ تَوْضِيحًا وَشَرْحًا لِلْأُولَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَغَيْرُ مُفِيدٍ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَلِذَا قِيلَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا) سَيَأْتِي بَيَانُ الْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَأَفْصَحَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقَضَاءِ
لَكِنَّهُ لَا يُقَلَّدُ) وُجُوبًا وَيَأْثَمُ مُقَلِّدُهُ كَقَابِلِ شَهَادَتِهِ، بِهِ يُفْتَى، وَقَيَّدَهُ فِي الْقَاعِدِيَّةِ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ فَلْيُحْفَظْ دُرَرٌ. وَاسْتَثْنَى الثَّانِيَ الْفَاسِقَ ذَا الْجَاهِ وَالْمُرُوءَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَأْثَمُ أَيْضًا بِتَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ حَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى.
قُلْت: سَيَجِيءُ تَضْعِيفُهُ فَرَاجِعِهِ وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ لَمَّا وَقَعَ التَّسَاوِي فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فِي وُجُودِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّيَانَةِ وَالْعَدَالَةِ.
(وَالْعَدُوُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً)
ــ
[رد المحتار]
فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ لِفِسْقِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ،
أَقُولُ: لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقَضَاءِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَلِذَا كَانَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ نَهْرٌ وَفِي الْفَتْحِ وَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا وَحِينَئِذٍ فَيَحْكُمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يُقَلِّدُ وُجُوبًا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ذَكَرَ الْأَوْلَوِيَّةَ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ قَبِلَ جَازَ وَفِي الْفَتْحِ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا يَحِلَّ أَنْ يُقْضَى بِهَا فَإِنْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ اهـ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ، وَقَوْلُهُمْ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّاهِدِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ يَقْتَضِي الْإِثْمَ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ حَالِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ الْفَاسِقُ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّ مَنْ قَلَّدَ فَاسِقًا يَأْثَمُ وَإِذَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ يَأْثَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) رَاجِعٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ فَقَدْ عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِتَصْحِيحِهِ وَبِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا كَوْنُ عَدَمِ تَقْلِيدِهِ وَاجِبًا فَفِيهِ كَلَامٌ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ) أَيْ قَيَّدَ قَبُولَ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَابِلٍ اهـ ح وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ حَتَّى لَوْ قِبَلهَا الْقَاضِي، وَحَكَمَ بِهَا كَانَ آثِمًا لَكِنَّهُ يَنْفُذُ وَفِي الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةِ هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ أَيْضًا لِحُصُولِ التَّبَيُّنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي النَّصِّ تَأَمَّلْ قَالَ ط: فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي صِدْقُهُ بِأَنْ غَلَبَ كَذِبُهُ عِنْدَهُ أَوْ تَسَاوَيَا فَلَا يَقْبَلُهَا أَيْ لَا يَصِحُّ قَبُولُهَا أَصْلًا، هَذَا مَا يُعْطِيهِ الْمَقَامُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الثَّانِيَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الْفَاسِقِ الَّذِي يَأْثَمُ الْقَاضِي بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي صِدْقُهُ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ كَلَامِ الْقَاعِدِيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ آنِفًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: سَيَجِيءُ تَضْعِيفُهُ) أَيْ فِي الشَّهَادَاتِ حَيْثُ قَالَ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْمُجْتَبَى مِنْ قَبُولِ ذِي الْمُرُوءَةِ الصَّادِقِ فَقَوْلُ الثَّانِي، وَضَعَّفَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ اهـ.
قُلْت: قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ، وَقَبِلَهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]- لَكِنْ فِيهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْعَدْلِ. إنَّمَا هِيَ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا وَلَا سِيَّمَا هُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ عِنْدَ التَّبَيُّنِ عَنْ حَالِهِ كَمَا قُلْنَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ) أَيْ الْمَسَائِلُ الَّتِي عَرَضَهَا عَلَى سُلْطَانِ زَمَانِهِ، فَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهَا.
(قَوْلُهُ: فِي وُجُودِ الْعَدَالَةِ) هَذَا كَانَ فِي زَمَنِهِ وَقَدْ وُجِدَ التَّسَاوِي فِي عَدَمِهَا الْآنَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ يُقَدِّمُ ط
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً) سَيُذْكَرُ تَفْسِيرُهَا عَنْ شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَاحْتَرَزَ بِالدُّنْيَوِيَّةِ عَنْ الدِّينِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ عَادَى غَيْرَهُ لِارْتِكَابِهِ بِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَا يُتَّهَمُ، بِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِزُورٍ بِخِلَافِ الْمُعَادَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَعَنْ هَذَا قُبِلَتْ
وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَنْفُذُ، ذَكَرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَّا (فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَهْلَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى مُفْتِي مِصْرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَمِينُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْعَالِ قَالَ وَكَذَا سِجِلُّ الْعَدُوِّ لَا يُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا عِنْدَنَا وَيَنْبَغِي النَّفَاذُ لَوْ الْقَاضِي عَدْلًا وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ بَحْثًا إنْ بِعِلْمِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ جَازَ اهـ.
قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ فِي مَنْظُومَتِهِ فَقَالَ:
وَلَوْ عَلَى عَدُوِّهِ قَاضٍ حَكَمْ
…
إنْ كَانَ عَدْلًا صَحَّ ذَاكَ وَانْبَرَمْ
وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَا وَفَصَّلَا
…
وَإِنْ كَانَ بِالْعِلْمِ قَضَى لَنْ يُقْبَلَا
وَإِنْ يَكُنْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمَلَا
…
وَبِشَهَادَةِ الْعُدُولِ قُبِلَا
قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ وَالْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ عِنْدَ مَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ مِنْ الْجَائِرِ عَنْ النَّاصِحِيِّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ مَنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَمَنْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ
ــ
[رد المحتار]
شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ عَدُوَّهُ مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ وَكَذَا شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَنْفُذُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مِثْلُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهَا، وَإِنْ أَثِمَ الْقَاضِي فَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ كَمَا لَوْ قَبِلَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ. مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَضَى بِهَا الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى عَلَى عَدُوِّهِ لَا يَصِحُّ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ مُكَرَّرٌ مَعَ هَذَا فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ]
إذَا لَمْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ فَالْمُخَلِّصُ إنَابَةُ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِنَابَةِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَسْتَنِيبُ إذَا وَقَعَتْ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ حَادِثَةٌ.
(قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَنَصُّهُ وَرَأَيْت بِمَوْضِعِ ثِقَةٍ مَعْزُوًّا إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى، وَأَظُنُّ أَنَّهَا الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ أَنَّ سِجِلَّ الْعَدُوِّ لَا يُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ اهـ فَافْهَمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّجِلِّ كَمَا قَالَ ط كِتَابُ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ فِي حَادِثَةٍ عَلَى عَدُوٍّ لِلْقَاضِي، وَهُوَ مَا يَأْتِي عَنْ النَّاصِحِيِّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا) أَيْ نَقْلَ مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى عَدُوِّهِ وَهَذَا الْكَلَامُ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي النَّفَاذُ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَهَذَا الْبَحْثُ لِشَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ خَالَفَ فِيهِ بَحْثَ ابْنِ وَهْبَانَ الْآتِي وَذَكَرَهُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: قُلْت: بَلْ يَنْبَغِي النَّفَاذُ مُطْلَقًا لَوْ الْقَاضِي عَدْلًا.
(قَوْلُهُ: إنْ بِعِلْمِهِ لَمْ يَجُزْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَابْنِ وَهْبَانَ فَإِنَّ مُؤَدَّى كَلَامَيْهَا نُفُوذُ حُكْمِهِ لَوْ عَدْلًا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ.
(قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ النَّظْمِ اعْتِمَادُ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَحْثُ ابْنِ الشِّحْنَةِ فَيَتَعَيَّنُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) هُوَ ابْنُ وَهْبَانَ.
(قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) أَصْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ الشَّيْخَانِ أَيْ ابْنُ وَهْبَانَ وَشَارِحُهُ عَبْدُ الْبَرِّ عَمَّا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ أَنَّ أَهْلَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ فَمَنْ صَلُحَ لَهَا صَلُحَ لَهُ وَمَنْ لَا فَلَا وَالْعَدُوُّ لَا يَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ اهـ ط.
لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كِتَابِهِ اهـ، وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُعْتَمَدْ، وَبِهِ أَفْتَى مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَهُوَ بَطَلَ قَضَاؤُهُ فَلْيُحْفَظْ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ ثُمَّ إنَّمَا تَثْبُتُ الْعَدَاوَةُ بِنَحْوِ قَذْفٍ وَجَرْحٍ وَقَتْلِ وَلِيٍّ لَا بِمُخَاصَمَةٍ، نَعَمْ هِيَ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُخَاصَمَةُ كَشَهَادَةِ وَكِيلٍ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَلَمْ أَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي نُسْخَتِي فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَتَأْيِيدُ كَلَامِ الْمَتْنِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّعَ عَدَمَ صِحَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْكُلِّيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ: وَأَهْلُهُ أَهْلُهَا فَإِنَّ مَفْهُومَهَا عَكْسُهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا، لَا يَكُونُ أَهْلًا لَهُ، فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ وَالْعَدُوُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ، فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِالْمَفْهُومِ، وَفِيهِ احْتِمَالُ نَقْلِ الشَّارِحِ أَنَّ مَفْهُومَ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ النَّاصِحِيِّ، فَسَقَطَ الِاحْتِمَالُ وَانْدَفَعَ بَحْثُ الشَّيْخَيْنِ وَتَأَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ؛ وَلِذَا قَالَ وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ بَقِيَ هَا هُنَا تَحْقِيقُ تَوْفِيقٍ وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِهَا، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْوَاقِعَاتِ، مِنْ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ تُخَالِفُهَا وَأَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً فَهَذَا يُوجِبُ فِسْقَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ:
أَحَدُهُمَا عَدَمُ قَبُولِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَةُ لَا الْفِسْقُ، وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ أَيْضًا.
ثَانِيهِمَا أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا فَسَقَ بِهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَابْنُ الشِّحْنَةِ، وَإِذَا قُبِلَتْ فَبِالضَّرُورَةِ يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَ عَدْلًا فَلِذَا اخْتَارَ الشَّيْخَانِ صِحَّتَهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ الْعَدْلِ يَقُولُ بِصِحَّةِ قَضَائِهِ وَمَنْ لَا فَلَا وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاصِحِيُّ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ وَدَعْ التَّلْفِيقَ.
(قَوْلُهُ: لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كِتَابِهِ) هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ بِالسِّجِلِّ ط.
(قَوْلُهُ: فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَتْنِهِ وَمِنْ إطْلَاقِ عَدَمِ الْقَبُولِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ) هَذَا غَيْرُ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ مِنْ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَدُوِّ، لَا الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ لِظُهُورِ أَسْبَابِ الْحُكْمِ وَخَفَاءِ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ اهـ، وَهُوَ وَجِيهٌ وَلِذَا قَيَّدَ ابْنُ وَهْبَانَ صِحَّةَ الْقَضَاءِ بِمَا إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ كَمَا مَرَّ لِتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِ الْحُكْمِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْحُكْمُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَقَلْت، وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ مَفْعُولُ نَقَلْت أَوْ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ وَبِهِ أَفْتَى، وَجُمْلَةُ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت مُعْتَرِضَةٌ أَوْ هِيَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَجُمْلَةُ أَنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَاقْتَصَرَ ط عَلَى الْأَخِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ إلَخْ) أَصْلُهُ لِنَاظِمِهَا وَنَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ عَنْهُ وَنَصُّهُ قَالَ، أَيْ ابْنُ وَهْبَانَ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ مِنْ الشُّهُودِ أَنَّ مَنْ خَاصَمَ شَخْصًا فِي حَقٍّ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ يَصِيرُ عَدُوَّهُ، فَيَشْهَدُونَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِنَحْوِ إلَخْ اهـ.
قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ مُخْتَارَ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا فَسَقَ بِهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُفَسِّقَةً وَقَدْ لَا تَكُونُ فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَثْبُتُ إلَخْ يُرِيدُ بِهِ الْعَدَاوَةَ الْمَانِعَةَ وَهِيَ الْمُفَسِّقَةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَمْنَعُ الْقَبُولَ
وَوَصِيٍّ وَشَرِيكٍ.
(وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ مُفْتِيًا) لِأَنَّ الْفَتْوَى مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ ابْنُ مَلَكٍ زَادَ الْعَيْنِيُّ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي مَتْنِهِ وَلَهُ فِي شَرْحِهِ عِبَارَاتٌ بَلِيغَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ اتِّفَاقًا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقِيلَ نَعَمْ يَصْلُحُ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ حَذَارِ نِسْبَةِ الْخَطَأِ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِ وَعَقْلِهِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ لَا حُرِّيَّتَهُ وَذُكُورَتَهُ وَنُطْقَهُ فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ لَا قَضَاؤُهُ (وَيُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ لَا مِنْ الْقَاضِي) لِلُزُومِ صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَحَكَمْتُ وَأَلْزَمْت بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَأَمَّا الْأَطْرَشُ وَهُوَ مَنْ يَسْمَعُ
ــ
[رد المحتار]
عَلَى الْعَدُوِّ وَعَلَى غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَوَصِيٍّ) أَيْ فِيمَا أَوْصَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَشَرِيكٍ أَيْ فِيمَا هُوَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ط.
(قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ مُفْتِيًا) أَيْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَجْمَعِ لَا يُسْتَفْتَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ لَهُ، وَعَلَى امْتِنَاعِهِ إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا أَيْ عَدَمَ الِاجْتِهَادِ أَوْ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي شَرْحِهِ، وَلَكِنْ اشْتِرَاطُ الِاجْتِهَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُجْتَهِدَ أَيْ الَّذِي يُفْتِي بِمَذْهَبِهِ، وَأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمُفْتٍ بَلْ هُوَ نَاقِلٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَفْقُودٌ الْيَوْمَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَى الْمُفْتِي الْفَاسِقِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ فِي شَرْحِهِ عِبَارَاتٌ بَلِيغَةٌ) حَيْثُ قَالَ إنَّ أَوْلَى مَا يَسْتَنْزِلُ بِهِ فَيْضَ الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي تَحْقِيقِ الْوَاقِعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ طَاعَةُ اللَّهِ عز وجل وَالتَّمَسُّكُ بِحَبْلِ التَّقْوَى قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَى رَأْيِهِ وَذِهْنِهِ فِي اسْتِخْرَاجِ دَقَائِقِ الْفِقْهِ وَكُنُوزِهِ وَهُوَ فِي الْمَعَاصِي حَقِيقٌ بِإِنْزَالِ الْخِذْلَانِ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَى مَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] اهـ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ) بَلْ هُوَ صَرِيحُهُ كَمَا سَمِعْت.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ) حَيْثُ قَالَ وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا وَقِيلَ لَا فَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ وَنَسَبَ الثَّانِيَ إلَى قَائِلِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: لَا يَجْتَهِدُ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْرِضُ عَنْ النَّصِّ الضَّرُورِيِّ قَصْدًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ وَرُبَّمَا عُورِضَ بِالنَّصِّ فَيَدَّعِي فَسَادَ النَّصِّ ط.
(قَوْلُهُ: حَذَارِ نِسْبَةِ الْخَطَأِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ حَذَرٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ وَحَذَارِ حَذَارِ وَقَدْ يُنَوَّنُ الثَّانِي أَيْ احْذَرْ ط.
(قَوْلُهُ: وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ) احْتِرَازًا عَمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ وَالسَّهْوُ،
قُلْت: وَهَذَا شَرْطٌ لَازِمٌ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْيَوْمَ أَنَّ مَنْ صَارَ بِيَدِهِ فَتْوَى الْمُفْتِي اسْتَطَالَ عَلَى خَصْمِهِ وَقَهَرَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَفْتَانِي الْمُفْتِي، بِأَنَّ الْحَقَّ مَعِي وَالْخَصْمُ جَاهِلٌ لَا يَدْرِي مَا فِي الْفَتْوَى، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مُتَيَقِّظًا يَعْلَمُ حِيَلَ النَّاسِ وَدَسَائِسَهُمْ، فَإِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ يُقَرِّرُهُ مِنْ لِسَانِهِ وَلَا يَقُولُ لَهُ إنْ كَانَ كَذَا فَالْحَقُّ مَعَك، وَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْحَقُّ مَعَ خَصْمِك؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ مَا يَنْفَعُهُ، وَلَا يَعْجِزُ عَلَى إثْبَاتِهِ بِشَاهِدَيْ زُورٍ، بَلْ الْأَحْسَنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ مَعَ أَحَدِهِمَا كَتَبَ الْفَتْوَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي الْخُصُومَاتِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَرْضَى إلَّا بِإِثْبَاتِ دَعْوَاهُ لِمُوَكِّلِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ وَلَهُمْ مَهَارَةٌ فِي الْحِيَلِ وَالتَّزْوِيرِ، وَقَلْبِ الْكَلَامِ وَتَصْوِيرِ الْبَاطِلِ بِصُورَةِ الْحَقِّ فَإِذَا أَخَذَ الْفَتْوَى قَهَرَ خَصْمَهُ وَوَصَلَ إلَى غَرَضِهِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ضَلَالِهِ وَقَدْ قَالُوا مَنْ جَهِلَ بِأَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَقَدْ يُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، وَتَدُلُّ الْقَرَائِنُ لِلْمُفْتِي الْمُتَيَقِّظِ أَنَّ مُرَادَهُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى غَرَضٍ فَاسِدٍ كَمَا شَهِدْنَاهُ كَثِيرًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَفْلَةَ الْمُفْتِي يَلْزَمُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَعَانُ.
(قَوْلُهُ: لَا حُرِّيَّتَهُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ كَالرَّاوِي لَا كَالشَّاهِدِ وَالْقَاضِي وَلِذَا تَصِحُّ فَتْوَاهُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ) أَيْ