الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) لِتَعَذُّرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَنِ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ نَهْرٌ فَصَحَّ تَوْلِيَتُهُ الْعَامِّيِّ ابْنُ كَمَالٍ وَيَحْكُمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ لَكِنْ فِي إيمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمُفْتِي يُفْتِي بِالدِّيَانَةِ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِالظَّاهِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْفَتْوَى أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْحَاكِمِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ عَالِمًا دِينًا
ــ
[رد المحتار]
السُّوءِ، لَيْسَ بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ وَلَيْسَ بِقَذَّافٍ لِلْمُحْصَنَاتِ، وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ اهـ وَالْمُرَادُ بِعِلْمِ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا وَفِعْلًا وَتَقْرِيرًا عِنْدَ أَمْرٍ يُعَانِيهِ وَبِوُجُوهِ الْفِقْهِ طُرُقُهُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَالْأَثَرُ كَمَا قَالَ السَّخَاوِيُّ لُغَةً: الْبَقِيَّةُ، وَاصْطِلَاحًا: الْأَحَادِيثُ مَرْفُوعَةً أَوْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الثَّانِي.
[مَطْلَبٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَشُرُوطِهِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) هُوَ لُغَةً بَذْلُ الْمَجْهُولِ فِي تَحْصِيلِ ذِي كُلْفَةٍ وَعُرْفًا ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيهِ فِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَمَعْنَى بَذْلِ الطَّاقَةِ أَنْ يُحِسَّ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَشُرُوطُهُ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَكَوْنُهُ فَقِيهَ النَّفْسِ أَيْ شَدِيدَ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ وَعِلْمُهُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَكَوْنُهُ حَاوِيًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَعَالِمًا بِالْحَدِيثِ مَتْنًا وَسَنَدًا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَبِالْقِيَاسِ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فِي حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ فَعَلَيْهِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ مَثَلًا كَالِاجْتِهَادِ فِي حُكْمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ اهـ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا الِاجْتِهَادُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرُ الْوُجُودِ فِي كُلِّ زَمَنٍ، وَفِي كُلِّ بَلَدٍ فَكَانَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فَهُوَ الْأَوْلَى بِالتَّوْلِيَةِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ قُلْنَا بِالتَّعَذُّرِ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَكْثَرِ) خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُ زَمَنٌ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
(قَوْلُهُ: فَصَحَّ تَوْلِيَتُهُ الْعَامِّيَّ) الْأَوْلَى فِي التَّفْرِيعِ أَنْ يُقَالَ: فَصَحَّ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ الْمُجْتَهِدِ ثُمَّ إنَّ الْمُقَلِّدَ يَشْمَلُ الْعَامِّيَّ، وَمَنْ لَهُ تَأَهُّلٌ فِي الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، وَعَيَّنَ ابْنُ الْغَرْسِ الثَّانِيَ قَالَ وَأَقَلُّهُ أَنْ يُحْسِنَ بَعْضَ الْحَوَادِثِ، وَالْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ وَأَنْ يَعْرِفَ طَرِيقَ تَحْصِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَصُدُورِ الْمَشَايِخِ وَكَيْفِيَّةَ الْإِيرَادِ، وَالْإِصْدَارِ فِي الْوَقَائِعِ وَالدَّعَاوَى وَالْحُجَجِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ وَرَجَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَاعِلُ لِتَعْلِيلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ إيصَالَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي وَالْيَعْقُوبِيَّةِ: إذْ الْمُحْتَاجُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ هُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَضَبْطِ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ اهـ، وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ وَكَذَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْكَمَالِ.
قُلْت: وَفِيهِ لِلْبَحْثِ مَجَالٌ فَإِنَّ الْمُفْتِيَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ كَمَا يَأْتِي فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ: وَلَا يَلْزَمُ وَمِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الِاجْتِهَادَ كَمَا تَعَذَّرَ فِي الْقَاضِي تَعَذَّرَ فِي الْمُفْتِي الْآنَ فَإِذَا احْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ عَمَّنْ يَنْقُلُ الْحُكْمَ، وَمِنْ الْكُتُبِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الْمُفْتِي يُفْتِي بِالدِّيَانَةِ) مَثَلًا إذَا قَالَ رَجُلٌ: قُلْت لِزَوْجَتِي أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا فَإِنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِيهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ وَالْقَاضِي يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَحْكُمُ بِالْفَتْوَى يَلْزَمُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْفَتْوَى فِي كُلِّ حَادِثَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا سَأَلَ الْمُفْتِيَ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَا يُفْتِيهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَمَّا يَحْكُمُ بِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ حُكْمَ الْقَضَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ يَحْكُمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ) أَيْ وَفِي الْأَمْوَالِ لَكِنْ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا الِاسْتِبَاحَةُ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَالِ وَلِقَصْدِ التَّمْوِيلِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الَّذِي مَجْرَى أَحْكَامِهِ فِي ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا دِينًا.
كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَأَيْنَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ وَأَيْنَ الْعِلْمُ (وَمِثْلُهُ) فِيمَا ذَكَرَ (الْمُفْتِي) وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْمُجْتَهِدُ أَمَّا مَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ وَفَتْوَاهُ لَيْسَ بِفَتْوَى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامٍ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) بِقَلْبِهِ (وَلَا يَسْأَلُهُ بِلِسَانِهِ) فِي الْخُلَاصَةِ طَالِبُ الْوِلَايَةِ لَا يُوَلَّى إلَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ) مَعْدِنٌ عَزِيزُ الْوُجُودِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْنَ الْعِلْمُ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَيْنَ الدِّينُ وَالْعِلْمُ. مَطْلَبُ طَرِيقِ التَّنَقُّلِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ.
(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامٍ) وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورِ هَكَذَا ذَكَرَ الرَّازِيّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وُجِدَ بَعْضُ نُسَخِ النَّوَادِرِ فِي زَمَانِنَا لَا يَحِلُّ عَزْوُ مَا فِيهَا إلَى مُحَمَّدٍ وَلَا إلَى أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْتَهَرْ فِي عَصْرِنَا فِي دِيَارِنَا وَلَمْ تُتَدَاوَلْ. نَعَمْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ النَّوَادِرِ مَثَلًا فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ مَعْرُوفٍ كَالْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ كَانَ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ فَتْحٌ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ.
قُلْت: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْآنَ النَّقْلُ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَمِنْ الشُّرُوحِ، أَوْ الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَةِ أَسْمَاؤُهَا لَكِنَّهَا لَمْ تَتَدَاوَلْهَا الْأَيْدِي حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورَةِ لِكَوْنِهَا لَا تُوجَدُ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ أَوْ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ كَالْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّوَاتُرُ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ بِأَنْ وَجَدَ الْعُلَمَاءَ يَنْقُلُونَ عَنْهُ، وَرَأَى مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ نُسْخَةٍ، فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ هُوَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ أَيْ فِيمَا يَنْقُلُهُ وَالسَّنَدُ لَا يَلْزَمُ تَوَاتُرُهُ وَلَا شُهْرَتُهُ، وَأَيْضًا قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَكْتُبُ فِيهِ إلَى فُقَهَاءِ مِصْرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ بِالْكِتَابِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ فِي الْحَوَادِثِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ احْتِمَالَ التَّزْوِيرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْيَسِيرِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي شَرْحٍ كَبِيرٍ بِخَطٍّ قَدِيمٍ، وَلَا سِيَّمَا إذَا رَأَى عَلَيْهِ خَطَّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، فَيَتَعَيَّنُ الِاكْتِفَاءُ بِغَلَبِهِ الظَّنِّ، لِئَلَّا يَلْزَمَ هَجْرُ مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فِقْهٍ وَغَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ زَمَانِنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ يَنْزِلُ إلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ «قَالَ صلى الله عليه وسلم يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُوتِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُ الْفَسَادِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَخْذُولٌ فَتْحٌ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: بِقَلْبِهِ) أَرَادَ بِهَذَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ فَالْأَوَّلُ لِلْقَلْبِ وَالثَّانِي لِلِّسَانِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ الطَّلَبُ لَا تَحِلُّ التَّوْلِيَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ بَلْ كُلُّ وِلَايَةٍ وَلَوْ خَاصَّةً كَوِلَايَةٍ عَلَى وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ فَهِيَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا فِي الْمَتْنِ وَمِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ، أَمَّا إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُوَلَّ إلَّا بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ وَكَذَا لَمْ أَرَ جَوَازَ عَزْلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا حَلَّ طَلَبُهُ وَأَنْ يَحْرُمَ عَزْلُهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِرَدِّهِ وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ فَمَمْنُوعٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ بِرِيبَةٍ، وَبِلَا رِيبَةٍ وَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى
أَوْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ الْعَزْلَ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ نَهْرٌ قَالَ: وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ طَلَبَ الْقَضَاءِ لِخَامِلِ الذِّكْرِ لِنَشْرِ الْعِلْمِ (وَيَخْتَارُ) الْمُقَلِّدُ (الْأَقْدَرَ وَالْأَوْلَى بِهِ وَلَا يَكُونُ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا) لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي إطْلَاقِ اسْمِ خَلِيفَةِ اللَّهِ خِلَافٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (التَّقَلُّدُ) أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ (لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) أَيْ الظُّلْمَ (أَوْ الْعَجْزَ) يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ ابْنُ كَمَالٍ (وَإِنْ تَعَيَّنَ لَهُ أَوْ أَمِنَهُ لَا) يُكْرَهُ فَتْحٌ ثُمَّ إنْ انْحَصَرَ فُرِضَ عَيْنًا وَإِلَّا كِفَايَةً بَحْرٌ
ــ
[رد المحتار]
يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ اهـ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ عَزْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْعُدْ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ اهـ.
قُلْت: وَأَيْضًا حَيْثُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِالسُّؤَالِ فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْأَوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ يَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّ فَرْضِيَّةَ الْحَجِّ تَسْقُطُ بِدَفْعِ الرِّشْوَةِ إلَى الْأَعْرَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ فَهَذَا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا صِحَّةُ عَزْلِهِ فَظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ وَإِثْمُهُ بِعَزْلِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَزْلِ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ الْمَنْصُوبِ وَمِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ، فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ الْوَصِيَّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَهُوَ خَلِيفَةٌ عَنْ السُّلْطَانِ وَوِلَايَتُهُ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْهُ فَلَهُ عَزْلُهُ كَوَصِيِّ الْقَاضِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْلُبُ تَنْفِيذَ شَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ.
قُلْت: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ طَالِبًا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلٍّ بِالشَّرْطِ، بَلْ يُرِيدُ إثْبَاتَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ مَنْ يُعَارِضُهُ وَمِثْلُهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا أَرَادَ إثْبَاتَ وِصَايَتِهِ وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تُطْلَبُ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ وَلَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ لِإِطْلَاقِهِمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ لَهُ طَلَبَ الْعَوْدِ مِنْ الْقَاضِي الْجَدِيدِ وَحِينَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: أَثْبِتْ أَنَّك أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ ثُمَّ يُوَلِّيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: لِخَامِلِ الذِّكْرِ) وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ غَيْرُ الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: وَيَخْتَارُ الْمُقَلِّدُ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا عَنْ الْفَتْحِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَاجِبٌ لِئَلَّا يَكُونَ خَائِنًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ فَظًّا إلَخْ) الْفَظُّ هُوَ الْجَافِي سَيِّئُ الْخُلُقِ وَالْغَلِيظُ قَاسِي الْقَلْبِ وَالْجَبَّارُ مَنْ جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِمَعْنَى أَجْبَرَهُ أَيْ لَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ وَالْعَنِيدُ الْمُعَانِدُ الْمُجَانِبُ لِلْحَقِّ الْمُعَادِي لِأَهْلِهِ بَحْرٌ عَنْ مِسْكِينٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ فِي إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ) هَذَا يُنَاسِبُ كَوْنَ الْعِبَارَةِ التَّقَلُّدَ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُمَا نُسْخَتَانِ أَيْ فِي الْكَنْزِ التَّقْلِيدُ أَيْ النَّصْبُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالتَّقَلُّدُ أَيْ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَهِيَ الْأَوْلَى اهـ، وَهِيَ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَيْضًا إنَّهَا أَوْلَى
قُلْت: وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ قَبُولُ التَّقْلِيدِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) فَلَوْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحُكْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْعَجْزَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَجْزَ عَنْ سَمَاعِ دَعَاوَى كُلِّ الْخُصُومِ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ فَقَطْ وَأَنْ يُرَادَ الْعَجْزُ عَنْ الْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ وَمِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ وَعَدَمِ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مُبَايِنٌ وَعَلَى الثَّانِي أَعَمُّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: ابْنُ كَمَالٍ) أَيْ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَيَّنَ لَهُ) أَيْ مَعَ خَوْفِ الْحَيْفِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِنْ انْحَصَرَ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ وَيَتَفَرَّغَ لِذَلِكَ اهـ.
(وَالتَّقَلُّدُ رُخْصَةٌ) أَيْ مُبَاحٌ (وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ) بَزَّازِيَّةٌ فَالْأَوْلَى عَدَمُهُ (وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ الدُّخُولُ فِيهِ قَطْعًا) مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي الْحُرْمَةِ فَفِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) وَلَوْ كَافِرًا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَغَيْرُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَمْنَعُهُ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَيَحْرُمُ وَلَوْ فَقَدَ وَالٍ لِغَلَبَةِ كُفَّارٍ وَجَبَ عَلَى
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَحَاكِمٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي النَّوَازِلِ: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ يَنْفُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ يَنْفُذُ وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. [تَنْبِيهٌ]
لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لَوْ امْتَنَعَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ وَكَذَا جَوَازُ جَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ لَهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّقَلُّدُ) أَيْ الدُّخُولُ فِيهِ عِنْدَ الْأَمْنِ وَعَدَمِ التَّعَيُّنِ. مَطْلَبُ مَا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ يَكُونُ أَدْنَى فِعْلِهِ النَّدْبَ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ إلَخْ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْغَالِبَ خَطَأٌ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ نَفْسِهِ الِاعْتِدَالَ، فَيَظْهَرُ مِنْهُ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: وَإِنَّ الدُّخُولَ فِيهِ عَزِيمَةٌ وَالِامْتِنَاعُ رُخْصَةٌ، فَالْأَوْلَى الدُّخُولُ فِيهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَانَ الدُّخُولُ فِيهِ مَنْدُوبًا لِمَا أَنَّ أَدْنَيْ دَرَجَاتِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ النَّدْبُ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا قُلْنَا نَعَمْ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِيهِ خَطَرًا عَظِيمًا، وَأَمْرًا مَخُوفًا لَا يَسْلَمُ فِي بَحْرِهِ كُلُّ سَابِحٍ، وَلَا يَنْجُو مِنْهُ كُلُّ طَامِحٍ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ عَزِيزٌ وُجُودُهُ. مَطْلَبُ أَبُو حَنِيفَةَ دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى ضُرِبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ قَالَ حَتَّى أَسْتَشِيرَ أَصْحَابِي، فَاسْتَشَارَ أَبَا يُوسُفَ فَقَالَ لَوْ تَقَلَّدْت لَنَفَعْتَ النَّاسَ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرَ الْمُغْضَبِ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أُمِرْت أَنْ أَعْبُرَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً أَكُنْت أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَأَنِّي بِك قَاضِيًا، وَكَذَا دُعِيَ مُحَمَّدٌ رحمه الله إلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى حَتَّى قُيِّدَ وَحُبِسَ وَاضْطُرَّ فَتَقَلَّدَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ هُنَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ جَائِرًا أَوْ جَاهِلًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حِلِّهِ أَوْ حُرْمَتِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ إلَخْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجَاهِلُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» .
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) أَيْ الظَّالِمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ بِالسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ كَالْخَلِيفَةِ، حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَوْلِيَةِ وَاحِدٍ الْقَضَاءَ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَّوْا سُلْطَانًا بَعْدَ مَوْتِ سُلْطَانِهِمْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَهَذَا حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ وَإِلَّا فَلَهُمْ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَافِرًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ أَيْ فِي السُّلْطَانِ الَّذِي يُقَلَّدُ، وَبِلَادُ الْإِسْلَامِ الَّتِي فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ لَا شَكَّ أَنَّهَا بِلَادُ الْإِسْلَامِ
الْمُسْلِمِينَ تَعْيِينُ وَالٍ وَإِمَامٍ لِلْجُمُعَةِ فَتْحٌ (وَمِنْ) سُلْطَانِ الْخَوَارِجِ وَ (أَهْلِ الْبَغْيِ) وَإِذَا صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ صَحَّ الْعَزْمُ وَإِذَا رُفِعَ قَضَاءُ الْبَاغِي إلَى قَاضِي الْعَدْلِ نَفَّذَهُ، وَقِيلَ لَا وَبِهِ جَزَمَ النَّاصِحِيُّ (فَإِذَا تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) يَعْنِي السِّجِلَّاتِ
ــ
[رد المحتار]
لَا بِلَادُ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا فِيهَا حُكْمَ الْكُفْرِ، وَالْقُضَاةُ مُسْلِمُونَ وَالْمُلُوكُ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُمْ عَنْ ضَرُورَةٍ مُسْلِمُونَ وَلَوْ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مِنْهُمْ فَفُسَّاقٌ وَكُلُّ مِصْرٍ فِيهِ وَالٍ مِنْ جِهَتِهِمْ تَجُوزُ فِيهِ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَأَخْذُ الْخَرَاجِ وَتَقْلِيدُ الْقُضَاةِ، وَتَزْوِيجُ الْأَيَامَى لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَأَمَّا إطَاعَةُ الْكُفْرِ فَذَاكَ مُخَادَعَةٌ، وَأَمَّا بِلَادٌ عَلَيْهَا وُلَاةٌ كُفَّارٌ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَيَصِيرُ الْقَاضِي قَاضِيًا بِتَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْتَمِسُوا وَالِيًا مُسْلِمًا مِنْهُمْ اهـ وَعَزَاهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ إلَى الْأَصْلِ وَنَحْوُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فِي بِلَادٍ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ
وَفِي الْفَتْحِ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ، وَلَا مَنْ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ كَقُرْطُبَةَ الْآنَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَجْعَلُونَهُ وَالِيًا فَيُوَلَّى قَاضِيًا وَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَكَذَا يُنَصِّبُوا إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ إلَيْهِ فَلْيُعْتَمَدْ نَهْرٌ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا إلَى مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْفَتْحِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ مِنْ كَافِرٍ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَكِنْ إذَا وَلَّى الْكَافِرُ عَلَيْهِمْ قَاضِيًا وَرَضِيَهُ الْمُسْلِمُونَ صَحَّتْ تَوْلِيَتُهُ بِلَا شُبْهَةٍ تَأَمَّلْ، ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبِلَادَ الَّتِي لَيْسَتْ تَحْتَ حُكْمِ سُلْطَانٍ بَلْ لَهُمْ أَمِيرٌ مِنْهُمْ مُسْتَقِلٌّ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالتَّغَلُّبِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْأَمِيرُ فِي حُكْمِ السُّلْطَانِ فَيَصِحُّ مِنْهُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ سُلْطَانِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ) تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الْبُغَاةِ.
