الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: شَرَى ثَمَرَةَ كَرْمٍ وَلَا يُمْكِنُ قِطَافُهَا لِغَلَبَةِ الزَّنَابِيرِ، إنْ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ قَبْلَهُ، فَإِنْ اُنْتُقِصَ الْمَبِيعُ بِتَنَاوُلِ الزَّنَابِيرِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ:.
بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ
الْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ الْمَمْنُوعُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فَيَعُمُّ الْبَاطِلَ وَالْمَكْرُوهَ، وَقَدْ يُذْكَرُ فِيهِ بَعْضُ الصَّحِيحِ تَبَعًا،
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ الْعُيُوبِ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ بِحِصَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ الْعُيُوبِ فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ بِذَلِكَ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَرُدَّهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ط (قَوْلُهُ وَإِنْ قَبِلَهُ) أَيْ وَإِنْ حَصَلَتْ الْغَلَبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ ط (قَوْلُهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ) أَيْ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ يَطْرَحُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْبَاقِي بَيْنَ أَخْذِهِ بِحِصَّتِهِ أَوْ تَرْكِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]
ِ أَخَّرَهُ عَنْ الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا مُخَالِفًا لِلدَّيْنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ يَجِبُ رَفْعُهَا، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَهُوَ رِبًا، يَعْنِي إذَا كَانَ فَسَادُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. وَفِي الْقَامُوسِ: فَسَدَ كَنَصَرَ وَقَعَدَ وَكَرُمَ فَسَادًا وَفُسُودًا ضِدُّ صَلَحَ فَهُوَ فَاسِدٌ فَسَيِّدٌ وَلَمْ يُسْمَعْ انْفَسَدَ اهـ. وَنُقِلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِدُودٍ وَنَحْوِهِ بَطَلَ، وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ، وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ، وَمُرَادُهُمْ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ أَصْلِهِ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا جَوَازُهُ وَصِحَّتُهُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، أَوْ أَطْلَقُوا الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ الْوَصْفِ لَكَانَ مَشْرُوعًا. وَأَمَّا الْبَاطِلُ، فَفِي الْمِصْبَاحِ بَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بُطْلًا وَبُطُولًا وَبُطْلَانًا بِضَمِّ الْأَوَائِلِ فَسَدَ أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْجَمْعُ بَوَاطِلٌ أَوْ أَبَاطِيلُ اهـ. وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا لَا بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ، فَهُوَ لُغَةً خِلَافُ الْمَحْبُوبِ وَاصْطِلَاحًا مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمُجَاوِرٍ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ. وَعَرَّفَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ لَكِنْ نُهِيَ عَنْهُ لِمُجَاوِرٍ، وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْفَاسِدِ أَيْضًا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ وَهُوَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ الْمَمْنُوعُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَاسِدَ مُبَايِنٌ لِلْبَاطِلِ؛؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ فَقَطْ يُبَايِنُ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَصْلًا. وَأَيْضًا حُكْمُ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُهُ أَصْلًا، وَتَبَايُنُ الْحُكْمَيْنِ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا، فَإِطْلَاقُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِمْ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْبَاطِلَ لَا يَصِحُّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ أَوْ يُجْعَلُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
مَطْلَبٌ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَقَدْ مَرَّ بِأَقْسَامِهِ. وَغَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ، وَمَوْقُوفٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَرَادَ بِالْجَائِزِ النَّافِذَ، وَبِمُقَابِلِهِ غَيْرَهُ لَا الْحَرَامَ، إذْ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَخَرَجَ الْمَوْقُوفُ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ بَيْعَ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ،
وَكُلُّ مَا أَوْرَثَ خَلَلًا فِي رُكْنِ الْبَيْعِ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَا أَوْرَثَهُ فِي غَيْرِهِ فَمُفْسِدٌ
(بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ) وَالْمَالُ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ دُرَرٌ،
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ لِبَيْعِ الْمَوْقُوفِ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُسْتَصْفَى جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ، حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ نَوْعَانِ: صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ. وَالصَّحِيحُ نَوْعَانِ لَازِمٌ وَغَيْرُ لَازِمٍ نَهْرٌ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ ثَلَاثَةٌ: بَاطِلٌ، وَفَاسِدٌ، وَمَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَقَدْ مَرَّتْ. وَمَا لَا نَهْيَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: نَافِذٌ لَازِمٌ، وَنَافِذٌ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمَوْقُوفٌ فَالْأَوَّلُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا خِيَارَ فِيهِ. وَالثَّانِي مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَفِيهِ خِيَارٌ. وَالْمَوْقُوفُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَحَصَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ. قُلْت: بَلْ أَوْصَلَهُ فِي النَّهْرِ إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيحُ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَالْمَوْقُوفُ كَذَلِكَ فَهُوَ قِسْمٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَقُّ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَتَوَقُّفِ مَا فِيهِ خِيَارٌ عَلَى إسْقَاطِهِ اهـ.
قُلْت: يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ، وَحَرَّرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْهَزْلِ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ، وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فِي رُكْنِ الْبَيْعِ) هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، بِأَنْ كَانَ مِنْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ فِي مَحَلِّهِ أَعْنِي لِمَبِيعٍ، فَإِنَّ الْخَلَلَ فِيهِ مُبْطِلٌ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا أَوْ حُرًّا أَوْ خَمْرًا كَمَا فِي ط عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَا أَوْرَثَهُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الرُّكْنِ وَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَكُونَ خَمْرًا مَثَلًا أَوْ بِأَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ أَوْ فِيهِ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا لِسَلَامَةِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ عَنْ الْخَلَلِ كَمَا فِي ط عَنْ الْبَدَائِعِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْوَصْفَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ وَالْمَحَلِّ.
[تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ: ثُمَّ الضَّابِطُ فِي تَمْيِيزِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَاطِلِ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا فِي دِينٍ سَمَاوِيٍّ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، فَبَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ، وَكَذَا الْبَيْعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَدْيَانِ مَالًا دُونَ الْبَعْضِ إنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ ثَمَنًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَبَيْعُ الْعَبْدِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخَمْرِ بِالْعَبْدِ فَاسِدٌ، وَإِنْ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ مَبِيعًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَبَيْعُ الْخَمْرِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّرَاهِمِ بِالْخَمْرِ بَاطِلٌ اهـ. قُلْت: وَهَذَا الضَّابِطُ يَرْجِعُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ فَقَطْ، وَمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ الرُّكْنُ وَالْمَحَلُّ فَهُوَ أَعَمُّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالْبَيْعُ بِهِ فَإِنَّ مَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا مَا لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْخَمْرِ فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ إذَا تَعَيَّنَ كَوْنُهُ مَبِيعًا، أَمَّا لَوْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ ثَمَنًا فَبَيْعُهُ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْته مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ آنِفًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ وَلِذَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْأَعْيَانِ.
مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَالْمَالُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ فَهِيَ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً، وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ: وَبَطَلَ بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ فَإِنَّ الْمُتَقَوِّمَ هُوَ الْمَالُ الْمُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا،
فَخَرَجَ التُّرَابُ وَنَحْوُهُ (كَالدَّمِ) الْمَسْفُوحِ فَجَازَ بَيْعُ كَبِدٍ وَطِحَالٍ (وَالْمَيْتَةِ) سِوَى سَمَكٍ وَجَرَادٍ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا أَوْ بِخَنْقٍ وَنَحْوِهِ
ــ
[رد المحتار]
وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ تَعْرِيفَ الْمَالِ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَأَنَّهُ خَرَجَ بِالِادِّخَارِ، الْمَنْفَعَةُ فَهِيَ مِلْكٌ لَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ، فَالْأَوْلَى مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَالُ مَوْجُودٌ يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ إلَخْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْمَوْجُودِ الْمَنْفَعَةُ فَافْهَمْ. وَلَا يَرِدَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُمَلَّكُ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ لَا بَيْعٌ حَقِيقَةً، وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الْإِجَارَةَ لَا بَيْعَ الْمَنَافِعِ حُكْمًا: أَيْ إنَّ فِيهَا حُكْمَ الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ لَا حَقِيقَتُهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ
(قَوْلُهُ فَخَرَجَ التُّرَابُ) أَيْ الْقَلِيلُ مَا دَامَ فِي مَحَلِّهِ وَإِلَّا فَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ بِالنَّقْلِ مَا يَصِيرُ بِهِ مَالًا مُعْتَبَرًا وَمِثْلُهُ الْمَالُ، وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوُ حَبَّةٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَالْعَذِرَةُ الْخَالِصَةُ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوطَةِ بِتُرَابٍ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُهَا كَسِرْقِينٍ كَمَا يَأْتِي، وَخَرَجَ أَيْضًا الْمَنْفَعَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا (قَوْلُهُ وَالْمَيْتَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَا بِسَبَبٍ، وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ: الَّتِي لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا بَلْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الذَّكَاةِ كَالْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْفَرْقَ فِي الْقَامُوسِ وَلَا فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا غَيْرِهِمَا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ إلَخْ) أَمَّا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فَيُرَادُ بِهَا الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ؛ فَفِي التَّجْنِيسِ جَعَلَهُ قِسْمًا مِنْ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَهُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَجَعَلَهُ فِي الْإِيضَاحِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَجَزَمَ فِي الذَّخِيرَةِ بِفَسَادِهِ، وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ نَهْرٌ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا لَمْ يَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهِ بَلْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الذَّكَاةِ رِوَايَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَافِرِ فِي رِوَايَةِ الْجَوَازِ، وَفِي رِوَايَةِ الْفَسَادِ، وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فَلَا، وَأَمَّا فِي حَقِّنَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ اهـ.
وَذَكَرَ ط أَنَّ عَدَمَ الْفَرْقِ فِي حَقِّنَا فِي الْمُنْخَنِقَةِ مَثَلًا إذَا قُوبِلَتْ بِدَرَاهِمَ حَتَّى تَعَيَّنَ كَوْنُهَا مَبِيعًا، أَمَّا إذَا قُوبِلَتْ بِعَيْنٍ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا ثَمَنًا فَكَانَ فَاسِدًا بِالنَّظَرِ إلَى الْعِوَضِ الْآخَرِ، بَاطِلًا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ الضَّابِطُ السَّابِقُ اهـ (قَوْلُهُ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) الْحَتْفُ الْهَلَاكُ يُقَالُ: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ إذَا مَاتَ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا قَتْلٍ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمُوتَ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَتَنَفَّسَ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَقُهُ، وَلِهَذَا خَصَّ الْأَنْفَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِخَنِقٍ) مِثْلُ كَتِفٍ وَيُسَكَّنُ تَخْفِيفًا مِصْبَاحٌ.
[تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَ دُودَةِ الْقِرْمِزِ: أَمَّا إذَا كَانَتْ حَيَّةً فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ الْآتِي فِي دُودِ الْقَزِّ وَبِزْرِهِ وَبَيْضِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَيْتَةً وَهُوَ الْغَالِبُ فَإِنَّهَا عَلَى مَا بَلَغَنَا تُخْنَقُ فِي الْكِلْسِ أَوْ الْخَلِّ فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ بُطْلَانُ بَيْعِهَا بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَنَّ بَيْعَهَا بَاطِلٌ، وَأَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ مُتْلِفُهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَالٍ قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ الْيَوْمَ، وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْمَالِ الْمُتَقَدِّمُ وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا النَّاسُ كَثِيرًا فِي الصِّبَاغِ وَغَيْرِهِ، فَيَنْبَغِي جَوَازُ بَيْعِهَا كَبَيْعِ السِّرْقِينِ وَالْعَذِرَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالتُّرَابِ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّ هَذِهِ الدُّودَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ تَكُونُ مَيْتَتُهَا طَاهِرَةً كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَدُورُ مَعَ حِلِّ الِانْتِفَاعِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَقِ لِلْحَاجَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ، وَبَيْعُهَا بَاطِلٌ.
وَكَذَا بَيْعُ الْحَيَّاتِ لِلتَّدَاوِي: وَفِي الْقُنْيَةِ: وَبَيْعُ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ لَوْ لَهُ ثَمَنٌ كَالسَّقَنْقُورِ وَجُلُودِ الْخَزِّ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا وَجَمَلِ الْمَاءِ قِيلَ يَجُوزُ حَيًّا لَا مَيِّتًا وَالْحَسَنُ