المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مطلب في استخلاف القاضي نائبا عنه] - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٥

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابٌ خِيَارُ الْعَيْبِ

- ‌[تَنْبِيهٌ فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي خِيَار الْعَيْب]

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَنْ قَبَضَ مِنْ غَرِيمِهِ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ وَيَمْنَعُ الرَّدَّ]

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي عَدَدِ الْمَقْبُوضِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي جُمْلَةِ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ]

- ‌بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[مَطْلَبٌ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ وَشِرَاؤُهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ إيجَارِ الْبِرَكِ لِلِاصْطِيَادِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ دُودَةِ الْقِرْمِزِ]

- ‌[مَطْلَبٌ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي مَسَائِلَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الطَّرِيقِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَسِيلِ أَيْ مَسِيل الْمَاء]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ رَدَّ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا إلَى بَائِعِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا]

- ‌[مَطْلَبٌ أَحْكَامُ نُقْصَانِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا]

- ‌فَصْلٌ فِي الْفُضُولِيِّ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ الْمُسْتَأْجَرِ]

- ‌بَابُ الْإِقَالَةِ

- ‌بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ

- ‌[فَرْعٌ] هَلْ يَنْتَقِلُ الرَّدُّ بِالتَّغْرِيرِ إلَى الْوَارِثِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ فِيهِمَا وَتَأْجِيلِ الدُّيُونِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالدَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ بَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ]

- ‌[مَطْلَبُ إذَا قَضَى الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ مَاتَ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي شِرَاءِ الْمُسْتَقْرِضِ الْقَرْضَ مِنْ الْمُقْرِضِ]

- ‌[مَطْلَبٌ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا حَرَامٌ]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الرِّبَا]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا]

- ‌بَابُ الْحُقُوقِ فِي الْبَيْعِ

- ‌بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌[رُجُوع الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِع]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَسَائِلِ التَّنَاقُضِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَبَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ]

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ]

- ‌فَرْعٌ] السَّلَمُ فِي الدِّبْسِ

- ‌بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ أَبْوَابِهَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي إيدَاعُ مَالِ غَائِبٍ وَإِقْرَاضُهُ وَبَيْعُ مَنْقُولِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ الدَّرَاهِمِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي النَّبَهْرَجَةِ وَالزُّيُوفِ وَالسَّتُّوقَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ] عَسَلُ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ مِلْكُهُ مُطْلَقًا

- ‌[مَطْلَبٌ إذَا اكْتَسَبَ حَرَامًا ثُمَّ اشْتَرَى فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ دَبَغَ فِي دَارِهِ وَتَأَذَّى الْجِيرَانُ]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرَى بَذْرَ بِطِّيخٍ فَوَجَدَهُ بَذْرَ قِثَّاءٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرَى شَجَرَةً وَفِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ]

- ‌مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ

- ‌[مَطْلَبٌ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ وَمَا لَا تَصِحُّ]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌فَرْعٌ]الشَّرْطُ الْفَاسِدُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ بَيْعِ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ قَلِيلَةٍ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ لِإِسْقَاطِ الرِّبَا]

- ‌[مَطْلَبُ مَسَائِلَ فِي الْمُقَاصَّةِ]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي كَفَالَةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[مَطْلَبُ يَصِحُّ كَفَالَةُ الْكَفِيلِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْكَفَالَةِ الْمُؤَقَّتَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنَصِّبُ فِيهَا الْقَاضِي وَكِيلًا بِالْقَبْضِ عَنْ الْغَائِبِ الْمُتَوَارَى]

- ‌[فَوَائِدُ] لَا يَلْزَمُ أَحَدًا إحْضَارُ أَحَدٍ

- ‌[مَطْلَبُ كَفَالَةِ الْمَالِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ] مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ]

- ‌[مَطْلَبُ بَيْعِ الْعِينَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ]

- ‌بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌[مطلب فِي السَّفْتَجَة]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ وَهَبَ مِنْهُ الزَّائِدَ]

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌[مَطْلَبُ يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَشُرُوطِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي هَدِيَّةِ الْقَاضِي]

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْهُ]

- ‌[مَطْلَبُ يَوْمِ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالْجَوْرِ]

- ‌[فُرُوعٌ] الْقَضَاءُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ وَيَتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَخُصُومَةٍ

- ‌[مَطْلَبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ]

- ‌[مَطْلَبُ فِعْلِ الْقَاضِي حُكْمٌ]

- ‌[مَطْلَبُ أَمْرِ الْقَاضِي حُكْمٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي حَبْسِ الصَّبِيِّ]

- ‌بَابُ التَّحْكِيمِ

- ‌[مَطْلَبٌ حَكَمَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَحْكِيمِهِ ثُمَّ أَجَازَاهُ]

- ‌بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي جَعْلِ الْمَرْأَةِ شَاهِدَةً فِي الْوَقْفِ]

- ‌فُرُوعٌ] لَا يَقْضِي الْقَاضِي لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ

- ‌[مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ]وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي كُفْرِ الْمَيِّتِ وَإِسْلَامِهِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[فَرْعٌ لَا يَنْبَغِي لِلْفُقَهَاءِ كَتْبُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي]

- ‌[فُرُوعٌ بَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ]

- ‌بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

- ‌فَصْلٌ لَا يَعْقِدُ وَكِيلٌ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ

- ‌بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ

- ‌[فُرُوعٌ] الْوَكَالَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ

- ‌بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى]

- ‌[رُكْنُ الدَّعْوَى]

- ‌[أَهْلُ الدَّعْوَى]

- ‌[حُكْمُ الدَّعْوَى]

- ‌[سَبَبُ الدَّعْوَى]

- ‌بَابُ التَّحَالُفِ

- ‌فَصْلٌ فِي دَفْعِ الدَّعَاوَى

- ‌بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ

- ‌بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

- ‌بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ

- ‌فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي الْمُضَارَبَةُ]

- ‌كِتَابُ الْإِيدَاعِ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ

الفصل: ‌[مطلب في استخلاف القاضي نائبا عنه]

لَكِنْ مَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ لَا يُضْرَبُ الْمَحْبُوسُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ يُفِيدُهُ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَسَيَجِيءُ حَبْسُ الْوَلِيِّ بِدَيْنِ الصَّغِيرِ

(لَا) يُحْبَسُ (أَصْلٌ) وَإِنْ عَلَا (فِي دَيْنِ فَرْعِهِ) بَلْ يَقْضِي الْقَاضِي دَيْنَهُ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ أَوْ قِيمَتِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَقَارِهِ كَمَنْقُولِهِ بَحْرٌ فَلْيُحْفَظْ.

(وَلَا يَسْتَحْلِفُ قَاضٍ) نَائِبًا (إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ) صَرِيحًا كُولِ مَنْ شِئْت أَوْ دَلَالَةً كَجَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ، وَالدَّلَالَةُ هُنَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ فِي التَّصْرِيحِ الْمَذْكُورِ يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ لَا الْعَزْلَ وَفِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُهُمَا

ــ

[رد المحتار]

عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَمَ الْحَبْسِ فِي نَفَقَةِ غَيْرِ الْوَلَدِ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ مَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

(قَوْلُهُ: يُفِيدُهُ) أَيْ يُفِيدُ حَبْسُهُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْمَحْبُوسِ.

(قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى) أَيْ حَيْثُ حَصَلَ الِاضْطِرَابُ فِي فَهْمِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَا تَعْجَلْ فِي الْفَتْوَى. قُلْت: وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ زَالَ الِاضْطِرَابُ وَاتَّضَحَ الْجَوَابُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي آخِرِ الْبَابِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ جَدَّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ وَلَدِ بِنْتِهِ، فَكَذَا لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ، وَقَيَّدَ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُحْبَسُ بِدَيْنِ أَصْلِهِ، وَكَذَا الْقَرِيبُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بَحْرٌ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ نَظْمًا جَمَاعَةً مِمَّنْ لَا يُحْبَسُ وَسَيَأْتِي عِدَّتُهُمْ عَشَرَةً.

(قَوْلُهُ: بَلْ يَقْضِي الْقَاضِي إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْحَبْسِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ لَكِنْ يَبِيعُ الْقَاضِي مَالَ الْأَبِ لِقَضَاءِ دَيْنِ ابْنِهِ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الْبَيْعُ وَإِلَّا ضَاعَ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى لَا يُحْبَسُ الْأَبُ إلَّا إذَا تَمَرَّدَ عَلَى الْحَاكِمِ اهـ، لَكِنْ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي دَيْنَهُ يُغْنِي عَنْ حَبْسِهِ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ عَيْنِ مَالِهِ) أَيْ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ: أَوْ قِيمَتِهِ أَيْ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَالْمَالُ دَنَانِيرَ فَتُبَاعُ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ وَيَقْضِي بِهَا الدَّيْنَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ إلَخْ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَبِيعُ عِنْدَهُمَا الْمَنْقُولَ دُونَ الْعَقَارِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَلَا الْعَقَارَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُمَا.

[مَطْلَبٌ فِي اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْهُ]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ بَحْرٌ عَنْ الْعِنَايَةِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ فَلَا يَسْتَخْلِفُ بِلَا تَفْوِيضٍ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ الْقَاضِي إذَا وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ أَوْ لِوَلَدِهِ فَأَنَابَ غَيْرَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِنَابَةِ وَتَخَاصَمَا عِنْدَهُ وَقُضِيَ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي ابْنَهُ قَاضِيًا حَيْثُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ فَأَجَبْت بِنَعَمْ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الِاسْتِخْلَافَ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ أَوْ مُخَالِفًا ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ، وَسُئِلْت عَنْهُ فَأَجَبْت بِذَلِكَ اهـ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَصِيرُ قَاضِيًا إذَا بَلَغَ إلَى الْمَوْضِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ هُوَ الْبَلَدَ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ نَائِبَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لِيَتَعَرَّفَ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ اهـ، فَالْأَوَّلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ مِنْ السُّلْطَانِ، وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ، اهـ مُلَخَّصًا قُلْت: وَمَا نَقَلَهُ ثَانِيًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهُ الْإِنَابَةَ قَبْلَ وُصُولِهِ، وَالتَّعْلِيلُ بِالتَّعَرُّفِ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ لَا يُنَافِي أَنَّ لِلنَّائِبِ الْقَضَاءَ قَبْلَ وُصُولِ الْمُنِيبِ؛ لِأَنَّ التَّعَرُّفَ يَكُونُ بِالْقَضَاءِ فَحِينَئِذٍ إذَا وَصَلَ نَائِبُهُ، فَالظَّاهِرُ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُنِيبِ، وَقَدْ عَلَّلُوا لِعَدَمِ انْعِزَالِ الْأَوَّلِ قَبْلَ وُصُولِ الثَّانِي بِصِيَانَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ تَعْطِيلِ قَضَايَاهُمْ وَبِوُصُولِ نَائِبِ الثَّانِي لَا تَتَعَطَّلُ قَضَايَاهُمْ وَحَيْثُ كَانَ الْوَاقِعُ الْآنَ هُوَ الْإِذْنُ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا كَلَامَ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ) وَمِثْلُهُ نَائِبُ الْقَاضِي قَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْخَلِيفَةُ إذَا أَذِنَ

ص: 391

كَقَوْلِهِ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ أَوْ اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت فَإِنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا وَعَزْلًا (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ) فَإِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ بِلَا تَفْوِيضٍ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً، ابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ فَهْمٌ فَهِمَهُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ.

(نَائِبُ الْقَاضِي الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ الِاسْتِنَابَةَ) فَقَطْ لَا الْعَزْلَ (نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ) وَهُوَ السُّلْطَانُ وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْزِلَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ تَفْوِيضٍ مِنْهُ) لِلْعَزْلِ أَيْضًا كَوَكِيلٍ وَكَّلَ

ــ

[رد المحتار]

لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ثُمَّ وَثُمَّ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ) هَذَا تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ أَيْ فَإِنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ وَالْعَزْلَ نَظِيرَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِمَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت) لَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَاسْتَبْدِلْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت يَمْلِكُ الْعَزْلَ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتَخْلِفْ بِمَعْنَى وَلِّ، بَلْ نَصَّ فِي الْبَحْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ فَتَعَيَّنَ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِّ وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَمَقُولِهِ وَلِّ أَوْ اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ قَاضِيَ الْقَضَاءِ إلَخْ) فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَفِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُهَا.

(قَوْلُهُ: فِيهِمْ) أَيْ فِي الْقُضَاةِ.

(قَوْلُهُ: تَقْلِيدًا وَعَزْلًا) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ بِلَا تَفْوِيضٍ) فَإِنْ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ لِحَدَثٍ أَصَابَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ كَانَ شَهِدَ الْخُطْبَةَ، وَإِنْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ نَهْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ بَانَ وَلَيْسَ بِمُفْتَتِحٍ وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ الِافْتِتَاحِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ فَتْحٌ وَاعْتَرَضَ بِمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ شَخْصًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهَا وَصَارَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَهَا وَاسْتَظْهَرَ فِي الْعِنَايَةِ الْجَوَابَ بِإِلْحَاقِهِ بِالْبَانِي لِتَقَدُّمِ شُرُوعِهِ فِيهَا.

(قَوْلُهُ: لِلْإِذْنِ دَلَالَةً) لِأَنَّ الْمُوَلَّى عَالِمٌ بِتَوَقُّتِهَا وَأَنَّهُ إذَا عَرَضَ عَارِضٌ فَاتَتْ لَا إلَى خَلَفٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ غَرَضٌ لِلْأَعْرَاضِ فَتْحٌ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ لِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، وَتَقْيِيدُ الزَّيْلَعِيِّ بِالْحَدَثِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا فِي الْجُمُعَةِ مَسْأَلَةَ الِاسْتِنَابَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ اهـ. وَحَاصِلُ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ بِلَا إذْنِ السُّلْطَانِ إلَّا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهَا، وَقِيلَ إنْ لِضَرُورَةٍ جَازَ أَيْ لِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ مَشَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَكَذَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً، بَلْ بَعْدَمَا أَحْدَثَ إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ بِالِاسْتِخْلَافِ اهـ وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ) وَمَرَّ أَيْضًا هُنَاكَ عَنْ الْعَلَّامَةِ مُحِبِّ الدِّينِ بْنِ جِرْبَاشٍ فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ أَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطُ أَوَّلِ مَرَّةٍ لِلْبَانِي، فَيَكُونُ الْإِذْنُ مُنْسَحِبًا لِتَوَلِّيَةِ النُّظَّارِ الْخُطَبَاءَ، وَإِقَامَةِ الْخَطِيبِ نَائِبًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ اهـ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الْجَلَبِيِّ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِذَا أَذِنَ لِشَخْصٍ بِإِقَامَتِهَا كَانَ لَهُ الْإِذْنُ لِآخَرَ وَلِلْآخَرِ الْإِذْنُ لِآخَرَ وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَتِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ يَكُونُ إذْنًا لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ إقَامَتَهَا فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ مَأْذُونِهِ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْقَاضِي.

(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ تَفْوِيضٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السُّلْطَانِ دُرَرٌ.

(قَوْلُهُ: كَوَكِيلٍ وُكِّلَ) أَيْ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ، وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ حَيْثُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ، وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ فِي حَيَاتِهِ لِرِضَا الْمُوصِي بِذَلِكَ دَلَالَةً لِعَجْزِهِ بَحْرٌ

ص: 392

(وَ) وَكَذَا (لَا يَنْعَزِلُ) أَيْضًا بِعَزْلِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ وَلَا بِمَوْتِ السُّلْطَانِ بَلْ بِعَزْلِهِ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ، وَاعْتَمَدَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ لَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْهَبِ

(وَنَائِبُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ) فِي غَيْبَتِهِ وَ (أَجَازَهُ) الْقَاضِي (صَحَّ) قَضَاؤُهُ لَوْ أَهْلًا بَلْ لَوْ قَضَى فُضُولِيٌّ أَوْ هُوَ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ وَأَجَازَهُ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ رَأْيِهِ بَحْرٌ قَالَ وَبِهِ عُلِمَ دُخُولُ الْفُضُولِيِّ فِي الْقَضَاءِ.

[فَرْعٌ] فِي الْأَشْبَاهِ وَالْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ لَوْ فُوِّضَ لِعَبْدٍ فَفَوَّضَ لِغَيْرِهِ صَحَّ لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ عَتَقَ فَقَضَى صَحَّ بِخِلَافِ صَبِيٍّ بَلَغَ.

(وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ) خَرَجَ الْمُحَكَّمُ وَدَخَلَ الْمَيِّتُ وَالْمَعْزُولُ وَالْمُخَالِفُ لِرَأْيِهِ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ أَيْضًا بِعَزْلِهِ) أَيْ لَا يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِعَزْلِ الْقَاضِي أَيْ بِعَزْلِ السُّلْطَانِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْقَاضِي الْمُسْتَنِيبِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا بِمَوْتِ السُّلْطَانِ) أَيْ لَا يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِهِ كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْمُسْتَنِيبُ، بِخِلَافِ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ وَالْفَرْقُ كَمَا فِي وَكَالَةِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ السُّلْطَانَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ الْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ هُوَ أَوْ وَلَّاهُ الْقَاضِي بِإِذْنِهِ، وَالْمُوَكِّلُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِمَوْتِهِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ السُّلْطَانِ لِلنَّائِبِ.

(قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ فِي مَتْنِهَا حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي بِخُرُوجِهِ أَيْ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ، وَقَالَ فِي الْمُلْتَقَى فَنَائِبُهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ بَلْ هُوَ نَائِبُ السُّلْطَانِ الْأَصِيلِ اهـ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ عَزْلِ النَّائِبِ بِمَوْتِ الْقَاضِي أَوْ بِعَزْلِهِ ط.

(قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ) قَالَ فِيهَا فَتَحَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِي انْعِزَالِ النَّائِبِ بِعَزْلِ الْقَاضِي، وَمَوْتِهِ وَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ بِالْأَوْلَى، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة الْقَاضِي رَسُولٌ عَنْ السُّلْطَانِ فِي نَصْبِ النُّوَّابِ اهـ ط.

(قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ إلَخْ) حَيْثُ سُئِلَ عَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ نَائِبُهُ أَجَابَ: لَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْغَرْسِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْهَبِ فَقَدْ نَقَلَ الثِّقَاتُ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْأَصِيلِ وَلَا بِمَوْتِهِ، قَالَ قَوْمٌ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الِاسْتِخْلَافَ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ، ثُمَّ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَلَا بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِعَزْلِ الْخَلِيفَةِ لَهُمَا وَلَا يَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ نَرَ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ، لَكِنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ

(قَوْلُهُ: صَحَّ قَضَاؤُهُ لَوْ أَهْلًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ أَنَّ السُّلْطَانَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ، ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ الْحُكْمَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا جَازَ إمْضَاءُ الْقَاضِي حُكْمَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا يَنْظُرُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ كَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ جَازَ إمْضَاؤُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ.

(قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ قَضَى فُضُولِيٌّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ) أَيْ الْقَاضِي كَمَا لَوْ كَانَ مُوَلًّى فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمَيْنِ، فَقَضَى فِي غَيْرِ الْيَوْمَيْنِ تَوَقَّفَ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ أَجَازَ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْقَضَاءِ) أَيْ لَيْسَ خَاصًّا بِعَقْدٍ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ: فَفَوَّضَ لِغَيْرِهِ صَحَّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِدُونِ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ دَلَالَةً لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَضَاءَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَتَقَ إلَخْ) وَمِثْلُهُ لَوْ فَوَّضَ لِكَافِرٍ فَأَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبِيِّ، حَيْثُ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ التَّفْوِيضِ

(قَوْلُهُ: خَرَجَ الْمُحَكَّمُ) فَإِنَّهُ إذَا رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ، وَإِلَّا أَبْطَلَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا كَمَا يَأْتِي فِي التَّحْكِيمِ ح.

(قَوْلُهُ: وَدَخَلَ الْمَيِّتُ إلَخْ) وَكَذَا قَاضِي الْبُغَاةِ فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضِي الْعَدْلِ نَفَّذَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ. وَقَدَّمْنَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُنْفِذُهُ إنْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَوْ لَا فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُخَالِفُ لِرَأْيِهِ) أَيْ رَأْيِ الْقَاضِي الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ

ص: 393

لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَافْهَمْ (آخَرَ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إذْ حُكْمُ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ابْنُ كَمَالٍ (نَفَّذَهُ) أَيْ أَلْزَمَ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ

ــ

[رد المحتار]

الْحُكْمُ، لَكِنْ فِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي قَرِيبًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِهِ، فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ إلَخْ، مَطْلَبٌ فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَدَخَلَ إلَخْ قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِمَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ: لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ. أَمَّا الْعُمُومُ فَمَمْنُوعٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَالتَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ إنَّمَا تَعُمُّ نَصًّا إذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَمِنْهُ وُقُوعُهَا فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ إذَا كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ كَقَوْلِهِ إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَعَبْدِي حُرٌّ، فَإِنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِهِ فَالْمَعْنَى لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ. وَلِهَذَا لَا تَعُمُّ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ مِثْلُ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا فَلَا تَعُمُّ وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ مِثْلُ إنْ جَاءَك رَجُلٌ فَأَطْعِمْهُ فَلَيْسَ نَصًّا فِي الْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَافْهَمْ.

مَطْلَبُ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَضَاءِ وَمَا لَا يَنْفُذُ.

(قَوْلُهُ: إذْ حُكْمُ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَيْهِ كَذَلِكَ أَيْ كَحُكْمِ قَاضٍ آخَرَ فِي أَنَّهُ يُنْفِذُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَيَكُونُ هَذَا رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي نُفُوذِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْغَرْسِ سُؤَالًا وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ شَرْعًا، إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِصِحَّةِ فِعْلِ نَفْسِهِ فَيَلْغُو اهـ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَفْعِ الْخِلَافِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْعِ الْخَصْمِ وَإِلْزَامِهِ بِهِ فَلَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: نَفَّذَهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ.

(قَوْلُهُ: لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ) بِنَصْبِ مُجْتَهَدًا خَبَرًا لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ إلَى حُكْمِ الْعَائِدِ إلَيْهِ ضَمِيرُ نَفَّذَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْحُكْمَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، قِسْمٌ يُرَدُّ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَا خَالَفَ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ كَمَا يَأْتِي، وَقِسْمٌ يَمْضِي بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، بِأَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودَيْنِ بِالْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَانَ يَرَاهُ كَشَافِعِيٍّ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ يُمْضِيهِ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَآخَرُ أَجْنَبِيٌّ، فَرُفِعَ لِمَنْ لَا يُجِيزُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ أَمْضَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَضَى بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَمْ لَا فَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ لَا فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَكَذَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا وَكِيلٍ عَنْهُ، وَقَضَى بِهَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ، فَإِذَا رَآهُ صَحَّ، وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّرْجِيحِ فِي الْأَخِيرَةِ. وَقِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ: وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ وَهُوَ مَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ فَقِيلَ يَنْفُذُ، وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ وَحَكَى ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ عَنْ جَدِّهِ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى الثَّانِي فَأَمْضَاهُ يَصِيرُ كَأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَلَيْسَ لِلثَّالِثِ نَقْضُهُ وَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي وَبَطَلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ

ص: 394

عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَلَا يُمْضِيهِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَابْنُ كَمَالٍ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَيُفْتَى بِخِلَافِهِ وَكَأَنَّهُ تَيْسِيرٌ فَلْيُحْفَظْ

ــ

[رد المحتار]

أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَى الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ.

(قَوْلُهُ: عَالِمًا) حَالٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَاضٍ آخَرَ، وَسَاغَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ وَهُوَ نَكِرَةٌ لِتَخَصُّصِهَا بِالْوَصْفِ، وَهُوَ آخَرَ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ خَبْرًا بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ فِي قَوْلِهِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِيهَا عَائِدٌ إلَى الْحُكْمِ كَمَا عَلِمْت، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي عَالِمًا عَائِدًا إلَى الْحُكْمِ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاضِي عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ.

(قَوْلُهُ: عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا شَرْطُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكَوْنِ مَا حَكَمَ بِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ شَرْطٌ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً، فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اهـ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الْقَاضِي مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا. وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ رَأْيِهِ إلَخْ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَلَمْ يُوَفِّهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ حَقَّهَا، حَتَّى اشْتَبَهَتْ عَلَى بَعْضِ الْمُحَشِّينَ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا بِمَا قَالُوهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ، مَعَ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَافْهَمْ، وَمَسْأَلَةُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَقَعَ فِيهَا نِزَاعٌ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ رِسَالَةً: حَاصِلُهَا: أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فِي حَادِثَةٍ لَهُ فِيهَا رَأْيٌ مُقَرَّرٌ قَبْلَ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ حُكْمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ بَانَ أَنَّ قَضَاءَهُ هَذَا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ.

وَأَمَّا إذَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ رَأْيَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ قَضَائِهِ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْهَا قَوْلُ الْإِمَامِ حُسَامِ الدِّينِ الشَّهِيدِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَنْفُذُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ:: رَجُلٌ مَاتَ وَلَهُ مُدَبَّرُونَ حَتَّى عَتَقُوا، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، فَبَاعَهُمْ الْقَاضِي عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَقَضَى بِجَوَازِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُمْ مُدَبَّرُونَ كَانَ قَضَاؤُهُ بِذَلِكَ بَاطِلًا، وَإِنْ مَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الضَّابِطَ أُخِذَ مِنْ فَرْعٍ وَقَعَ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ؛ فَلِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بَاطِلًا وَعَدَمُ الْعِلْمِ دَلِيلُ بَقَاءِ رَأْيِهِ السَّابِقِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَالِمًا وَقَضَى عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ السَّابِقِ حُمِلَ عَلَى تَبَدُّلِ اجْتِهَادِهِ بِدَلِيلِ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْفِدَاءِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ قَالَ: مَاتَ وَلَهُ رَقِيقٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَبَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ دَبَّرَهُ، فَإِنَّ بَيْعَ الْقَاضِي فِيهِ يَكُونُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِتَدْبِيرِهِ وَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ لِكَوْنِهِ وَصِيَّةً وَبَاعَهُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ وُلِّيَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى ذَلِكَ خَطَأً، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ إلَخْ، فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ لَيْسَ هُوَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بَلْ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْحُرِّ.

وَقَالَ الْحُسَامُ أَيْضًا قَالَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَحْدُودَيْنِ شَهِدَا بَعْدَ التَّوْبَةِ كَمَا فِي قَضَاءِ شَرْحِ الْجَامِعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَضَاءَ هَذَا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلِذَا لَمْ يَنْفُذْ، فَعَدَمُ النَّفَاذِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ لَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ

ص: 395

بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِلَّا كَانَ إفْتَاءً فَيَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ، بَحْرٌ. وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ وَأَنَّهُ إذَا ارْتَابَ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لَهُ طَلَبُ شُهُودِ الْأَصْلِ قَالَ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ تَنَافِيذَ زَمَانِنَا لَا تُعْتَبَرُ

ــ

[رد المحتار]