(قَوْلُهُ: صَحَّ الْعَزْلُ) فَإِذَا وَلَّى سُلْطَانُ الْبُغَاةِ بَاغِيًا وَعَزَلَ الْعَدْلَ، ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ احْتَاجَ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ إلَى تَجْدِيدِ التَّوْلِيَةِ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: نَفَّذَهُ) أَيْ حَيْثُ كَانَ مُوَافِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْقُضَاةِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّ قَضَايَاهُ تَنْفُذُ كَسَائِرِ فُسَّاقِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ يَصْلُحُ قَاضِيًا فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِيهِ:
الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
الثَّانِي عَدَمُ النَّفَاذِ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى الْعَادِلِ لَا يُمْضِيهِ.
الثَّالِثُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحْكَمِ بِمُضِيِّهِ لَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ اهـ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ النَّاصِحِيُّ) لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. مَطْلَبٌ فِي الْعَمَلِ بِالسِّجِلَّاتِ وَكُتُبِ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) فِي الْقَامُوسِ الدِّيوَانُ وَيُفْتَحُ مُجْتَمَعُ الصُّحُفِ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ فِيهِ أَهْلُ الْجَيْشِ، وَأَهْلُ الْعَطِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَمْعُهُ دَوَاوِينُ وَدَيَاوِينُ اهـ فَقَوْلُهُ: مُجْتَمَعُ الصُّحُفِ بِمَعْنَى قَوْلِ الْكَنْزِ، وَهُوَ الْحَوَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمُحَاضَرَاتُ وَغَيْرُهَا، وَالْخَرَائِطُ جَمْعُ خَرِيطَةٍ شِبْهُ الْكِيسِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: يَعْنِي السِّجِلَّاتِ تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَقَوْلُ الْبَحْرِ تَبَعًا لِمِسْكِينٍ أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الدِّيوَانَ نَفْسُ السِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرُ لَا الْكِيسُ فِيهِ نَظَرٌ فَافْهَمْ وَالسِّجِلُّ لُغَةً: كِتَابُ الْقَاضِي وَالْمَحَاضِرُ جَمْعُ مَحْضَرٍ وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ الْمَحْضَرَ مَا كُتِبَ فِيهِ مَا جَرَى بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَالْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاشْتِبَاهَ، وَكَذَا السِّجِلُّ وَالصَّكُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْإِقْرَارُ وَغَيْرُهَا وَالْحُجَّةُ وَالْوَثِيقَةُ؛ يَتَنَاوَلَانِ الثَّلَاثَةَ اهـ، وَالْعُرْفُ الْآنَ مَا كُتِبَ فِي الْوَاقِعَةِ وَبَقِيَ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطُّهُ وَالْحُجَّةُ مَا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْقَاضِي أَعْلَاهُ وَخَطُّ الشَّاهِدِينَ أَسْفَلَهُ وَأُعْطِيَ
(وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) فِي سِجْنِ الْقَاضِي وَأَمَّا الْمَحْبُوسُونَ فِي سِجْنِ الْوَالِي فَعَلَى الْإِمَامِ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَمَنْ لَزِمَهُ أَدَبٌ أَدَّبَهُ وَإِلَّا أَطْلَقَهُ وَلَا يُبَيِّتُ أَحَدًا فِي قَيْدٍ إلَّا رَجُلًا مَطْلُوبًا بِدَمٍ وَنَفَقَةٍ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَحْرٌ (فَمَنْ أَقَرَّ) مِنْهُمْ (بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ) الْحَبْسَ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَقِيلَ الْحَقُّ (وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ) بِقَدْرِ مَا يَرَى ثُمَّ أَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَبَى نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا ثُمَّ أَطْلَقَهُ (وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بَيِّنَةٌ أَوْ إقْرَارٌ)
ــ
[رد المحتار]
لِلْخَصْمِ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ؛ لِأَنَّ الدِّيوَانَ وُضِعَ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيُجْعَلَ فِي يَدِهِ وَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ، وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَوْرَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا إلَى الْجَدِيدِ، وَكَذَا لَوْ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا فِي يَدِ الْقَاضِي لِعَمَلِهِ وَكَذَا الْقَاضِي يَحْمِلُ عَلَى أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ، [تَنْبِيهٌ] مُفَادُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجَدِيدِ الِاعْتِمَادُ عَلَى سِجِلِّ الْمَعْزُولِ مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يَعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ، لَكِنْ قَالَ الْبِيرِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَعْتَمِدُ أَيْ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ مِمَّا يُزَوَّرُ وَيُفْتَعَلُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَيْسَ مِنْهُ مَا فِي الْأَجْنَاسِ بِنَصٍّ وَمَا وَجَدَهُ الْقَاضِي بِأَيْدِي الْقُضَاةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ لَهَا رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ أُجْرِيَتْ عَلَى الرُّسُومِ الْمَوْجُودَةِ فِي دَوَاوِينِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهَا قَدْ مَاتُوا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْحُكْمِ إلَى دَوَاوِينِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَمِنْ الْأُمَنَاءِ اهـ، أَيْ لِأَنَّ سِجِلَّ الْقَاضِي لَا يُزَوَّرُ عَادَةً، وَحَيْثُ كَانَ مَحْفُوظًا عِنْدَ الْأُمَنَاءِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ بِيَدِ الْخَصْمِ وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْوَقْفِ كِتَابٌ فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ اتَّبَعَ مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ اسْتِحْسَانٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ ضَرُورَةً إحْيَاءُ الْأَوْقَافِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ الْجَدِيدِ، لِإِمْكَانِ الْوَقْفِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا فِيهِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، فَلِذَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَلِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ مَعْنَاهُ عِنْدَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ هِبَةُ اللَّهِ الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ الْبِيرِيِّ مِنْ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحُجَّةِ، وَإِنْ مَاتَ شُهُودُهَا حَيْثُ كَانَ مَضْمُونُهَا ثَابِتًا فِي السِّجِلِّ الْمَحْفُوظِ اهـ. لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ كَمَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْخَطِّ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي دَعْوَى تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ إلَخْ) بِأَنْ يَبْعَثَ إلَى السِّجِلِّ مَنْ يَعُدُّهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ سَبَبِ حَبْسِهِمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ سَبَبُ وُجُوبِ حَبْسِهِمْ وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَعْتَمِدُهَا الثَّانِي فِي حَبْسِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَبْقَ حُجَّةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَطْلَقَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالْجِنَايَاتِ، وَلَزِمَهُ أَدَبٌ أَدَّبَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ خَلَّى سَبِيلَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: أَلْزَمَهُ الْحَبْسَ) أَيْ أَدَامَ حَبْسَهُ، بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْحَقُّ) قَائِلُهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ الْمَعْزُولِ بِالزِّنَا لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ، بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْأَمْرَ فَإِنْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ حَدَّهُ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْحَقِّ حَقُّ الْعَبْدِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَلْ ادَّعَى أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: نَادَى عَلَيْهِ) وَيَقُولُ الْمُنَادِي: مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ زَيْلَعِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى) عَنْ إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَقَالَ: لَا كَفِيلَ لِي بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا) أَيْ يَسْتَأْنِفُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُنَادَاةِ الْأُولَى.
(قَوْلُهُ: فِي الْوَدَائِعِ) أَيْ وَدَائِعِ الْيَتَامَى نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: بِبَيِّنَةٍ) أَيْ يُقِيمُهَا الْوَصِيُّ مَثَلًا عَلَى مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ
ذِي الْيَدِ (وَلَمْ يَعْمَلْ) الْمُوَلَّى (بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) لِالْتِحَاقِهِ بِالرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تُقْبَلُ خُصُوصًا بِفِعْلِ نَفْسِهِ دُرَرٌ وَمُفَادُهُ رَدُّهَا وَلَوْ مَعَ آخَرَ نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنْ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِقَبُولِهَا وَتَبِعَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فَتَنَبَّهْ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَعْزُولَ (سَلَّمَهَا) أَيْ الْوَدَائِعَ وَالْغَلَّاتِ (إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَنَّهَا لِزَيْدٍ إلَّا إذَا بَدَأَ ذُو الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ فَأَقَرَّ الْقَاضِي بِأَنَّهَا لِآخَرَ فَيُسَلِّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي يُسَلِّمُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ
ــ
[رد المحتار]
أَنَّهَا لِيَتِيمِ فُلَانٍ أَوْ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنَّ هَذِهِ الْغَلَّةَ لِوَقْفِ فُلَانٍ، وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِهِمْ وَمِنْ أَنَّ الْكُلَّ تَحْتَ يَدِ أَمِينِ الْقَاضِي، وَفِي زَمَانِنَا أَمْوَالُ الْأَوْقَافِ تَحْتَ يَدِ نُظَّارِهَا وَوَدَائِعُ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَعْزُولَ وَضَعَ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ عَمِلَ الْقَاضِي بِمَا ذَكَرَ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: الْمُوَلَّى) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ الْقَاضِي الْجَدِيدُ.
(قَوْلُهُ: دُرَرٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
(قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ خُصُوصًا بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَقَدْ رَأَيْته صَرِيحًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَنَصُّهُ وَإِذَا عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْت قَضَيْت لِهَذَا عَلَى هَذَا بِكَذَا وَكَذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ وَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ سِوَاهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ.
(قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ) أَيْ فِي فَتَاوَاهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي بَحْرِهِ، فَقَدْ عَلِمْت مُوَافَقَتَهُ لِمَا فِي النَّهْرِ وَعِبَارَةُ فَتَاوَاهُ الَّتِي رَتَّبَهَا لَهُ تِلْمِيذُهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا سُئِلَ عَنْ الْحَاكِمِ إذَا أَخْبَرَ حَاكِمَا آخَرَ بِقَضِيَّةٍ هَلْ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِهِ وَيَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدٍ آخَرَ مَعَهُ؟ أَجَابَ: لَا يَكْتَفِي بِإِخْبَارِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدٍ آخَرَ مَعَهُ قَالَ الْمُرَتِّبُ لِهَذِهِ الْفَتَاوَى، وَقَدْ تَبِعَ شَيْخُنَا فِي ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقَبُولِ إخْبَارِهِ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: لَا يُقْبَلُ إلَّا بِضَمِّ رَجُلٍ آخَرَ عَدْلٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ قَوْلَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَنْ شَيْءٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، وَعَدَلُوا أَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا انْتَهَى كَلَامُهُ، انْتَهَى مَا فِي الْفَتَاوَى.
أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ إقْرَارِ رَجُلٍ بِمَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ مَثَلًا يُقْبَلُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ آخَرُ ثُمَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا بِالْقَبُولِ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِهِ بِثُبُوتِ حَقٍّ بِالْبَيِّنَةِ، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَبْقَ خِلَافٌ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْقَاضِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَنَا فِي الْمَعْزُولِ وَهَذَا فِي الْمُوَلَّى كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَا مِمَّا سَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ إلَخْ وَبِهِ يُشْعِرُ أَصْلُ السُّؤَالِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْحَاكِمِ وَعِبَارَةُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَذَلِكَ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.
(قَوْلُهُ: فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمَعْزُولِ وَشَمِلَ ثَلَاثَ صُوَرٍ مَا إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ بَعْدَ إقْرَارٍ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إلَيْهِ أَنَّهَا لِزَيْدٍ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَعْزُولُ أَوْ قَالَ: إنَّهَا لِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ مُودِعُ الْمَعْزُولِ، وَيَدُ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَعْزُولِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ ذُو الْيَدِ التَّسْلِيمَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: فَيُسَلِّمُ لِمُقِرٍّ لَهُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ فِي يَدِهِ فَلَمَّا قَالَ دَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي، وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِآخَرَ فَيَصِيرُ هُوَ بِإِقْرَارِهِ مُتْلِفًا لِذَلِكَ عَلَى مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي فَتْحٌ ثُمَّ قَالَ فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَقْضِ بِشَيْءٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُمَا وَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ اهـ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَجَّحَ