الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَمَّا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو
(وَرُكْنُهَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ) بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ الثَّانِيَ رُكْنًا
(وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ) نَفْسًا أَوْ مَالًا (مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ) مِنْ الْكَفِيلِ فَلَمْ تَصِحَّ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ (وَفِي الدَّيْنِ كَوْنُهُ صَحِيحًا قَائِمًا) لَا سَاقِطًا بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا، وَلَا ضَعِيفًا كَبَدَلِ كِتَابَةٍ وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، فَمَا لَيْسَ دَيْنًا بِالْأَوْلَى نَهْرٌ
ــ
[رد المحتار]
لِوَجْهِ اقْتِصَارِهِ عَلَى تَعْرِيفِ كَفَالَةِ الدَّيْنِ فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ يُذْكَرُ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّفْهِيمِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَبْوَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يُوقِعُ فِي الِاشْتِبَاهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ تَعْرِيفَ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ كَمَا قُلْنَا آنِفًا.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ تَعْمِيمِ الْمُطَالَبَةِ. (قَوْلُهُ: يُسْتَغْنَى عَمَّا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ صَاحِبُ الدُّرَرِ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ اسْتَغْنَى عَمَّا فِي نِكَاحِ الدُّرَرِ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي مُطَالَبَةِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ أَوْ التَّسْلِيمِ مُدَّعِيًا أَنَّ قَوْلَهُمْ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لَا صِحَّةَ لَهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَصَحَّ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَمُوهَا إلَى كَفَالَةٍ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ.
ثُمَّ إنَّ تَقْسِيمَهُمْ يُشْعِرُ بِانْحِصَارِهَا مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ قِسْمٍ ثَالِثٍ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالتَّسْلِيمِ اهـ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ اهـ، أَيْ مِنْ أَنَّ مَا عَرَّفَ بِهِ هُوَ مُرَادُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَشْمَلُ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ، فَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَرَادُوهُ غَيْرَ التَّصْرِيحِ بِهِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ) فَلَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمَكْفُولُ لَهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ الثَّانِيَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ، وَقَوْلُهُ الثَّانِيَ: أَيْ الْقَبُولُ وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ يَجْعَلُ، وَقَوْلُهُ: رُكْنًا مَفْعُولُهُ الْآخَرُ أَيْ فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ.
وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ، فَقِيلَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهَا لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ، وَقِيلَ تَنْفُذُ وَلِلطَّالِبِ الرَّدُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَيْ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْهِ نَهْرٌ.
وَفِي الدُّرَرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَبِقَوْلِ الثَّانِي يُفْتَى.
وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَغَيْرِهِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ.
[مَطْلَبٌ فِي كَفَالَةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]
(قَوْلُهُ: نَفْسًا أَوْ مَالًا) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِيَأْتِيَ لَهُ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَلَمْ تَصِحَّ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ إنْ أُرِيدَ الضَّمَانُ بِهِمَا.
أَمَّا إذَا أُرِيدَ الضَّمَانُ بِنَفْسِ مَنْ هُمَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ جَائِزَةً كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ النَّفْسِ مَقْدُورَةَ التَّسْلِيمِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ كَفَالَةَ الْمَيِّتِ بِالنَّفْسِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ كَفَالَةُ النَّفْسِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَائِبًا لَا يُدْرَى مَكَانُهُ فَلَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ بِالنَّفْسِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَكْفُولِ بِهِ: فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَوْ نَفْسًا أَوْ فِعْلًا، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا.
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْكَفِيلِ، فَلَا تَجُوزُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لَازِمًا وَهُوَ خَاصٌّ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الدَّيْنِ كَوْنُهُ صَحِيحًا) هُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هُنَاكَ اسْتِثْنَاءَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالنَّفَقَةِ وَبَدَلِ السِّعَايَةِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا مَعَ بَيَانِهِ.
(قَوْلُهُ: لَا سَاقِطًا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ قَائِمًا فَلَا تَصِحُّ كَفَالَةُ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: وَلَا ضَعِيفًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ صَحِيحًا. (قَوْلُهُ: كَبَدَلِ كِتَابَةٍ) لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّعْجِيزِ مَطْلَبٌ فِي كَفَالَةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ: وَنَفَقَةُ زَوْجَةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا أَوْ الرِّضَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِهِمَا، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ دَيْنٌ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، فَمَا لَيْسَ دَيْنًا أَوْلَى اهـ.
وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْخَفَاءِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَلَا ضَعِيفًا كَبَدَلِ كِتَابَةٍ فَمَا لَيْسَ دَيْنًا كَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا بِالْأَوْلَى
وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا حَيْثُ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَا تَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ الدَّيْنِ السَّاقِطِ فَافْهَمْ. ثُمَّ
(وَحُكْمُهَا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ) بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ نَفْسًا أَوْ مَالًا
(وَأَهْلُهَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ) فَلَا تَنْفُذُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ إلَّا إذَا اسْتَدَانَ لَهُ وَلِيُّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ الْمَالَ عَنْهُ فَتَصِحُّ وَيَكُونُ إذْنًا فِي الْأَدَاءِ مُحِيطٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ يُطَالَبُ بِهَذَا الْمَالِ بِمُوجِبِ الْكَفَالَةِ وَلَوْلَاهَا لَطُولِبَ الْوَلِيُّ نَهْرٌ، وَلَا مِنْ مَرِيضٍ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا مِنْ عَبْدٍ وَلَوْ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَيُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ
ــ
[رد المحتار]
ظَاهِرُ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّهَا لَوْ صَارَتْ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ بِهَا أَوْ بِالرِّضَاءِ تَصِيرُ دَيْنًا صَحِيحًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِسُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي، لَكِنَّ غَيْرَ الْمُسْتَدَانَةِ مَعَ كَوْنِهَا دَيْنًا غَيْرَ صَحِيحٍ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا اسْتِحْسَانًا: فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا، بَلْ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَفَلَ لَهَا رَجُلٌ بِالنَّفَقَةِ أَبَدًا مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ جَازَ، وَكَذَا ذَكَرَ قُبَيْلَ الْبَابِ الْآتِي جَوَازَ الْكَفَالَةِ بِهَا إذَا أَرَادَ زَوْجُهَا السَّفَرَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا أَصْلًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا تَبَعًا لِلنَّهْرِ عَلَى النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ أَنَّ الزَّوْجَةَ مُقَصِّرَةٌ بِتَرْكِهَا بِدُونِ قَضَاءٍ أَوْ رِضًا إلَى أَنْ سَقَطَتْ بِالْمُضِيِّ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ) أَيْ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ مَتَى شَاءَ الطَّالِبُ، سَوَاءٌ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ أَوْ لَا فَتْحٌ. وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ اخْتِيَارَ الطَّالِبِ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ مَا لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلِذَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ) الْأَوْلَى بِمَا وَقَعَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ أَوْ تَسْلِيمُ الْمَالِ، وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ لَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ تَعَدَّدَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ كَنِصْفِ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ ثُلُثِهِ لَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَكْفُلُوا عَلَى التَّعَاقُبِ فَيُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِكُلِّ الْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ. (قَوْلُهُ: نَفْسًا أَوْ مَالًا) شَمِلَ الْمَالُ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ فِعْلًا؛ كَمَا لَوْ كَفَلَ تَسْلِيمَ الْأَمَانَةِ أَوْ تَسْلِيمَ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَنْفُذُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا، وَكَذَا لَا تَجُوزُ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ تَاجِرًا، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ عَنْهُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْكَفِيلِ يُؤْخَذُ بِهَا، وَلَا يُجْبَرُ الصَّبِيُّ عَلَى الْحُضُورِ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ بِطَلَبِهِ وَهُوَ تَاجِرٌ أَوْ بِطَلَبِ أَبِيهِ مُطْلَقًا، فَإِنْ تَغَيَّبَ فَلَهُ أَخْذُ الْأَبِ بِإِحْضَارِهِ أَوْ تَخْلِيصِهِ، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الصَّبِيِّ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ جَازَتْ كَفَالَةُ النَّفْسِ، وَمَا قَضَى بِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا إذَا أَمَرَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِالضَّمَانِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَ لَهُ وَلِيُّهُ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ لِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ الْمَالَ عَنْهُ) قَيَّدَ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّيْنِ قَدْ لَزِمَهُ أَيْ لَزِمَ الصَّبِيَّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَأَمَّا ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ إذْنًا فِي الْأَدَاءِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ نَهْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْلَاهَا لَطُولِبَ الْوَلِيُّ) أَيْ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مَرِيضٍ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ) لَكِنْ إذَا كَفَلَ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ لَا تَصِحُّ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ بَطَلَتْ، وَلَوْ كَفَلَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَاتَ فَالْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى بِتَرِكَتِهِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ صَحَّتْ كُلُّهَا وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الثُّلُثِ وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ فِي مَالِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ عَبْدٍ) أَيْ
إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى، وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى.
(وَالْمُدَّعَى) وَهُوَ الدَّائِنُ (مَكْفُولٌ لَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَدْيُونُ (مَكْفُولٌ عَنْهُ) وَيُسَمَّى الْأَصِيلَ أَيْضًا (وَالنَّفْسُ أَوْ الْمَالُ الْمَكْفُولُ مَكْفُولٌ بِهِ وَمَنْ لَزِمَتْهُ الْمُطَالَبَةُ كَفِيلٌ)
وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَتَرْكُهَا أَحْوَطُ.
مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: الزَّعَامَةُ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا غَرَامَةٌ مُجْتَبَى.
ــ
[رد المحتار]
لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مِنْهُ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَسَوَاءٌ كَفَلَ عَنْ مَوْلَاهُ أَوْ أَجْنَبِيٍّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى) أَيْ بِالْكَفَالَةِ عَنْ مَوْلَاهُ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَتَصِحُّ كَفَالَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا، وَكَذَا الْأَمَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَعْتِقْ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْحَوَالَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ إلَخْ) أَيْ وَيُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، وَهَذَا لَوْ كَانَتْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ أَيْضًا: وَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ عَنْ مَوْلَاهُمَا.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ.
قُلْت: وَسَيَأْتِي أَيْضًا مَتْنًا قُبَيْلَ الْحَوَالَةِ فِي الْعَبْدِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَدْيُونٍ مُسْتَغْرَقٍ
(قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعَى) أَيْ مَنْ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الدَّعْوَى عَلَى غَرِيمِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ فِي عَطَاءِ الْكَفِيلِ الدَّعْوَى بِالْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: مَكْفُولٌ لَهُ) وَيُسَمَّى الطَّالِبَ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: مَكْفُولٌ عَنْهُ) هَذَا فِي كَفَالَةِ الْمَالِ دُونَ كَفَالَةِ النَّفْسِ.
فَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَيُقَالُ لِلْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ مَكْفُولٌ بِهِ وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ اهـ، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يَقُولُهُ، وَوُجِدَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ: كَفِيلٌ) وَيُسَمَّى ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ
(قَوْلُهُ: وَسَنَدُهُ) أَيْ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ، إذْ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلِمْنَا بِهِ.
(قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ، فَهُوَ بَيَانٌ لِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَالْحَدِيثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْفَتْحِ لِشَرْعِيَّتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]- وَعَادَتُهُمْ تَقْدِيمُ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا فِي السُّنَّةِ وَالشَّارِحُ يَذْكُرُهُ أَصْلًا، وَلَعَلَّهُ لِشُهْرَتِهِ أَوْ لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا كَفَالَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لِمَنْ جَاءَ بِالصُّوَاعِ بِحِمْلِ بَعِيرٍ، وَالْمُسْتَأْجِرُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ وَلَكِنْ جَوَابُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ كَانَ رَسُولًا مِنْ الْمَلِكِ لَا وَكِيلًا بِالِاسْتِئْجَارِ وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ثُمَّ قَالَ الرَّسُولُ وَأَنَا بِذَلِكَ الْحِمْلِ زَعِيمٌ: أَيْ كَفِيلٌ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَتَرْكُهَا أَحْوَطُ) أَيْ إذَا كَانَ يَخَافُ أَنْ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ مِنْ النَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْمَعْرُوفِ، أَوْ الْمُرَادُ أَحْوَطُ فِي سَلَامَةِ الْمَالِ لَا فِي الدِّيَانَةِ إذْ هِيَ بِالنِّيَّةِ تَكُونُ طَاعَةً يُثَابُ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَحَاسِنُ الْكَفَالَةِ جَلِيلَةٌ: وَهِيَ تَفْرِيجُ كُرَبِ الطَّالِبِ الْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ وَالْمَطْلُوبِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ، حَيْثُ كُفِيَا مُؤْنَةَ مَا أَهَمَّهُمَا، وَذَلِكَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَيْهِمَا؛ وَلِذَا كَانَتْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْعَالِيَةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ إلَخْ) رَأَيْت فِي الْمُلْتَقَطِ: قِيلَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الرُّومِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا هُنَا، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ فَلْيُجَرِّبْ حَتَّى يَعْرِفَ الْبَلَاءَ مِنْ السَّلَامَةِ.
(قَوْلُهُ: أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ) سَقَطَ أَوَّلُهَا مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْقُبُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ الْمَلَامَةُ لِنَفْسِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ النَّاسِ، ثُمَّ عِنْدَ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ يَنْدَمُ عَلَى إتْلَافِهِ لِمَالِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَغْرَمُ الْمَالَ أَوْ يُتْعِبُ نَفْسَهُ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ لُزُومُ الضَّرَرِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65]