المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مطلب مسائل في المقاصة] - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٥

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابٌ خِيَارُ الْعَيْبِ

- ‌[تَنْبِيهٌ فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي خِيَار الْعَيْب]

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَنْ قَبَضَ مِنْ غَرِيمِهِ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ وَيَمْنَعُ الرَّدَّ]

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي عَدَدِ الْمَقْبُوضِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي جُمْلَةِ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ]

- ‌بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[مَطْلَبٌ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ وَشِرَاؤُهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ إيجَارِ الْبِرَكِ لِلِاصْطِيَادِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ دُودَةِ الْقِرْمِزِ]

- ‌[مَطْلَبٌ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي مَسَائِلَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الطَّرِيقِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَسِيلِ أَيْ مَسِيل الْمَاء]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ رَدَّ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا إلَى بَائِعِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا]

- ‌[مَطْلَبٌ أَحْكَامُ نُقْصَانِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا]

- ‌فَصْلٌ فِي الْفُضُولِيِّ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ الْمُسْتَأْجَرِ]

- ‌بَابُ الْإِقَالَةِ

- ‌بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ

- ‌[فَرْعٌ] هَلْ يَنْتَقِلُ الرَّدُّ بِالتَّغْرِيرِ إلَى الْوَارِثِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ فِيهِمَا وَتَأْجِيلِ الدُّيُونِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالدَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ بَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ]

- ‌[مَطْلَبُ إذَا قَضَى الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ مَاتَ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي شِرَاءِ الْمُسْتَقْرِضِ الْقَرْضَ مِنْ الْمُقْرِضِ]

- ‌[مَطْلَبٌ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا حَرَامٌ]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الرِّبَا]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا]

- ‌بَابُ الْحُقُوقِ فِي الْبَيْعِ

- ‌بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌[رُجُوع الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِع]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَسَائِلِ التَّنَاقُضِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَبَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ]

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ]

- ‌فَرْعٌ] السَّلَمُ فِي الدِّبْسِ

- ‌بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ أَبْوَابِهَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي إيدَاعُ مَالِ غَائِبٍ وَإِقْرَاضُهُ وَبَيْعُ مَنْقُولِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ الدَّرَاهِمِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي النَّبَهْرَجَةِ وَالزُّيُوفِ وَالسَّتُّوقَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ] عَسَلُ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ مِلْكُهُ مُطْلَقًا

- ‌[مَطْلَبٌ إذَا اكْتَسَبَ حَرَامًا ثُمَّ اشْتَرَى فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ دَبَغَ فِي دَارِهِ وَتَأَذَّى الْجِيرَانُ]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرَى بَذْرَ بِطِّيخٍ فَوَجَدَهُ بَذْرَ قِثَّاءٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرَى شَجَرَةً وَفِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ]

- ‌مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ

- ‌[مَطْلَبٌ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ وَمَا لَا تَصِحُّ]

- ‌بَابُ الصَّرْفِ

- ‌فَرْعٌ]الشَّرْطُ الْفَاسِدُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ بَيْعِ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ قَلِيلَةٍ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ لِإِسْقَاطِ الرِّبَا]

- ‌[مَطْلَبُ مَسَائِلَ فِي الْمُقَاصَّةِ]

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي كَفَالَةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[مَطْلَبُ يَصِحُّ كَفَالَةُ الْكَفِيلِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْكَفَالَةِ الْمُؤَقَّتَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنَصِّبُ فِيهَا الْقَاضِي وَكِيلًا بِالْقَبْضِ عَنْ الْغَائِبِ الْمُتَوَارَى]

- ‌[فَوَائِدُ] لَا يَلْزَمُ أَحَدًا إحْضَارُ أَحَدٍ

- ‌[مَطْلَبُ كَفَالَةِ الْمَالِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ] مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ]

- ‌[مَطْلَبُ بَيْعِ الْعِينَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ]

- ‌بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌[مطلب فِي السَّفْتَجَة]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ وَهَبَ مِنْهُ الزَّائِدَ]

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌[مَطْلَبُ يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَشُرُوطِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي هَدِيَّةِ الْقَاضِي]

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْهُ]

- ‌[مَطْلَبُ يَوْمِ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالْجَوْرِ]

- ‌[فُرُوعٌ] الْقَضَاءُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ وَيَتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَخُصُومَةٍ

- ‌[مَطْلَبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ]

- ‌[مَطْلَبُ فِعْلِ الْقَاضِي حُكْمٌ]

- ‌[مَطْلَبُ أَمْرِ الْقَاضِي حُكْمٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي حَبْسِ الصَّبِيِّ]

- ‌بَابُ التَّحْكِيمِ

- ‌[مَطْلَبٌ حَكَمَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَحْكِيمِهِ ثُمَّ أَجَازَاهُ]

- ‌بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي جَعْلِ الْمَرْأَةِ شَاهِدَةً فِي الْوَقْفِ]

- ‌فُرُوعٌ] لَا يَقْضِي الْقَاضِي لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ

- ‌[مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ]وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي كُفْرِ الْمَيِّتِ وَإِسْلَامِهِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[فَرْعٌ لَا يَنْبَغِي لِلْفُقَهَاءِ كَتْبُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي]

- ‌[فُرُوعٌ بَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ]

- ‌بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

- ‌فَصْلٌ لَا يَعْقِدُ وَكِيلٌ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ

- ‌بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ

- ‌[فُرُوعٌ] الْوَكَالَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ

- ‌بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌[شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى]

- ‌[رُكْنُ الدَّعْوَى]

- ‌[أَهْلُ الدَّعْوَى]

- ‌[حُكْمُ الدَّعْوَى]

- ‌[سَبَبُ الدَّعْوَى]

- ‌بَابُ التَّحَالُفِ

- ‌فَصْلٌ فِي دَفْعِ الدَّعَاوَى

- ‌بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ

- ‌بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

- ‌بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ

- ‌فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي الْمُضَارَبَةُ]

- ‌كِتَابُ الْإِيدَاعِ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ

الفصل: ‌[مطلب مسائل في المقاصة]

حُكْمًا (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهِ، وَلَا بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَ) كَذَا (لَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَالْغَالِبُ) عَلَيْهِ (الْغِشُّ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ عُرُوضٍ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ (فَصَحَّ بَيْعُهُ بِالْخَالِصِ إنْ كَانَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ) مِنْ الْمَغْشُوشِ لِيَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ وَالزَّائِدُ بِالْغِشِّ كَمَا مَرَّ (وَبِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) وَزْنًا وَعَدَدًا بِصَرْفِ الْجِنْسِ لِخِلَافِهِ (بِشَرْطِ التَّقَابُضِ) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (فِي الْمَجْلِسِ) فِي الصُّورَتَيْنِ

ــ

[رد المحتار]

[مَطْلَبُ مَسَائِلَ فِي الْمُقَاصَّةِ]

وَمِنْ مَسَائِلِ الْمُقَاصَّةِ مَا لَوْ كَانَ لِلْمُودَعِ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ دَيْنٌ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ تَصِرْ قِصَاصًا بِهِ إلَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَكَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَهَا وَالْمَغْصُوبُ كَالْوَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ مَا لَمْ يَتَقَاصَّا لَوْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ أَوْ مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْوَصْفِ، أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا أَوْ أَحَدُهَا غَلَّةٌ وَالْآخَرُ صَحِيحًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَتَقَاصَّا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلِلْمَدْيُونِ مِائَةُ دِينَارٍ عَلَيْهِ فَإِذَا تَقَاصَّا تَصِيرُ الدَّرَاهِمُ قِصَاصًا بِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ وَيَبْقَى لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ عَلَى صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ مَا بَقِيَ مِنْهَا ظَهِيرِيَّةٌ وَدَيْنُ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ لَا يَقَعُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا إلَّا بِالتَّرَاضِي، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَدْنَى، فُرُوقُ الْكَرَابِيسِيِّ اهـ مُلَخَّصًا، قَالَ: وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمُقَاصَّةِ فِي بَابِ أُمِّ الْوَلَدِ.

(قَوْلُهُ: حُكْمًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُبْتَدَإِ: أَيْ حُكْمُ مَا غَلَبَ فِضَّتُهُ وَذَهَبُهُ حُكْمُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الْخَالِصَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ لِلِانْطِبَاعِ وَقَدْ يَكُونُ خِلْقِيًّا كَمَا فِي الرَّدِيءِ فَيُعْتَبَرُ الْقَلِيلُ بِالرَّدِيءِ فَيَكُونُ كَالْمُسْتَهْلَكِ ط. (قَوْلُهُ: الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا) الْأَوْضَحُ اسْتِقْرَاضُهُ ط وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ) لَمْ أَرَهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْقَرْضِ. (قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ عُرُوضٍ) الْأَوْلَى تَعْبِيرُ الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الِاعْتِبَارُ وَالتَّقَابُضُ، وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إنْ رَاجَتْ. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَغْشُوشِ) أَيْ أَكْثَرَ مِنْ الْخَالِصِ الَّذِي خَالَطَهُ الْغِشُّ. وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْمَغْشُوشِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي كُلِّ دَرَاهِمَ غَالِبَةِ الْغِشِّ، بَلْ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمَغْلُوبَةُ بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْ النُّحَاسِ إذَا أُرِيدَ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّصُ لِقِلَّتِهَا بَلْ تَحْتَرِقُ لَا عِبْرَةَ بِهَا أَصْلًا بَلْ تَكُونُ كَالْمُمَوَّهَةِ لَا تُعْتَبَرُ وَلَا تُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ الصَّرْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَاللَّوْنِ، وَقَدْ كَانَ فِي أَوَائِلِ سَبْعِمِائَةٍ فِي فِضَّةِ دِمَشْقَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا يَعْنِي مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ أَيْ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ مَعَ أَنَّ الْغِشَّ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا الصَّرِيحِ فَإِنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ يَعْتَادُونَ فِي الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ فَيَتَدَرَّجُونَ ذَلِكَ فِي النُّقُودِ الْخَالِصَةِ فَمُنِعَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِالْجَوَازِ فِي الْغَطَارِفَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْفَضْلِيُّ.

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ، بَحْرٌ، وَهَذِهِ مَرَّتْ فِي بَابِ الرِّبَا، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ التَّشْبِيهِ رَاجِعًا إلَى مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَالِصِ أَكْثَرَ، وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ مَسْأَلَةُ حِلْيَةِ السَّيْفِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَزْنًا وَعَدَدًا) أَيْ عَلَى حَسَبِ حَالِهَا فِي الزَّوَاجِ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَالتَّتَابُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَبِالْعَدِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَصٌّ اهـ، وَيَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: بِصَرْفِ الْجِنْسِ لِخِلَافِهِ) أَيْ بِأَنْ يَصْرِفَ فِضَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى غِشِّ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ)

ص: 266

لِضَرَرِ التَّمْيِيزِ (وَإِنْ كَانَ الْخَالِصُ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الْمَغْشُوشِ (أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَا يُدْرَى فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ لِلرِّبَا فِي الْأَوَّلَيْنِ وَلِاحْتِمَالِهِ فِي الثَّالِثِ (وَهُوَ) أَيْ الْغَالِبُ الْغِشِّ (لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إنْ رَاجَ) لِثَمَنِيَّتِهِ حِينَئِذٍ (وَإِلَّا) يَرُجْ (تَعَيَّنَ بِهِ) كَسِلْعَةٍ وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَعْضُ فَكَزُيُوفٍ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِجِنْسِهِ زَيْفًا إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَبِجِنْسِهِ جَيِّدٌ.

(وَ) صَحَّ (الْمُبَايَعَةُ وَالِاسْتِقْرَاضُ بِمَا يَرُوجُ مِنْهُ) عَمَلًا بِالْعُرْفِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، فَإِنْ رَاجَ (وَزْنًا) فِيهِ (أَوْ عَدَدًا) فِيهِ (أَوْ بِهِمَا) فَبِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَالْمُتَسَاوِي) غِشُّهُ وَفِضَّتُهُ وَذَهَبُهُ (كَالْغَالِبِ الْفِضَّةِ) وَالذَّهَبِ (فِي تَبَايُعٍ وَاسْتِقْرَاضٍ) فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ إلَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِمَا -

ــ

[رد المحتار]

أَيْ صُورَةِ بَيْعِهِ بِالْخَالِصِ وَصُورَةِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ. (قَوْلُهُ: لِضَرَرِ التَّمْيِيزِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْغِشِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِضَرَرٍ اهـ. فَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ الْغِشِّ، فَاشْتِرَاطُ قَبْضِهِ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ عَنْ الْخَالِصِ الَّذِي فِيهِ الْمَشْرُوطُ قَبْضُهُ لِذَاتِهِ، لَا يُقَالُ: إنَّ النُّحَاسَ الَّذِي هُوَ الْغِشُّ مَوْزُونٌ أَيْضًا فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ الْقَدْرُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِذَاتِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَزْنُ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ وَزْنِ النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْقُطْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوزَنُ إلَّا إذَا كَانَ ثَمَنُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغِشَّ لَوْ كَانَ فِضَّةً فِي ذَهَبٍ فَالشَّرْطُ قَبْضُ الْكُلِّ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْكُلِّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْخَالِصُ مِثْلَهُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعَةٌ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يُدْرَى، فَيَصِحُّ فِي الْأُولَى فَقَطْ دُونَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ السَّيْفِ مَعَ حِلْيَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مِثْلَ الْمَغْشُوشِ) أَيْ الَّذِي اخْتَلَطَ بِالْغِشِّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ) أَيْ لَا فِي الْفِضَّةِ وَلَا فِي النُّحَاسِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَا تَتَخَلَّصُ الْفِضَّةُ إلَّا بِضَرَرٍ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِلرِّبَا فِي الْأَوَّلَيْنِ) بِزِيَادَةِ الْغِشِّ فِي الْأَوَّلِ وَزِيَادَتِهِ مَعَ بَعْضِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فِي الثَّانِي ط. (قَوْلُهُ: وَلِاحْتِمَالِهِ فِي الثَّالِثِ) وَلِلشُّبْهَةِ فِي الرِّبَا حُكْمُ الْحَقِيقَةِ ط. (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) فَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا مِثْلَهُ. (قَوْلُهُ: لِثَمَنِيَّتِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ رَائِجًا؛ لِأَنَّهُ بِالِاصْطِلَاحِ صَارَ أَثْمَانًا، فَمَا دَامَ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ مَوْجُودًا لَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي بَحْرٌ، فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ بِهِ) أَيْ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي الْأَصْلِ سِلْعَةٌ وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا بَحْرٌ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، هَذَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ بِحَالِهَا وَيَعْلَمُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَعْلَمَانِ وَلَا يَعْلَمُ كُلٌّ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَا بِالْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لَا تَرُوجُ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِحَالِهِ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَأَدْرَجَ نَفْسَهُ فِي الْبَعْضِ الَّذِينَ يَقْلِبُونَهَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَالِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بَاعَهُ بِهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جِيَادٌ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْجِيَادِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهَا بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: بِمَا يَرُوجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي غَلَبَ غِشُّهُ. (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعُرْفِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَبِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فَالْبَيْعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ بِالْوَزْنِ. (قَوْلُهُ: وَذَهَبُهُ) الْأَوْلَى عَطْفُهُ بِأَوْ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ) بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَلَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً فَيَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ شَرْعًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْمُتَسَاوِي وَغَالِبِ الْفِضَّةِ أَيْ فِي الْمُبَايَعَةِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِقَدْرِهِمَا وَوَصْفِهَا وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَيُعْطِهِ مِثْلَهَا لِكَوْنِهَا ثَمَنًا لَمْ تَتَعَيَّنْ بَحْرٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ

ص: 267

كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَ) أَمَّا (فِي الصَّرْفِ) فَ (كَغَالِبِ غِشٍّ) فَيَصِحُّ بِالِاعْتِبَارِ الْمَارِّ (اشْتَرَى شَيْئًا بِهِ) بِغَالِبِ الْغِشِّ وَهُوَ نَافِقٌ (أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ فَكَسَدَ) ذَلِكَ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) لِلْبَائِعِ (بَطَلَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ انْقَطَعَتْ) عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَإِنَّهُ كَالْكَسَادِ، وَكَذَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ لَوْ كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ بَطَلَ وَصَحَّحَاهُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَبِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ بَحْرٌ وَحَقَائِقُ.

(وَحَدُّ الْكَسَادِ)(أَنْ تُتْرَكَ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ) فَلَوْ رَاجَتْ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَبْطُلْ -

ــ

[رد المحتار]

فِي الِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ إلَّا وَزْنًا وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ مِنْ الْغِشِّ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الْجِيَادِ اهـ أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْهَا بِلَا وَزْنٍ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ بِالِاعْتِبَارِ الْمَارِّ) أَيْ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا بِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ: أَيْ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْغِشِّ إلَى مَا فِي الْآخَرِ مِنْ الْفِضَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الْغَالِبِ غِشُّهُ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ التَّفَاضُلِ هُنَا أَيْضًا، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ نِصْفُهَا صُفْرًا وَنِصْفُهَا فِضَّةً لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ هُنَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ فِضَّتَهَا لَمَّا لَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً جُعِلَتْ كَأَنَّ كُلَّهَا فِضَّةً فِي حَقِّ الصَّرْفِ احْتِيَاطًا اهـ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ. وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ بَاعَهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَكُونَ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُمَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ فِضَّةٍ وَقِطْعَةِ نُحَاسٍ فَبَاعَهُمَا بِمِثْلِهِمَا أَوْ بِفِضَّةٍ فَقَطْ اهـ وَقَوْلُهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا أَيْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغِشِّ وَالْفِضَّةِ وَاَلَّتِي فِيهِ الْمُسَاوِيَةِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ نَافِقٌ) أَيْ رَائِجٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ. (قَوْلُهُ: فَكَسَدَ) مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْ لَمْ يُنْفَقْ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ: ذَلِكَ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ إفْرَادَ الضَّمِيرِ فِي كَسَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ وَالْأَوْلَى فِيهِ الْإِفْرَادُ ط. (قَوْلُهُ: قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا وَلَوْ فُضُولِيًّا فِيهِ فَكَسَدَتْ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ نَهْرٌ، وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَفِي النَّهْرِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ دُونَ بَعْضٍ فَسَدَ فِي الْبَاقِي.

(قَوْلُهُ: بَطَلَ الْبَيْعُ) أَيْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ كَمَا يَأْتِي مَعَ مَا فِيهِ، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ وَلَمْ يَبْقَ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ، فَإِذَا بَطَلَ يَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ كَالْكَسَادِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: لَوْ انْقَطَعَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ انْقَطَعَ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الِانْقِطَاعُ كَالْكَسَادِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ رَمْلِيٌّ عَنْ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: أَيْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهَا الْغِشُّ، فَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى غَالِبِ الْغِشِّ وَالْفُلُوسِ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِيهِمَا دُونَ الْجَيِّدَةِ تَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِي كَسَادِ غَالِبِ الْغِشِّ وَالْفُلُوسِ مُعَلَّلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِيَادَ لَا تَبْطُلُ ثَمَنِيَّتُهَا بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا بِالْإِصْلَاحِ، فَلَا وَجْهَ لِبُطْلَانِهِ عِنْدَهُ بِكَسَادِ الْجِيَادِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْبَحْرِ بِالدَّرَاهِمِ غَالِبَةُ الْغِشِّ، لَكِنَّهُ مُكَرَّرٌ بِمَا فِي الْمَتْنِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ الْغِشُّ بِالِاصْطِلَاحِ لَا بِالْخِلْقَةِ، بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ مَالِيَّتَهَا بِالْخِلْقَةِ لَا بِالِاصْطِلَاحِ اهـ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا فِي النَّقْدِ الْخَالِصِ وَالْمَغْشُوشَةُ الَّتِي غَلَبَتْ فِضَّتُهَا تُخَالِفُهُ، لَكِنْ قَدْ مَرَّ أَنَّهَا كَالْخَالِصَةِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ قَلَّمَا تَنْطَبِعُ إلَّا بِقَلِيلِ غِشٍّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قُلْنَا أَوَّلًا فَتَأَمَّلْ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِثَمَنٍ حَالٍّ مُؤَجَّلٍ.

(قَوْلُهُ: وَصَحَّحَاهُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ) صَوَابُهُ بِقِيمَةِ الثَّمَنِ سَائِحَانِيٌّ أَوْ بِقِيمَةِ

ص: 268

بَلْ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ لِتَعَيُّبِهَا (وَ) حَدُّ (الِانْقِطَاعِ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي السُّوقِ وَإِنْ وُجِدَ فِي أَيْدِي الصَّيَارِفَةِ) وَ (فِي الْبُيُوتِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَابْنُ الْمَلَكِ بِالْعَطْفِ خِلَافًا لِمَا فِي نُسَخِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ عَزَاهُ لِلْهِدَايَةِ، وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ رَاجَتْ قَبْلَ فَسْخِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ عَادَ جَائِزٌ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِلَا فَسْخٍ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَطَلَ الْبَيْعُ: أَيْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ فَسْخِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (وَ) قَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهُ (لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ) إجْمَاعًا وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ (وَ) عَكْسُهُ (وَلَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالَبُ بِنَقْدِ ذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ) وَقَعَ (وَقْتَ الْبَيْعِ) فَتْحٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ (لَوْ بَاعَ دَلَّالٌ) وَكَذَا فُضُولِيٌّ (مَتَاعَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَاهَا فَكَسَدَتْ قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى رَبِّ الْمَتَاعِ لَا يَفْسُدُ

ــ

[رد المحتار]

الْهَالِكِ ط: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَبْطُلُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْبَيْعِ كَقَوْلِهِ فِي الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا آخِرَ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَهُوَ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ بِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ. وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ لِتَعَيُّبِهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ لَكِنَّهُ تَعَيُّبٌ إذَا لَمْ تُرْجَ فِي بَلَدِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ الْكَسَادُ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي نُسَخِ الْمُصَنِّفِ) حَيْثُ قَالَ فِي الْبُيُوتِ بِدُونِ عَطْفٍ. (قَوْلُهُ: لَوْ رَاجَتْ) أَيْ بَعْدَ الْكَسَادِ. (قَوْلُهُ: عَادَ جَائِزًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَقِيَ عَلَى الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: أَيْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ فَسْخِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ مُؤَوَّلٌ وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ اسْتِدْلَالًا بِعِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، فَفِي الْفَتْحِ: لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَسَادَهَا كَهَلَاكِهَا، وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّمَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَهُ فَسْخًا؛ لِأَنَّ فَسَادَهَا كَعَيْبٍ فِيهَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ غَالِبَةِ الْغِشِّ وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ فِي غَالِبَةِ الْفِضَّةِ بِالْأَوْلَى أَفَادَهُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَيُطَالَبُ بِنَقْدِ ذَلِكَ الْعِيَارِ) أَيْ بِدَفْعِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا عَرَضَ بَعْدَهُ مِنْ الْغَلَاءِ أَوْ الرُّخْصِ، وَهَذَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِمَّا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ والإسبيجابي مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمِثْلُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، فَمُرَادُهُ بِالْمِثْلِ الْمِقْدَارُ تَأَمَّلْ وَفِيهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: غَلَبَ الْفُلُوسُ الْقَرْضَ أَوْ رَخُصَتْ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَوَّلًا لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَقَالَ الثَّانِي ثَانِيًا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: أَيْ يَوْمَ الْبَيْعِ فِي الْبَيْعِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْقَرْضِ، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ، فَهَذَا تَرْجِيحٌ لِخِلَافِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْقَرْضِ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا فُضُولِيٌّ) يَعْنِي غَيْرَ دَلَّالٍ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّلَّالَ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنٍ كَانَ فُضُولِيًّا وَلَعَلَّهُ زَادَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَّالَ فِي الْعَادَةِ يَبِيعُ بِالْإِذْنِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى اشْتِقَاقِهِ مِنْ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ الْبَائِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ بِالْعَكْسِ لِيَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ فَزَادَ قَوْلَهُ أَوْ فُضُولِيٌّ لِيُنَاسِبَ قَوْلَ

ص: 269

الْبَيْعُ) لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ.

(وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ كَالدَّرَاهِمِ (وَبِالْكَاسِدَةِ لَا حَتَّى بِعَيْنِهَا) كَسِلَعٍ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ (رَدُّ) مِثْلِ (أَفْلُسِ الْقَرْضِ وَإِذَا كَسَدَتْ) وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْكَسَادِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَزَّازِيَّةٌ -

ــ

[رد المحتار]

الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْإِذْنِ أَوْ لَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدْنَا بِعَدَمِ قَبْضِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا وَلَوْ فُضُولِيًّا فَكَسَدَتْ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ. (قَوْلُهُ: عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ) اعْتِرَاضٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ وَالْعَيْنِيِّ وَالْخُلَاصَةِ دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ. قُلْت: لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَلَفْظُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَخْ نَعَمْ الَّذِي فِي الْعَيْنِيِّ وَالْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَكَذَا فِي مَتْنِ الْمُصَنِّفِ مُصْلِحًا بِإِذْنِهِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَلِقَوْلِهِ: لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ وَعَلَى مَا فِي الْفَتْحِ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَالِكَ أَجَازَ الْبَيْعَ لِيُنَاسِبَ مَا ذَكَرَ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَجَازَ بِهَا الْبَيْعُ وَوَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ كَالنَّقْدَيْنِ، وَلَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عَيَّنَهَا كَالنَّقْدِ إلَّا إذَا قَالَا أَرَدْنَا تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ بِلَا تَصْرِيحٍ لِئَلَّا يَفْسُدَ الْبَيْعُ بَحْرٌ، وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُعَيِّنَهَا) لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمَبِيعُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيَّنَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كَسِلَعٍ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهَا سِلَعٌ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: السِّلْعَةُ الْبِضَاعَةُ جَمْعُهَا سِلَعٌ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. (قَوْلُهُ: رَدُّ مِثْلِ أَفْلُسِ الْقَرْضِ إذَا كَسَدَتْ) أَيْ رَدُّ مِثْلِهَا عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَحْرٌ، وَأَمَّا إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ غَالِبَةَ الْغِشِّ، فَكَذَلِكَ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَسْت أَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَكِنْ لِرِوَايَتِهِ فِي الْفُلُوسِ فَتْحٌ، قَالَ مُحَشِّي مِسْكَيْنِ: وَانْظُرْ حُكْمَ مَا إذَا اقْتَرَضَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ أَوْ غَالِبَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لِلْغِشِّ ثُمَّ كَسَدَتْ هَلْ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ: أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ أَوْ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الثَّانِي لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَلِمَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِانْقِطَاعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي غَالِبِ الْغِشِّ تَأَمَّلْ، وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ أَنَّ تَقْيِيدَ الِاخْتِلَافِ فِي رَدِّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ بِالْكَسَادِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا إذَا غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِغَالِبِ الْغِشِّ أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثَانِيًا أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ عِنْدَهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْكَسَادِ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْقَبْضِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ، وَمُوجِبُهُ رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَالثَّمَنِيَّةُ فَضْلٌ فِيهِ. وَلَهُمَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، كَمَا إذَا اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ اهـ، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا هَلَكَتْ ثُمَّ كَسَدَتْ أَمَّا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ. قُلْت: وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَزَّازِيَّةٌ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى رِفْقًا بِالنَّاسِ بَحْرٌ. وَفِي الْفَتْحِ: وَقَوْلُهُمَا اُنْظُرْ لِلْمُقْرِضِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمِثْلِ إضْرَارًا بِهِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اُنْظُرْ لَهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَرْضِ أَكْثَرُ مِنْهَا يَوْمَ الِانْقِطَاعِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ لِلْمُسْتَقْرِضِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ

ص: 270

وَفِي النَّهْرِ وَتَأْخِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ دَلِيلُهُمَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا.

(اشْتَرَى) شَيْئًا (بِنِصْفِ دِرْهَمِ) مِثْلًا (فُلُوسٍ صَحَّ) بِلَا بَيَانِ عَدَدِهَا لِلْعِلْمِ بِهِ (وَعَلَيْهِ فُلُوسٌ تُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَكَذَا بِثُلُثِ دِرْهَمٍ أَوْ رُبُعِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٍ جَازَ) عِنْدَ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْعُرْفِ كَافِي.

(وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا) كَبِيرًا (فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسًا) بِالنَّصْبِ صِفَةُ نِصْفٍ (وَنِصْفًا) مِنْ الْفِضَّةِ صَغِيرًا (إلَّا حَبَّةً صَحَّ) وَيَكُونُ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا بَقِيَ بِالْفُلُوسِ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ نِصْفٍ بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِلُزُومِ الرِّبَا.

ــ

[رد المحتار]

أَيْسَرُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ مَعْلُومَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا وَيَوْمَ الِانْقِطَاعِ يَعْسُرُ ضَبْطُهُ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرَ فِي ذَلِكَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي النَّهْرِ إلَخْ) أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فِي اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا) أَيْ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ.

(قَوْلُهُ: اشْتَرَى بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي دِرْهَمٍ عَدَمُ التَّنْوِينِ مُضَافًا إلَى فُلُوسٍ عَلَى مَعْنَى مِنْ كَإِضَافَةِ خَاتِمِ حَدِيدٍ، وَالتَّنْوِينُ مَعَ رَفْعِ فُلُوسٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هُوَ فُلُوسٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُضَافًا وَجَبَ حَذْفُ نُونِ التَّثْنِيَةِ أَوْ جَرِّ فُلُوسٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ. (قَوْلُهُ: مَثْلًا) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَكَذَا بِثُلُثِ دِرْهَمٍ أَوْ رُبُعِهِ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ إلَخْ ط. قُلْت: وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ لَفْظَ دِينَارٍ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَهِيَ تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ لَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّانَقِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ فَذِكْرُهُ لَا يُغْنِي عَنْ الْعَدِّ فَبَقِيَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ فُلُوسٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُبَاعُ بِهِ مِنْ الْفُلُوسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَلَمْ تَلْزَمْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: جَازَ عِنْدَ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْعُرْفِ. وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْكُلِّ لِلْعُرْفِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُجْتَبَى اهـ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ صِفَةُ نِصْفٍ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ النَّهْرَ، وَفِيهِ أَنَّ فُلُوسًا اسْمٌ جَامِدٌ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لِلْعَدَدِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفِضَّةِ صَغِيرًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا دِرْهَمًا صَغِيرًا يُسَاوِي نِصْفًا إلَّا حَبَّةً وَبِهِ تَظْهَرُ الْمُقَابَلَةُ لِقَوْلِهِ كَبِيرًا وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَيْ مَا ضُرِبَ مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى وَزْنِ نِصْفِ دِرْهَمٍ اهـ. قُلْت: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى وَزْنِ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَا يُضْرَبُ مِنْ أَنْصَافِ الدِّرْهَمِ أَوْ أَرْبَاعِهِ نَقْصُ مَجْمُوعِهَا عَنْ الدِّرْهَمِ الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ: بِمِثْلِهِ) أَيْ مَبِيعًا بِمِثْلِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ نِصْفَ) بِأَنْ قَالَ اعْطِنِي بِنِصْفٍ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً، فَعِنْدَهُمَا جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا: وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ بِأَنْ قَالَ وَاعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً اخْتَصَّ الْفَسَادُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ صَحَّ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَفِي صُورَةِ الشَّرْحِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ، وَفِي الْفِضَّةِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا، وَفِي الْأَخِيرَةِ جَازَ فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ: قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِلْعِلْمِ مِمَّا قَدَّمَهُ.

ص: 271

(وَ) بِمَا تَقَرَّرَ ظَهَرَ أَنَّ (الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةٌ) الْأَوَّلُ (ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ النَّقْدَانِ) صَحِبَتْهُ الْبَاءُ أَوْ لَا، قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا (وَ) الثَّانِي (مَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍّ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَ) الثَّالِثُ (ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمِثْلِيَّاتِ) فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْبَاءُ فَثَمَنٌ وَإِلَّا فَمَبِيعٌ. وَأَمَّا الْفُلُوسُ فَإِنْ رَائِجَةً فَكَثَمَنٍ وَإِلَّا فَكَسِلَعٍ وَالثَّمَنُ (مِنْ حُكْمِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعَدَمُ بُطْلَانِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (بِهَلَاكِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) لَا فِيهِمَا (وَحُكْمُ الْمَبِيعِ خِلَافُهُ) أَيْ الثَّمَنِ (فِي الْكُلِّ) -

ــ

[رد المحتار]

وَحَاصِلُهُ إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ فِي النِّصْفِ إلَّا حَبَّةً لِكَوْنِهِ صَرْفًا لَا فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، فَيَكْفِي قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْفُلُوسَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَى هُنَا ط. (قَوْلُهُ: مَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍّ) أَيْ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ أَوْ لَا. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ مَبِيعًا وَمَا يَكُونُ ثَمَنًا

وَقَدْ يُقَالُ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ كُلٌّ مِنْ السِّلْعَتَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ ط. قُلْت: الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ هُنَا مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: كَالْمِثْلِيَّاتِ) أَيْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَهِيَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْبَاءُ فَثَمَنٌ) هَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَعَيِّنَةٍ وَلَمْ تُقَابَلْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ كَبِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً وَقُوبِلَتْ بِنَقْدٍ فَهِيَ مَبِيعَةٌ كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ مَعْزِيًّا لِلْفَتْحِ: لَوْ قُوبِلَتْ بِالْأَعْيَانِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَثَمَنٌ اهـ، أَيْ كَبِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِهَذَا الْكُرِّ أَوْ هَذَا الْكُرَّ بِهَذَا الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهَا. وَفِي الْفَتْحِ هَذَا وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ: أَيْ الْمِثْلِيَّاتُ، فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهِيَ ثَمَنٌ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ اهـ، فَالْأَوَّلُ كَمَا مَثَّلْنَا وَالثَّانِي كَقَوْلِك اشْتَرَيْت مِنْك كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ فَيَكُونُ الْكُرُّ مَبِيعًا وَيُشْتَرَطُ لَهُ شَرَائِطُ السَّلَمِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَبِيعٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ فَهِيَ مَبِيعٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَابِلْهَا ثَمَنٌ وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ وَتَكُونُ سَلَمًا كَمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَوْ قَابَلَهَا ثَمَنٌ بِالْأَوْلَى كَاشْتَرَيْتُ مِنْك كُرَّ حِنْطَةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً وَقُوبِلَتْ بِثَمَنٍ كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَكُونُ ثَمَنًا إذَا دَخَلَتْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ: أَيْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَوْ لَا، وَكَذَا إذَا لَمْ تَدْخُلْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ وَتَعَيَّنَتْ، وَتَكُونُ مَبِيعًا إذَا قُوبِلَتْ بِثَمَنٍ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ دَخَلْتهَا الْبَاءُ أَوْ لَا تَعَيَّنَتْ أَوْ لَا، وَكَذَا إذَا لَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُعَيَّنْ كَبِعْتُكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الثَّانِيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ) يُسْتَفَادُ مِنْ الْبَحْرِ أَنَّهَا قِسْمٌ رَابِعٌ حَيْثُ قَالَ: وَثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الْأَصْلِ كَالْفُلُوسِ، فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَسِلْعَةٌ اهـ ط.

(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ يَصِحُّ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَوْ تَبَايَعَا دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ جَازَ أَنْ يُمْسِكَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ يُؤَدِّيَا بَدَلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ

ص: 272

فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَهَكَذَا. وَمِنْ حُكْمِهِمَا وُجُوبُ التَّسَاوِي عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ.

[تَذْنِيبٌ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ] وَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْكَفَالَةِ، وَبَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْإِقْرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا وَهُمَا لَا يُرِيدَانِهِ يُلْجَأُ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ وَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ كَالْهَزْلِ كَمَا بَسَطْته فِي آخِرِ شَرْحِي عَلَى الْمَنَارِ

ــ

[رد المحتار]

بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ بِهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ فَرَاجِعْهُ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، قَوْلُهُ جَازَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، يُسْتَثْنَى مِنْهُ بَدَلُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حُكْمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الصَّرْفِ، وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ كَالثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا) أَيْ وَتَقُولُ هَكَذَا فِي عَكْسِ بَاقِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ تَقُولَ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ حُكْمِهِمَا) أَيْ حُكْمِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي بَابِ الرِّبَا.

(قَوْلُهُ: تَذْنِيبٌ) شَبَّهَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ بِذَنَبِ الْحَيَوَانِ الْمُتَّصِلِ بِعَجُزِهِ وَجَعَلَ ذِكْرَهَا فِي آخِرِهِ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الذَّنَبِ فِي عَجُزِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ لَا تَخْفَى. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ

(قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ الْعِينَةِ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ الْعِينَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُهَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْمُحْتَاجُ إلَى آخَرَ وَيَسْتَقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَلَا يَرْغَبُ الْمُقْرِضُ فِي الْإِقْرَاضِ طَمَعًا فِي فَضْلٍ لَا يَنَالُهُ بِالْقَرْضِ فَيَقُولُ لَا أُقْرِضُك، وَلَكِنْ أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ إنْ شِئْت بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَقِيمَتُهُ فِي السُّوقِ عَشَرَةٌ لِيَبِيعَهُ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَرْضَى بِهِ الْمُسْتَقْرِضُ فَيَبِيعُهُ كَذَلِكَ، فَيَحْصُلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ دِرْهَمًا وَلِلْمُشْتَرِي قَرْضُ عَشَرَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا ثَالِثًا فَيَبِيعُ الْمُقْرِضُ ثَوْبَهُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَيُسْلِمُهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ الْمُسْتَقْرِضُ مِنْ الثَّالِثِ بِعَشَرَةٍ وَيُسْلِمُهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ الثَّالِثُ مِنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ الْمُقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيُسْلِمُهُ إلَيْهِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْعَشَرَةَ وَيَدْفَعُهَا لِلْمُسْتَقْرِضِ فَيَحْصُلَ لِلْمُسْتَقْرِضِ عَشَرَةٌ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ عَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الْعِينَةُ جَائِزَةٌ مَأْجُورٌ مَنْ عَمِلَ بِهَا، كَذَا فِي مُخْتَارِ الْفَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا الْبَيْعُ فِي قَلْبِي كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ ذَمِيمٌ اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ إلَّا خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْقَرْضِ اهـ ط مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: وَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْكَفَالَةِ) وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى ذِكْرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبُيُوعَاتِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ بَيَانَهُ سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ.

مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ

(قَوْلُهُ: وَبَيْعُ التَّلْجِئَةِ) هِيَ مَا أُلْجِئَ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَخَافَ الرَّجُلُ السُّلْطَانَ فَيَقُولَ لِآخَرَ إنِّي أُظْهِرُ أَنِّي بِعْت دَارِي مِنْك، وَلَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ تَلْجِئَةٌ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ كَالْهَزْلِ) أَيْ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَالْهَزْلُ كَمَا فِي الْمَنَارِ هُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ وَلَا مَا يَصْلُحُ اللَّفْظُ لَهُ اسْتِعَارَةً، وَهُوَ ضِدُّ الْجِدِّ: وَهُوَ أَنْ يُرَادَ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ مَا صَلُحَ أَنَّهُ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ، وَلَا يُنَافِي الرِّضَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَاخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ فَصَارَ بِمَعْنَى خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا مَشْرُوطًا بِاللِّسَانِ:

ص: 273

وَنَقَلْت عَنْ التَّلْوِيحِ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ، وَعَقَدَ لَهُ قَاضِي خَانْ فَصْلًا آخِرَ الْإِكْرَاهِ، مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ، وَجَعَلَهُ الْبَاقَانِيُّ فَاسِدًا -

ــ

[رد المحتار]

أَيْ بِأَنْ يَقُولَ إنِّي أَبِيعُ هَازِلًا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ اهـ، فَالْهَزْلُ أَعَمُّ مِنْ التَّلْجِئَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ سَابِقًا وَمُقَارِنًا، وَالتَّلْجِئَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ اضْطِرَارٍ وَلَا تَكُونُ مُقَارِنَةً كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاصْطِلَاحِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: التَّلْجِئَةُ هِيَ الْهَزْلُ، وَكَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ عَلَى الْمَنَارِ لِلْكَاكِيِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّلْجِئَةَ تَكُونُ فِي الْإِنْشَاءِ وَفِي الْإِخْبَارِ كَالْإِقْرَارِ، وَفِي الِاعْتِقَادِ كَالرِّدَّةِ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمَنَارِ، وَالْغَرَضُ الْآنَ بَيَانُ الْإِنْشَاءِ الْمُحْتَمِلِ لِلْفَسْخِ كَالْبَيْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْهَزْلُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ جِنْسِهِ.

قَالَ فِي الْمَنَارِ فَإِنْ تَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ: أَيْ بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ أَيْ فَلَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ: أَيْ بِأَنْ قَالَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ إلَى الْجِدِّ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْهَزْلُ بَاطِلٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ عِنْدَ الْبَيْعِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ فِي الْحَالَيْنِ خِلَافًا لَهُمَا، فَجَعْلُ صِحَّةِ الْإِيجَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمُوَاضَعَةَ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَا يُنَاقِضُهَا: أَيْ كَمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمُوَاضَعَةُ فِي الْقَدْرِ: أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى الْجِدِّ فِي الْعَقْدِ بِأَلْفٍ لَكِنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا هَزْلٌ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفَيْنِ لِبُطْلَانِ الْهَزْلِ بِإِعْرَاضِهِمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمُوَاضَعَةِ أَوْ اخْتَلَفَا فَالْهَزْلُ بَاطِلٌ وَالتَّسْمِيَةُ لِلْأَلْفَيْنِ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَاجِبٌ وَالْأَلْفُ الَّذِي هَزَلَا بِهِ بَاطِلٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْجِدُّ، وَعِنْدَهُمَا الْمُوَاضَعَةُ؛ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالثَّمَنُ أَلْفَانِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْهَزْلُ فِي الْجِنْسِ: أَيْ جِنْسِ الثَّمَنِ بِأَنْ تَوَاضَعَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَإِنَّمَا الثَّمَنُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِالِاتِّفَاقِ: أَيْ سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ عَلَى الْإِعْرَاضِ، أَوْ عَلَى عَدَمِ حُضُورِ شَيْءٍ مِنْهُمَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا اهـ، مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. وَمِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِهِ الْمُسَمَّاةِ بِنَسَمَاتِ الْأَسْحَارِ عَلَى إفَاضَةِ الْأَنْوَارِ، وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِيهَا.

(قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا أَوْ يَخْتَلِفَا، فَإِنْ اتَّفَقَا فَالِاتِّفَاقُ إمَّا عَلَى إعْرَاضِهَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَائِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى ذُهُولِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَإِعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا عَلَى إعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَذُهُولِ الْآخَرِ، فَصُوَرُ الِاتِّفَاقِ سِتَّةٌ؛ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَدَعْوَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَكُونُ، إمَّا إعْرَاضُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُمَا، وَإِمَّا ذُهُولُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُ مَعَ إعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا إعْرَاضُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا ذُهُولُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ إعْرَاضُهُ تَصِيرُ تِسْعَةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ التِّسْعَةِ يَكُونُ اخْتِلَافُ الْخَصْمِ بِأَنْ يَدَّعِيَ إحْدَى الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ فَتَصِيرُ أَقْسَامُ الِاخْتِلَافِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ اهـ. وَهِيَ مَعَ السِّتِّ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ. قُلْت: وَقَدْ أَوْصَلْتهَا فِي حَاشِيَتِي عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ إلَى سَبْعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْصَلَهَا إلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا هُنَاكَ وَامْنَحْنِي بِدُعَاكَ.

(قَوْلُهُ: مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ) لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْخَانِيَّةِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ التَّلْجِئَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ

ص: 274

وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْعَ التَّلْجِئَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَالتَّلْجِئَةُ، وَلَوْ تَبَايَعَا فِي الْعَلَانِيَةِ، إنْ اعْتَرَفَا بِبِنَائِهِ عَلَى التَّلْجِئَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِاتِّفَاقِهِمَا أَنَّهُمَا هَزَلَا بِهِ وَإِلَّا فَلَازِمٌ، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ فَبَاطِلٌ عَلَى الظَّاهِرِ مُنْيَةٌ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُمَا لَوْ تَوَاضَعَا عَلَى الْوَفَاءِ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْوَفَاءِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَلَا عِبْرَةَ لِلْمُوَاضَعَةِ

ــ

[رد المحتار]

فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ جَائِزٌ. وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً ثُمَّ أَجَازَاهُ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ، كَمَا لَوْ تَبَايَعَا هَزْلًا ثُمَّ جَعَلَاهُ جِدًّا يَصِيرُ جِدًّا، وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ؛ وَفِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى وَأَعْتَقَهُ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ، وَلَيْسَ هَذَا كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ هَزْلٌ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ بَاطِلٌ، أَمَّا بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَفَاسِدٌ اهـ مُلَخَّصًا، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ أَجَازَاهُ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ، لَكِنْ يُنَافِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْبَاطِلِ الْفَاسِدُ نَافَاهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَ يُمْلَكُ بِهِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ صِحَّةَ الْإِجَازَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَيْعًا جَدِيدًا فَلَا تُنَافِي كَوْنَهُ بَاطِلًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَاطِلٌ: بِمَعْنَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْبُطْلَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَالْأَحْسَنُ مَا أَجَبْنَا بِهِ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ أَنَّهُ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا أَصْلًا وَهَذَا مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ دُونَ وَصْفِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا وَلِذَا لَمْ يُمْلَكْ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْأَبُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِطِفْلِهِ أَوْ بَاعَهُ لَهُ كَذَلِكَ فَاسِدًا لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ سِوَى قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قَبْلُ) الْأَظْهَرُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ بَرْهَنَ مُدَّعِي التَّلْجِئَةِ قَبْلُ؛ لِأَنَّ مُدَّعِي الْجِدِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّ الْبُرْهَانَ يُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: فَالتَّلْجِئَةُ) أَيْ لِأَنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) أَيْ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْت، فَإِنْ نَقَضَهُ أَحَدُهُمَا انْتَقَضَ لَا إنْ أَجَازَهُ: أَيْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لَهُمَا وَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ بِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ وَمُطْلَقًا عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّفَقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُمَا أَعْرَضَا وَقْتَهُ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ فَبَاطِلٌ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْمُؤَيِّدِيَّةِ عَنْ الْغُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ فَفِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ اهـ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَنَارِ، وَرَجَّحَهُ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ، وَأَقَرَّهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ وَجَعَلَ الْمُحَقِّقُ مِثْلَهُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ: أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَنَيْنَا الْعَقْدَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ عَلَى الْجِدِّ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْرَضْت وَالْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ أَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ فَعَلَى أَصْلِهِ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ: أَيْ فَيَصِحُّ، وَعَلَى أَصْلِهِمَا كَالْبِنَاءِ أَيْ فَلَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُهُ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَازِمٌ، لَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا الْمُفَادُ إذَا قَصَدَا إخْلَاءَ الْعَقْدِ عَنْ شَرْطِ الْوَفَاءِ. أَمَّا لَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَهَذَا الْمُفَادُ صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ شَرَطَا التَّلْجِئَةَ فِي الْبَيْعِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَلَوْ تَوَاضَعَا قَبْلَ الْبَيْعِ ثُمَّ تَبَايَعَا بِلَا ذِكْرِ شَرْطٍ فِيهِ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُمَا تَبَايَعَا عَلَى تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ، وَكَذَا لَوْ تَوَاضَعَا الْوَفَاءَ قَبْلَ الْبَيْعِ ثُمَّ عَقَدَا بِلَا شَرْطِ الْوَفَاءِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ،

ص: 275

وَبَيْعُ الْوَفَاءِ ذَكَرْته هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ: صُورَتُهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَيْنَ، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالرَّهْنِ الْمُعَادِ، وَيُسَمَّى بِمِصْرَ بَيْعَ الْأَمَانَةِ، وَبِالشَّامِّ بَيْعَ الْإِطَاعَةِ، قِيلَ هُوَ رَهْنٌ فَتُضْمَنُ زَوَائِدُهُ، وَقِيلَ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَفِي إقَالَةِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ النِّهَايَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،

ــ

[رد المحتار]

وَلَا عِبْرَةَ لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ اِ هـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ شَرَطَا الْوَفَاءَ ثُمَّ عَقَدَا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يُقِرَّا بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّابِقِ كَمَا فِي التَّلْجِئَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِحَ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَالْعَقْدُ غَيْرُ جَائِزٍ.

(قَوْلُهُ: ذَكَرْته هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ) وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ، وَعَقَدَ لَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا هُوَ الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَذَكَرَ فِيهِ تِسْعَةَ أَقْوَالٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ

وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بَيْعَ الْوَفَاءِ أَنَّ فِيهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ حِينَ رَدِّ الثَّمَنِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُسَمِّيهِ الْبَيْعَ الْجَائِزَ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ لِحَاجَةِ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا حَتَّى يُسَوِّغَ الْمُشْتَرِي أَكْلَ رِيعِهِ، وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ بَيْعَ الْمُعَامَلَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ رِبْحُ الدَّيْنِ وَهَذَا يَشْتَرِيهِ الدَّائِنُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: هُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِمَا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْته فَهُوَ لِي اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: هُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي مَتَى جِئْت بِالثَّمَنِ فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهُوَ رَهْنٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي. (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْأَمَانَةِ) وَجْهُهُ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ أَيْ كَالْأَمَانَةِ. (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْإِطَاعَةِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيْعُ الطَّاعَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ فِي بِلَادِنَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: أَطَاعَهُ إطَاعَةً: أَيْ انْقَادَ لَهُ، وَأَطَاعَهُ طَوْعًا مِنْ بَابِ قَالَ لُغَةٌ، وَانْطَاعَ لَهُ انْقَادَ. قَالُوا: وَلَا تَكُونُ الطَّاعَةُ إلَّا عَنْ أَمْرٍ كَمَا أَنَّ الْجَوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَوْلٍ، يُقَالُ أَمَرَهُ فَأَطَاعَ اهـ، وَوَجْهُهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الدَّائِنَ يَأْمُرُ الْمَدِينَ بَيْعَ دَارِهِ مَثَلًا بِالدَّيْنِ فَيُطِيعَهُ فَصَارَ مَعْنَاهُ بَيْعُ الِانْقِيَادِ.

(قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ رَهْنٌ) قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ رَهْنٌ لَا يَفْتَرِقُ عَنْ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ: قُلْت: لِلْإِمَامِ الْحَسَنِ الْمَاتُرِيدِيِّ: قَدْ فَشَا هَذَا الْبَيْعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفَتْوَاك أَنَّهُ رَهْنٌ وَأَنَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ نَجْمَعَ الْأَئِمَّةَ وَنَتَّفِقَ عَلَى هَذَا وَنُظْهِرَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ الْمُعْتَبَرُ الْيَوْمَ فَتْوَانَا، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنْ خَالَفَنَا فَلْيُبْرِزْ نَفْسَهُ وَلْيُقِمْ دَلِيلَهُ اهـ. قُلْت: وَبِهِ صَدَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ رَامِزًا لِفَتَاوَى النَّسَفِيِّ: الْبَيْعُ الَّذِي تَعَارَفَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا احْتِيَالًا لِلرِّبَا وَسَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ هُوَ رَهْنٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهِ وَأَتْلَفَ مِنْ شَجَرِهِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لَوْ بَقِيَ وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ اهـ، ثُمَّ نَقَلَ مَا مَرَّ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ بِيعَ كَرْمٌ بِجَنْبِ هَذَا الْكَرْمِ فَالشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَامَلَةِ وَبَيْعَ التَّلْجِئَةِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الرَّهْنِ وَلِلرَّهْنِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ) هَذَا

ص: 276

وَقِيلَ إنْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، ثُمَّ إنْ ذَكَرَا الْفَسْخَ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ زَعَمَاهُ غَيْرَ لَازِمٍ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَلَوْ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِ الْمِيعَادِ جَازَ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ وَأَقَرَّهُ خُسْرو هُنَا وَالْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ وَابْنُ الْمَلَكِ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ ذُكِرَ الشَّرْطُ بَعْدَ

ــ

[رد المحتار]

مُحْتَمِلٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْنِ، الْأَوَّلُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ مُفِيدٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْإِكْرَاهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. الثَّانِي الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، حَتَّى مِلْكُ كُلٍّ مِنْهَا الْفَسْخَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ: كَحِلِّ الْإِنْزَالِ وَمَنَافِعِ الْمَبِيعِ، وَرَهْنٌ فِي حَقِّ الْبَعْضِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ وَلَا رَهْنَهُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ كَالزَّرَافَةِ فِيهَا صِفَةُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرُ وَالنَّمِرُ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَدَلَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ فِي الْإِفْتَاءِ عَنْ الْقَوْلِ الْجَامِعِ وَفِي النَّهْرِ وَالْعَمَلُ فِي دِيَارِنَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ رَهْنًا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ شَرْعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ مُسْتَقِلَّةٌ اهـ، دُرَرٌ ط. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ ذَكَرَا الْفَسْخَ فِيهِ) أَيْ شَرَطَاهُ فِيهِ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ ط وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهُ) الَّذِي فِي الدُّرَرِ بَدَلُ هَذَا أَوْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ اهـ ط وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: جَازَ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَلَا يُنَافِي مَا بَعْدَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الشَّلَبِيِّ مُعَلِّلًا بِانْقِطَاعِ حُكْمِ الشَّرْطِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِيهِ إقَالَةٌ وَشَرْطُهَا بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهُوَ لَا يُورَثُ اهـ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا يُفْسِدُهُ الشَّرْطُ اللَّاحِقُ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. هَذَا وَفِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ الْبَيْعَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَفَاءَ إلَّا أَنَّهُ عَهِدَ إلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ إنْ أَوْفَى مِثْلَ الثَّمَنِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَعَهُ أَجَابَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا مَشَايِخُنَا عَلَى أَقْوَالٍ. وَنَصَّ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْوَفَاءُ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَهِدَ إلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ إنْ أَوْفَى مِثْلَ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ مَعَهُ الْبَيْعُ يَكُونُ بَاتًّا حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ ثَمَنَ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ مَعَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِهِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِ الْمَالِ رِبْحًا، أَمَّا لَوْ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ بِلَا وَضْعِ رِبْحٍ فَبَاتَ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُهُ رَهْنًا بِظَاهِرِ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الْبَاتَّ عَالِمًا بِالْغَبْنِ أَوْ مَعَ وَضْعِ الرِّبْحِ أَفَادَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُخْتَارُ أَئِمَّةِ خَوَارِزْمَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا بِالْبَيْعِ الرَّهْنَ لَا الْبَيْعَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ، وَاعْتَرَضَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ أَظْهَرُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْفَاشِيَةَ قَاضِيَةٌ بِقَصْدِ الْوَفَاءِ كَمَا فِي وَضْعِ الرِّبْحِ عَلَى الثَّمَنِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ الرِّبْحِ أَوْ نَقَصَ الثَّمَنُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ إذْ كَفَلَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ فَأَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك وَنَحْوَهُ يَكُونُ كَفَالَةً لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَلَوْ عَلَّقَ وَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُ الْحَجُّ.

(قَوْلُهُ: بِزِيَادَةٍ وَفِي الظَّهِيرَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ ابْنَ مَلَكٍ أَقَرَّهُ أَيْضًا وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ أَيْ مُقْتَرِنًا بِهَذِهِ

ص: 277

الْعَقْدِ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ بَاعَهُ لِآخَرَ بَاتًّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ مُشْتَرِيهِ وَفَاءً وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَوْ وَرَثَتِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَأَفَادَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّ وَرَثَةَ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي تَقُومُ مَقَامَ مُوَرِّثِهَا نَظَرًا لِجَانِبِ الرَّهْنِ فَلْيُحْفَظْ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بَائِعُهُ لَا يَلْزَمُهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ حُكْمًا حَتَّى لَا يَحِلَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قُلْت: وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْجَلَبِيِّ: إنْ صَدَرَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَفَاءً وَلَوْ لِلْبِنَاءِ وَحْدَهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ -

ــ

[رد المحتار]

الزِّيَادَةِ فَلَفْظُ زِيَادَةٍ مَصْدَرٌ وَمَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ أُرِيدَ بِهَا لَفْظُهَا فِي مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعُولِ الْمَصْدَرِ.

(قَوْلُهُ: يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَيَصِيرُ بَيْعُ الْوَفَاءِ كَأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ فَيَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ رَهْنٌ أَوْ بَيْعٌ فَاسِدٌ أَوْ بَيْعٌ صَحِيحٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَقَدَّمْنَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ الْتِحَاقِ الشَّرْطِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ فَيُفْهَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَجْلِسُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْبَائِعُ، وَقَوْلُهُ تَوَقَّفَ إلَخْ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ، وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ الْمَارَّةِ، مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. (قَوْلُهُ: فَلِلْبَائِعِ أَوْ وَرَثَتِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ بَحْثًا وَقَوْلُهُ نَظَرًا لِجَانِبِ الرَّهْنِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشَّلَبِيِّ فَافْهَمْ، وَهَذَا الْبَحْثُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّهُ رَهْنٌ حَقِيقَةً، بَاعَ كَرْمَهُ وَفَاءً مِنْ آخَرَ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ آخَرَ بَاتًّا وَسَلَّمَهُ وَغَابَ فَلِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ اسْتِرْدَادُهُ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ، لَكِنَّ يَدَ الثَّانِي مُبْطِلَةٌ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُ مِلْكِهِ مِنْ الْمُبْطِلِ فَإِذَا حَضَرَ الْمُرْتَهِنُ أَعَادَ يَدَهُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَ دَيْنَهُ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَلِوَرَثَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ الْأَخْذُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلِوَرَثَةِ الْمُرْتَهِنِ إعَادَةُ يَدِهِمْ إلَى قَبْضِ دَيْنِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ إلَخْ) أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ تَبَعًا لِلْخَيْرِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا تَجِبُ فِيهَا الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ قَبْلَهُ. مَطْلَبُ بَاعَ دَارِهِ وَفَاءً ثُمَّ اسْتَأْجَرَ

قَالَ فِي النِّهَايَةِ: سُئِلَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْحَسَنُ الْمَاتُرِيدِيُّ عَمَّنْ بَاعَ دَارِهِ مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مَعَ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ هَلْ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ فَقَالَ لَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا رَهْنٌ وَالرَّاهِنُ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَإِنَّ أَجْرَ الْمَبِيعِ وَفَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ، فَمَنْ جَعَلَهُ فَاسِدًا قَالَ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا كَذَلِكَ، وَمَنْ أَجَازَهُ جَوَّزَ الْإِجَارَةَ مِنْ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ وَأَوْجَبَ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ آجَرَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. أَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا لَوْ آجَرَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَهَذَا فِي الْبَاتِّ فَمَا ظَنُّك بِالْجَائِزِ اهـ، فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ التَّقَابُضِ لَا تَصِحُّ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَفِيهَا أَيْضًا: وَأَمَّا إذَا آجَرَهُ الْمُشْتَرِي وَفَاءً بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَهُوَ كَإِذْنِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ يَرُدُّهَا عَلَى الرَّاهِنِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَوْلَى صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا اهـ. قُلْت: وَإِذَا آجَرَهُ بِإِذْنِهِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْبِنَاءِ وَحْدَهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ وَفَاءً لِلْبِنَاءِ وَحْدَهُ كَالْقَائِمِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ صَحِيحَةٌ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا عَلِمْت

ص: 278

وَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ لِلْبَائِعِ طُولَ مُدَّةِ التَّآجُرِ انْتَهَى فَتَنَبَّهْ.

قُلْت: وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ فَأَفْتَى عُلَمَاءُ الرُّومِ بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ وَفِي الدُّرَرِ صَحَّ بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْعَقَارِ اسْتِحْسَانًا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْقُولِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَالْمُنْيَةِ اخْتَلَفَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاتًّا أَوْ وَفَاءً جِدٌّ أَوْ هَزْلٌ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ وَالْبَتَاتِ إلَّا بِقَرِينَةِ الْهَزْلِ وَالْوَفَاءِ: قُلْت: لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ اسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ فَلْيُحْفَظْ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بَيْعًا بَاتًّا فَالْقَوْلُ لَهُ

ــ

[رد المحتار]

فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: لَازِمَةٌ لِلْبَائِعِ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى: أَيْ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ لِلتَّقْوِيَةِ لَكِنَّ الْعَامِلَ اسْمُ فَاعِلٍ فَهِيَ زَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ) هَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ مَنْ آجَرَ مِلْكَهُ مُدَّةً ثُمَّ انْقَضَتْ وَبَقِيَ الْمُسْتَأْجِرُ سَاكِنًا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ إلَّا إذَا طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِالْأُجْرَةِ فَإِذَا سَكَنَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ يَكُونُ قَبُولًا لِلِاسْتِئْجَارِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا فِي الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ فَمَا ظَنُّك فِي الْمَبِيعِ وَفَاءً مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ هُوَ الْبَائِعُ، نَعَمْ قَالُوا بِلُزُومِ الْأُجْرَةِ فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بِذَلِكَ الْإِيجَارِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَعَلَى كُلٍّ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الرَّاجِحِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْقُولِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْمَنْقُولِ وَصَحَّ فِي الْعَقَارِ بِاسْتِحْسَانِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَفِي النَّوَازِلِ جَوَّزَ الْوَفَاءَ فِي الْمَنْقُولِ أَيْضًا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الْعَقَارِ إلَخْ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْخِلَافِ فِي صِحَّتِهِ. (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ وَالْبَتَاتِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا بِقَرِينَةٍ) هِيَ مَا يَأْتِي مِنْ نُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ: ادَّعَى الْبَائِعُ وَفَاءً وَالْمُشْتَرِي بَاتًّا أَوْ عَكَسَا، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ، وَكُنْت أُفْتِي فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ، وَلَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ أَئِمَّةَ بُخَارَى هَكَذَا أَجَابُوا فَوَافَقْتهمْ اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ فَظَهَرَ بِهِ وَبِقَوْلِهِ كُنْت أُفْتِي إلَخْ أَنَّ الْمُتَعَمَّدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ مِنْهُمَا وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَفَاءِ مِنْهُمَا. مَطْلَبُ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ

وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَذَكَرَ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاخْتِلَافَ تَصْحِيحٍ، وَلَكِنْ عَلَيْك بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ اهـ، وَبِهَذَا أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ هُنَا اسْتِحْسَانًا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ مُدَّعِي الْوَفَاءِ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقِيَامِ الْقَرِينَةِ ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ الْمُلْتَقَطِ فَرَأَيْته ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الشَّهَادَاتِ: وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْعًا بَاتًّا وَالْآخَرُ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانُوا يُفْتُونَ أَنَّ الْبَاتَّ أَوْلَى ثُمَّ أَفْتَوْا أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ فِي الْبُيُوعِ: لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بَاتًّا وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْته بَيْعَ الْوَفَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْبَتَاتَ، وَكَانَ يُفْتِي فِيمَا مَضَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْآخَرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ، فَتَحَصَّلَ مِنْ عِبَارَتَيْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيِّنَةِ تَرْجِيحُ بَيِّنَةِ الْوَفَاءِ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلِ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُدَّعِي الْبَتَاتِ، وَهَذَا الَّذِي حَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ فِيمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَبْقُ قَلَمٍ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعَيْنِهَا ذَكَرَهَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَقِبَ عِبَارَتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ

ص: 279

إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْوَفَاءِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُهُ تَغَيُّرَ السِّعْرِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي أَوَاخِرِ قَاعِدَةِ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ عَنْ الْمُنْيَةِ: لَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى لِلْعُرْفِ، ثُمَّ نُقِلَ فِي آخِرِهَا عَنْ إجَازَةِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ بِهِ أَفْتَى مَشَايِخُ بَلْخٍ وَخُوَارِزْمَ وَأَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ أَيْضًا. قَالَ: وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَاب لِلطَّحَّانِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ إبْطَالُ النَّصِّ. وَفِيهَا مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: الْقَوْلُ السَّادِسُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ أَنَّهُ صَحِيحٌ لِحَاجَةِ النَّاسِ فِرَارًا مِنْ الرِّبَا. وَقَالُوا: مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ حُكْمُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ، فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَسْوَاقِ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ لَازِمٌ وَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ فَلَا يُهْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا، وَكَذَا أَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ قَدْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ يُعْطَى لِصَاحِبِهَا فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ، وَأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَهُ وَقَبَضَ مِنْهُ الْمَبْلَغَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

ــ

[رد المحتار]

وَهِيَ تُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ كَوْنُ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الْبَتَاتِ بِمَا إذَا لَمْ تَقُمْ الْقَرِينَةُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثْنَاهُ آنِفًا وَلَكِنْ فِي التَّعْبِيرِ مُسَاهَلَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بَاتًّا إلَخْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْبَتَاتَ عِنْدَ نُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا بِخِلَافِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْوَفَاءِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا) وَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هُنَا مَا مَرَّ فِي الْوَعْدِ بِالْوَفَاءِ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ عَلَى الْمَالِ رِبْحًا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ رَهْنٌ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا بِالْبَيْعِ الرَّهْنَ لَا الْبَيْعَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) أَيْ مَعَ الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَيَانُ حُكْمِ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَأَنَّ الْعَامَّ مُعْتَبَرٌ مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا، وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ بَيْعِ الْوَفَاءِ وَبَيْعِ الْخُلُوِّ لِابْتِنَائِهِمَا عَلَى الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ: بِالنِّصْفِ) أَيْ نِصْفِ مَا يَنْسِجُهُ أُجْرَةً عَلَى النَّسْجِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ) أَيْ الْمَبْسُوطِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي صَدْرِ عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ أَفَادَهُ ط.

(قَوْلُهُ: لِلطَّحَّانِ) أَيْ لِمَسْأَلَةِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا أَوْ يَطْحَنَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ) أَيْ عَدَمُ الْجَوَازِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَدَفْعُ الْغَزْلِ إلَى حَائِكٍ فِي مَعْنَاهُ. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ أَرْبَابُ الِاخْتِيَارِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ: قَالَ أَبُو اللَّيْثِ النَّسِيجُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، لَكِنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوهُ وَأَجَازُوهُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ. قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ الشَّهِيدُ: لَا نَأْخُذُ: بِاسْتِحْسَانِ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ فِي بَلَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ شَرْعًا مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِعْلُهُمْ حُجَّةً إلَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ النَّاسِ كَافَّةً فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا فَيَكُونُ إجْمَاعًا وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ تَعَامَلُوا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَالرِّبَا لَا يُفْتَى بِالْحِلِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: فِرَارًا مِنْ الرِّبَا) لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَا يُقْرِضُ إلَّا بِنَفْعٍ وَالْمُسْتَقْرِضُ مُحْتَاجٌ فَأَجَازُوا ذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ الْمُقْرِضُ بِالْمَبِيعِ وَتَعَارَفَهُ النَّاسُ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، فَلِذَا رَجَّحُوا كَوْنَهُ رَهْنًا. (قَوْلُهُ: فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخُلُوِّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَقُولُ إلَخْ)

ص: 280