الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَبُ يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ طِفْلَهُ إذَا تَغَيَّبَ وَفِيهَا الْقَاضِي يَأْخُذُ كَفِيلًا بِإِحْضَارِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ: مُكَاتَبُهُ، وَمَأْذُونُهُ، وَوَصِيٌّ، وَوَكِيلٌ إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا لَا يُجْبَرُ اتِّفَاقًا بَلْ حَقُّهُ فِي الْيَمِينِ فَقَطْ اهـ بِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ إلَّا كَفِيلَ النَّفْسِ إلَّا إذَا قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ وَلَا لِمُوَكِّلِي وَلَا لِيَتِيمٍ أَنَا وَصِيُّهُ وَلَا لِوَقْفٍ أَنَا مُتَوَلِّيهِ فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ أَشْبَاهٌ
(وَ) أَمَّا (كَفَالَةُ الْمَالِ)
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَالْمَقْصُودُ مِنْ طَلَبِ إحْضَارِهَا أَنْ يَسْأَلَهَا الْقَاضِي عَنْ دَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ أَجْبَرَهَا الْقَاضِي عَلَى الْمَصِيرِ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَهَكَذَا فَهِمْته قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فَافْهَمْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا بِرِضَاهَا لَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا لِقَبْضِ الْمَهْرِ.
(قَوْلُهُ: الْأَبُ يُطَالِبُ بِإِحْضَارِ طِفْلِهِ إذَا تَغَيَّبَ) أَيْ إذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَطَلَبَ مِنْ رَجُلٍ أَنْ يَضْمَنَهُ فَافْهَمْ، وَهَذِهِ غَيْرُ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي، وَكَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْإِحْكَامَاتِ: لَوْ تَغَيَّبَ الْغُلَامُ وَأَخَذَ الْكَفِيلُ أَبَا الْغُلَامِ وَقَالَ: أَنْتِ أَمَرْتنِي أَنْ أَضْمَنَهُ فَخَلِّصْنِي فَإِنَّ الْأَبَ يُؤَاخَذُ بِهِ حَتَّى يَحْضُرَ ابْنُهُ إذْ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَكَذَا قَالُوا إنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ لَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّبَ الصَّبِيُّ فَإِنَّ الْأَبَ يُطَالِبُ بِإِحْضَارِهِ بِخِلَافِ أَجْنَبِيٍّ قَالَ أَكْفُلُ بِنَفْسِ زَيْدٍ وَكَفَلَ فَغَابَ زَيْدٌ، فَالْآمِرُ بِالْكَفَالَةِ لَا يُطَالَبُ بِإِحْضَارِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ.
(قَوْلُهُ: بِإِحْضَارِ الْمُدَّعَى) بِالْفَتْحِ: أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ إذَا كَانَ مَنْقُولًا.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ يَأْخُذُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إذَا بَرْهَنَ الْمُدَّعِي وَلَمْ تُزَكَّ شُهُودُهُ، أَوْ أَقَامَ وَاحِدًا أَوْ ادَّعَى وَقَالَ شُهُودِي حُضُورٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ كَفِيلٍ بِالْمَالِ أَشْبَاهٌ.
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَلَبِ كَفِيلٍ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ وَهُمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَمَا إذَا ادَّعَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ دَيْنًا غَيْرَهَا، وَمَا إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الْغَيْرُ الْمَدْيُونِ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ فَإِنَّهُ يَكْفُلُ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ كَوْنَهُ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ بَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ، فَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَى كَوْنِهِ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ كَفِيلٌ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ أَوْ الْوَكَالَةَ لَيْسَتْ حَقًّا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ أَثْبَتَ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ صَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَصْمًا، فَإِذَا قَالَ لِلْقَاضِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ فَخُذْ لِي كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُجِيبُهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ.
(قَوْلُهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفِيلِ) وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْبَرُ، كَمَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَقِيرًا ط عَنْ حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا كَفِيلَ النَّفْسِ) فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ الْمَكْفُولِ بِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا يَثْبُتُ عَلَيْهِ أَوْ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ كَافِي.
[مَطْلَبُ كَفَالَةِ الْمَالِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا كَفَالَةُ الْمَالِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَفَالَةُ النَّفْسِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ.
وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْمَالِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِهِ قِسْمًا ثَالِثًا فَتَأَمَّلْ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لَهُ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ ضَمِنْت لَكَ مَا عَلَى فُلَانٍ أَنْ أَقْبِضَهُ وَأَدْفَعَهُ إلَيْكَ، قَالَ لَيْسَ هَذَا عَلَى ضَمَانِ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ مَالِ رَجُلٍ
فَ (تَصِحُّ وَلَوْ) الْمَالُ (مَجْهُولًا بِهِ إذَا كَانَ) ذَلِكَ الْمَالُ (دَيْنًا صَحِيحًا) إلَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُشْتَرَكًا كَمَا سَيَجِيءُ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَجُوزُ ظَهِيرِيَّةٌ
ــ
[رد المحتار]
أَلْفًا فَقَتَلَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِنْهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَا تُقَاتِلْهُ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا آخُذُهَا وَأَدْفَعُهَا إلَيْكَ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ اسْتَهْلَكَ الْأَلْفَ وَصَارَتْ دَيْنًا كَانَ هَذَا الضَّمَانُ بَاطِلًا وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ التَّقَاضِي اهـ. فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَكُونُ كَفَالَةً بِنَفْسِ الْمَالِ بَلْ بِتَقَاضِيهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مُعَلَّقًا.
فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ دَيْنُك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْكَ أَنَا أُسَلِّمُهُ أَنَا أَقْبِضُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظَةٍ تَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ.
ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَتَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُنَجِّزًا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا، وَلَوْ مُعَلِّقًا كَقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي فَأَنَا أَدْفَعُ يَصِيرُ كَفِيلًا اهـ. مَطْلَبُ كَفَالَةِ الْمَالِ قِسْمَانِ: كَفَالَةٌ بِنَفْسِ الْمَالِ وَكَفَالَةٌ بِتَقَاضِيهِ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا مَرَّ أَنَّ كَفَالَةَ الْمَالِ قِسْمَانِ، كَفَالَةٌ بِنَفْسِ الْمَالِ وَكَفَالَةٌ بِتَقَاضِيهِ، وَمِنْ الثَّانِي الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِ عَيْنٍ كَأَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: وَلَوْ غَصَبَ مِنْ مَالِ رَجُلٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ تَتَعَيَّنُ فَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهَا لَوْ قَائِمَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِدَفْعِهَا بَلْ يَصِيرُ كَفِيلًا بِالتَّقَاضِي، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ بِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَصِيلُ مُطَالَبًا بِهِ الْآنَ أَوْ لَا، فَتَصِحُّ عَنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِاسْتِهْلَاكٍ أَوْ قَرْضٍ وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ الْآنَ، كَمَا لَوْ فَلَّسَ الْقَاضِي الْمَدْيُونَ وَلَهُ كَفِيلٌ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ دُونَ الْكَفِيلِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَهْرٌ، وَشَمِلَ كَفَالَةَ الْمَالِ عَنْ الْأَصِيلِ وَعَنْ الْكَفِيلِ بِأَنْ كَفَلَ عَنْ الْكَفِيلِ كَفِيلٌ آخَرُ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْكَافِي.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ صِحَّتَهَا فَشَمِلَ كُلَّ مَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكُلَّ مَنْ لَهُ الْمَالُ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْكَفَالَةُ لِلصَّبِيِّ التَّاجِرِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ، وَلِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ غَيْرِ التَّاجِرِ رِوَايَتَانِ اهـ.
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: إذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِصَبِيٍّ، إنْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا صَحَّ بِخِطَابِهِ وَقَبُولِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ قَبِلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَأَجَازَ وَلِيُّهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُخَاطَبْ وَلِيٌّ وَلَا أَجْنَبِيٌّ بَلْ الصَّبِيُّ فَقَطْ فَعَنْ الْخِلَافِ اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَفَالَةِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ مِنْ فُضُولِيٍّ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ، وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَ الصَّغِيرَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ الْمَالُ مَجْهُولًا) لِابْتِنَائِهَا عَلَى التَّوَسُّعِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهَا بِالدَّرَكِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَمْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَبِيعِ، نَهْرٌ، وَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَرْبَعَةُ أَمْثِلَةٍ لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْفَتْحِ وَمَا نُوقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بَعْضَ مَالِكٍ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَمْنُوعٌ، بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالْخِيَارُ لِلضَّامِنِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ أَيَّ مِقْدَارٍ شَاءَ اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ جَازَ وَعَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَيَّهُمَا شَاءَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ دَيْنًا صَحِيحًا) يَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَدَخَلَ فِيهِ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا عَزَاهُ الْحَانُوتِيُّ إلَى شَرْحِ التَّكْمِلَةِ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ قَائِمًا كَمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) فِي قَوْلِهِ وَلَا لِشَرِيكٍ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ فَهَذَا دَيْنٌ صَحِيحٌ لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَجُوزُ) لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكْفُلَ نِصْفًا مُقَدَّرًا فَيَكُونُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ نِصْفًا شَائِعًا فَيَصِيرُ كَفِيلًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَقْبُوضِ نِصْفَهُ
وَإِلَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ الْمُقَرَّرَةِ فَتَصِحُّ مَعَ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتٍ وَطَلَاقٍ أَشْبَاهٌ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهَا بِالِاسْتِحْسَانِ لِلْحَاجَةِ لَا بِالْقِيَاسِ وَإِلَّا فِي بَدَلِ السِّعَايَةِ عِنْدَهُ بَزَّازِيَّةٌ، وَكَأَنَّهُ أُلْحِقَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْجِيزَ، فَيَلْغُزُ: أَيُّ دَيْنٍ صَحِيحٌ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَأَيُّ دَيْنٍ ضَعِيفٌ وَتَصِحُّ بِهِ.
(وَ) الدَّيْنُ الصَّحِيحُ (هُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ) وَلَوْ حُكْمًا بِفِعْلٍ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمَهْرِ بِمُطَاوَعَتِهَا لِابْنِ الزَّوْجِ لِلْإِبْرَاءِ الْحُكْمِيِّ ابْنُ كَمَالٍ
ــ
[رد المحتار]
كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ الْمُقَرَّرَةِ) مَا قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ صَرِيحِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَفْهُومِهِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ صَحِيحٍ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ، فَقَالَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ الْمُقَرَّرَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا مَعَ أَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِسُقُوطِهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَدَانَةٍ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَإِلَّا فَهِيَ دَيْنٌ صَحِيحٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقَرَّرَةِ مَا قُرِّرَ مِنْهَا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.
وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ أَيْضًا بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بَعْدَ أَسْطُرٍ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا أَصْلًا.
وَأَمَّا مَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ إلَّا إذَا كَانَتْ مُقَرَّرَةً بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا حَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِي بَدَلِ السِّعَايَةِ) أَيْ كَمَا إذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُ وَسَعَى فِي بَاقِيهِ.
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَالْمُسْتَسْعَى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَا عَتَقَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ كَفَالَةُ أَحَدٍ عَنْهُ بِالسِّعَايَةِ لِمَوْلَاهُ وَلَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَتَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ، وَأَمَّا الْمُعْتَقُ عَلَى جُعْلٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْكَفَالَةُ لِلْمَوْلَى بِالْجُعْلِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ جَائِزَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَلْغُزُ أَيُّ دَيْنٍ صَحِيحٍ إلَخْ) فَيُقَالُ هُوَ بَدَلُ السِّعَايَةِ وَكَذَا الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ كَمَا عَلِمْته.
قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ قُلْت: دَيْنُ الزَّكَاةِ كَذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ.
قُلْت: إنَّمَا لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَيْنًا حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
قُلْت: وَفِي قَوْلِهِ كَذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الصَّحِيحَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَبِهَلَاكِ الْمَالِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَيُّ دَيْنٍ ضَعِيفٌ) هُوَ دَيْنُ النَّفَقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْإِبْرَاءُ حُكْمًا ط. (قَوْلُهُ: بِفِعْلِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ط. (قَوْلُهُ: فَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمَهْرِ) الْأَوْلَى فَدَخَلَ دَيْنُ الْمَهْرِ السَّاقِطُ بِمُطَاوَعَتِهَا ط. (قَوْلُهُ: لِلْإِبْرَاءِ الْحُكْمِيِّ) لِأَنَّ تَعَمُّدَهَا ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ لِمَهْرِهَا فَكَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّ الْمَهْرَ يَسْقُطُ مِنْهُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ إبْرَاءٌ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إبْرَاءَ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بِطَلَاقِهِ سَقَطَ عَنْهُ لَا عَنْهَا.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لَكِنْ مَعَ احْتِمَالِ سُقُوطِهِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ تُنْصِفُهُ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَتَأَكَّدُ لُزُومُ تَمَامِهِ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ حَتَّى إنَّهُ بَعْدَ تَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ لَا يَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَالثَّمَنِ إذَا تَأَكَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَقَدْ صَرَّحُوا هُنَاكَ بِصِحَّةِ كَفَالَةِ وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ بِالْمَهْرِ، وَكَذَا كَفَالَةُ وَكِيلِ الْكَبِيرَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ احْتِمَالَ سُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ نِصْفِهِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ السُّقُوطِ تَظْهَرُ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ كَمَا لَا يَضُرُّ احْتِمَالُ سُقُوطِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوْ بِرَدِّهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ بِهِ يَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ مَعَ أَنَّ الثَّمَنَ عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ: أَيْ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِذَلِكَ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ مُسْقِطٌ نَاسِخٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ لُزُومُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِلثَّمَنِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَكَذَا عَقْدُ النِّكَاحِ يَلْزَمُ بِهِ تَمَامُ الْمَهْرِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ
(فَلَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِدُونِهَا بِالتَّعْجِيزِ، وَلَوْ كَفَلَ وَأَدَّى رَجَعَ بِمَا أَدَّى بَحْرٌ، يَعْنِي لَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَسَيَجِيءُ قَيْدٌ آخَرُ (بِكَفَلْت) مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ (عَنْهُ بِأَلْفٍ) مِثَالُ الْمَعْلُومِ (وَ) مَثَّلَ الْمَجْهُولَ بِأَرْبَعَةِ أَمْثِلَةٍ (بِمَا لَكَ عَلَيْهِ، وَبِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) وَهَذَا يُسَمَّى ضَمَانَ الدَّرَكِ (وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ) وَكَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ كَفَلْت لَكَ النَّفَقَةَ أَبَدًا مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ خَانِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ.
ــ
[رد المحتار]
أَوْ الْإِبْرَاءِ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ مُسْقِطٌ لِكُلِّهِ أَوْ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ مِنْ أَصْلِهِ مُحْتَمِلًا لِسُقُوطِهِ بِذَلِكَ الْمُسْقِطِ فَإِذَا عَرَضَ ذَلِكَ الْمُسْقِطُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ سُقُوطِهِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْحَالِ.
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ، فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
(قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالدِّيَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالدِّيَةِ لَا تَصِحُّ اهـ، وَنَقَلَهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهِ خِلَافًا، وَنَقَلَهَا صَاحِبُ النُّقُولِ عَنْ الْخُلَاصَةِ رَمْلِيٌّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ دَيْنًا حَقِيقَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ أَوَّلًا عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ وَالْمُعَاوَنَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِاعْتِرَافِهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا فَتَأَمَّلْ.
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ: إنْ قَتَلَك فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ لِدِيَتِك فَقَتَلَهُ فُلَانٌ خَطَأً فَهُوَ ضَامِنٌ لِدِيَتِهِ.
(قَوْلُهُ: بِالتَّعْجِيزِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِدُونِهِمَا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِسْقَاطِ هَذَا الدَّيْنِ بِأَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ مَتَى أَرَادَ فَلَمْ يَكُنْ دَيْنًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ مُلْزِمًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَلِذَا لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَلَ) أَيْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِالْعُهْدَةِ وَبِالْخَلَاصِ.
(قَوْلُهُ: قَيْدٌ آخَرُ) هُوَ إذَا حَسِبَ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ لَهُ مَالًا عَلَى ظَنِّ لُزُومِهِ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَائِدَةَ لِلْقَيْدِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَشِّينَ ذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْته.
(قَوْلُهُ: بِكَفَلْت إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ لَا تَكُونُ بِهِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَإِلَّا كَانَتْ كَفَالَةَ نَفْسٍ وَإِلَى أَنَّ سَائِرَ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ الْمَارَّةِ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ تَكُونُ كَفَالَةَ مَالٍ أَيْضًا كَمَا حَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ، وَإِلَى مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ دَيْنُك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْكَ أَنَا أُسَلِّمُهُ أَنَا أَقْبِضُهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظَةٍ تَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ كَفَلْت ضَمِنْت عَلَيَّ إلَيَّ وَقَدَّمْنَا عَنْهُ قَرِيبًا فِي أَنَا أَدْفَعُهُ إلَخْ لَوْ أَتَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُنَجِّزًا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا، وَلَوْ مُعَلِّقًا كَقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي فَأَنَا أَدْفَعُ يَصِيرُ كَفِيلًا.
(قَوْلُهُ: بِمَا لَكَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ إقْرَارِ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ اهـ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِكَفَلْت بَعْضَ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَيُجْبَرُ الْكَفِيلُ عَلَى الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يُسَمَّى ضَمَانَ الدَّرَكِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِسُكُونِ الرَّاءِ: وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ: وَشَرْطُهُ ثُبُوتُ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْقَضَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ.
(قَوْلُهُ: وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَى) مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ بِكَفَلْت فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِتَصِحُّ لَا عَلَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ إذْ لَا يُنَاسِبُهُ جَعْلُ مَا شَرْطِيَّةً جَوَابُهَا قَوْلُهُ: فَعَلَى (قَوْلِهِ وَكَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ لِغَيْرِهِ ادْفَعْ إلَى فُلَانٍ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَدَفَعَ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَالٌ كَثِيرٌ فَقَالَ الْآمِرُ لَمْ أُرِدْ جَمِيعَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الْجَمِيعُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَهُوَ عَلَيَّ، يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا بَايَعَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ كَفَلْت لَكَ
(وَمَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ) مَا هُنَا شَرْطِيَّةٌ أَيْ إنْ بَايَعْته فَعَلَيَّ لَا مَا اشْتَرَيْته لِمَا سَيَجِيءُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَبِيعِ لَا تَجُوزُ، وَشَرَطَ فِي الْكُلِّ الْقَبُولَ: أَيْ وَلَوْ دَلَالَةً، بِأَنْ بَايَعَهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ لِلْحَالِّ نَهْرٌ، وَلَوْ بَاعَ ثَانِيًا لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إلَّا فِي كُلَّمَا، وَقِيلَ يَلْزَمُ إلَّا فِي إذَا وَعَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالشُّرُنْبُلالي فَلْيُحْفَظْ. وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ صَحَّ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالذَّوْبِ
ــ
[رد المحتار]
بِالنَّفَقَةِ أَبَدًا يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ أَبَدًا مَا دَامَتْ فِي نِكَاحِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: مَا دُمْت فِي نِكَاحِهِ فَنَفَقَتُك عَلَيَّ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ زَالَ النِّكَاحُ لَا تَبْقَى النَّفَقَةُ اهـ.
وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ النَّفَقَاتِ لُزُومَ الْكَفِيلِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: وَمَا غَصَبَك فُلَانٌ) وَكَذَا مَا أَتْلَفَ لَكَ الْمُودِعُ فَعَلَيَّ، وَكَذَا كُلُّ الْأَمَانَاتِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
(قَوْلُهُ: مَا هُنَا شَرْطِيَّةٌ) أَيْ فِي قَوْلِهِ مَا بَايَعْت وَمَا غَصَبَك.
(قَوْلُهُ: أَيْ إنْ بَايَعْته فَعَلَيَّ لَا مَا اشْتَرَيْته) أَرَادَ بَيَانَ أَمْرَيْنِ: كَوْنُ مَا لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ مِثْلُ إنْ، وَكَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ الثَّمَنَ لَا الْمَبِيعَ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ.
وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَظْهَرُ فِي الْمَقْصُودِ حَيْثُ قَالَ أَيْ مَا بَايَعْت مِنْهُ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِثَمَنِهِ لَا مَا اشْتَرَيْته فَإِنِّي ضَامِنٌ لِلْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَبِيعِ لَا تَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي.
ثُمَّ قَالَ: وَمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ شَرْطِيَّةٌ مَعْنَاهُ إنْ بَايَعْت فُلَانًا فَيَكُونُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ اهـ، وَمَا كَتَبَهُ ح هُنَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَهُ فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِضَمَانِ الثَّمَنِ؛ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ بَايِعْ فُلَانًا عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ اهـ.
قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ مَنْ قَالَ اسْتَأْجِرْ طَاحُونَةَ فُلَانٍ وَمَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ.
(قَوْلُهُ: لِمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَا بِمَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ بَايَعَهُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْقَبُولِ دَلَالَةً.
وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هَكَذَا، وَفِي الْكُلِّ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ قَرْضًا فَلَمْ يُقْرِضْهُ فَقَالَ رَجُلٌ أَقْرِضْهُ، فَمَا أَقْرَضْته فَأَنَا ضَامِنٌ فَأَقْرَضَهُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبَلَ ضَمَانَهُ صَرِيحًا يَصِحُّ وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ اهـ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ، كَذَلِكَ إذَا بَايَعَهُ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ لِلْحَالِ، اهـ مَا فِي النَّهْرِ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُبَايَعَةِ صَحِيحٌ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الطَّالِبَ مَغْصُوبٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْغَصْبِ قَبُولًا مِنْهُ لِلْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِعْلُ غَيْرِهِ.
أَمَّا الْمُبَايَعَةُ فَهِيَ فِعْلُهُ، فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ يَصِحُّ كَوْنُهُ قَبُولًا مِنْهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي كُلَّمَا) هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ بَايَعْته فَعَلَى دَرَكِ الْبَيْعِ، وَإِنْ ذَابَ لَكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَلَيَّ، وَكَذَا مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ وَإِذَا صَحَّتْ فَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِالْمُبَايَعَةِ الْأُولَى، فَلَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ فِي الْمُبَايَعَةِ الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَلْزَمُ) أَيْ فِي مَا مِثْلُ كُلَّمَا وَكَذَا الَّذِي.
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي إذَا) أَيْ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ مِثْلُ مَتَى، وَإِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ: مَتَى أَوْ إذَا أَوْ إنْ بَايَعْت لَزِمَهُ الْأَوَّلُ فَقَطْ بِخِلَافِ كُلَّمَا وَمَا اهـ، وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ الَّذِي اهـ، وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْإِمَامِ: وَنَقَلَ ط التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ حَاشِيَةِ سَرِيِّ الدِّينِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الَّذِي فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ.
وَالْحَاصِلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إفَادَةِ التَّكْرَارِ فِي كُلَّمَا وَعَلَى عَدَمِهَا فِي إذَا وَمَتَى وَإِنْ، وَالْخِلَافُ فِي مَا.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالشُّرُنْبُلالي) وَمَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ الْكَفِيلُ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ.
وَبِخِلَافِ: مَا غَصَبَك النَّاسُ أَوْ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ أَوْ بَايَعَك أَوْ قَتَلَك أَوْ مَنْ غَصَبْته أَوْ قَتَلْته فَأَنَا كَفِيلُهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنَا ضَامِنُهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى يُسَمِّيَ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ
(أَوْ عُلِّقَتْ بِشَرْطٍ صَرِيحٍ مُلَائِمٍ) أَيْ مُوَافِقٍ لِلْكَفَالَةِ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: بِكَوْنِهِ شَرْطًا لِلُزُومِ الْحَقِّ (نَحْوُ) قَوْلِهِ (إنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ) أَوْ جَحَدَك الْمُودِعُ أَوْ غَصَبَك كَذَا أَوْ قَتَلَك أَوْ قَتَلَ ابْنَك أَوْ صَيْدَك فَعَلَيَّ الدِّيَةُ وَرَضِيَ بِهِ الْمَكْفُولُ جَازَ، بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ
ــ
[رد المحتار]
لَوْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الضَّمَانِ قَبْلَ أَنْ يُبَايِعَهُ وَنَهَاهُ عَنْ مُبَايَعَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوَلْوَالَجِيُّ نَهْيَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ رَجَعْت عَنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِالذَّوْبِ لَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ دَلَالَةً وَهَذَا الْأَمْرُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا هُوَ لَازِمٌ. اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ نَهْرٌ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَفَلْت لَكَ مِمَّا ذَابَ لَكَ عَلَى فُلَانٍ: أَيْ بِمَا ثَبَتَ لَكَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ كَفَالَةً بِمُحَقَّقٍ لَازِمٍ، بِخِلَافٍ بِمَا بَايَعْته فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدَ بَيَانِهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْكَفَالَةِ بَعْدَ وُجُودِ الْمُبَايَعَةِ وَتُوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ هُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بِشَيْءٍ وَلَا مُلْتَزِمٌ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ بَعْدَ الْمُبَايَعَةِ إنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّمَا اعْتَمَدْت فِي الْمُبَايَعَةِ مَعَهُ كَفَالَةَ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَدْ انْدَفَعَ هَذَا الْغُرُورُ حِينَ نَهَاهُ عَنْ الْمُبَايَعَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا غَصَبَك النَّاسُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فُلَانًا لِيَصِيرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا فَإِنَّ جَهَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ سِتَّ مَسَائِلَ، فَفِي الْأُولَى جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ، وَفِي الْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا تَصِحُّ بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ فَعَلَيَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، فَأَيُّهُمْ بَايَعَهُ فَعَلَى الْكَفِيلِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ وَفِي الثَّانِيَةِ مُعَيَّنُونَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَفِي التَّخْيِيرِ لَا تَمْنَعُ نَحْوُ كَفَلْت مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ.
وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ أَهْلِ الدَّارِ لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ
(قَوْلُهُ: أَوْ عُلِّقَتْ بِشَرْطٍ صَرِيحٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِكَفَلْت مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ مُنَجَّزٌ، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِك إذَا نُجِّزَتْ أَوْ عُلِّقَتْ إلَخْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ مَا صَرَّحَ بِهِ بِأَدَاةِ التَّعْلِيقِ وَهِيَ إنْ أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، فَدَخَلَ فِيهِ بِالْأَوْلَى مَا كَانَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِثْلُ عَلَى فَإِنَّهُ يُسَمَّى تَقْيِيدًا بِالشَّرْطِ لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي بَحْثِ مَا يُبْطِلُ تَعْلِيقَهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ مَا قَابَلَ الضِّمْنِيَّ فِي قَوْلِهِ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ فَإِنَّ الْمَعْنَى إنْ بَايَعْت كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ عَدَّهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: مُلَائِمٌ) أَيْ مُوَافِقٌ مِنْ الْمُلَاءَمَةِ بِالْهَمْزِ وَقَدْ تُقْلَبُ يَاءً.
(قَوْلُهُ: بِأَحَدِ أُمُورٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمُوَافِقٍ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ط.
(قَوْلُهُ: بِكَوْنِهِ شَرْطًا إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ أَحَدِ أُمُورٍ بَدَلُ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ ط.
وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بَدَلَ الشَّرْطِ بِالسَّبَبِ وَقَالَ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ سَبَبٌ لِوُجُودِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي.
(قَوْلُهُ: أَوْ جَحَدَك الْمُودِعُ) وَمِثْلُهُ إنْ أَتْلَفَ لَكَ الْمُودِعُ، وَكَذَا كُلُّ الْأَمَانَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفُصُولَيْنِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَك) أَيْ خَطَأً كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدِّيَةِ لَا تَصِحُّ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَى الدِّيَةِ) أَرَادَ بِهَا الْبَدَلَ فَيَشْمَلُ بَاقِيَ الْأَمْثِلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَرَضِيَ بِهِ الْمَكْفُولُ) أَيْ الْمَكْفُولُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك السَّبُعُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لِحَدِيثِ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ»