المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثاني: في وقوع الطلاق: - الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

[صالح اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الداعي لجمع مسائل هذا الموضوع والكتابة فيه:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأولفي التعريف بالحيض

- ‌المطلب الثانيفي التعريف بالنفاس

- ‌المطلب الثالثالتعريف بالاستحاضة

- ‌الفصل الأولالأحكام المترتبة على الحيض

- ‌المبحث الأولفي الأحكام المتعلقة بالطهارة

- ‌المطلب الأولفي قراءة الحائض للقرآن

- ‌الفرع الأول: في قراءة الكثير منه

- ‌الفرع الثاني: في قراءة الآية فما دونها:

- ‌المطلب الثانيفي الذِّكر

- ‌المطلب الثالثفي مس المصحف

- ‌المسألة الأولى في كون ذلك حالة الضرورة:

- ‌المسألة الثانية: في مسِّه في غير حالة الضرورة:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الجانب الأول: في مسِّه مع عدم وجود حائل:

- ‌الجانب الثاني: في كون ذلك من وراء حائل:

- ‌الفقرة الأولى: في مسِّ المصحف:

- ‌الفقرة الثانية: حمل الحائض للمصحف:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الجانب الأول: في مسِّ كتُب التفسير

- ‌الجانب الثاني في مسِّ كتُب الحديث والفقه ونحوها مما اشتمل على القرآن:

- ‌المطلب الخامسدخولها للمسجد

- ‌المسألة الأولى: في اللبث

- ‌المسألة الثانية: في عبور المسجد:

- ‌المطلب السادسفي الغسل من المحيض، والتيمُّم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله

- ‌المسألة الأولى: في الغسل:

- ‌الفرع الأول: في حُكم الغسل من المحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكمه للمسلمة:

- ‌الجانب الثاني: في إجبار الذميَّة على الغُسل منه:

- ‌الفرع الثاني: في صفته:

- ‌أولاً: صفة الكمال:

- ‌[ثانياً: الغُسل المجزئ]

- ‌الفرع الثالث: في نقض الشَّعر للغسل من المحيض:

- ‌المسألة الثانية: في التيمُّم:

- ‌المطلب السابعفي اغتسال الحائض للجنابة

- ‌المطلب الثامنتغسيل الحائض إذا ماتت

- ‌المبحث الثانيفي الأحكام المتعلِّقة بالصلاة

- ‌المطلب الأولحكم الصلاة أثناء الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء ما فاتها من الصلوات

- ‌المطلب الثالثفي طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة

- ‌المسألة الأولى: في حكم تلك الصلاة

- ‌المسألة الثانية: في وجوب ما يُجمع إليها قبلها:

- ‌الفرع الأول: فيما تدرك به الصلاة التي اتُّفق على وجوبها

- ‌الفرع الثاني: فيما تُدرَك به الصلاة الثانية عند القائلين بذلك:

- ‌المطلب الرابعفي بدء الحيض بعد دخول وقت الصلاة، وقبل أن تصليها

- ‌الفرع الأول: قضاء تلك الصلاة:

- ‌الفرع الثاني: في قضاء ما يُجمع إليها:

- ‌المبحث الثالثفي الأحكام المتعلقة بالصيام

- ‌المطلب الأولفي حكم الصيام حال الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء الأيام الفائتة

- ‌المطلب الثالثفي الطهر أثناء النهار، وحكم الإمساك

- ‌المطلب الرابعفي المرأة يطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل من الحيض

- ‌المطلب الخامسسقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يوم جومعت فيه

- ‌المبحث الرابعفي اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الأولحكم اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الثانيفي طروء الحيض حال الاعتكاف

- ‌المبحث الخامسفي الأحكام المتعلقة بالحج والعمرة

- ‌المطلب الأول: في حكم إحرام الحائض بالحج أو العمرة

- ‌المطلب الثانيفي حكم الطواف حال الحيض

- ‌المسألة الأولى: في الطواف حال الاختيار

- ‌الفرع الأول: في الطواف حال الاختيار

- ‌الجانب الأول: حُكم طوافها من حيث الحلِّ والحرمة:

- ‌الجانب الثاني: في حكم طوافها من حيث الصحة:

- ‌الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج:

- ‌المسألة الثانية: في الطواف حال الضرورة

- ‌الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة

- ‌الفرع الثاني: في حكمه من حيث الصحة وعدمها:

- ‌المطلب الثالثحبس الحائض لمن معها

- ‌المسألة الأولى: في حبس المحرم

- ‌المسألة الثانية: في حبس الرفقة:

- ‌المسألة الثالثة: في حبس الكري:

- ‌المطلب الرابعفي السعي بين الصفا والمروة من الحائض

- ‌المطلب الخامسطواف الوداع للحائض

- ‌المسألة الأولى: حكم طواف الوداع للحائض:

- ‌المسألة الثانية: طُهر الحائض بعد مفارقة البنيان:

- ‌المبحث السادسفي الأحكام المتعلقة بالنكاح

- ‌المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة

- ‌المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة

- ‌الفرع الأول: في الوطء في الفرج:

- ‌الجانب الأول: في الوطء حال نزول الدم

- ‌الفقرة الأولى: في حُكمه

- ‌الفقرة الثانية: في الكفارة للوطء في الحيض:

- ‌الجزء الأول: في الكفارة على العالِم الذَّاكر

- ‌أ- حُكم الكفارة

- ‌أولاً- في حكمها على الواطئ

- ‌ثانيًا: الكفارة على الموطوءة:

- ‌ب- من الجزء الأول: في قدر الكفارة:

- ‌الجزء الثاني: الكفارة على الناسي والجاهل

- ‌الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الأولى: حكم الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الثانية: الكفارة في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفرع الثاني: في الاستمتاع فيما عدا الفرج، مما هو دون السرَّة وفوق الركبة

- ‌المبحث السابعفي الأحكام المتعلِّقة بالطلاق

- ‌المطلب الأول: في تطليق الحائض

- ‌المسألة الأولى: في الطلاق قبل الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكمه:

- ‌الفرع الثاني: في وقوعه:

- ‌المسألة الثانية: في الطلاق بعد الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكم إيقاع الطلاق في الحيض

