المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج: - الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

[صالح اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الداعي لجمع مسائل هذا الموضوع والكتابة فيه:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأولفي التعريف بالحيض

- ‌المطلب الثانيفي التعريف بالنفاس

- ‌المطلب الثالثالتعريف بالاستحاضة

- ‌الفصل الأولالأحكام المترتبة على الحيض

- ‌المبحث الأولفي الأحكام المتعلقة بالطهارة

- ‌المطلب الأولفي قراءة الحائض للقرآن

- ‌الفرع الأول: في قراءة الكثير منه

- ‌الفرع الثاني: في قراءة الآية فما دونها:

- ‌المطلب الثانيفي الذِّكر

- ‌المطلب الثالثفي مس المصحف

- ‌المسألة الأولى في كون ذلك حالة الضرورة:

- ‌المسألة الثانية: في مسِّه في غير حالة الضرورة:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الجانب الأول: في مسِّه مع عدم وجود حائل:

- ‌الجانب الثاني: في كون ذلك من وراء حائل:

- ‌الفقرة الأولى: في مسِّ المصحف:

- ‌الفقرة الثانية: حمل الحائض للمصحف:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الجانب الأول: في مسِّ كتُب التفسير

- ‌الجانب الثاني في مسِّ كتُب الحديث والفقه ونحوها مما اشتمل على القرآن:

- ‌المطلب الخامسدخولها للمسجد

- ‌المسألة الأولى: في اللبث

- ‌المسألة الثانية: في عبور المسجد:

- ‌المطلب السادسفي الغسل من المحيض، والتيمُّم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله

- ‌المسألة الأولى: في الغسل:

- ‌الفرع الأول: في حُكم الغسل من المحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكمه للمسلمة:

- ‌الجانب الثاني: في إجبار الذميَّة على الغُسل منه:

- ‌الفرع الثاني: في صفته:

- ‌أولاً: صفة الكمال:

- ‌[ثانياً: الغُسل المجزئ]

- ‌الفرع الثالث: في نقض الشَّعر للغسل من المحيض:

- ‌المسألة الثانية: في التيمُّم:

- ‌المطلب السابعفي اغتسال الحائض للجنابة

- ‌المطلب الثامنتغسيل الحائض إذا ماتت

- ‌المبحث الثانيفي الأحكام المتعلِّقة بالصلاة

- ‌المطلب الأولحكم الصلاة أثناء الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء ما فاتها من الصلوات

- ‌المطلب الثالثفي طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة

- ‌المسألة الأولى: في حكم تلك الصلاة

- ‌المسألة الثانية: في وجوب ما يُجمع إليها قبلها:

- ‌الفرع الأول: فيما تدرك به الصلاة التي اتُّفق على وجوبها

- ‌الفرع الثاني: فيما تُدرَك به الصلاة الثانية عند القائلين بذلك:

- ‌المطلب الرابعفي بدء الحيض بعد دخول وقت الصلاة، وقبل أن تصليها

- ‌الفرع الأول: قضاء تلك الصلاة:

- ‌الفرع الثاني: في قضاء ما يُجمع إليها:

- ‌المبحث الثالثفي الأحكام المتعلقة بالصيام

- ‌المطلب الأولفي حكم الصيام حال الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء الأيام الفائتة

- ‌المطلب الثالثفي الطهر أثناء النهار، وحكم الإمساك

- ‌المطلب الرابعفي المرأة يطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل من الحيض

- ‌المطلب الخامسسقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يوم جومعت فيه

- ‌المبحث الرابعفي اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الأولحكم اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الثانيفي طروء الحيض حال الاعتكاف

- ‌المبحث الخامسفي الأحكام المتعلقة بالحج والعمرة

- ‌المطلب الأول: في حكم إحرام الحائض بالحج أو العمرة

- ‌المطلب الثانيفي حكم الطواف حال الحيض

- ‌المسألة الأولى: في الطواف حال الاختيار

- ‌الفرع الأول: في الطواف حال الاختيار

- ‌الجانب الأول: حُكم طوافها من حيث الحلِّ والحرمة:

- ‌الجانب الثاني: في حكم طوافها من حيث الصحة:

- ‌الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج:

- ‌المسألة الثانية: في الطواف حال الضرورة

- ‌الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة

- ‌الفرع الثاني: في حكمه من حيث الصحة وعدمها:

- ‌المطلب الثالثحبس الحائض لمن معها

- ‌المسألة الأولى: في حبس المحرم

- ‌المسألة الثانية: في حبس الرفقة:

- ‌المسألة الثالثة: في حبس الكري:

- ‌المطلب الرابعفي السعي بين الصفا والمروة من الحائض

- ‌المطلب الخامسطواف الوداع للحائض

- ‌المسألة الأولى: حكم طواف الوداع للحائض:

- ‌المسألة الثانية: طُهر الحائض بعد مفارقة البنيان:

- ‌المبحث السادسفي الأحكام المتعلقة بالنكاح

- ‌المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة

- ‌المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة

- ‌الفرع الأول: في الوطء في الفرج:

- ‌الجانب الأول: في الوطء حال نزول الدم

- ‌الفقرة الأولى: في حُكمه

- ‌الفقرة الثانية: في الكفارة للوطء في الحيض:

- ‌الجزء الأول: في الكفارة على العالِم الذَّاكر

- ‌أ- حُكم الكفارة

- ‌أولاً- في حكمها على الواطئ

- ‌ثانيًا: الكفارة على الموطوءة:

- ‌ب- من الجزء الأول: في قدر الكفارة:

- ‌الجزء الثاني: الكفارة على الناسي والجاهل

- ‌الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الأولى: حكم الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الثانية: الكفارة في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفرع الثاني: في الاستمتاع فيما عدا الفرج، مما هو دون السرَّة وفوق الركبة

- ‌المبحث السابعفي الأحكام المتعلِّقة بالطلاق

- ‌المطلب الأول: في تطليق الحائض

- ‌المسألة الأولى: في الطلاق قبل الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكمه:

- ‌الفرع الثاني: في وقوعه:

- ‌المسألة الثانية: في الطلاق بعد الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكم إيقاع الطلاق في الحيض

- ‌الفرع الثاني: في وقوع الطلاق:

- ‌الفرع الثالث: في الرجعة في الطلاق في الحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكم الرجعة في الطلاق البدعي:

- ‌الجانب الثاني: في الإجبار على الرجعة:

- ‌المطلب الثانيوطء الزوج الثاني للمرأة حال حيضها هل يحلها للزوج الأول

- ‌المبحث الثامنفي الخلع في الحيض

- ‌المبحث التاسعفي الأحكام المتعلقة بالإيلاء

- ‌المطلب الأولعدم احتساب وقت الحيض من مدة الإيلاء

- ‌المطلب الثانيحصول الفيئة من الْمُولِي بالوطء حال الحيض

- ‌المبحث العاشرفي الأحكام المتعلِّقة بالعدَّة

- ‌المطلب الأولما وقع فيه الاتفاق

- ‌المطلب الثانيما وقع فيه الخلاف

- ‌المسألة الأولى: في المراد بـ «الأقراء»

- ‌المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض:

- ‌المسألة الثالثة: في عدة المختلعة التي تحيض

- ‌المبحث الحادي عشرفي الاستبراء

- ‌المطلب الأول: في استبراء الثيب

- ‌المسألة الأولى: ألَاّ يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المسألة الثانية: أن يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المطلب الثانيفي استبراء البكر

- ‌المبحث الثاني عشروجوب نفقة الزوجة بالتسليم حال الحيض

- ‌المبحث الثالث عشرتذكية الحائض

- ‌المبحث الرابع عشرفي أنه علامة على البلوغ

- ‌الفصل الثانيفي الأحكام المترتبة على النفاس

- ‌الفصل الثالثفي الأحكام المترتبة على الاستحاضة

- ‌المبحث الأولفي أن حُكمها حكم الطاهرات

- ‌المبحث الثانيتطهر المستحاضة للصلاة

- ‌المطلب الأول: في عمل ما يمنع خروج الدم

- ‌المطلب الثانيفيما يلزم المستحاضة من التطهر بالماء

- ‌المبحث الثالثوطء المستحاضة

- ‌تراجم الأعلام الواردة في البحث

- ‌مصادر البحث

- ‌مصادر تراجم الأعلام

الفصل: ‌الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج:

ثم إنَّ الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من الأركان، فلم تكن شرطًا بخلاف الطواف، فإنهم كالحنفية قد سلَّموا وجوبها فيه.

الترجيح:

ولعلَّ الراجح هو القول الأول لقوَّة ما بُنِيَ عليه من استدلال، ومن أهمِّه ما ثبت من نهيه لعائشة عن الطواف حتى تطهر.

‌الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج:

إذا حاضت المتمتعة قبل أن تطوف للعمرة، وخشيت فوات الحجِّ فماذا تفعل؟

اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أنها ترفض العمرة وتهل بالحج:

ذهب إليه الحنفية (1).

الأدلَّة:

1 -

حديث عروة عن عائشة أنها قالت: «أهللتُ بعمرة فقدمتُ مكة وأنا حائض ولم أطفْ بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «انقضي رأسك، وامتشطي وأهلِّي بالحج، ودعي العمرة» ..

قالت: ففعلتُ، فلمَّا قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه، فقال:«هذه عُمرة مكان عُمرتك» (2).

(1) انظر: الحجة على أهل المدينة (2/ 137) فتح القدير (3/ 23).

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب كيف تهل الحائض والنفساء (2/ 148) ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام (2/ 870).

ص: 113

قالوا: فهذا يدلُّ على أنها رفضت عمرتها وأحرمت بالحج، وذلك من وجوه:

الوجه الأول: قوله: «دَعِي عمرتك» وهذا يدلُّ على رفض العمرة.

الوجه الثاني: قوله: «وامتشطي» والامتشاط غير جائز للمحرم (1).

ونوقش الاستدلال من أوجه:

الوجه الأول: أنَّ قوله: «انقضي رأسك وامتشطي ودعي العمرة» انفرد به عروة، وخالف به سائر من روى عن عائشة حين حاضت، وقد روى ذلك طاوس والقاسم والأسود وعمرة عن عائشة، ولم يذكر أحد منهم هذه اللفظة (2)، وحديث جابر وطاوس مخالفان لهذه الزيادة (3).

وقد روى حمَّاد بن زياد، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة حديث حيضها فقال فيه:

فحدثني غير واحد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «دعي العمرة، وانقضي رأسك، وامتشطي» وذكر تمام الحديث.

وهذا يدلُّ على أنَّ عُروة لم يسمع هذه الزيادة من عائشة (4).

وهو مع ما ذكر من مخالفته بقية الرواة، يدلُّ على الوهم، مع مخالفتها الكتاب والأصول؛ إذ ليس لنا موضع آخر يجوز رفض العمرة مع إمكان إتمامها (5).

الوجه الثاني: أنَّ معنى «دعي العمرة» أي: دعي أفعال العمرة، فإنها تدخل في أفعال الحج، أو أنَّ المعنى «دعيها بحالها، لا تخرجي منها» ، وليس المراد تركها، ويدلُّ عليه وجهان:

(1) انظر: الحجة على أهل المدينة (2/ 149) حاشية القادري على كتاب الحجة (2/ 140).

(2)

أخرجها كلها مسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام (2/ 871) وما بعدها.

(3)

حديث جابر سبق تخريجه، وفيه أنه قال لها:«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» وحديث طاوس أخرجه مسلم في الحج، باب وجوه الإحرام، وفيه أيضًا قوله:«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» (2/ 879).

(4)

المغني (5/ 370) زاد المعاد (2/ 169).

(5)

المغني (5/ 370).

ص: 114

أحدهما- قوله: «يسعك طوافك لحجِّك وعُمرتك» .

الثاني- قوله: «كوني في عُمرتك» وهذا أولَى من حملة على رفضها لسلامته من التناقض (1).

وأما قوله: «وامتشطي» فإنه دليلٌ على أنه يجوز للمحرم أن يُمشِّط رأسه، ولا دليل من كتاب أو سُنة أو إجماع على منعه من ذلك ولا تحريمه.

وهذا قول ابن حزم وغيره (2).

أو أنَّ المراد به تسريح شعرها برفق حتى لا يسقط منه شيء، ثم تُضفِّره كما كان (3).

الوجه الثالث من الاستدلال بالحديث:

أنه قال للعُمرة التي أتت بها من التنعيم: «هذه مكان عُمرتك» ، ولو كانت عمرتها الأولى باقية لم تكن هذه مكانها، بل كانت عُمرةً مستقلَّة؛ إذ لا تكون الثانية مكان الأولى إلَاّ والأولى مفقودة (4).

ونوقش: بأنَّ عائشة أحبَّت أن تأتي بعمرة مُفرَدَة، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ طوافها وقع عن حجِّها وعُمرتها، وأنَّ عُمرتها قد دخلت في حجِّها فصارت قارنة، فأبت إلَاّ عمرةً مُفرَدَة كما قصدت أولاً، فلما حصل لها ذلك، قال:«هذه مكان عمرتك» (5).

وقد روى الأثرم في سننه عن الأسود، قلت لعائشة: اعتمرت بعد الحج؟

قالت: والله ما كانت عمرة، ما كانت إلا زيارة زُرت البيت (6).

(1) المغني (5/ 370) زاد المعاد (2/ 169) وانظر: فتح الباري (3/ 424).

(2)

زاد المعاد (2/ 169) المحلى (7/ 253).

(3)

فتح الباري (3/ 416).

(4)

الحجة على أهل المدينة (2/ 149).

(5)

المغني (5/ 370).

(6)

ذكر الأثر ابن قدامة في المغني (5/ 370) وابن القيم في زاد المعاد (2/ 170) ولم أجده.

ص: 115

الوجه الرابع من الاستدلال: قول عائشة رضي الله عنها: «ترجع صواحبي بحجٍّ وعُمرة، وأرجع أنا بالحج» .

وهذا صريحٌ في رفض العمرة؛ إذ لو أَدخلت الحج على العمرة لكانت هي وغيرها سواء، ولَمَا احتاجت إلى عُمرةٍ أخرى بعد العمرة والحج اللذين فعلتهما (1).

ويمكن أن يُناقش: بأنَّ عائشة إنما قالت ذلك بعد أن قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك» ، وكان قصدها أن تأتي بعمرة مفردة كما قصدت أولاً، وأن ترجع بمثل ما يرجع به أزواجه، فلمَّا حصل لها ذلك قال لها:«هذه مكان عمرتك» (2).

الوجه الخامس من الاستدلال: أنها شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأظهرت الجزع لفوات العمرة، ولم يخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ القارن لا يحتاج إلى الاعتمار مستقلاًّ (3).

ونوقش: بأن هذا تَحكُّم، وكيف يُقال هذا والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال لها:«يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك» .

الوجه السادس: أنَّ عائشة اضطربت لأمرٍ لم يفعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإنما كان هذا محلُّ افتخار وابتهاجٍ أنها وافقت النبي صلى الله عليه وسلم في الأفعال، فإن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم طاف لهما طوافَين، ولم يسعَ سعيَين، فعلى أيِّ أمرٍ تتحسَّر؟ أعلى أمرٍ لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟!

فدلَّ على أنها كانت ترى الناس فائزين بالطوافين، كما نطقت به أيضًا، حيث قالت: "يرجع الناس بحج وعمرة

إلخ، ونفسها خائبة عن إدراك طواف العمرة، فحسرت لذلك، ولأجل ذلك أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج أن تعتمر من التنعيم

(1) حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (2/ 140).

(2)

انظر: المغني (5/ 370) زاد المعاد (2/ 170).

(3)

حاشية الكيلاني على الحجة (2/ 144) نقلاً عن فيض الباري (3/ 83).

ص: 116

تلافيًا لما فاتها، وجبرًا لانكسارها، ولو كان المقصود منه تطييب خاطرها فقط لَما احتاج إلى هذا التطويل، واكتفى بتعليمه المسألة إياها فقط، أو بإخبارها عن نفسه أنه لم يؤدِّ أفعالها مستقلَّة أيضًا، ولو أخبرها أنه لم يَطُفْ للعمرة أيضًا كما لم تَطُفْ لها لطابت نفسهَا ولآثرت موافقتها إياه في الأفعال على ألف عمرة، ولم ترفع إليها رأسًا أصلاً، فهذه قرائن أو دلائل على أنها كانت مُفرِدة قطعًا ولم تكن قارنة (1).

ويمكن أن يناقش: بأنَّ عائشة فهمت من قوله صلى الله عليه وسلم: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» أنَّ عمرتها دخلت في حجِّها، وأنها تُجزَى عنها، ولكنها كانت تُريد عمرة مفردة كبقية أزواجه صلى الله عليه وسلم، فأمر عبد الرحمن أن يعمرها.

وأما القول بأنَّ الأمر لو كان كما ذكرنا لاكتفى بتعليمها فهذا عجب، وأيُّ تعليمٍ أصرح من قوله صلى الله عليه وسلم:«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» ؟!

الوجه السابع: أنها لو كانت قارنة لقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك قضيتِ حجِّك وعُمرتك، وكان الطواف الواحد لهما جميعًا» ، ولكنه لم يقل ذلك ولم يرَها اعتمرت، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يُخرِجَها إلى التنعيم ليُعمرها فترجع بعمرة وحجَّة كما رجع غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر فعله عليه السلام في حجِّة الوداع، ولم نعلم شيئًا نسخه (2).

ونوقش: بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك» وهذا اللفظ كافٍ، وقد فهمته عائشة، وأما تحديد لفظة معينة فهذا تحكُّم.

الوجه الثامن: أنها لو كانت قارنة لَما أُمِرَت بالوقوف بعرفة قبل

(1) حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (2/ 145).

(2)

الحجة على أهل المدينة (2/ 146).

ص: 117

العمرة؟ إنما السُنة أن يُبدأ بالعمرة قبل العمل بالحج (1).

ونُوقش: بأنَّ طواف القدوم إنما يلزم - أو يُسن - لِمن أحرم بهما من ميقاتهما، وهذه التي أردفت الحج بمكة لا يلزمها ذلك، لأنها أحرمت بالحجِّ من الحرم، ولا يلزمها للحج طواف الورود، والمعتمر لا يلزمه ذلك أيضًا، وإنما يطوف عند ورود طواف عمرته (2).

الوجه التاسع: أنها لو كانت قارنة لوجب عليها هدي القرآن، ولَمَّا لم يُنقل ذلك دلَّ على أنها كانت مُفرِدة (3).

ونوقش: بأنَّ عدم النقل ليس نَقلاً للعدم، لاسيَّما وأنَّ الأصل وجوب الهدي على القارن، فانقلوا لنا أنتم بأنها لم تهدِ.

الوجه العاشر: أنكم تزعمون بأنَّ الطواف يُجزِئ لهما جميعًا، وهم يأمرونها بالتقصير إذا رمت وذبحت، ويحلُّ لها كلُّ شيءٍ إلَاّ الجماع والطيب، ولم تطُفْ لعُمرتها بعد، فأنتم تأمرونها أن تقصر لعمرتها قبل أن تطوف، وتسعى وتكون حلالاً ما يحل منه المعتمر غير الجماع والطيب، ولم تطُف بالبيت، ولم تسعَ بين الصفا والمروة لعمرتها (4).

فإن قلتم: إنَّ هذا التقصير إنما هو للحجِّ خاصة، فلا بدَّ أن تقولوا: إذا طافت وسعت قصرت تقصيرًا آخر للعمرة، ولا ينبغي أن يحلَّ منها شيء حتى تقصر التقصير الثاني، وينبغي لكم أن تجعلوا عليها الهدي في التقصير الأول؛ لأنها قصرت للحج وهي محرمة (5).

ويمكن أن يُجاب عنه: بأنها بإدخالها حجِّها على عمرتها أصبحت

(1) الحجة على أهل المدينة (2/ 144).

(2)

المنتقى للباجي (3/ 60).

(3)

حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (2/ 142).

(4)

الحجَّة على أهل المدينة (2/ 146).

(5)

المصدر السابق، والحنفية ممن يوجبون على القارن طوافَين وسعيَين، والجمهور على أن عمل القارن كعمل المفرد، انظر: المغني (5/ 347) الإشراف (1/ 230).

ص: 118

قارنة، وعمل القارن كعمل المفرد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رميتم وحلقتم فقد حلَّ لكم الطيب والثياب، وكلُّ شيءٍ إلَاّ النساء» (1).

القول الثاني: أنها تحرم بالحج مع عمرتها، وتصير قارنة:

ذهب إليه جمهور أهل العلم ومنهم المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5)، وهو قول الأوزاعي وأكثر أهل العلم (6).

الأدلَّة:

1 -

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أقبلت عائشة بعمرة، حتى إذا كانت بسِرف (7) عركت (8)، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدها تبكي، فقال:«ما شأنك؟» قالت: شأني أني قد حِضتُ، وقد حلَّ الناس ولم أحلّ، ولم أطُفْ بالبيت، والناس يذهبون إلى الحجِّ الآن، فقال:«إنَّ هذا أمرٌ قد كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهلِّي بالحج» ، ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال:«فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم» (9).

2 -

وروى طاوس، عن عائشة أنها قالت: أهللت بعمرة، فقدمت

(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب رمي الجمار (1/ 457) وأحمد في المسند (6/ 143).

(2)

الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 334) فتح الباري (3/ 423) المنتقى (3/ 60).

(3)

المجموع (7/ 149، 150).

(4)

المغني (5/ 367) زاد المعاد (2/ 167).

(5)

المحلى (7/ 238، 239).

(6)

المغني (5/ 368).

(7)

سِرف: بكسر الراء موضع من مكة على عشرة أميال، وقيل: أقل، وأكثر النهاية (2/ 362) معجم البلدان (3/ 222).

(8)

عركت: أي حاضت. النهاية (3/ 222).

(9)

سبق تخريجه.

ص: 119

ولم أطُفْ حتى حضتُ، ونسكتُ المناسك كلَّها، وقد أهللتُ بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر:«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» (1).

فهذه نصوص صريحة، أنها كانت في حج وعمرة، لا في حج مفرد، وصريحة في أنها لم ترفض إحرام العمرة، بل بقيت في إحرامها كما هي لم تحلّ منه (2)، وفي بعض ألفاظ الحديث:«كوني في عمرتك، فعسى الله أن يرزقكيها» (3).

2 -

ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان معه هديٌ في حجَّة الوداع أن يهلَّ بالحج مع العمرة (4)، ومع إمكان الحج مع بقاء العمرة لا يجوز رفضها (5) لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ} [البقرة: 196].

3 -

ولأنَّ إدخال الحج على العمرة جائزٌ بالإجماع من غير خشية الفوات، فمع خشيته أولى (6).

4 -

ولأنها متمكنة من إتمام عمرتها بلا ضررٍ فلم يجز كغير الحائض (7).

الترجيح:

والراجح ما ذهب إليه الجمهور لقوَّة ما بُني عليه من استدلال، في مقابل ضعف ما أورده الفريق الأول، من أوجه للاستدلال، بحديث عائشة.

(1) أخرجه مسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام (2/ 879).

(2)

المغني (5/ 386) زاد المعاد (2/ 168) المنتقى (3/ 60).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة، ثم خرج هل يجزئه عن طواف الوداع (2/ 201) ومسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (1/ 875).

(4)

أخرجه البخاري في الحج، باب من ساق مع البدن (2/ 181) ومسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام (2/ 870، 875).

(5)

المغني (8/ 369).

(6)

المغني (5/ 369).

(7)

المغني (5/ 369).

ص: 120