الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ زَيْلَعِيٌّ وَنِكَاحٍ الْفَتْحُ.
(قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ) أَيْ مَذْهَبِهِ مَجْمَعٌ
ــ
[رد المحتار]
لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا لِعَدَمِ شَرْطِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ الصَّادِقَةُ فِي زَعْمِ الْقَاضِي تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمَتْنِ: بِشَهَادَةٍ قَالُوا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ فَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ، وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَتْ لَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ، وَلَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْئًا وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا كَانَ ثَلَاثًا لِبُطْلَانِ الْمُحِيلَةِ لِلْإِنْشَاءِ قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْإِنْشَاءَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذْ قَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ وَهُنَا لَمْ يَقْضِ بِهِ لِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَتْ الْفُرْقَةَ زَيْلَعِيٌّ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إجْمَاعًا بَحْرٌ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ النَّفَاذِ هُنَا فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ [تَنْبِيهٌ]
أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُحِلُّ مَا كَانَ حَرَامًا فِي مُعْتَقَدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَخَاصَمَهَا إلَى قَاضٍ يَرَاهَا رَجْعِيَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَضَى بِكَوْنِهَا رَجْعِيَّةً وَالزَّوْجُ يَرَى أَنَّهَا بَائِنَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَيَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحِلُّ وَإِنْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَنْقُضُهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ رَأْيِهِ، وَهَذَا إذَا قَضَى لَهُ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ الثَّلَاثِ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهُ، يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي إجْمَاعًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَهُ رَأْيٌ وَاجْتِهَادٌ فَلَوْ عَامِّيًّا اتَّبَعَ رَأْيَ الْقَاضِي سَوَاءٌ قَضَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ هَذَا إذَا قَضَى أَمَّا إذَا أَفْتَى لَهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ اهـ بَحْرٌ.
قُلْت: وَقَوْلُهُ: فَلَوْ عَامِّيًّا الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ فَيَشْمَلُ الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ تَأَمَّلْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَضَاءِ بِالِاجْتِهَادِ الْكَائِنِ لِلْقَاضِي يُرَجِّحُهُ عَلَى اجْتِهَادِ الزَّوْجِ، وَالْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ وَكَوْنُهُ لَا يَرَاهُ حَلَالًا إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ الْقُرْبَانِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَمَّا بَعْدَهُ وَبَعْدَ نَفَاذِهِ بَاطِنًا فَلَا اهـ.
[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ]
(قَوْلُهُ: قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ) أَيْ فِي أَمْرٍ يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِدَلِيلٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ رَأْيِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَضَى، وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَيْ لِمَذْهَبِهِ مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا، فَلَوْ قَضَى بِخِلَافِهِ لَا يَنْفُذُ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَيُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَرَاجِعْهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَعَجُّبُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْقَاضِي عَالِمًا بِالْخِلَافِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا. مَطْلَبُ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٍ حُكْمٌ بِمَذْهَبِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَذْهَبِهِ) أَيْ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ، دُرَرٌ أَيْ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْإِمَامِ مَا قَالُوا بِقَوْلٍ إلَّا قَدْ قَالَ بِهِ الْإِمَامُ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَنْظُومِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي عِنْدَ قَوْلِي فِيهَا:
وَابْنُ كَمَالٍ (لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا عِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَبِهِ يُفْتِي) مَجْمَعٌ وَوِقَايَةٌ وَمُلْتَقَى وَقِيلَ بِالنَّفَاذِ يُفْتَى. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ قَضَى مَنْ لَيْسَ مُجْتَهِدًا كَحَنِيفَةِ زَمَانِنَا بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَامِدًا لَا يَنْفُذُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا نَاسِيًا عِنْدَهُمَا وَلَوْ قَيَّدَهُ السُّلْطَانُ بِصَحِيحِ مَذْهَبِهِ كَزَمَانِنَا تَقَيَّدَ بِلَا خِلَافٍ لِكَوْنِهِ مَعْزُولًا عَنْهُ انْتَهَى، وَقَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ فَقُلْت:
ــ
[رد المحتار]
وَاعْلَمْ بِأَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
…
جَاءَتْ رِوَايَاتٌ غَدَتْ مُنِيفَهْ
اخْتَارَ مِنْهَا بَعْضَهَا وَالْبَاقِي
…
يَخْتَارُ مِنْهُ سَائِرُ الرِّفَاقِ
فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ جَوَابُ
…
كَمَا عَلَيْهِ أَقْسَمَ الْأَصْحَابُ
(قَوْلُهُ: وَابْنُ كَمَالٍ) قَالَ فِي شَرْحِهِ لَمْ يَقُلْ بِخِلَافِ رَأْيِهِ لِإِيهَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْمُجْتَهِدِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفَدُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ وَجْهَيْ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهَا، وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ، إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ نَفَذَ. وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ نَفَذَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَلَهُ نَقْضُهُ، كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ اهـ. وَمَا فِي الْفَتْحِ يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ النَّاسِي لِمَذْهَبِهِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْهُمَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَالْمُقَلِّدُ أَوْلَى اهـ مَا فِي النَّهْرِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ.