- ‌الفرع الثاني: في وقوع الطلاق:

- ‌الفرع الثالث: في الرجعة في الطلاق في الحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكم الرجعة في الطلاق البدعي:

- ‌الجانب الثاني: في الإجبار على الرجعة:

- ‌المطلب الثانيوطء الزوج الثاني للمرأة حال حيضها هل يحلها للزوج الأول

- ‌المبحث الثامنفي الخلع في الحيض

- ‌المبحث التاسعفي الأحكام المتعلقة بالإيلاء

- ‌المطلب الأولعدم احتساب وقت الحيض من مدة الإيلاء

- ‌المطلب الثانيحصول الفيئة من الْمُولِي بالوطء حال الحيض

- ‌المبحث العاشرفي الأحكام المتعلِّقة بالعدَّة

- ‌المطلب الأولما وقع فيه الاتفاق

- ‌المطلب الثانيما وقع فيه الخلاف

- ‌المسألة الأولى: في المراد بـ «الأقراء»

- ‌المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض:

- ‌المسألة الثالثة: في عدة المختلعة التي تحيض

- ‌المبحث الحادي عشرفي الاستبراء

- ‌المطلب الأول: في استبراء الثيب

- ‌المسألة الأولى: ألَاّ يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المسألة الثانية: أن يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المطلب الثانيفي استبراء البكر

- ‌المبحث الثاني عشروجوب نفقة الزوجة بالتسليم حال الحيض

- ‌المبحث الثالث عشرتذكية الحائض

- ‌المبحث الرابع عشرفي أنه علامة على البلوغ

- ‌الفصل الثانيفي الأحكام المترتبة على النفاس

- ‌الفصل الثالثفي الأحكام المترتبة على الاستحاضة

- ‌المبحث الأولفي أن حُكمها حكم الطاهرات

- ‌المبحث الثانيتطهر المستحاضة للصلاة

- ‌المطلب الأول: في عمل ما يمنع خروج الدم

- ‌المطلب الثانيفيما يلزم المستحاضة من التطهر بالماء

- ‌المبحث الثالثوطء المستحاضة

- ‌تراجم الأعلام الواردة في البحث

- ‌مصادر البحث

- ‌مصادر تراجم الأعلام

الفصل: ‌الفرع الثاني: في وقوع الطلاق:

‌الفرع الثاني: في وقوع الطلاق:

أمَّا الإلزام بالطلاق المحرَّم، فقد اختلف فيه أهل العلم على قولين:

القول الأول: أنه يقع، ويلزمه طلاقه.

ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومنهم: الأئمَّة الأربعة وأصحابهم (1)، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأبو ثور (2).

قال ابن المنذر: وكل من نحفظ عنه من أهل العلم إلَاّ ناسًا من أهل البدع (3).

الأدلَّة:

1 -

قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]

وهذا يعمُّ كلَّ طلاق.

وكذلك قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ولم يفرِّق.

وكذلك قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]

وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: 241].

وهذه مطلَّقة.

وهي عمومات لا يجوز تخصيصها إلَاّ بنصٍّ أو إجماع (4).

(1) انظر: الهداية وفتح القدير والعناية (3/ 474) رد المحتار (3/ 224) إعلاء السُنن (11/ 146) المبسوط

(6/ 16) المنتقى (3/ 96) الإشراف (2/ 123) بداية المجتهد (2/ 48) الكافي (1472) الشرح الصغير (3/ 343) روضة الطالبين (8/ 4) مغني المحتاج (3/ 309) حلية العلماء (7/ 19) المغني (10/ 327) الكافي (3/ 160) المحرر (2/ 51) المبدع (7/ 260) الإنصاف (8/ 448) زاد المعاد (5/ 223) السيل الجرار (2/ 348) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 81).

(2)

الإشراف لابن المنذر (4/ 163).

(3)

الإشراف له (4/ 163) ونقله ابن قدامة عن ابن عبد البر (10/ 327).

(4)

زاد المعاد (5/ 229).

ص: 180

ونوقش: بأنَّ الطلاق المحرَّم لا يدخل تحت نصوص الطلاق المطلقة التي رتَّب الشارع عليها أحكام الطلاق.

ونسألكم:

ما تقولون فيمن ادَّعى دخول أنواع البيع المحرم والنكاح المحرم تحت نصوص البيع والنكاح وقال: شمول الاسم للصحيح من ذلك والفاسد سواء، وكذلك سائر العقود المحرَّمة، وكذلك العبادات المحرَّمة المنهي عنها إذا ادَّعى دخولها تحت الألفاظ الشرعية، وحُكِم لها بالصحة لشمول الاسم لها؟

فإن قلتم: صحيحة، ولا سبيل لكم إلى ذلك، كان قولاً معلوم الفساد بالضرورة من الدين. وإن قلتم دعواه باطلة، تركتم قولكم ورجعتم إلى ما قلناه، وإن قلتم: تُقبل في موضع وتُرَدُّ في موضع، قيل لكم، ففرِّقوا بفرقان صحيح مطَّرد منعكس، معكم به برهان من الله بيَّن ما يدخل من العقود المحرَّمة تحت ألفاظ النصوصن فيثبت له حكم الصحة وبين ما لا يدخل تحتها فيثبت له حُكم البطلان.

وإن عجزتم عن ذلك فاعلموا أنه ليس بأيديكم سوى الدعوى التي يُحسن كلُّ أحدٍ مقابلتها بِمثلها، أو الاعتماد على من يحتج لقوله لا بقوله، فقد جعلتم عين محل النزاع مقدمة في الدليل، وذلك عين المصادرة على المطلوب، فهل وقع النزاع إلا في دخول الطلاق المحرم المنهي عنه تحت قوله تعالى:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} وتحت قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وأمثال ذلك، وهل سلم لكم منازعوكم قط ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم (1).

2 -

أمَّا ورد في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأه وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رضي الله عنه عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مُرْه فليُراجعها ثم ليمسكها، حتى تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، ثم

(1) زاد المعاد (5/ 235).

ص: 181

إن شاء أمسك بعد، وإن شاء يطلق قبل أن يمس، فتلك العدَّة التي أمر الله أن تُطلَّق لها النساء» (1).

قالوا: وهذا يدُلُّ على وقوع الطلاق؛ إذ الرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق (2).

ب- ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال: قلت لابن عمر: أفتعتدّ عليه، أو تُحسب عليه؟ قال: نعم، أرأيت إن عجز واستحمق (3).

ج- وقول ابن عمر: «فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها» (4).

فكيف يظن بابن عمر أنه يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسبها من طلاقها ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَرَها شيئًا (5).

د- وروي عنه: «وما يمنعني أن أعتد بها» (6).

وهذا إنكارٌ منه لعدم الاعتداد بها (7).

وروي عن ابن جريج؛ قال: أرسلنا إلى نافع وهو يترجَّل في دار الندوة ذاهبًا إلى المدينة، ونحن مع عطاء: هل حسبت تطليقة ابن عمر امرأته حائضًا، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم (8).

(1) سبق تخريجه.

(2)

انظر: الإشراف (2/ 123) بداية المجتهد (2/ 49) المنتقى (3/ 98) المغني (10/ 328).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق (6/ 163) ومسلم في الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (2/ 1096).

(4)

أخرجه مسلم عن سالم في باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، من كتاب الطلاق (2/ 1095).

(5)

زاد المعاد (5/ 230).

(6)

أخرجه مسلم في الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (2/ 1097).

(7)

زاد المعاد (5/ 230).

(8)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 309).

وروى مسلم في صحيحه: قال عبيد الله: قلت لنافع، ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة اعتد بها (2/ 1094).

ص: 182

ونوقش: بأن هذا معارض بما صحَّ عن ابن عمر من قوله: «فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا» (1) فهذا النص الصريح الصحيح ليس بأيديكم ما يقاومه بل جميع ما ذكرتموه من ألفاظ هذا الحديث، إما صحيحة غير صريحة وإما صريحة غير صحيحة (2).

وإليكم بيان ذلك:

أمَّا ما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «مُره فليراجعها» فالمراجعة قد وقعت في كلام الله ورسوله على معان:

أحدها: ابتداء النكاح كقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} [البقرة: 230]

ولا خلاف بين أحدٍ من أهل العلم بالقرآن أنَّ المطلِّق ههنا هو الزوج الثاني، وأنَّ التراجع بينها وبين الزوج الأول، وذلك نكاح مبتدأ.

الثاني: الإمساك كقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]

والمراد به الرجعة بعد الطلاق (3).

الثالث: الرد الحسِّي إلى الحالة التي كان عليها أولاً، كقوله لأبي

(1) أخرجه أحمد في المسند (5524).

وأبو داود في الطلاق، باب طلاق السنة (2/ 635) من حديث عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأله ابن عمر.

والنسائي: في الطلاق. باب وقت الطلاق للعدة (6/ 450) وقد أشار إليها مسلم في صحيحه (2/ 1089) وقد صحَّحه ابن القيم انظر: زاد المعاد (5/ 219)(5/ 226).

وابن حزم كما في المحلى (11/ 457) وقال الحافظ: إسنادها على شرط الصحيح، نيل الأوطار (6/ 253) ورواه الحميدي في الجميع بين الصحيحين، وقد التزم ألَاّ يذكر إلَاّ ما كان صحيحًا على شرطهما. نَيل الأوطار (6/ 254).

(2)

زاد المعاد (5/ 235).

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 100) زاد المعاد (5/ 288).

ص: 183

النعمان بن بشير لما نحل ابنه غلامًا خصَّه به دون ولده: «ردَّه» (1)، فهذا ردُّ ما لم تصحُّ فيه الهبة الجائزة التي سمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم جورًا، وأخبر أنها لا تصلح، وأنها خلاف العدل.

ومن هذا قوله لمن فرَّق بين جارية وولدها في البيع فنهاه عن ذلك وردَّ البيع (2)، وليس هذا الردُّ مستلزمًا لصحة البيع؛ فإنه بيع باطل، بل هو ردُّ شيئين إلى حالة اجتماعهما كما كانا، وكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كانا قبل الطلاق، وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض البتَّة.

ويؤيدها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم استعمل لفظ: «المراجعة» وهو يقتضي المفاعلة، والرجعة من الطلاق يستقلُّ بها الزوج بمجرَّد كلامه، فلا يكاد يُستعمل في لفظ المراجعة، بخلاف ما إذا ردَّ بدن المرأة إليه فرجعت إليه باختيارها؛ فإنهما قد تراجعا، كما يتراجعان بالعقد باختيارهما بعد أن تنكح زوجًا غيره (3).

ويدل عليه أنَّ النبيَّ لم يأمر ابن عمر بالإشهاد على الرجعة (4):

وأمَّا قوله: «أرأيت إن عجز واستحمق» فلا دلالة فيها على أنَّ

(1) أخرجه مسلم في كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في العطية (3/ 1242).

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب في التفريق بين السبي (3/ 145) عن ميمون ابن أبي شيبة عن علي أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وردَّ البيع، قال أبو داود: وميمون لم يدرك عليِّ.

وأخرجه الترمذي في البيوع، باب كراهية الفرق بين الأخوين، أو بين الوالدة وولدها، في البيع (3/ 572) والذي فيه أنَّ التفريق بين أخوين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يا علي، ما فعل غلامك» فأخبرته بالبيع فقال: «ردَّه، ردَّه» وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

وابن ماجة في كتاب التجارات، باب النهي عن التفريق بين السبي (2/ 755) وكلاهما عن ميمون عن علي.

(3)

زاد المعاد (5/ 228).

(4)

مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 100).

ص: 184

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حسبها عليها، والأحكام لا تُؤخَذ بمثل هذا.

ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حسبها عليه، واعتدَّ عليه بها لم يعدل عن الجواب بفعله وشرعه إلى «أرأيت» ، وكان ابن عمر أكره ما إليه «أرأيت» ، فكيف يعدل للسائل عن صريح السنة إلى لفظة «أرأيت» الدَّالة على نوع من الرأي سبَّبه عجز المطلق وحُمقه عن إيقاع الطلاق على الوجه الذي أذن الله له فيه، والأظهر فيما هذه صفته أنه لا يعتد به، وأنه ساقط من فعل فاعله، لأنه ليس في دين الله تعالى حُكم نافذ سببه العجز والحمق عن امتثال الأمر، إلَاّ أن يكون فعلاً لا يمكن رده بخلاف العقود المحرمة التي من عقدها على الوجه المحرم، فقد عجز واستحمق.

وحينئذ يقال: هذا أدلُّ على الردِّ منه على الصحة واللزوم، فإنه عقد عاجز أحمق، على خلاف أمر الله ورسوله، فيكون مردودًا باطلاً، فهذا الرأي والقياس أدلُّ على بطلان طلاق من عجز واستحمق منه على صحته واعتباره (1).

وأما قول ابن عمر: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها وما روي عنه:«وما يمنعني أن أعتدَّ بها» .

فقد نوقش من أوجه:

الوجه الأول: أنه لم يقل فيه إنَّ رسول الله حسبها تطليقة، ولا إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قال اعتدّ بها طلقة، وإنما هو إخبار عن نفسه، ولا حجَّة في فعله ولا فعل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

الوجه الثاني: أنه صحَّ عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد كالشمس من رواية عبيد الله عن نافع عنه في الرجل يُطلِّق امرأته وهي حائض؟ قال: لا

(1) زاد المعاد (5/ 228) وانظر المحلى (11/ 456).

(2)

المحلى (11/ 456).

ص: 185

يعتد بذلك (1).

الوجه الثالث: أنَّ الألفاظ قد اضطربت عن ابن عمر في ذلك اضطرابًا شديدًا، وكلَّها صحيحة عنه، وهذا يدل على أنه لم يكن عنده نصٌّ صريحٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقوع تلك الطلقة والاعتداد بها، وإذا تعارضت تلك الألفاظ نظرنا إلى مذهب ابن عمر وفتواه فوجدناه صريحًا في عدم الوقوع، ووجدنا أحد ألفاظ حديثه صريحًا في ذلك، فقد اجتمع صريح روايته وفتواه على عدم الاعتداد، وخالف في ذلك ألفاظًا مُجملة مضطربة (2).

وأمَّا ما روي عن نافع أنَّ تطليقة عبد الله حُسِبت عليه، فهذا غايته أن يكون من كلام نافع، ولا يعرف من الذي حسبها، أهو عبد الله نفسه، أو أبوه عمر، أو رسول الله؟ ولا يجوز أن يشهد على رسول الله بالوهم والحسبان، وكيف يعارض صريح قوله:«ولم يرها شيئًا» بهذا المجمل (3).

3 -

ما روى حمَّاد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طلَّق في بدعة ألزمنا بدعته» (4).

ونوقش: بأنَّه حديث باطل، ولم يروِه أحدٌ من الثقات من أصحاب حمَّاد بن زيد، وإنما هو من حديث إسماعيل بن أمية الذراع الكذاب، الذي يذرع ويفصل، ثم الراوي له عنه عبد الباقي بن نافع، وقد ضعَّفه البرقاني وغيره، وكان قد اختلط في آخر عمره، وقال:

(1) أخرجه ابن حزم في المحلى (11/ 453) وصحح، وكذا صحَّحه ابن القيم، كما في الهدي (5/ 226) وكذلك الشوكاني كما في نيل الأوطار (6/ 254).

(2)

زاد المعاد (5/ 236).

(3)

زاد المعاد (5/ 237).

(4)

أخرجه ابن حزم في المحلى (11/ 455).

ص: 186

الدارقطني: يخطئ كثيرًا ومثل هذا إذا تفرَّد بحديث لم يكن حديثه حجَّة (1).

ثم لو صحَّ - ولم يصحّ قط - لكان لا حجة فيه، لأنه كان معنى قوله:«ألزمناه بدعة» أي: إثمها، وليس فيه، أنه يُحكم عليه بإمضاء حكم بدعته (2).

4 -

أنه رُوي عن زيد وعثمان الفتيا بوقوع الطلاق (3).

ونوقش: بأن هذا لا يصِحُّ عنهما، فإنَّ أثر عثمان فيه كذَّاب عن مجهول لا يعرف عينه ولا حاله، فإنه من رواية ابن سمعان، عن رجل.

وأثر زيد: فيه مجهول عن مجهول: قيس بن سعد عن رجل سماه عن زيد، ثم لو صح ما روي عنهما: لكان معارضًا بما صح عن ابن عمر أنه قال لا يعتد بها (4).

5 -

أن مذهب ابن عمر الاعتداد بالطلاق في الحيض، وهو صاحب القصة، وأعلم الناس بها، وأشدُّهم اتباعًا للسُنن، وتَحرُّجًا من مخالفتها (5).

ونوقش: بأنَّ هذا غير مسلم، إذ الصحيح عنه عدم الاعتداد بهذه الطلقة، ولو فرض صحَّة النقل عنه بالوقوع، لكان معارضًا بما نقل عنه من عدم الاعتداد، ثم على فرض أن هذا رأيه، فالعبرة بما رواه لا بما رآه (6).

6 -

أنَّ الفروج يحتاط لها، والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق،

(1) المحلى (11/ 455) زاد المعاد (5/ 238).

(2)

المحلى (11/ 455).

(3)

أخرجها ابن حزم في المحلى (11/ 454) وضعَّفها.

(4)

زاد المعاد (5/ 238).

(5)

زاد المعاد (5/ 230).

(6)

زاد المعاد (5/ 236).

ص: 187

وتجديد الرجعة والعقد (1).

ونوقش: بأنَّ هذا مسلَّم، وهو موجب القول بعدم صحَّة الطلاق، فإنَّ الاحتياط أن يبقى الزوجان على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهة واحدة، وإن أصبنا فصوابنا في جهتَين، وأنتم ترتكبون أمرين: تحريم الفرج على من كان حلالاً له بيقين وإحلاله لغيره، فإن كان خطأً فهو خطأ من جهتين (2).

7 -

أنَّ النكاح لا يدخل فيه إلَاّ بالتشديد والتأكيد من الإيجاب والقبول والولي والشاهدين، ورضا الزوجة المعتبر رضاها، ويخرج منه بأيسر شيء، فلا يحتاج الخروج منه إلى شيء من ذلك، بل يدخل فيه بالعزيمة، ويخرج منه بالشبهة، فأين أحدهما من الآخر حتى يقاس عليه (3).

ونوقش: بالتسليم بسهولة الخروج منه، ولكن لا يخرج منه إلَاّ بما نصبه الله سببًا يخرج به منه، وأذن فيه، وأما ما ينصبه المؤمن عنده، ويجعله هو سببًا للخروج منه فكلا (4).

7 -

ولأنه طلاق من مكلَّف في محلِّ الطلاق فوقع، كطلاق الحامل (5).

ويمكن أن يناقش: بالفارق لوجود الإذن في طلاق الحامل بخلاف هذا فقد نُهي عنه.

8 -

ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة، بل هو إزالة عصمة، وقطع ملك، فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظًا عليه وعقوبة له (6).

(1) زاد المعاد (5/ 232) المحلى (11/ 458).

(2)

زاد المعاد (5/ 240) المحلى (11/ 458).

(3)

زاد المعاد (5/ 232).

(4)

زاد المعاد (5/ 240).

(5)

المغني (10/ 328) الإشراف (2/ 123).

(6)

المغني (10/ 328) المنتقى (3/ 98).

ص: 188

9 -

ولأنه إزالة مُلك مبني على التغليب والسراية فوجب أن ينفذ في حال الطهر والحيض كالعتق (1).

القول الثاني: أنه لا يقع.

ذهب إليه جمع من فقهاء السلف منهم: طاوس، وعكرمة وخلاس بن عمرو، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطأة.

ويروى عن ابن أبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق (2)، وهشام بن عبد الحكم، وابن علية، (3) وابن حزم (4).

وهو قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة، ومالك وأحمد (5)، وهو اختيار ابن تيمية (6)، وابن القيم (7).

الاستدلال:

1 -

أنَّ النكاح ثابت بيقين، ولا يزول إلَاّ بيقين مثله من كتاب أو سُنة أو إجماع متيقَّن، ولا سبيل لكم إلى ذلك (8).

2 -

أنَّ هذا طلاق لم يشرعه الله البتَّة ولا أذن فيه، فليس من شرعه، فكيف يُقال بنفوذه؟ .. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]

وصحَّ عن النبيِّ المبيِّن عن الله مراده من كلامه أنَّ الطلاق المشروع المأذون فيه هو الطلاق في زمن الطُهر الذي لم يجامع فيه أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس طلاقًا

(1) الإشراف (2/ 123) المنتقى (3/ 98).

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 82) إعلان السُنن (11/ 146) نيل الأوطار (6/ 252).

(3)

المغني (10/ 327) المنتقى (3/ 98) الإشراف (2/ 132) حلية العلماء (7/ 21) المبدع (7/ 260).

(4)

المحلى (11/ 452).

(5)

مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 83) بداية المجتهد (2/ 48) الإنصاف (8/ 448).

(6)

مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 7، 22، 81، 98).

(7)

زاد المعاد (5/ 221).

(8)

زاد المعاد (5/ 225).

ص: 189

للعدَّة في حقِّ المدخول بها، فلا يكون طلاقًا، فكيف تُحرم المرأة به؟

وقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]

ومعلوم أنه إنما أراد الطلاق المأذون فيه، وهو الطلاق للعدَّة، فدلَّ على أنَّ ما عداه ليس من الطلاق، فإنه حصر الطلاق المشروع المأذون فيه الذي يملك به الرجعة في مرَّتين، فلا يكون ما عداه طلاقًا (1).

3 -

ما رواه أبو داود:

حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر، قال أبو الزبير وأنا أسمع: كيف ترى في رجل طلَّق امرأته حائضًا؟ فقال: طلَّق ابن عمر امرأته حائضًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ عبد الله بن عمر طلَّق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا وقال: «إذا طهرت فليطلِّق أو ليُمسك» .. قال ابن عمر: وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} في قبل عدتهن» (2).

قالوا: وهذا إسناد في غاية الصحَّة؛ فإنَّ أبا الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة، وإنما يُخشَى من تدليسه، فإذا قال: سمعت، أو حدثني، زال محذور التدليس، وزالت العلَّة المتوهَّمة، وأكثر أهل الحديث يحتجُّون به إذا قال «عن» ولم يصرِّح بالسماع، ومسلم يُصحِّح ذلك من حديثه .. فأمَّا إذا صرَّح بالسماع فقد زال الإشكال وصحَّ الحديث وقامت به الحجة (3).

ونوقش: بأنه خلاف الأحاديث الصحيحة.

قال أبو داود: والأحاديث كلُّها على خلاف ما قال أبو الزبير (4).

(1) زاد المعاد (5/ 225).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

المحلى (11/ 457) زاد المعاد (5/ 226).

(4)

مختصر سُنن أبي داود للمنذري (3/ 97).

ص: 190

وقال الشافعي: ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به (1).

وقال الخطابي: حديث يونس بن جبير أثبت من هذا (2)، يعني قوله:«مُرْه فليراجعها» وقوله: «أرأيت إن عجز واستحمق؟» قال: فمه.

وقال ابن عبد البر: وهذا لم ينقله أحد غير أبي الزبير، وقد رواه عنه جماعة أجلَاّء، فلم يقل ذلك أحدٌ منهم، وأبو الزبير ليس بحجَّة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه؟ (3).

وأجيب عن ذلك: بأن ما ذكروه لا يُوجب ردَّ خبر أبي الزبير.

أمَّا قول أبي داود: الأحاديث كلُّها على خلافه، فليس بأيديكم سوى تقليد أبي داود، وأنتم لا ترضون ذلك، وتزعمون أنَّ الحجَّة من جانبكم فدعوا التقليد، وأخبرونا أين في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير؟

فهل فيها حديث واحد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتسب عليه تلك الطلقة وأمره أن يعتدَّ بها، فإن كان ذلك فنعم، ولا تجدون إلى ذلك سبيلاً، وغاية ما بأيديكم:«مُرْهُ فليُراجعْها» والرجعة تستلزم وقوع الطلاق، وقول ابن عمر وقد سُئل: أتعتدُّ بتلك التطليقة؟ فقال: «أرأيت إن عجز واستحمق؟» وقول نافع أو من دونه: «فحُسِبت من طلاقها» .

وليس وراء ذلك حرف واحد يدلُّ على وقوعها، والاعتداد بها، ولا ريب في صحَّة هذه الألفاظ، ولا مُطعن فيها، وإنما الشأن كلُّ الشأن في معارضها لقوله: فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا" وتقديمها عليه، ومعارضتها لما نذكر لقولنا من أدلَّة (4).

(1) المصدر السابق والصفحة.

(2)

معالم السُنن له (3/ 95).

(3)

زاد المعاد (5/ 227) نيل الأوطار (6/ 253).

(4)

زاد المعاد (5/ 227) تهذيب سُنن أبي داود له (3/ 96).

ص: 191

وقد بينَّا في مناقشة تلك الأدلَّة معنى كلِّ لفظ وما يعتريه من احتمالات.

وأمَّا قول الشافعي: إنَّ نافعًا أثبت في ابن عمر من أبي الزبير وأخصّ، فهذا إنما يحتاج إليه عند التعارض، فكيف ولا تعارض بينهما؟ فإنَّ رواية أبي الزبير صريحة في أنها لم تُحسب عليه، وأمَّا نافع فرواياته ليس فيها شيءٌ صريحٌ قط، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حسبها عليه (1)، وكما يقال في هذا يُقال في قول الخطابين وكذا في قول ابن عبد البر.

4 -

أنَّ هذا طلاق لم يأذن الله فيه، وهو لو وكَّل وكيلاً أن يُطلِّق امرأته طلاقًا جائزًا، فطلَّق طلاقًا محرَّمًا لم يقع؛ لأنه غير مأذون له فيه، فكيف كان إذن المخلوق مُعتبَرًا في صحَّة إيقاع الطلاق دون إذن الشارع؟ (2).

ونوقش: بالفارق؛ لأنَّ غير الزوج لا يملك الطلاق، والزوج يملكه بمحلَّه (3).

5 -

أنَّ الشارع قد حجر على الزوج أن يُطلِّق في حال الحيض، فلو صحَّ طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى، وكان حجر القاضي على منعه التصرُّف أقوى من حجر الشارع حيث يُبطِل التصرُّف بحجره (4).

6 -

أنه لو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلِّقها طلقة ثانية فائدة، بل فيه مضرَّة عليهما؛ فإنَّ له أن يُطلقها بعد المراجعة بالنصِّ والإجماع، وحينئذٍ يكون في الطلاق مع الأول تكثير الطلاق وتطويل العدة وتعذيب الزوجين جميعًا، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليه

(1) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96).

(2)

المغني (10/ 317) زاد المعاد (5/ 322) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 97) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 22) المبدع (7/ 260).

(3)

المغني (10/ 328).

(4)

زاد المعاد (5/ 224) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96).

ص: 192

أن يطأها قبل الطلاق؛ بل إذا وطئها لم يحلّ له أن يطلقها حتى يتبيَّن حملها أو تطهر الطهر الثاني (1).

7 -

أنَّ هذا طلاق محرَّمٌ منهيٌّ عنه، فالنهي يقتضي فساد المنهيِّ عنه، فلو صحَّحناه لكان لا فرق بين المنهيِّ عنه والمأذون فيه من جهة الصحَّة والفساد.

8 -

أنَّ الشارع إنما نهى عنه وحرَّمه؛ لأنه يبغضه ولا يحب وقوعه، بل وقوعه مكروهٌ إليه فحُرمه لئلَاّ يقع ما يبغضه ويكرهه، وفي تصحيحه وتنفيذه ضدّ هذا المقصود (2).

ونوقش: بأنَّ تحريمه لا يمنع ترتُّب أثره وحُكمه عليه كالظهار، فإنه مُنكَر من القول وزور، وهو مُحرَّمٌ بلا شك وترتب أثره عليه وهو تحريم الزوجة إلى أن يكفر، فهكذا الطلاق البدعي محرَّم ويترتَّب عليه أثره إلى أن يراجع ولا فرق بينهما.

ولو لم يكن معنا في المسألة إلَاّ طلاق الهازل، فإنه يقع مع تحريمه، لأنه لا يحلُّ له الهزل بآيات الله، فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه فطلاق الجاد أولى أن يقع مع تحريمه.

وأيضًا فالإيمان أصل العقود وأجلُّها وأشرفها، يزول بالكلام المحرَّم إذا كان كفرًا، فكيف لا يزول عقد النكاح بالطلاق المحرَّم الذي وضع لإزالته.

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 22) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 97).

(2)

زاد المعاد (5/ 224) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 24) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96، 98) قال ابن تيمية: إذ الأصل الذي عليه السلف والفقهاء أنَّ العبادات والعقود إذا فُعلت على الوجه المحرَّم لم تكن لازمة صحيحة، وهذا وإن نازع فيه طائفة من أهل الكلام فالصواب مع السلف وأئمة الفقهاء؛ لأنَّ الصحابة والتابعين لهم بإحسان كانوا يستدلون على فساد العبادات والعقود بتحريم الشارع لها، وهذا متواتر عنهم مجموع الفتاوى (33/ 24).

ص: 193

وكذلك القذف محرَّم، ويترتَّب عليه أثره من الحدِّ، ورد الشهادة وغيرهما (1).

وأجيب عن المناقشة: أمَّا القياس على الظهار، فأجيب عنه بأنه قياس يدفعه ما ذكرنا من النصِّ، وسائر تلك الأدلَّة التي هي أرجح منه.

ثم يقال: هذا معارَض بمثله، سواء معارضة القلب بأن يقال: تحريمه يمنع ترتب أثره عليه كالنكاح.

ويقال ثالثًا: ليس للظهار جهتان: جهة حلٍّ، وجهة حُرمة، بل كلُّه حرام، فإنه مُنكر من القول وزور، فلا يمكن أن ينقسم إلى حلال جائز وحرام باطل، بل هو بمنزلة القذف من الأجنبي والردَّة، فإذا وجد لم يوجد إلَاّ مع مفسدته، فلا يُتصوَّر أن يُقال منه حلال صحيح وحرام باطل بخلاف النكاح والطلاق والبيع، فالظهار نظير الأفعال المحرمة التي إذا وقعت قارَنَتْهَا مفاسدها فترتبت عليه أحكامها، وإلحاق الطلاق بالنكاح، والبيع والإجارة، والعقود المنقسمة إلى حلال وحرام وصحيح وباطل أولى (2).

