الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَاضِي (وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ) وَيَخْتَارُ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ تَيْسِيرًا لِلنَّاسِ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ كَخَطِيبٍ وَمُدَرِّسٍ خَانِيَّةٌ وَأُجْرَةُ الْمُحْضِرِ عَلَى الْمُدَّعِي هُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا السُّلْطَانُ وَالْمُفْتِي وَالْفَقِيهُ (أَوْ) فِي (دَارِهِ) وَيَأْذَنُ عُمُومًا.
(وَيَرُدُّ هَدِيَّةً) التَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ ابْنُ كَمَالٍ: وَهِيَ مَا يُعْطَى بِلَا شَرْطٍ إعَانَةً بِخِلَافِ الرِّشْوَةِ ابْنُ مَلَكٍ وَلَوْ تَأَذَّى الْمُهْدِي بِالرَّدِّ يُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهَا خُلَاصَةٌ وَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ أَوْ بُعْدِ مَكَانِهِ وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ هَدَايَاهُ لَهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ خُصُوصِيَّةً وَفِيهَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي وَالْوَاعِظِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُهْدَى إلَى الْعَالِمِ لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ الزَّمَانِ.
(قَوْلُهُ: وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحَضْرَةِ الْمُشْرِكِ وَهُوَ نَجَسٌ بِالنَّصِّ وَقَدْ طَالَ فِي الْفَتْحِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْمَذْهَبِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا نَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فَفِي الِاعْتِقَادِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَالْحَائِضُ يَخْرُجُ إلَيْهَا أَوْ يُرْسِلُ نَائِبَهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَابَّةٍ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِيهِ وَفِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَدْبِرُ) أَيْ نَدْبًا كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ ط. مَطْلَبٌ فِي أُجْرَةِ الْمُحْضِرِ.
(قَوْلُهُ: وَأُجْرَةُ الْمُحْضِرِ إلَخْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ هُوَ مَنْ يُحْضِرُ الْخَصْمَ، وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ هَكَذَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ، وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ عَلَى الْمُتَرَدِّدِ فِي الْمِصْرِ وَمِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ وَفِي خَارِجِهِ لِكُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ، وَأُجْرَةُ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمُشَخِّصُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ، وَالْإِشْخَاصُ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْإِحْضَارِ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُحْضِرِ وَبَيْنَ الْمُلَازِمِ، وَهَذَا غَيْرُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مُؤْنَةُ الْمُشَخِّصِ قِيلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْأَصَحِّ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ اهـ، وَهَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ أُجْرَةَ الْمُشَخِّصِ بِمَعْنَى الْمُلَازِمِ عَلَى الْمُدَّعِي وَبِمَعْنَى الرَّسُولِ الْمُحْضِرِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ تَمَرَّدَ بِمَعْنَى امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي دَارِهِ) لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الدَّارُ وَفِي وَسَطِ الْبَلَدِ كَالْمَسْجِدِ نَهْرٌ.
[مَطْلَبٌ فِي هَدِيَّةِ الْقَاضِي]
(قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ هَدِيَّةً) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي قَالَ عليه الصلاة والسلام هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا» قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةٌ وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: تَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدَتْ فِي بَيْتِك، فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى لَك أَمْ لَا فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذِكْرُ الْهَدِيَّةِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاضُ وَالِاسْتِعَارَةُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ، فَتَحْرُمُ الْمُحَابَاةُ أَيْضًا، وَلِذَا قَالُوا لَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ كِتَابَةِ الصَّكِّ بِقَدْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ. فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مُحَابَاةٌ وَعَلَى هَذَا فَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ شِرَاءِ الْهِدَايَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ أَوْ بَيْعِ الصَّكِّ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ لَا يَحِلُّ وَكَذَا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ حِينَ أَخْذِ الْمَحْصُولِ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ بِهِ الدَّافِعُ دَوَاةً أَوْ سِكِّينًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ الِاسْتِقْرَاضُ وَالِاسْتِعَارَةُ فَهَذَا أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى شَرْحِ الْأَقْطَعِ.
(قَوْلُهُ: وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ إلَى أَنْ يَحْضُرَ صُلْبُهَا فَتُدْفَعَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهَا إلَخْ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
أَيْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِيهَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي اهـ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْمُفْتِي وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَبِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِمَامِ إمَامُ الْجَامِعِ: أَيْ وَأَمَّا الْإِمَامُ بِمَعْنَى الْوَلِيِّ فَلَا تَحِلُّ الْهَدِيَّةُ فَلَا مُنَافَاةَ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ رَأْسُ الْعُمَّالِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ وِلَايَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَالسَّاعِي وَالْعَاشِرِ اهـ.
قُلْت: وَمِثْلُهُمْ مَشَايِخُ الْقُرَى وَالْحِرَفِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَهُمْ قَهْرٌ وَتَسَلُّطٌ عَلَى مَنْ دُونِهِمْ فَإِنَّهُ يُهْدِي إلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ أَوْ لِيُرَوِّجَ عِنْدَهُمْ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِمَامِ إلَخْ دُخُولُ الْمُفْتِي إذَا كَانَ مَنْصُوبًا مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِاطِّلَاقِهِمْ جَوَازَ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لَهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ إمَامِ الْجَامِعِ وَالْمُدَرِّسِ الْمَنْصُوبَيْنِ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُهْدِي الْمُسَاعَدَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَنَصْرَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوبًا مِنْ الْإِمَامِ يَكُونُ كَذَلِكَ فَيُخَالِفُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَوَازِهَا لِلْمُفْتِي فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاضِي وَاضِحٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ مُلْزَمٌ وَخَلِيفَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فَأَخْذُهُ الْهَدِيَّةَ يَكُونُ رِشْوَةً عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يُؤَمِّلُهُ الْمُهْدِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ وَالْمُفْتِي لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُمْ بِجَوَازِهَا لِلْمُفْتِي إذَا كَانَتْ لِعِلْمِهِ لَا لِإِعَانَتِهِ لِلْمُهْدِي بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَإِذَا كَانَتْ لِإِعَانَتِهِ صَدَقَ عَلَيْهَا حَدُّ الرِّشْوَةِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِّهَا شَرْطُ الْإِعَانَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ أَنَّهُ لَوْ أَهْدَاهُ لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِلَا شَرْطٍ لَكِنْ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي لِيُعِينَهُ فَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إلَخْ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ غَيْرِهِمْ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ رَجُلٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا لَا يُهْدِي إلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَقْضِيَةِ إلَخْ، قُلْت: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَنْصُوصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فَمَا فِي الْأَقْضِيَةِ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ هُوَ الْمَقْبُولُ وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ الدَّاوُدِيِّ الشَّافِعِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ ع ش: وَمِنْ الْعُمَّالِ مَشَايِخُ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ، وَمُبَاشِرُو الْأَوْقَافِ وَكُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلِمِينَ انْتَهَى قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَا يَلْحَقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ، وَمُعَلِّمُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ، وَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ، لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِفْتَاءِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ لِيَكُونَ عِلْمُهُمْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أُهْدِيَ إلَيْهِمْ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ فَالْأَوْلَى الْقَبُولُ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ لِيُرَخِّصَ فِي الْفَتْوَى فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ بَاطِلٍ فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ يُبَدِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً انْتَهَى، هَذَا كَلَامُهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ لَا لِيُرَخِّصَ لَهُ بَلْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ بَلْ مُجَرَّدُ هَدِيَّةٍ؛ لِأَنَّ
الْقَاضِي (إلَّا مِنْ) أَرْبَعٍ السُّلْطَانِ وَالْبَاشَا أَشْبَاهٌ وَبَحْرٌ وَ (قَرِيبِهِ) الْمَحْرَمِ (أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ) بِقَدْرِ عَادَتِهِ وَلَا خُصُومَةَ لَهُمَا دُرَرٌ (وَ) يَرُدُّ إجَابَةَ (دَعْوَةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا يَتَّخِذُهَا صَاحِبُهَا لَوْلَا حُضُورُ الْقَاضِي) وَلَوْ مِنْ مَحْرَمٍ وَمُعْتَادٍ وَقِيلَ: هِيَ كَالْهَدِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَا يُجِيبُ دَعْوَةَ خَصْمٍ
ــ
[رد المحتار]
أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يَحِلُّ عَلَى الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: السُّلْطَانُ وَالْبَاشَا) عَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِيهِ فُصُولٌ إذْ لَا يَشْمَلُ الْقَاضِيَ الَّذِي يَتَوَلَّى مِنْهُ، وَهُوَ قَاضِي الْعَسْكَرِ لِقُضَاةِ الْأَقْطَارِ وَعِبَارَةُ الْقَلَانِسِيِّ، وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ وَالٍ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ مِنْهُ أَوْ وَالٍ مُقَدَّمِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْقُضَاةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ الْوَالِي الَّذِي تَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْهُ وَكَذَا مِنْ وَالٍ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ فِي الرُّتْبَةِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْقَاضِيَ الَّذِي تَوَلَّى مِنْهُ وَالْبَاشَا وَوَجْهُهُ أَنَّ مَنْعَ قَبُولِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْخَوْفِ مِنْ مُرَاعَاتِهِ لِأَجْلِهَا وَهُوَ إنْ رَاعَى الْمَلِكَ وَنَائِبَهُ لَمْ يُرَاعِهِ لِأَجْلِهَا.
(قَوْلُهُ: الْمَحْرَمُ) هَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ ابْنُ الْعَمِّ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَلَمْ أَرَ بِمَاذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ، ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الْعَطْفِ أَنَّ قَبُولَهَا مِنْ الْقَرِيبِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِجَرْيِ الْعَادَةِ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ قَيَّدَ فِيهِ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ عَادَتِهِ) فَلَوْ زَادَ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ زَادَ، فَبِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُهُ إذَا زَادَ فِي الْهَدِيَّةِ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهَا فَتْحٌ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ زَادَ فِي الْقَدْرِ، فَلَوْ فِي الْمَعْنَى كَأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ إهْدَاءَ ثَوْبِ كَتَّانٍ فَأَهْدَى ثَوْبًا حَرِيرًا لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا، وَيَنْبَغِي وُجُوبُ رَدِّ الْكُلِّ لَا بِقَدْرِ مَا زَادَ فِي قِيمَتِهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا، وَنَظَرَ فِيهِ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ. [تَنْبِيهٌ]
فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَدِيَّةُ الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُقْرِضِ كَالْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي إنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ اسْتِقْرَاضِهِ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُهْدِيهِ بِلَا زِيَادَةٍ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ سَهْوٌ وَالْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آخِرَ الْحَوَالَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا مُطْلَقًا اهـ، وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُحَقِّقِ فِي الْفَتْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا خُصُومَةَ لَهُمَا) فَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ جَازَ ابْنُ مَلَكٍ وَذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا وَفِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تَتَنَاهَى خُصُومَاتُهُ كَنُظَّارِ الْأَوْقَافِ وَمُبَاشِرِيهَا اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُهَا مُطْلَقًا وَمَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَبِلَ الْمُعْتَادَ وَإِلَّا فَلَا اهـ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَحْرَمًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: دَعْوَةٍ خَاصَّةٍ) الدَّعْوَةُ إلَى الطَّعَامِ بِفَتْحِ الدَّالِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعَرَبِ وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، فَلَوْ عَامَّةً لَهُ حُضُورُهَا لَوْلَا خُصُومَةٌ لِصَاحِبِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي تَفْسِيرِهَا وَقِيلَ الْعَامَّةُ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَمَا سِوَاهُمَا خَاصَّةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ لِخَمْسَةٍ إلَى عَشَرَةٍ فَخَاصَّةٌ وَإِنْ لِأَكْثَرَ فَعَامَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ كَالْهَدِيَّةِ) ظَاهِرُ الْفَتْحِ اعْتِمَادُهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ فَقَدْ آلَ الْحَالُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْغَرِيبِ وَفِي الْهَدِيَّةِ وَالضِّيَافَةِ وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً وَدَعْوَةً خَاصَّةً إلَّا مِنْ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَهُ عَادَةٌ بِاِتِّخَاذِهَا كَالْهَدِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الدَّعْوَةُ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَدَعَاهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُجِيبُهُ وَلَوْ اتَّخَذَ لَهُ طَعَامًا أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهُ قَدْ زَادَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُجِيبُ دَعْوَةَ خَصْمٍ) هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَقَوْلُهُ: وَغَيْرِ مُعْتَادٍ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْقِيلَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْعَامَّةُ كَالْخَاصَّةِ
وَغَيْرِ مُعْتَادٍ وَلَوْ عَامَّةً لِلتُّهْمَةِ
(وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَا عَلَيْهِمَا دَعْوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ (وَيُسَوِّي) وُجُوبًا (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ جُلُوسًا وَإِقْبَالًا وَإِشَارَةً وَنَظَرًا وَيَمْتَنِعُ مِنْ مُسَارَّةِ أَحَدِهِمَا وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ) وَرَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ (وَالضَّحِكِ فِي وَجْهِهِ) وَكَذَا الْقِيَامُ لَهُ بِالْأَوْلَى (وَضِيَافَتِهِ) نَعَمْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَهُمَا مَعًا جَازَ نَهْرٌ (وَلَا يَمْزَحُ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ (مُطْلَقًا) وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا لِذَهَابِهِ بِمَهَابَتِهِ (وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ) وَعَنْ الثَّانِي لَا بَأْسَ بِهِ عَيْنِيُّ (وَلَا) يُلَقِّنُ (الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ) وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ، بَزَّازِيَّةٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَقْتَ مَوْتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَمِلْ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ
ــ
[رد المحتار]
وَهُوَ خِلَافُ تَقْيِيدِهِمْ الْمَنْعَ بِالْخَاصَّةِ فَقَطْ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) إلَّا أَنَّهُ لَا يُطِيلُ الْمُكْثَ عِنْدَهُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَا عَلَيْهِمَا دَعْوَى) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْمَرِيضِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَوِّي وُجُوبًا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إلَخْ) إطْلَاقُهُ يَعُمُّ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالْخَلِيفَةَ وَالرَّعِيَّةَ وَالدَّنِيءَ وَالشَّرِيفَ وَالْأَبَ وَالِابْنَ وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ إلَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْخَلِيفَةُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ، وَأَنْ يُجْلِسَهُ مَعَ خَصْمِهِ، وَيَقْعُدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْلِسَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخُصُّ بِهِ الشَّيْخَيْنِ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ، وَيَكُونُ بُعْدُهُمَا عَنْهُ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا وَلَا يُمَكِّنُهُمَا مِنْ التَّرَبُّعِ وَنَحْوِهِ، وَيَكُونُ أَعْوَانُهُ قَائِمَةً بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَمَّا قِيَامُ الْأَخْصَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا، وَإِنَّمَا حَدَثَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُو الْأَحْوَالِ وَالْأَدَبِ وَقَدْ حَدَثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أُمُورٌ وَسُفَهَاءُ، فَيَعْمَلُ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى الْحَالِ كَذَا فِي الْفَتْحِ يَعْنِي فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُلُوسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ فَيُعْطِي كُلَّ إنْسَانٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّهُ دُونَ الْآخَرِ وَأَبَى الْآخَرُ إلَّا الْقِيَامَ لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ وَقِيَاسُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِقْبَالًا) أَيْ نَظَرًا قُهُسْتَانِيٌّ وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِالتَّوْجِيهِ إلَيْهِ صُورَةً أَوْ مَعْنًى لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ بِمَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَمْتَنِعُ مِنْ مُسَاوَاةِ أَحَدِهِمَا) أَيْ يَجْتَنِبُ التَّكَلُّمَ مَعَهُ خُفْيَةً، وَكَذَا الْقَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الْجِلْوَازُ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ بَلْ يُقِيمُهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْبُعْدِ وَمَعَهُ سَوْطٌ وَالشُّهُودُ يُقَرَّبُونَ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَبْلَهُ ط.
(قَوْلُهُ: وَرَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ) يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا لَوْ كَانَ بِسَبَبٍ كَإِسَاءَةِ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ الضِّيَافَةَ.
وَقَالَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ سَارَّهُمَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا مَعًا جَازَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْزَحُ) أَيْ يُدَاعِبُ فِي الْكَلَامِ مِنْ بَابِ نَفَعَ.
(قَوْلُهُ: فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ) أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِالْمَهَابَةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: عَيْنِيٌّ) عِبَارَتُهُ وَعَنْ الثَّانِي فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِ الْحُجَّةِ اهـ وَظَاهِرُهُ ضَعْفُهَا، بَلْ ظَاهِرُ الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا فِي تَلْقِينِ الشَّاهِدِ لَا الْخَصْمِ كَمَا يَأْتِي نَعَمْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلَيْنِ لِيُعَلِّمَاهُ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ اسْتَوْلَتْهُ الْحِيرَةُ أَوْ الْهَيْبَةُ فَتَرَكَ شَيْئًا مِنْ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ فَيُعِينُهُ بِقَوْلِهِ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا فِيهَا بِأَنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْخَمْسَمِائَةِ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفٍ فَيَقُولُ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَبْرَأَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ عِلْمًا فَوَفَّقَ بِهِ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا وَفَّقَ الْقَاضِي، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي تَلْقِينِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ اهـ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَحِكَايَةُ الرِّوَايَةِ فِي تَلْقِينِ الشَّاهِدِ وَالِاتِّفَاقُ فِي تَلْقِينِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ يَنْفِي مَا مَرَّ عَنْ الْعَيْنِيِّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ) قَدَّمْنَا عَنْ الْكِفَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا تَوَلَّى الْقَضَاءَ أَيْضًا وَذَكَرَ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ أَنَّ الرَّشِيدَ وَلَّاهُ قَضَاءَ الرَّقَّةِ ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الرَّيِّ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُدَّتَهُ لَمْ تَطُلْ؛ وَلِذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْقَضَاءِ كَمَا اشْتَهَرَ أَبُو يُوسُفَ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ التَّجْرِبَةِ