هَذَا فِي قَضَاءِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْعِلْمِ وَعَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ أَوْ تَبَدُّلِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى وَفْقِ رَأْيِهِ نَفَذَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْخِلَافِ ظَهَرَ لَك أَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا فِي الْقَاضِي الْمُقَلَّدِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ، وَخَرْقٌ لِمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِقَوْلِ إمَامِهِ مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا أَوْ لَا، وَصَارَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَقَاؤُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ نُصُوصُ الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ وَامْتَنَعَ نَقْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ الْحُكْمُ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ كَصِحَّةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ لَا يَصِيرُ مَحْكُومًا بِهِ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ الَّذِي قَصَدَهُ وَهُوَ بَيْعُ عَبْدِ الْمَدْيُونِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَقَبُولُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَنَحْوُهُمَا، إذْ لَا وَجْهَ لِصَيْرُورَتِهِ مَحْكُومًا بِهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ وَقَصْدٍ لَهُ وَمَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ، وَقَصَدَ الْحُكْمَ بِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ يَصِحُّ حُكْمُهُ بِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ رَأْيِهِ السَّابِقِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فَيَنْفُذُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَمْضَاهُ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ اشْتِرَاطُ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ فِيمَا قَصَدَ الْحُكْمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَلِذَا قَالَ: وَيُفْتَى بِخِلَافِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فَهِمَ أَيْضًا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي عُسْرِ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قُضَاةِ زَمَانِنَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إلَخْ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِحُكْمٍ فِي قَوْلِهِ: حُكْمُ قَاضٍ أَوْ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٍ أَيْضًا لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ فِي قَوْلِهِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ فُقِدَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، وَبِأَنَّهُ شَرْطٌ لِنَفَادِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ هُنَا فِي الْبَحْرِ فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحُكْمَ الْمَرْفُوعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ وَالْبَزَّازِيُّ وَقَالَا حَتَّى لَوْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى فَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِلَا دَعْوَى، لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَيَحْكُمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا كَمَا سَمِعْت اهـ أَيْ لَا بُدَّ فِي حُكْمِ الثَّانِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ، مِنْ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذِهِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةُ تُسَمَّى الْحَادِثَةَ لِحُدُوثِهَا عِنْدَ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِدُونِ الْخُصُومَةِ فِيهِ، فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ بِهِ قَبْلَهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمُوجِبِ قَرِيبًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ الْقَصْدِيِّ الْقَوْلِيِّ دُونَ الضِّمْنِيِّ وَالْفِعْلِيِّ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْفُرُوعِ وَكَذَا مَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً وَمِنْهُ الْوَقْفُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأَوَّلِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً صَحِيحًا، بَلْ كَانَ إفْتَاءً أَيْ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَادِثَةِ وَإِذَا كَانَ إفْتَاءً لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ تَنْفِيذُهُ بَلْ يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَافَقَ حُكْمَ الْأَوَّلِ أَوْ خَالَفَهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ الْفَرَائِضِ وَحَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ إذَا ارْتَابَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي سَيَجِيءُ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَذْكُورٌ هُنَاكَ أَيْضًا اهـ ح لَكِنَّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ ط.

(قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ عُرِفَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ

ص: 396

لِتَرْكِ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَعَارَفُوا فِي زَمَانِنَا الْقَضَاءَ بِالْمُوجَبِ

ــ

[رد المحتار]

فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحُكْمِ كَوْنُهُ بَعْدَ دَعْوَى صِحَّةٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِتَرْكِ مَا ذَكَرَ) فَمُؤَدَّاهَا إحَاطَةُ الْقَاضِي الثَّانِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ لَهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرِضٍ عِنْدَهُ وَيُسَمَّى اتِّصَالًا وَيَتَجَوَّزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ اهـ ابْنُ الْغَرْسِ. قُلْت: وَلِلْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ صَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي الْحُكْمِ بِلَا تَقَدُّمِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا لِكَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِلَا دَعْوَى وَيَحْكُمُ بِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَا لَا إنْكَارَ عَلَى التَّنَافِيذِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا لِكُتُبِ الْأَوْقَافِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ بِالْوَقْفِ فَقَوْلُهُمْ إنَّ التَّنَافِيذَ فِي زَمَانِنَا لَيْسَتْ أَحْكَامًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَفِي إثْبَاتِ مُجَرَّدِ كَوْنِهِ وَقْفًا، أَمَّا كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ وَأَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ كَذَا أَوْ كَذَا فَهَذَا حَقُّ عَبْدٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَعْوَاهُ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ، وَكَذَا فِي إثْبَاتِ شُرُوطِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَتَأَمَّلْ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَارَفُوا إلَخْ) هَذَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي مُوجَبٍ خَاصٍّ، مِنْ مَوَاجِبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى بِشُرُوطِهَا كَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ الْمُوجِبِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِوَقْفِ عَقَارٍ عِنْدَ الْقَاضِي، وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ تَنَازَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فِي صِحَّتِهِ وَلَزِمَهُ، فَحَكَمَ بِهِمَا وَبِمُوجَبِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالشُّرُوطِ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ السَّابِقُ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَيْءٍ فِي حَادِثَةٍ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَا يَكُونُ قَضَاءً فِيمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ إلَى أَنْ قَالَ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَقَارٍ، وَمُوجِبُهُ لَا يَكُونُ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لِعَدَمِ حَادِثَتِهَا، وَكَذَا إذَا قَضَى حَنَفِيٌّ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ، وَإِنْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ مِنْ مَوَاجِبِهِ؛ لِأَنَّ حَادِثَتَهَا لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْحُكْمِ وَلَا شُعُورَ لِلْقَاضِي بِهَا،

وَكَذَا إذَا قَضَى مَالِكِيٌّ بِحِصَّةِ التَّعْلِيقِ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ الْمُجَازِ بِالْفِعْلِ لِعَدَمِهِ وَقْتَهُ فَافْهَمْ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ زَمَانِنَا عَنْهُ غَافِلُونَ اهـ، وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَمَّا كَوْنُ الْحُكْمِ حَادِثَةً فَاحْتِرَازٌ عَمَّا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ إجَارَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ خُصُومَةٌ اهـ، قُلْت: وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوجَبِ هُنَا الَّذِي لَا يَصِحُّ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ مَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، فَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَاسْتِحْقَاقُ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمُ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ لَكِنَّهَا مُقْتَضَيَاتٌ لَازِمَةٌ لَهُ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِهَا بِخِلَافِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهِ لِلْخَلِيطِ أَوْ لِلْجَارِ مَثَلًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ فَكَمْ مِنْ بَيْعٍ لَا تُطْلَبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَهَذَا يُسَمَّى مُوجَبَ الْبَيْعِ، وَلَا يُسَمَّى مُقْتَضَى وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ الْمُوجَبَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا؛ إذْ الْمُقْتَضَى لَا يَنْفَكُّ، وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَالْأَوَّلُ كَانْتِقَالِ الْمَالِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ.

وَالثَّانِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُوجَبُ أَعَمُّ

ص: 397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

لِأَنَّهُ الْأَثَرُ اللَّازِمُ سَوَاءٌ كَانَ يَنْفَكُّ أَوْ لَا اهـ وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ أَنَّ مُوجِبَ الشَّيْءِ مَا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاقْتَضَاهُ، فَالْمُوجَبُ وَالْمُقْتَضَى فِي الْأَصْلِ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ بَعْضِ الصُّوَرِ أَنَّ الْمُوجِبَ فِي بَابِ الْحُكْمِ أَعَمُّ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ إذْ لَوْ بَاعَ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ تَنَازَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ، فَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ الْبَيْعِ صَحَّ الْحُكْمُ وَمَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْمُقْتَضَى، وَإِلَّا كَانَ بَاطِلًا، وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ نَقْضُهُ وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ إذْ لَا مُقْتَضَى لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَيَصِحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ أَنْ يُقَالَ مُوجَبُ هَذَا الْبَيْعِ الْبُطْلَانُ اهـ مُلَخَّصًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ مَا مَرَّ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْغَرْسِ أَنَّهُ كَمَا يُقَالُ إنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ يُقَالُ إنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ نَفْسِهِ، فَدَعْوَاهُ أَنَّهُمَا فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّ هَذَا السَّبَبَ هُوَ الدَّاعِي إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا هُوَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الِانْفِكَاكِ فِي الْمُقْتَضَى لَا فِي الْمُوجَبِ أَعَمُّ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ، مَا لَمْ يَكُنْ حَادِثَةً بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ التَّرَافُعُ، وَالتَّنَازُعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلُزُومِهِ فَحَكَمَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ الْبَيْعِ كَانَ حُكْمًا بِصِحَّتِهِ وَبِبَاقِي مُقْتَضَيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ كَمِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، وَلُزُومِ دَفْعِهِ الثَّمَنَ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مُوجَبِهِ الْمُنْفَكِّ عَنْهُ كَاسْتِحْقَاقِ الْجَارِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِعَدَمِ الْحَادِثَةِ كَمَا قُلْنَا.

1 -

مَطْلَبُ الْمُوجَبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْغَرْسِ ذَكَرَ أَنَّ الْمُوجَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَاحِدًا أَوْ أُمُورًا يَسْتَلْزِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ: كَالْقَضَاءِ بِالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذْ لَا مُوجِبَ لِهَذَا سِوَى ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِلْعَيْنِ وَالْحُرِّيَّةِ وَانْحِلَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ، وَالثَّانِي: كَمَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَطَالَبَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَثْبَتَهُ وَحَكَمَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ فَالْمُوجَبُ هُنَا أَمْرَانِ لُزُومُ الدَّيْنِ لِلْغَائِبِ وَلُزُومُ أَدَائِهِ عَلَى الْكَفِيلِ. وَالثَّانِي: يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ فِي الثُّبُوتِ. وَالثَّالِثُ: كَمَا إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ اقْتَصَرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَهَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَزَادَ عَلَيْهِ قِسْمًا رَابِعًا لَكِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى كَوْنِهِ شَرْطًا لِلْقِسْمِ الثَّانِي كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ لِمَنْ رَاجَعَهُ.

[تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ عَنْ فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْحُكْمِ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا أَوْ غَيْرَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَمِمَّا فَرَّعْته عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْمُخَالِفِ إذَا رُفِعَ إلَيْنَا فَإِنَّا نُمْضِيَهُ فِيمَا وَقَعَ حُكْمُهُ بِهِ لَا فِي غَيْرِهِ، مَا لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِبَيَّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى خَارِجٍ نَازَعَهُ ثُمَّ تَنَازَعَ ذُو الْيَدِ وَخَارِجٌ آخَرُ عِنْدَ حَنَفِيٍّ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَا يَمْنَعُهُ قَضَاءُ الشَّافِعِيِّ مِنْ سَمَاعِهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمِلْكِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُقَضَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْخَارِجُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُ الْحَاكِمِ تَعَدِّيَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَضَاءَ الْمَالِكِيِّ بِغَيْرِ دَعْوَى غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ، فَإِذَا رُفِعَ إلَيْنَا لَا نُنْفِذُهُ، وَكَذَلِكَ هُنَا لَا نَتَعَرَّضُ لِحُكْمِهِ عَلَى الْخَارِجِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يَقَعْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَمِمَّا فَرَّعْته لَوْ حَجَرَ شَافِعِيٌّ عَلَى سَفِيهٍ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، ثُمَّ رُفِعَتْ إلَيْنَا حَادِثَةٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِلْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ وَافَقَا الشَّافِعِيَّ فِي أَصْلِ الْحَجْرِ، لَمْ يُوَافِقَاهُ فِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ عِنْدَهُمَا فِيمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ،. فَإِذَا تَزَوَّجَتْ السَّفِيهَةُ الَّتِي حَجَرَ عَلَيْهَا شَافِعِيٌّ، وَلَمْ يُرْفَعُ نِكَاحُهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُبْطِلْهُ بَلْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ،

فَلَهُ

ص: 398

وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْضِي بِهِ فَإِذَا حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ كَانَ مَعْنَاهُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ

ــ

[رد المحتار]

أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ لَوْ الزَّوْجُ كُفُؤًا عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ مَذْهَبُ الْحَاجِرِ، لِعَدَمِ وُجُودِ حَادِثَةِ التَّزَوُّجِ وَقْتَ الْحَجْرِ، وَلَمْ تَكُنْ لَازِمَةً لِلْحَجْرِ حَتَّى تَدْخُلَ ضِمْنًا لِقَبُولِ الِانْفِكَاكِ لِجَوَازِ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ الْمَحْجُورَةُ أَصْلًا، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى كَلَامِهِمْ اهـ. قُلْت: وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ عِنْدَ قَاضٍ شَافِعِيٍّ فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا، وَبِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ لَمْ يَصِرْ حَادِثَةً وَقْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوجَدْ وَقْتَهُ، فَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالْفَسْخِ بِالْمَوْتِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ وَهَبَ ابْنَهُ وَسَلَّمَهُ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ، وَقَضَى شَافِعِيٌّ بِالْمُوجِبِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ وَتَرَافَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَحَكَمَ بِبُطْلَانِ الرُّجُوعِ قَالَ: وَقَدْ حَصَلَ التَّنَازُعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنِّي حَكَمْت قَبْلَهُ بِمُوجِبِ الْهِبَةِ وَمِنْ مُوجَبِهَا عِنْدِي أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، وَالْحُكْمُ فِي الْخِلَافِيَّةِ يَجْعَلُهَا وِفَاقِيَّةً، وَقَالَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ الرُّجُوعُ حَادِثَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وُجِدَتْ بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَكَيْفَ تَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهِ.

وَأُجِيبَ فِيهَا بِأَنَّ الْمُوجِبَ هُنَا أُمُورٌ هِيَ خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَدُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَلَكَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ أَبًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعَدَمَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ، فَإِنْ كَانَ التَّدَاعِي عِنْدَ الْقَاضِي لَيْسَ إلَّا فِي انْتِقَالِ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ إلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ اقْتَصَرَ الْقَضَاءُ بِالْمُوجَبِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ شَافِعِيًّا لَا يَصِيرُ كَوْنُ الْأَبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ مَحْكُومًا بِهِ، وَإِذَا كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَصِيرُ عَدَمُ مِلْكِهِ ذَلِكَ مَحْكُومًا بِهِ، فَلِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ الثَّانِيَ فِي الثُّبُوتِ قَالَ: فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى الْمُوصِلَةُ لَهُ شَرْعًا عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمُطَابَقَةُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِلْزَامِ الشَّرْعِيِّ أَيْ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ الْمَارَّةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِيمَا لَمْ يَتَخَاصَمَا إلَيْهِ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا فَاغْتُفِرَ التَّطْوِيلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَا حَوَاهُ مِنْ الْفَوَائِدِ الْعِظَامِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى) أَيْ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَوُجُوبِ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ، وَلَوَازِمِهِ فَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَحْكُومُ بِهِ الْمُضَافُ إلَى الْمَبِيعِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا هُوَ الْمُوجَبُ هَا هُنَا، وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِمُوجِبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، فَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أُضِيفَ إلَى ذَلِكَ الْبَيْعِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا، وَهُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْعِ بَاطِلًا وَلَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْبَيْعِ إذْ الْبَيْعُ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ اهـ ابْنُ الْغَرْسِ وَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي قَوْلِهِ بِمَا أُضِيفَ لَهُ هُوَ الْبَيْعُ مَثَلًا، فَإِنَّ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الْبَيْعِ وَمُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا فِي ظَنِّ الْقَاضِي: أَيْ فِي قَصْدِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْضِي بِهِ: أَيْ يَقْصِدُ الْقَضَاءَ بِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ اللَّازِمَةِ لَهُ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَا يُقْصَدُ الْقَضَاءُ بِهِ لِعَدَمِ التَّنَازُعِ فِيهِ كَثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَأَفَادَ أَنَّ الْمُوجَبَ قَدْ يَكُونُ مُقْتَضًى كَمَا مَثَّلْنَا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُقْتَضًى كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ مُوجَبٌ لَا مُقْتَضًى عَلَى مَا قَرَّرَهُ سَابِقًا فَافْهَمْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعْقِيدِ خَاصٌّ بِالْمُوجَبِ الَّذِي وَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ صَحِيحًا مَعَ أَنَّ الْمُوجِبَ أَعَمُّ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقَ بِذَلِكَ الْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَيْهِ يَصْدُقُ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِيهِ وَثُبُوتِ رَدِّهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُوجَبَ قَدْ يَكُونُ أُمُورًا يَسْتَلْزِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ لَا يَسْتَلْزِمُ، فَالْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ تَعْرِيفُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِنْ أَرَادَ تَخْصِيصَهُ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ صَحِيحًا عِنْدَنَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُنَا إذَا صَارَ حَادِثَةً،

ص: 399

وَلَوْ قَالَ الْمُوَثِّقُ وَحَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ نَهْرٌ (إلَّا مَا) عَرِيَ عَنْ دَلِيلٍ مُجْمَعٍ أَوْ (خَالَفَ كِتَابًا) لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ كَمَتْرُوكِ تَسْمِيَةٍ (أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً)

ــ

[رد المحتار]

فَيَخْرُجُ مَا لَا حَادِثَةَ فِيهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعٍ بَعْدَ إنْكَارِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَثَلًا، مِمَّا لَيْسَ مِنْ لِوَازِمِهِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا قَالَ الْمُوَثِّقُ) هُوَ كَاتِبُ الْقَاضِي الَّذِي يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ حُجَّةً فِي زَمَانِنَا.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ) أَيْ مِنْ الْمُقْتَضَى، فَإِنَّ بُطْلَانَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُوجَبٌ لَا مُقْتَضَى لِمَا ذَكَرَهُ فَكُلُّ مُقْتَضًى مُوجَبٌ، وَلَا عَكْسَ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُوَثِّقُ إلَخْ، فَإِنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُوجَبِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُقْتَضًى، فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ إنَّ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا التَّبَايُنَ لَا الْعُمُومَ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: مَجْمَعٌ) لَمْ يُمَثِّلْ لَهُ فِي شَرْحِهِ قَالَ ط: وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا رَأَيْته بِهَامِشِهِ نَحْوُ الْقَضَاءِ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ عِنْدَ تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ سِنِينَ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ كِتَابًا وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ اهـ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ.

(قَوْلُهُ: كَمَتْرُوكِ تَسْمِيَةٍ) أَيْ عَمْدًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]- بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ لِلْعَطْفِ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّهْيِ، أَوْ إلَى الْمَوْصُولِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا حَالِيَّةً فَتَكُونُ قَيْدًا لِلنَّهْيِ رُدَّ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِإِنَّ وَاللَّامَ يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي النَّهْيِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إنْ كَانَ فِسْقًا فَلَا يَصْلُحُ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، بَلْ وَهُوَ فِسْقٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلنَّهْيِ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لَهُ كَلَا تُهِنْ زَيْدًا وَهُوَ أَخُوك، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك، نَهْرٌ مُوَضَّحًا وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ الْمُؤَلَّفَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. مَطْلَبٌ فِي الْحُكْمِ بِمَا خَالَفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً) قَيَّدَ بِالْمَشْهُورَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَرِيبِ زَيْلَعِيٌّ، وَلَا بُدَّ هَا هُنَا مِنْ تَقْيِيدِ الْكِتَابِ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ وَتَقْيِيدِ السُّنَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً أَوْ مُتَوَاتِرَةً غَيْرَ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ، وَإِلَّا فَمُخَالَفَةُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ كُفْرٌ، كَذَا فِي التَّلْوِيحِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ أَوْ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِثُبُوتِ دَلِيلِ التَّأْوِيلِ، فَيَقَعُ الِاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَمْ لَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُعْطِي أَنَّ آيَةَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بَلْ هِيَ نَصٌّ فِي الْمُدَّعَى وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ، نَهْرٌ، أَيْ مَا مَرَّ مِنْ احْتِمَالِ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ، عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ النَّصِّ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ كَمَا مَرَّ، فَفِي عَدَمِ نَفَاذِ الْحُكْمِ بِمُعَارَضَةٍ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَبَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ اهـ.

قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَدَمَ النَّفَاذِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ السَّلَفُ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِ الْخِلَافِ بَعْدَهُمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُفِيدُ احْتِمَالُ الْآيَةِ أَوْجُهًا مِنْ الْإِعْرَابِ نَعَمْ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ تَصْحِيحِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ يُقَوِّي هَذَا الْبَحْثَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْقَضَاءِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا جَائِزٌ عِنْدَهُمَا

ص: 400

كَتَحْلِيلٍ بِلَا وَطْءٍ لِمُخَالَفَتِهِ حَدِيثَ الْعُسَيْلَةِ الْمَشْهُورِ (أَوْ إجْمَاعًا) كَحِلِّ الْمُتْعَةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فَسَادِهِ وَكَبَيْعِ أُمِّ وَلَدٍ عَلَى الْأَظْهَرِ وَقِيلَ يَنْفُذُ عَلَى الْأَصَحِّ.

(وَ) مِنْ ذَلِكَ مَا (لَوْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ) الْمُدَّعِي لِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (أَوْ بِقِصَاصٍ بِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْمُؤَقَّتِ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ

ــ

[رد المحتار]

لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ اشْتِبَاهُ الدَّلِيلِ لَا حَقِيقَةُ الْخِلَافِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مَحَلُّ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى كَوْنِهِ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَشَارَ إلَى الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ، وَهِيَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ، وَذَكَرَ ثَانِيًا عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهِيَ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ فَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ، لَا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ، وَمَنْ قَالَ: لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ. وَمَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِهِ اعْتَمَدَ مَا فِي الْجَامِعِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَبِهِ أَيْ بِمَا فِي الْجَامِعِ نَأْخُذُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْقُدُورِيِّ اهـ مُلَخَّصًا. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَالْمُتُونُ عَلَى مَا فِي الْقُدُورِيِّ، وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْجَامِعِ وَلِذَا رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: كَتَحْلِيلٍ بِلَا وَطْءٍ) أَيْ تَحْلِيلِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُحَلِّلِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِقَوْلِ سَعِيدٍ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: أَوْ إجْمَاعًا) الْمُرَادُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: كَحِلِّ الْمُتْعَةِ) أَيْ كَالْقَضَاءِ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، كَقَوْلِهِ: مَتِّعِينِي بِنَفْسِك عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَلَا يَنْفُذُ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ بِأَيَّامٍ أَيْ بِدُونِ لَفْظِ الْمُتْعَةِ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ فِي النِّكَاحِ تَرْجِيحَ قَوْلِ زُفَرَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ بِإِلْغَاءِ التَّوْقِيتِ فَيَنْعَقِدُ مُؤَبَّدًا.

(قَوْلُهُ: وَكَبَيْعِ أُمِّ وَلَدٍ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْفَعُ يَعْنِي اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى عَدَمِهِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يُرْفَعْ خِلَافُ الصَّحَابَةِ وَقَعَ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ فَلَا يَنْقُضُهُ الثَّانِي لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ إنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِهَا لَا يَجُوزُ فَتْحٌ، وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لَكِنْ أَيْضًا عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَسْبُوقَ بِخِلَافٍ مُخْتَلَفٍ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا فَفِيهِ شُبْهَةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَذَا فِي مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ

(قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يَنْفُذُ: وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ ذَكَرَهُ فِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا اهـ وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِ الثَّانِي اهـ.

(قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِيَكُونَ عِلَّةَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى» ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِي الْفَتْحِ عَلَى الْمُدَّعِي.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِقِصَاصٍ إلَخْ) أَيْ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْمُؤَقَّتِ) لَعَلَّ الصَّوَابَ لَا الْمُؤَقَّتِ بِلَا النَّافِيَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِصِحَّةِ الْمُؤَقَّتِ وَنَقَلَ ط مِثْلَهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ عَدَمَ نَفَاذِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ)

ص: 401

أَوْ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ بِصِحَّةِ) طَلَاقِ (الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَقَضَاءِ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا وَ) قَضَاءِ (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ أَبَدًا وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ (لَا يَنْفُذُ) فِي الْكُلِّ وَعَدَّ مِنْهَا فِي الْأَشْبَاهِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ، وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ لِمَا يَنْفُذُ سَبْعَ صُوَرٍ مِنْهَا لَوْ قَضَتْ الْمَرْأَةُ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ

ــ

[رد المحتار]

فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ وَقَضَى الْقَاضِي لِلْآخَرِ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ فَبَاعَ ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَالْقَضَاءَ وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلَوْلَا قَوْلُ الْخَصَّافِ لَقُلْنَا إنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ اهـ ط.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ إلَخْ) أَيْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا لَمْ يُخَاصِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَهُوَ فِي الْمِصْرِ بَطَلَ حَقُّهُ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَهْجُورٌ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى آخَرَ أَبْطَلَهُ وَجَعَلَ الْمُدَّعِيَ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِصِحَّةِ طَلَاقِ الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ) أَيْ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ فِي طَلَاقِ الدَّوْرِ لَا صِحَّةِ نَفْسِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الْقَبْلِيَّةَ تَلْغُو وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ تَعْلِيقِ الثَّلَاثِ تُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ فَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَبُطْلَانِ الطَّلَاقِ وَإِبْقَاءِ النِّكَاحِ لَا يَنْفُذُ.

(قَوْلُهُ: فِي بَابِهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَوْضَحْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَقَضَاءُ عَبْدٍ) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ شَاهِدًا عِنْدَ مَالِكٍ وَشُرَيْحٍ فَيَصْلُحُ قَاضِيًا فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ إمْضَاءُ قَاضٍ آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ كَمَا فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَضَيَا عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ بَالِغٍ أَوْ صَبِيٍّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ اهـ ح.

(قَوْلُهُ: أَبَدًا) مَحَلُّ ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَنْفُذُ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْغُرَرِ.

(قَوْلُهُ: وَعَدَّ مِنْهَا فِي الْأَشْبَاهِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا آخِرَ كِتَابِ الْوَقْفِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ لِمَا يَنْفُذُ سَبْعَ صُوَرٍ) حَيْثُ قَالَ فَإِنْ أَمْضَى قَضَاءَ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ وَتَابَ أَوْ قَضَاءَ الْأَعْمَى أَوْ قَضَاءَ امْرَأَةٍ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ قَضَاءَ قَاضٍ لِامْرَأَتِهِ أَوْ قَاضٍ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ التَّائِبِ وَبِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَقَاضٍ لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَقَاضٍ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ بِشَهَادَتِهَا نَفَذَ حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ كَالثَّانِي، وَالْأَوَّلُ تَأَبَّدَ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يَتَأَبَّدْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ اهـ.

قُلْت: وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي هَذِهِ السَّبْعِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ لَا الْمَقْضِيُّ بِهِ فَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ فَقَوْلُ الدُّرَرِ نَفَذَ أَيْ إمْضَاءُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ إلَخْ صَوَابُهُ: حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَالِثٌ لَمْ يَبْطُلْ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، لَكِنْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ دُونَ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، بَلْ هُوَ نَافِذٌ فِيهَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ ثَالِثٌ أَيْ نَفَّذَ الثَّالِثُ قَضَاءَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ نَافِذًا، فَلَمْ يَصِحَّ إبْطَالُ الثَّانِي لَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ لَهُ إبْطَالُهُ، وَإِذَا رُفِعَ إلَى مَنْ يَرَاهُ وَنَفَّذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ لَا يَرَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ، فَلَوْ كَانَ الْقَاضِي هُوَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ فَرُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى جَوَازَهُ أَبْطَلَهُ الثَّانِي، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَتِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَا يَجُوزُ، فَلَوْ رُفِعَ إلَى آخَرَ لَا يَرَاهُ جَازَ لَهُ إبْطَالُهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا لِامْرَأَتِهِ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا لَهَا، فَإِنْ رُفِعَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ إلَى مَنْ يَرَى جَوَازَهُ فَأَمْضَاهُ، ثُمَّ رُفِعَ إمْضَاءُ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ لَا يَرَى جَوَازَهُ أَمْضَى الثَّالِثُ إمْضَاءَ الثَّانِي، وَلَا يُبْطِلُهُ.

وَكَذَا قَضَاءُ الْأَعْمَى، وَكَذَا قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ، وَهُوَ يَرَاهُ فَرُفِعَ إلَى مَنْ لَا يَرَاهُ لَا يُبْطِلُهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ

ص: 402