وأمَّا القياس على وقوع الطلاق من الهازل مع تحريمه، فهو قياس مع الفارق؛ لأنَّ طلاق الهازل إنما وقع لأنه صادف محلاًّ، وهو طُهر لم يجامع فيه فنُفِّذ، وكونه هزل به إرادة منه ألَاّ يترتَّب أثره عليه، وذلك ليس إليه بل إلى الشارع، فهو قد أتى بالسبب التام، وأراد ألَاّ يكون سببه فلم ينفعه ذلك، بخلاف من طلَّق في غير زمن الطلاق، فإنه لم يأتِ السبب الذي نصبه الله سبحانه مفضيًا إلى وقوع الطلاق، وإنما أتى بسببٍ من عنده وجعله هو مفضيًا إلى حُكمه، وذلك ليس إليه.

وأمَّا قياسه على زوال الإيمان بالكلام المحرم إذا كان كفرًا، فمع

(1) زاد المعاد (5/ 231، 232).

(2)

زاد المعاد (5/ 238، 239) تهذيب السُنن (3/ 96).

ص: 194

الفارق، وهو ما ذكرناه في الظهار من أنه ليس لها جهتان: جهة حلٍّ وجهة حُرمة، بل كلُّه حرام، فإذا وُجِد لم يوجد إلَاّ مع مفسدته.

ويقال في القياس على القذف ما قيل في هذا من انعدام الجهتين؛ إذ ليس للقذف إلَاّ جهة واحدة محرَّمة (1).

9 -

أنه إذا كان النكاح المنهيُّ عنه لا يصحُّ لأجل النهي فما الفرق بينه وبين الطلاق؟ وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح وصحَّحتم ما حرَّمه ونهى عنه من الطلاق، والنهي يقتضي البطلان في الموضعين (2).

ونوقش: بأن هذا قياس مع الفارق، والفرق بين النكاح المحرَّم والطلاق المحرَّم أنَّ النكاح عقد يتضمَّن حلَّ الزوجة وملك بضعها، فلا يكون إلَاّ على الوجه المأذون فيه شرعًا، فإنَّ الأبضاع في الأصل على التحريم، ولا يباح منها إلَاّ ما أباحه الشارع، بخلاف الطلاق، فإنه إسقاط لحقِّه وإزالة لملكه، وذلك لا يتوقَّف على كون السبب المزيل مأذونًا فيه شرعًا كما يزول ملكه عن العين بالإتلاف المحرَّم وبالإقرار الكاذب وبالتبرُّع المحرَّم.

وفرق آخر بين النكاح المحرَّم والطلاق المحرَّم، أنَّ النكاح نعمة فلا تُستباح بالمحرَّمات، وإزالته وخروج البضع عن ملكه نقمة فيجوز أن يكون سببها محرَّمًا. وأيضًا أنَّ الفروج يُحتاط لها، والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق وتجديد الرجعة والعقد.

وأيضًا أنَّ النكاح لا يُدخَل فيه إلَاّ بالتشديد والتأكيد من الإيجاب والقبول والولي والشاهدين ورضا الزوجة المعتبَر رضاها، ويخرج منه بأيسر شيء فلا يحتاج الخروج منه إلى شيءٍ من ذلك، بل يُدخَل فيه

(1) زاد المعاد (5/ 238).

(2)

زاد المعاد (5/ 224) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96).

ص: 195

بالعزيمة ويُخرَج منه بالشبهة، فأين أحدهما من الآخر حتى يقاس عليه؟ (1).

وأجيب عن هذه المناقشة بما يلي:

أمَّا ما ذكرتموه من الفارق بين العَقدين، وأنَّ النكاح عقد يملك به البضع والطلاق عقد يخرج به فنعم، من أين لكم برهان من الله ورسوله بالفرق بين العقدين في اعتبار حُكم أحدهما والإلزام به وتنفيذه وإلغاء الآخر وإبطاله؟

أما عن قولكم: إنَّ النكاح نعمة فلا يكون سببه إلَاّ طاعة بخلاف الطلاق؛ فإنه من باب إزالة النعم فيجوز أن يكون سببه معصية.

فيقال: قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي يَفكُّ بها المطلِّق الغلَّ من عنقه والقيد من رجله؛ فليس كلُّ طلاقٍ نقمة، بل من تمام نعمه على عباده أن مكَّنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج، والتخلَّص ممَّن لا يحبها ولا يلائمها، فلم يرَ للمتحابين مثل النكاح، ولا للمتباغضين مثل الطلاق.

وأما قولكم: إنَّ الفروج يُحتاط لها فنعم، وهكذا قلنا سواء، فإنا احتطنا وأبقينا الزوجين على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين، فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهةٍ واحدة، وإن أصبنا فصوابنا من جهتين، جهة الزوج الأول وجهة الثاني، وأنتم ترتكبون أمرَين: تحريم الفرج على من كان حلالاً له بيقين وإحلاله لغيره، فإن كان خطأً فهو خطأٌ من جهتين، فتبيَّن أنَّا أولى بالاحتياط منكم.

أما قولكم: إنَّ النكاح يدخل فيه بالتشديد والاحتياط، ويخرج منه بأدنى شيء، فيقال: نعم، هذا مسلَّم، ولكن لا يخرج منه إلَاّ بما نصبه الله سببًا يخرج به منه، وأذن فيه، وأما ما ينصبه المؤمن عنده، ويجعله هو

(1) زاد المعاد (5/ 233، 232) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96،98).

ص: 196

سببًا للخروج منه فكلَاّ (1).

10 -

أنه لو كان الطلاق المحرَّم قد لزم لكان حصل الفساد الذي كرهه الله ورسوله، وذلك الفساد لا يرتفع برجعة يُباح له الطلاق بعدها، والأمر برجعة لا فائدة فيها مما تنزَّه عنه الله ورسوله، فإنه إن كان راغبًا في المرأة فله أن يُرجعها، وإن كان راغبًا عنها فليس له أن يرتجعها، فليس في أمره برجعتها مع لزوم الطلاق له مصلحة شرعية، بل زيادة مفسدة، ويجب تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأمر بما يستلزم زيادة الفساد، والله ورسوله إنما نهيا عن الطلاق البدعي لمنع الفساد، فكيف يأمران بما يستلزم الفساد؟! (2).

11 -

إنَّ الشارع يُحرِّم الشيء لَما فيه من المفسدة الخالصة أو الراجحة، ومقصوده بالتحريم المنع من الفساد وجعله معدومًا، فلو كان يترتَّب عليه مع التحريم من الأحكام ما يترتب على الحلال فيجعله لازمًا نافذًا كالحلال لكان ذلك إلزامًا منه بالفساد الذي قصد عدمه، فيلزم أن يكون ذلك الفساد قد أراد عدمه مع أنه ألزم الناس به، وهذا تناقض يُنزَّه عنه الشارع صلى الله عليه وسلم (3).

12 -

ولأنه لو كان الطلاق نافذًا في الحيض لكان الأمر بالمراجعة والتطليق بعده تكثيرًا من الطلاق البغيض إلى الله، وتقليلاً لما بقي من عدده الذي يتمكن من المراجعة معه، ومعلوم أنه لا مصلحة في ذلك (4).

13 -

أنَّ مفسدة الطلاق الواقع في الحيض، لو كان واقعًا لا يرتفع بالرجعة والطلاق بعدها، بل إنما يرتفع بالرجعة المستمرة التي تلمُّ شعث النكاح وترفع خرقه، فأمَّا رجعة يعقبها طلاق، فلا تزيل مفسدة

(1) زاد المعاد (5/ 240) انظر: تهذيب السُنن (3/ 98).

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 23/24).

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 25).

(4)

تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 97، 98).

ص: 197

الطلاق الأول لو كان واقعًا (1).

14 -

أنَّ الشارع إنما حرمه ونهى عنه لأجل المفسدة التي تنشأ من وقوعه، فإنَّ ما نهى عنه الشرع وحرَّمه لا يكون قط إلَاّ مشتملاً على مفسدة خالصة أو راجحة، فنهى عنه قصدًا لإعدام تلك المفسدة، فلو حُكم بصحته ونفوذه لكان تحصيلاً للمفسدة التي قصد الشارع إعدامها وإثباتًا لها (2).

15 -

أنَّ لله تعالى في الطلاق المباح حُكمين: أحدهما إباحته والإذن فيه، والثاني: جعله سببًا للتخلص من الزوجة، فإذا لم يكن الطلاق مأذونًا فيه انتفى الحكم الأول، وهو الإباحة، فما الموجب لبقاء الحكم الثاني وقد ارتفع سببه؟ ومعلومٌ أنَّ بقاء الحكم بدون سببه ممتنع (3).

16 -

أنَّ الشارع أباح للمكلَّف من الطلاق قدرًا معلومًا في زمنٍ مخصوص، ولم يُملِّكه أن يتعدَّى القدر الذي حُدَّ له، ولا الزمن الذي عُيِّنَ له، فإذا تعدَّى ما حُدَّ له من العدد كان لغوًا باطلاً، فكذلك إذا تعدَّى ما حُدَّ له من الزمان يكون لغوًا باطلاً، فكيف يكون عدوانه في الوقت صحيحًا ومعتبرًا لازمًا وعدوانه في العدد لغوًا باطلاً؟

وهذا كما أنَّ الشارع حَدَّ له عددًا من النساء مُعيَّنًا في وقتٍ معيَّن، فلو تعدَّى ما حُدَّ له من العدد كان لغوًا وباطلاً، وكذا لو تعدَّى ما حُدَّ له من الوقت، بأن ينكحها قبل انقضاء العدَّة مثلاً أو في وقت الإحرام، فإنه يكون لغوًا باطلاً؛ فقد شمل البطلان نوعي التعدي عددًا أو وقتًا (4).

(1) المصدر السابق والصفحة.

(2)

تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 97، 98)

(3)

تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 99، 100).

(4)

المصدر السابق والصفحة.

ص: 198

17 -

وأيضًا فالصحَّة إما أن تُفسَّر بموافقة أمر الشارع أو أن تُفسَّر بترتُّب أثر الفعل عليه، فإن فُسِّرت بالأول لم يكن تصحيح هذا الطلاق ممكنًا، وإن فُسِّرت بالثاني وجب أيضًا ألَاّ يكون العقد المحرَّم صحيحًا؛ لأنَّ ترتُّب الثمرة على العقد إنما هو بجعل الشارع العقد كذلك، ومعلوم أنه لم يُعتبَر العقد المحرَّم، ولم يجعله مُثمرًا لمقصوده كما مر (1).

18 -

وأيضًا فوصف العقد المحرَّم بالصحَّة مع كونه مُنشِئًا للمفسدة ومشتملاً على الوصف المقتضي لتحريمه وفساده، جمع بين النقيضين، فإنَّ الصحَّة إنما تنشأ عن المصلحة، والعقد المحرَّم لا مصلحة فيه؛ بل هو منشأ لمفسدة خالصة أو راجحة، فكيف تنشأ الصحة من شيء هو منشأ المفسدة (2).

19 -

وأيضًا فوصف العقد المحرَّم بالصحة إمَّا أن يُعلَم بنصٍّ من الشارع أو من قياسه أو من توارد عرفه في محال حُكمِه بالصحَّة، أو من إجماع الأمَّة، ولا يمكن إثبات شيءٍ من ذلك في محلِّ النزاع، بل نصوص الشرع تقتضي ردَّه وبطلانه كما تقدم، وكذلك قياس الشريعة كما ذكرناه، وكذلك استقراء موارد عرف الشرع في مجال الحكم بالصحَّة إنما يقتضي البطلان في العقد المحرَّم لا الصحَّة، وكذلك الإجماع؛ فإنَّ الأمَّة لم تجمع قد - ولله الحمد - على صحَّة شيءٍ حرَّمه الله ورسوله، لا في هذه المسألة، ولا في غيرها، فالحكم يستند إلى أيِّ دليل (3).

20 -

ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» .

وفي رواية: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» (4).

(1) تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (3/ 100).

(2)

المصدر السابق.

(3)

المصدر السابق.

(4)

أخرجه البخاري في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (3/ 167) ومسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة (1718)(3/ 1343).

ص: 199