(قَوْلُهُ: مَنْ لَيْسَ مُجْتَهِدًا) وَكَذَا الْمُجْتَهِدُ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْفُذُ اتِّفَاقًا) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْعَامِدِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّفَاذِ فَلَا تَصِحُّ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ مَعْزُولًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ غَيْرِ مَا قُيِّدَ بِهِ، قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ الْقَضَاءَ بِصَحِيحِ مَذْهَبِهِ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ حُكْمِهِ بِخِلَافٍ لِكَوْنِهِ مَعْزُولًا عَنْهُ اهـ ح.
مَطْلَبُ الْحُكْمِ وَالْفَتْوَى بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ
قُلْت: وَتَقْيِيدُ السُّلْطَانِ لَهُ بِذَلِكَ غَيْرُ قَيْدٍ لِمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْفَتْوَى بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ: وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْكُمَ بِالضَّعِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الصَّحِيحِ إلَّا لِقَصْدٍ غَيْرِ جَمِيلٍ وَلَوْ حَكَمَ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ قَضَاءً بِغَيْرِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ الصَّحِيحُ وَمَا وَقَعَ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِالْقَضَاءِ الْمُرَادُ بِهِ قَضَاءُ الْمُجْتَهِدِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْغَرْسِ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الْمَحْضُ فَلَا يَقْضِي إلَّا بِمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ: أَمَّا الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ إلَّا بِالصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِهِ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ اهـ. وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَقَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا مَا نَقَلَهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عَنْ الْمُلْتَقَطِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ) وَهُوَ:
وَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ
…
لِمَذْهَبِهِ مَا صَحَّ أَصْلًا يُسْطَرُ
قُلْت: وَأَمَّا الْأَمِيرُ فَمَتَى صَادَفَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ أَمْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ.
(وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَلْ وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَحْرٌ (إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ) أَيْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ (حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ
ــ
[رد المحتار]
وَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ
…
مُقَلِّدَهُ مَا صَحَّ إنْ كَانَ يُذْكَرُ
وَبَعْضُهُمْ إنْ كَانَ سَهْوًا أَجَازَهُ
…
عَنْ الصَّدْرِ لَا عَنْ صَاحِبَيْهِ يَصْدُرُ
وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْوَهْبَانِيَّةِ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَضَى بِهِ سَاهِيًا: أَيْ نَاسِيًا مَذْهَبَهُ وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْت، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَمَدُ الْمُفْتَى بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ مِنْ عَدَمِ النَّفَاذِ أَصْلًا أَيْ ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا غَيَّرَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ النَّظْمِ جَازَ مَا بِمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَافْهَمْ. لَكِنَّ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ تَغْيِيرُ الشَّطْرِ الثَّانِي هَكَذَا لِمُعْتَمَدٍ فِي رَأْيِهِ فَهُوَ مُهْدَرُ مَطْلَبٌ فِي أَمْرِ الْأَمِيرِ وَقَضَائِهِ.
(قَوْلُهُ: قُلْت وَأَمَّا الْأَمِيرُ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ كَانَ عَلَى الْعَسْكَرِ أَنْ يُطِيعُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَعْصِيَةً اهـ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: نَفَذَ أَمْرُهُ بِمَعْنَى وَجَبَ امْتِثَالُهُ تَأَمَّلْ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَالصَّحِيحُ نَفَاذُهُ وَفِي الْبَحْرِ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ الْأَصْلِ وَمَاتَ الْقَاضِي لَيْسَ لِلْأَمِيرِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاضِيًا وَإِنْ وَلِيَ عُشْرَهَا وَخَرَاجَهَا، وَإِنْ حَكَمَ الْأَمِيرُ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ إلَخْ، وَفِي الْأَشْبَاهِ قَضَاءُ الْأَمِيرِ جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ قَاضِي الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَلًّى مِنْ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا نَصَّبَ فِي الْبَلْدَةِ أَمِيرًا وَفَوَّضَ إلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا صَحَّ قَضَاؤُهُ وَأَمَّا إذَا نَصَّبَ مَعَهُ قَاضِيًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لِلْقَاضِي لَا لِلْأَمِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ سُئِلْت عَنْ تَوْلِيَةِ الْبَاشَا بِالْقَاهِرَةِ قَاضِيًا لِيَحْكُمَ فِي حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ مَعَ وُجُودِ قَاضِيهَا الْمُوَلَّى مِنْ السُّلْطَانِ، فَأَجَبْت بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ؛ وَلِذَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَحْثِ رَسْمِ الْمُفْتِي
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ، دُونَ الْإِقْرَارِ؛ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ قَضَاءُ إعَانَةٍ: وَإِذَا أَنْفَذَ الْقَاضِي إقْرَارَهُ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي حَقَّهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَقَارًا، إلَّا أَنَّهُ فِي الدَّيْنِ يُسَلِّمُ إلَيْهِ جِنْسَ حَقِّهِ إذَا وُجِدَ فِي يَدِ مَنْ يَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَائِبِ الْمُقِرِّ، وَلَا يَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْعَرْضِ وَالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ، بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْعَتَّابِيِّ. لَكِنْ فِي الْخَامِسِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ لَا يَحْكُمُ بِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَيَحْكُمُ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَكِيلُهُ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا يَقْضِي عَلَى الْوَارِثِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى مُوَرِّثِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَصِحُّ) لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ حَضْرَةَ الْخَصْمِ، لِيَتَحَقَّقَ إنْكَارُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: بَلْ وَلَا يَنْفُذُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ النَّفَاذِ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَفَاذِهِ بِدُونِ تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا أَفَادَهُ ح. وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْكَنْزِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِقَوْلِهِ إذَا نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ: كَوَكِيلِهِ)
وَوَصِيِّهِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ) أَفَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ فَيَكْتُبُ فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْغَائِبِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ وَبِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ الْحَصْرِ فَإِنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ، وَكَذَا أَحَدُ شَرِيكَيْ الدَّيْنِ وَأَجْنَبِيٌّ بِيَدِهِ مَالُ الْيَتِيمِ وَبَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَيْ لَوْ الْوَقْفُ ثَابِتًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (أَوْ) نَائِبُهُ (شَرْعًا كَوَصِيٍّ) نَصَّبَهُ (الْقَاضِي)
ــ
[رد المحتار]
أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى أَوْ وَكِيلًا لِلْقَضَاءِ كَمَا إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَوَكَّلَ لِيُقْضَى عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَوَصِيِّهِ) أَيْ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ غَائِبٌ وَوَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ حَقِيقَةً، وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الصَّغِيرِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ وَشَمِلَ وَصِيَّ الْوَصِيِّ وَلَوْ قَالَ كَوَلِيِّهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَبَ وَالْجَدَّ.
مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ.
(قَوْلُهُ: إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ) تَرَكَ الْوَقْفَ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى الْوَاقِفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعَلَى الْوَقْفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَائِحَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ) أَيْ فِيمَا لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِي عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ فَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى وَارِثٍ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ لَمْ تُسْمَعْ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بَحْرٌ. وَفِيهِ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ عَنْ الْبَاقِي بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ أَنَّهَا إرْثٌ عَنْ الْمَيِّتِ اهـ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَأَفَادَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ كَوْنَ الْعَيْنِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي بَعْضَ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِشِرَاءِ الدَّارِ مِنْ الْمُوَرِّثِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا أَحَدُ شَرِيكَيْ الدَّيْنِ) أَيْ هُوَ خَصْمٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْإِرْثِ وِفَاقًا، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ: قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا الْغَائِبُ لَوْ صَدَّقَ الْحَاضِرَ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِيمَا قَبَضَ أَوْ اتَّبَعَ الْمَطْلُوبَ بِنَصِيبِهِ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّيْنَ لِلْمُدَّعِي وَشَرِيكِهِ، وَأَمَّا الدَّعْوَى بِدَيْنٍ لِوَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْنِ، فَذَكَرَ قَبْلَهُ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: يَقْضِي بِنِصْفِهِ عَلَى الْحَاضِرِ، ثُمَّ قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ.
(قَوْلُهُ: وَأَجْنَبِيٌّ) أَيْ مَنْ لَيْسَ وَارِثًا وَلَا وَصِيًّا، وَقَوْلُهُ بِيَدِهِ مَالُ الْيَتِيمِ. الَّذِي فِي الْبَحْرِ: مَالُ الْمَيِّتِ وَصُورَتُهَا مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَمِيعَ مَالِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ فَمَاتَ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ قِيلَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ، وَقِيلَ: يَجْعَلُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْهُ أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَسْمَعُ عَلَيْهِ بَيِّنَتَهُ فَظَهَرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ) لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَقْفٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْوَقْفُ فِي يَدِ الْحَيِّ وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ، فَأَقَامَ الْحَيُّ بَيِّنَةً عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ بَطْنٌ بَعْدَ بَطْنٍ، وَالْبَاقِي غُيَّبٌ وَالْوَاقِفُ وَاحِدٌ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي ثُمَّ قَالَ وَقْفٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ تَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ وَكِيلِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ وَكِيلِهِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ وَاحِدًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَوْ الْوَقْفُ ثَابِتًا) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَأَرَادَ إثْبَاتَ أَنَّهُ وَقْفٌ فَلَا، وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ تَقْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَتَمِّ وَجْهٍ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَسَائِلَ أُخَرَ يَنْتَصِبُ فِيهَا الْبَعْضُ خَصْمًا
خَرَجَ الْمُسَخَّرُ كَمَا سَيَجِيءُ (أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا) لَا مَحَالَةَ، فَلَوْ شَرَى أَمَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ الزَّوَاجِ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَزَالَ الْعَيْبُ، ابْنُ كَمَالٍ (لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ) مِثَالُهُ (كَمَا إذَا) ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ (وَبَرْهَنَ) الْمُدَّعِي (عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّهُ الْمُشْتَرِي) الدَّارَ (مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ) الْحَاكِمُ (عَلَى) ذِي الْيَدِ (الْحَاضِرِ كَانَ) ذَلِكَ (حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ) أَيْضًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبُ الْمِلْكِيَّةِ لَا مَحَالَةَ وَلَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا فِي الْمُجْتَبَى تِسْعًا وَعِشْرِينَ.
(وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا) لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ كَمَا إذَا ادَّعَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِتَطْلِيقِ زَوْجَةِ زَيْدٍ وَبَرْهَنَ عَلَى التَّطْلِيقِ بِغَيْبَةِ زَيْدٍ
ــ
[رد المحتار]
عَنْ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: خَرَجَ الْمُسَخَّرُ) هُوَ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا أَيْ مُمَاثِلًا لِمَا يَأْتِي مِنْ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ الضَّرُورَةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حُكْمًا) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ عَنْهُ حُكْمًا لِأَمْرٍ لَازِمٍ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: سَبَبًا لَا مَحَالَةَ) أَيْ لَا تَحَوُّلَ لَهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ فَاحْتُرِزَ بِكَوْنِهِ سَبَبًا عَمَّا يَكُونُ شَرْطًا، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَبِقَوْلِهِ لَا مَحَالَةَ عَمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَعَمَّا لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِالْبَقَاءِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى، فَمَا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ، وَبَيَانُهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْوَكِيلُ بِنَقْلِ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ أَوْ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا فَإِذَا بَرْهَنَ الْعَبْدُ أَنَّهُ حَرَّرَهُ أَوْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ لَا فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى هُنَا عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ لَيْسَ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ لِمَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ، وَهُوَ قَصْرُ يَدِهِ بِانْعِزَالِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِدُونِ انْعِزَالِ وَكِيلٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ وَكَالَةٌ أَصْلًا وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِانْعِزَالٍ بِأَنْ كَانَ بَعْدَ الْوَكَالَةِ فَلَيْسَ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ حُكْمًا أَصْلِيًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِحَقِّ الْحَاضِرِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا قَبِلْنَا الْبَيِّنَةَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ بِقَصْرِ يَدِهِ وَانْعِزَالِهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِالْبَقَاءِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى، فَلَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ غَائِبٍ حِينَ أَرَادَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ لِلْفَسَادِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ فِي الْفَسْخِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ لَيْسَ سَبَبًا لِبُطْلَانِ حَقِّ الْفَسْخِ لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ الْغَائِبِ، ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَهِدُوا بِبَقَاءِ وَقْتِ الدَّعْوَى لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ نَفْسِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ شَرَى أَمَةً) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ كَانَ مَا يُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا بِأَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَى أَمَةً إلَخْ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَا يُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا إلَخْ لِيَكُونَ ذِكْرُ مُحْتَرِزِ الْقُيُودِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ بُرْهَانُهُ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْحَاضِرِ وَالنِّكَاحُ عَلَى الْغَائِبِ، وَالثَّانِي لَيْسَ سَبَبًا لِلْأَوَّلِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى الْبَقَاءِ أَيْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لِلْحَالِ لَا يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعُ الِابْتِدَاءِ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِإِغْنَاءِ الْكَافِ عَنْهُ اهـ ح.
(قَوْلُهُ: مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ) زَادَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا أَيْ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ لَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَهُوَ فُضُولِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمِلْكِ) هَذَا هُوَ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ.
(قَوْلُهُ: سَبَبُ الْمِلْكِيَّةِ) أَيْ وَالْمِلْكِيَّةُ هُنَا هِيَ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرَةِ مَطْلَبٌ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَكُونُ الْقَضَاءُ فِيهَا عَلَى الْحَاضِرِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ.
(قَوْلُهُ: تِسْعًا وَعِشْرِينَ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَفِي الْمُجْتَبَى بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ بِعَلَامَةِ شَطْبٍ كُلُّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ.
(لَا) يُقْبَلُ
ــ
[رد المحتار]
وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ كَذَا، وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُعَاوَضَةِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِأَمْرِهِ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَمِنْهَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَفِيلٌ بِكُلِّ مَالِهِ عَلَى فُلَانٍ وَأَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا كَانَتْ قَبْلَ الْكَفَالَةِ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تُوجِبُ الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ تُوجِبْهُ عَلَى الْأَصِيلِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ فَانْتَصَبَ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا، وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا قَالَ: أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَلَا حَدَّ عَلَيَّ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ حُدَّ، وَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالْعِتْقِ، وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَقَالَ الْقَاذِفُ أُمُّهُ أَمَةُ فُلَانٍ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ الْقُرَشِيَّةُ يُحْكَمُ بِالنَّسَبِ وَيُحَدُّ، وَمِنْهَا: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُ عَمٍّ الْمَيِّتِ فُلَانٌ، وَأَنَّ الْمَيِّتَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يَجْتَمِعَانِ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ وَارِثُهُ فَحَسْبُ قَضَى بِالْمِيرَاثِ وَالنَّسَبِ عَلَى الْغَائِبِ، وَمِنْهَا: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَوَيْ الْمَيِّتِ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَعْتَقَهُمَا، ثُمَّ وُلِدَ لَهُمَا هَذَا الْوَلَدُ وَمَاتَ وَأَنَّهُ مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ قَضَى بِالْوَلَاءِ وَكَانَ قَضَاءً بِالْوَلَاءِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَحُرِّيَّةِ الْمُولَدَيْنِ بَعْدَ عِتْقِهِمَا.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لِدَائِنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ضَمِنْت لِدَيْنِك عَلَيْهِ إنْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَيْهِ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الضَّمَانِ وَالْعَبْدُ وَالْمَوْلَى غَائِبَانِ يَقْضِي بِالضَّمَانِ، وَكَانَ قَضَاءً بِالْعِتْقِ لِلْغَائِبِ، وَعَلَى الْغَائِبِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ عَبْدٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الشَّهَادَةِ، وَمِنْهَا: لَوْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً يَقْضِي لَهُ بِالْمِلْكِ وَالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَذَفَ عَبْدًا فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ وَادَّعَى كَمَالَ الْحَدِّ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى بَيِّنَةً أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ، فَأَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى الضَّامِنِ أَنَّهُ بَاعَ فُلَانًا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ أَنَّك اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنَا شَفِيعُهَا، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أَلْفٌ فَاقْضِهَا، فَأَقَامَ الْمَأْمُورُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَضَاهَا يَقْضِي بِقَبْضِ الْغَائِبِ وَالرُّجُوعِ عَلَى الْآخَرِ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ الَّذِي فِي يَدِي لِفُلَانٍ فَاشْتَرِهِ لِي وَانْقُدْ الثَّمَنَ، فَأَقَامَ الْمَأْمُورُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اضْمَنْ لِهَذَا مَا دَايَنَنِي فَضَمِنَ فَأَقَامَ الضَّمِينُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا دَايَنَك كَذَا وَإِنِّي قَضَيْت عَنْك، وَمِنْهَا: الْكَفِيلُ بِأَمْرٍ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْأَصِيلِ أَنَّهُ أَوْفَى الطَّالِبَ.
وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا وَأَنَّهُ أَحَالَ بِمَا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْك أَلْفٌ أَحَلْتَهُ بِهِ عَلَيَّ وَأَدَّيْتُهَا إلَيْهِ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ طَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَأَقَامَ هُوَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَحَالَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى فُلَانٍ وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ جَنَى عَلَيْك فُلَانٌ فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ فُلَانٌ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ دَارٌ أَنَّهَا لَهُ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا وَهَبَهَا لَهُ وَسَلَّمَ أَوْ أَوْدَعَ أَوْ بَاعَ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهَا تَبْطُلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَيَلْزَمُ الشِّرَاءُ الْغَائِبَ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِهِ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ نَفَذَ عَلَى فُلَانٍ وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ وَصَلَ إلَيَّ مِنْ زَيْدٍ وَكِيلِ فُلَانٍ بِأَمْرِهِ أَوْ مِنْ غَاصِبٍ مِنْهُ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي مَا يَعْلَمُ دَفْعَ زَيْدٍ فَقَضَى عَلَيْهِ نَفَذَ عَلَى فُلَانٍ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى عَبْدٍ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اسْتَدَانَ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ بَاعَ مِنْهُ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ بَيِّنَةً أَنَّ الْوَلِيَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَيَتَضَمَّنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فِيهَا اهـ ح
(قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ السَّبَبِ، فَإِنْ قَضَى فَقَدْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ ابْتِدَاءً قُهُسْتَانِيٌّ ط.
فِي الْأَصَحِّ (إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ زَيْدٍ الدَّارَ يُقْبَلُ لِعَدَمِ ضَرَرِ الْغَائِبِ. وَمِنْ حِيَلِ إثْبَاتِ الْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدُ فُلَانٍ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّ مَالِكَهُ الْغَائِبَ أَعْتَقَهُ تُقْبَلُ وَمِنْ حِيَلِ الطَّلَاقِ حِيلَةُ الْكَفَالَةِ بِمَهْرِهَا مُعَلَّقَةً بِطَلَاقِهَا وَدَعْوَى كَفَالَتِهِ بِنَفَقَةِ الْعِدَّةِ مُعَلَّقَةً بِالطَّلَاقِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَزْنِيَ فَحِيلَتُهُ مَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ.
ادَّعَى عَلَيْهَا أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَهَا فَأَقَرَّتْ بِزَوْجِيَّةِ الْغَائِبِ وَأَنْكَرَتْ طَلَاقَهُ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا فَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فُلَانَةَ الْغَائِبَةَ عَنْ الْمَجْلِسِ هَلْ تُسْمَعُ حَال الْغَيْبَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ، فَلَا طَلَاقَ وَلَا نِكَاحَ اهـ لَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ عَقِبَهُ فَرْعًا آخَرَ وَهُوَ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ كُفِّلَ بِمَهْرِهَا عَنْ زَوْجِهَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ، وَأَنْكَرَ الْعِلْمَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ فَبَرْهَنَتْ بِهِ، يُحْكَمُ لَهَا بِالْمَهْرِ عَلَى الْحَاضِرِ لَا بِالْفُرْقَةِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ والأوزجندي أَنَّهُمْ أَفْتَوْا فِيهِ بِانْتِصَابِ الْحَاضِرِ خَصْمًا أَيْ فَالشَّرْطُ عِنْدَهُمْ كَالسَّبَبِ، وَيُقَابِلُهُ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَبُولِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ لَا الْغَائِبِ.
(قَوْلُهُ: يُقْبَلُ لِعَدَمِ ضَرَرِ الْغَائِبِ) وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لَهُ اهـ: أَيْ لِأَنَّ دُخُولَ الْغَائِبِ الدَّارَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ لَكِنْ قَالَ ط: لَوْ كَانَ الْغَائِبُ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِهِ الدَّارَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لِلُزُومِ الضَّرَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ حِيَلِ إثْبَاتِ الْعِتْقِ إلَخْ) هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الصُّوَرِ التِّسْعِ وَالْعِشْرِينَ الْمَارَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ حِيَلِ الطَّلَاقِ إلَخْ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِقَوْلِ الْبَحْرِ، وَأَمَّا حِيَلُ إثْبَاتِ طَلَاقِ الْغَائِبِ فَكُلُّهَا عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ، قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَعَ هَذَا لَوْ حَكَمَ بِالْحُرْمَةِ نَفَذَ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ اهـ.
قُلْت: يَعْنِي إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مُجْتَهِدًا، أَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِالضَّعِيفِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا، نَعَمْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْخُلَاصَةِ الطَّرِيقَ فِي إثْبَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ أَنْ يُعَلِّقَ وَكَالَةً بِدُخُولِهِ فَيَتَنَازَعَانِ فِي دُخُولِهِ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ فَيَقْضِي بِالْوَكَالَةِ وَبِدُخُولِهِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيْهِ فَإِثْبَاتُ طَلَاقٍ مُعَلَّقٍ بِدُخُولِ شَهْرٍ حِيلَةٌ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلَ الْغَائِبِ، وَكَذَا إثْبَاتُ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نِكَاحٍ، فَيُعَلَّقُ وَكَالَةً بِمِلْكِ فُلَانٍ ذَلِكَ الشَّيْءُ، أَوْ بِوَقْفِيَّةِ كَذَا أَوْ بِكَوْنِ فُلَانَةَ زَوْجَةَ فُلَانٍ، وَيَدَّعِي الْوَكِيلُ فَيَقُولُ الْخَصْمُ وَكَالَتُك مُعَلَّقَةٌ بِمَا لَمْ يُوجَدْ، فَيَقُولُ الْوَكِيلُ بَلْ هِيَ مُنَجَّزَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِكَائِنٍ، وَبَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَائِبِ كَأَنْ نَكَحَ إنْ وَقَفَ إنْ طَلَّقَ إنْ مَلَكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إثْبَاتُ الضَّرَرِ بِالْغَائِبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ إبْطَالِ حَقٍّ لِلْغَائِبِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ فِيهِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَمَا تَضَمَّنَ إبْطَالًا عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَنَاطَ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ فِعْلَهُ أَوْ لَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرْطِ إنْ نَكَحَ أَوْ إنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَتَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ إذْ مَا فِيهَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ أَصْلًا بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّ فِيهَا الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ ابْتِدَاءً بِمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَوْ مِلْكًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَلْزَمُهُ مِنْهُ ضَرَرُ وَاضِعِ الْيَدِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَلَكَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَزْنِيَ إلَخْ) إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ صِدْقًا فَلَا وَجْهَ لِتَسْمِيَتِهَا حِيلَةً، وَلَا لِقَوْلِهِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَزْنِيَ وَصَنِيعُهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ كَذِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مِثْلُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ط فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذِهِ
فَبَرْهَنَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ يَقْضِي عَلَيْهَا أَنَّهَا زَوْجَةُ الْحَاضِرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ.
(وَلَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِلَا نَائِبٍ يَنْفُذُ) فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ
ــ
[رد المحتار]
الْعِبَارَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ كَلَامًا نَذْكُرُهُ عَقِبَهُ.
(قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ) أَيْ وَبِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: يَقْضِي عَلَيْهَا أَنَّهَا زَوْجَةُ الْحَاضِرِ) أَيْ وَيَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ بِالطَّلَاقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ.
قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ سَبَبًا لِمَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَاقَ الْغَائِبِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ طَلَاقٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ أَحَدٍ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ يَظْهَرُ لَك حَقِيقَةُ الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافُهُ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى عَلَى غَائِبٍ إلَخْ) أَيْ قَضَى مَنْ يَرَى جَوَازَهُ كَشَافِعِيٍّ لِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، كَذَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَهُ هَلْ يَنْفُذُ بِدُونِ تَنْفِيذٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَرَأَيْت نَحْوَ هَذَا مَنْقُولًا عَنْ إجَابَةِ السَّائِلِ عَنْ بَعْضِ رَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ، وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ: هُنَا وَلَوْ قَضَى إلَخْ، حِكَايَةٌ لِلْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَعَدَمِهِ.
قُلْت: بَقِيَ مَا لَوْ قَضَى الْحَنَفِيُّ بِذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْكَلَامُ الْمَارُّ فِيمَا لَوْ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ رَجَّحَ الْجَوَازَ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَافِعِيٍّ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّمْلِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ خَصَّهُ بِمَنْ يَرَى جَوَازَهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَانْدَفَعَ أَيْضًا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ تَخْصِيصَ الْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَعَدَمِهِ بِالْحُكْمِ لِلْمَفْقُودِ لَا مُطْلَقِ الْغَائِبِ وَاسْتَدَلَّ بِعِبَارَةٍ فِي الْخَانِيَّةِ، وَنَازَعَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ التَّعْمِيمُ اهـ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَدْ اضْطَرَبَتْ آرَاؤُهُمْ وَبَيَانُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْحُكْمِ لِلْغَائِبِ، وَعَلَيْهِ وَلَمْ يُصَفْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَصْلٌ قَوِيٌّ ظَاهِرٌ يُبْنَى عَلَيْهِ الْفُرُوعُ بِلَا اضْطِرَابٍ وَلَا إشْكَالٍ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي الْوَقَائِعِ، وَيَحْتَاطَ وَيُلَاحِظَ الْحَرَجَ وَالضَّرُورَاتِ فَيُفْتِيَ بِحَسَبِهَا جَوَازًا أَوْ فَسَادًا، مَثَلًا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْعَدْلِ فَغَابَ عَنْ الْبَلَدِ، وَلَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ أَوْ يُعْرَفُ، وَلَكِنْ يَعْجِزُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ عَنْ أَنْ تُسَافِرَ إلَيْهِ هِيَ أَوْ وَكِيلُهَا لِبُعْدِهِ أَوْ لِمَانِعٍ آخَرَ، وَكَذَا الْمَدْيُونُ لَوْ غَابَ وَلَهُ نَقْدٌ فِي الْبَلَدِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَفِي مِثْلِ هَذَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَائِبِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي أَنَّهُ حَقٌّ لَا تَزْوِيرٌ، وَلَا حِيلَةَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ وَلَهُ، وَكَذَا لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِجَوَازِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرُورَاتِ وَصِيَانَةً لِلْحُقُوقِ عَنْ الضَّيَاعِ مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَصَّبَ عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلٌ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُرَاعِي جَانِبَ الْغَائِبِ وَلَا يُفَرِّطُ فِي حَقِّهِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُسَخَّرِ، وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْمَفْقُودِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا إذَا رَأَى الْقَاضِي مَصْلَحَةً فِي الْحُكْمِ لَهُ وَعَلَيْهِ فَحَكَمَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ اهـ.
قُلْت: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا وَلَوْ فِي زَمَانِنَا وَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ هَذَا
لِلْمَصْلَحَةِ وَالضَّرُورَةِ
(وَقِيلَ لَا) يَنْفُذُ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ تَوَقُّفَهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ
اشْتَرَى بِالْخِيَارِ فَتَوَارَى اخْتَفَى الْمَكْفُولُ لَهُ.
حَلَفَ لَيُوفِيَنَّهُ الْيَوْمَ فَتَغَيَّبَ الدَّائِنُ.
جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتُهَا فَتَغَيَّبَ.
الْخَامِسَةُ إذَا تَوَارَى الْخَصْمُ فَالْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ وَكِيلًا فِي الْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي خَانِيَّةٌ.
قُلْت: وَنَقَلَ شُرَّاحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ) أَيْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ إلَخْ) لَيْسَ قَوْلًا ثَالِثًا، بَلْ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا عَلِمْت، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَقَضَاءِ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً لِلْقَضَاءِ بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا قَضَى بِهَا نَفَذَ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ بَعْدَ تَوْبَتِهِ. مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسَخَّرِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) مُقَابِلُهُ قَوْلُ جَوَاهِرِ زَادَهْ بِجَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِجَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ عَيْنُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بَحْرٌ وَفِيهِ أَيْضًا وَتَفْسِيرُ الْمُسَخَّرِ أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي خَمْسٍ) لَمْ يَذْكُرْ الرَّابِعَةَ فِي الْبَحْرِ بَلْ زَادَهَا الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: اشْتَرَى بِالْخِيَارِ) أَيْ وَأَرَادَ الرَّدَّ فِي الْمُدَّةِ فَاخْتَفَى الْبَائِعُ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ خَصْمًا عَنْ الْبَائِعِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ عَزَاهُمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَى الْخَانِيَّةِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ هَذَا، وَعَادَةُ قَاضِي خَانْ تَقْدِيمُ الْأَشْهَرِ.
(قَوْلُهُ: اخْتَفَى الْمَكْفُولُ لَهُ) صُورَتُهُ: كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَدَيْنُهُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَغَابَ الطَّالِبُ فِي الْغَدِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْكَفِيلُ، فَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، فَنَصَّبَ وَكِيلًا عَنْ الطَّالِبِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ، يَبْرَأُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَوْ فَعَلَ بِهِ قَاضٍ عَلِمَ أَنَّ الْخَصْمَ تَغَيَّبَ لِذَلِكَ فَهُوَ حَسَنٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ
قُلْت: مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ مَا نَذْكُرُهُ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ يَنْبَغِي إجْرَاؤُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: حَلَفَ لَيُوفِيَنَّهُ الْيَوْمَ إلَخْ) بِأَنْ عَلَّقَ الْمَدْيُونُ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ قَضَائِهِ الْيَوْمَ ثُمَّ غَابَ الطَّالِبُ وَخَافَ الْحَالِفُ الْحِنْثَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ وَيَدْفَعُ الدَّيْنَ إلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَصْبِ الْوَكِيلِ لِقَبْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْقَاضِي بَرَّ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ حَنِثَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَتَغَيَّبَتْ) أَيْ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَصِّبُ مَنْ يَقْبِضُ لَهَا ط.
(قَوْلُهُ: خَانِيَّةٌ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. مَطْلَبٌ فِي الْخَصْمِ إذَا اخْتَفَى فِي بَيْتِهِ.
(قَوْلُهُ: الْخَامِسَةُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلْقَاضِي لِي عَلَى فُلَانٍ حَقٌّ وَقَدْ تَوَارَى عَنِّي فِي مَنْزِلِهِ فَالْقَاضِي يَكْتُبُ إلَى الْوَالِي فِي إحْضَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَسَأَلَ الطَّالِبُ الْخَتْمَ عَلَى بَابِهِ فَإِنْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ وَقَالَا رَأَيْنَاهُ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ خَتَمَ عَلَيْهِ لَا إنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِذَا