الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض:
فقد اختلف أهل العلم في قدر عدَّتها على قولين:
القول الأول: أنها قراءة على اختلافهم في فهم القرء:
ذهب إليه جمهور أهل العلم (1).
الأدلَّة:
1 -
ما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلم: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان» (2).
ونوقش: بأنَّ الحديث ضعيف لضعف إسناده، فلا يصلح للاحتجاج (3).
2 -
ولأنه قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعًا (4).
ونوقش: بأنَّ دعوى الإجماع تخالف ما صحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أنَّ عدَّة الأمَة التي لم تبلغ ثلاثة أشهر» (5).
وصحَّ ذلك عن عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، والحسن، وربيعة، والليث والزهري، ومالك وأصحابه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في قول.
ومعلوم أنَّ الأشهر في حقَّ الآيسة والصغيرة بدل عن الأقراء الثلاثة،
(1) الإشراف لابن المنذر (4/ 291) الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2/ 169) بداية المجتهد (2/ 70).
المغني (11/ 206) زاد المعاد (5/ 651) حلية العلماء (7/ 328).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
انظر تخريجه وكذا المحلى (11/ 630، 715).
(4)
المغني (11/ 206) زاد المعاد (5/ 654).
(5)
أخرجه ابن حزم في المحلى (11/ 714).
فدلَّ على أن بدلها في حقِّها ثلاثة (1).
وأجيب: بأنَّ القائلين بهذا هم بأنفسهم القائلون: إنَّ عدَّتها حيضتان، وقد أفتوا بهذا وهذا، ولهم في الاعتداد بالأشهر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها شهران.
ذهب إليه الشافعي في قول (2)، وأحمد في رواية عنه (3)، وروي عن عمر، وهو قول عطاء، والزهري، وإسحاق (4).
وحجَّة هذا القول: أنَّ عدتها بالأقراء حيضتان، فجعل كلّ شهر مكان حيضة (5).
والقول الثاني: أنَّ عدّتها شهر ونصف:
ذهب إليه أبو حنيفة (6)، والشافعي في قول (7)، وأحمد في رواية عنه، وسعيد بن المسيب (8)، وهو قول علي وابن عمر (9).
وحجة هذا القول:
1 -
أنَّ التصنيف في الأشهر ممكن، فتنصفت بخلاف القروء.
ونظير هذا: أنَّ المحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مُدٍّ
(1) زاد المعاد (5/ 655).
(2)
روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 326).
(3)
زاد المعاد (5/ 655)، المغني (11/ 209).
(4)
المغني (11/ 209)، زاد المعاد (5/ 655).
والأثر عن عمر أخرجه البيهقي في باب عدَّة الأمَة (7/ 425).
(5)
زاد المعاد (5/ 655) المغني (11/ 209).
(6)
البناية (4/ 775).
(7)
روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 326).
(8)
المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655).
(9)
أخرجهما ابن أبي شيبة في كتاب الطلاق، باب كم عدة الأمة إذا طلقت (5/ 166، 167).
أخرجه، فإن أراد الصيام مكانه لم يجزه إلَاّ صوم يومٍ كامل (1).
2 -
ولأنها معتدَّة بالشهور فكانت على النصف من عدَّة الحرة كالمتوفِّي عنها (2).
والقول الثالث: أنَّ عدَّتها ثلاثة أشهر كوامل:
ذهب إليه مالك (3)، والشافعي في قول (4)، وأحمد في رواية عنه (5)، ورُوِي عن عمر، وجمع من فقهاء السلف؛ منهم: الحسن، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، ويحيى الأنصاري، وربيعة (6).
1 -
لعموم (7) قوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4].
والفرق عند هؤلاء بين اعتدادها بالأقراء، وبين اعتدادها بالشهور، أنَّ الاعتبار بالشهور للعلم ببراءة رحمها، وهو لا يحصل بدون ثلاثة أشهر في حقِّ الحرَّة والأمَة جميعًا، لأنَّ الحمل يكون نُطفة أربعين يومًا، ثم علَّقة أربعين يومًا، ثم مضغة أربعين وهو الطور الثالث الذي يمكن أن يظهر فيه الحمل، وهو بالنسبة إلى الحرَّة والأمَة سواء بخلاف الأقراء، فإنَّ الحيضة الواحدة علم ظاهر على الاستبراء، ولهذا اكتفى بها في حقِّ المملوكة، فإذا زوِّجت فقد أخذت شُبهًا من الحرائر، وصارت أشرف من ملك اليمين، فجعلت عدَّتها بين العدتين (8).
(1) المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655).
(2)
المغني (11/ 209).
(3)
الكافي (1/ 516).
(4)
روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 327).
(5)
المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655).
(6)
المغني (11/ 209).
(7)
المغني (11/ 210).
(8)
زاد المعاد (5/ 655، 656) المغني (11/ 210).
الدليل الثالث: من أدلة الجمهور:
3 -
ولأنه معنى ذو عدد، يُبنى على التفاضل، فلا تساوي فيه الأمة الحرَّة كالحدِّ (1).
وقد روى هذا المعنى عن ابن مسعود من قوله: يكون عليها نصف العذاب، ولا يكون لها نصف الرخصة (2).
ونُوقش من أوجه:
الوجه الأول: أن الأثر لا يصحُّ، لأنه منقطع؛ إذ هو عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، ولم يسمع إبراهيم من عبد الله (3).
وأجيب بعدم التسليم بالانقطاع:
لقول إبراهيم: إذا قلت "قال عبد الله"، فقد حدَّثني غير واحد عنه، وإذا قلت:"قال فلان عنه"، فهو عمَّن سمَّيت.
ومن المعلوم أنَّ بين إبراهيم وعبد الله أئمَّة ثقات، لم يُسمِّ قط متهمًا ولا مجروحًا ولا مجهولاً، فشيوخه الذين أخذ عنهم عن عبد الله أئمَّة أجلَاّء نبلاء، وكل من له ذوق في الحديث إذا قال إبراهيم: قال عبد الله، لم يتوقَّف في ثبوته عنه (4).
الوجه الثاني: لو سلم بصحته فإنه يقال لقائل هذا القول ومصوبه، ما نحن جعلنا عليها نصف العذاب، ولا نحن نجعل لها نصف الرخصة، بل الله تعالى جعل عليها نصف العذاب، ولم يجعل لها نصف الرخصة.
ثم هبك لو جعلنا نحن عليها نصف العذاب وكان ذلك مباحًا لنا أن نجعله، فمن أين لنا أن نجعل لها نصف الرخصة؟ (5)
(1) المغني (11/ 206).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (12879) عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، ورجاله ثقات.
(3)
المحلى (11/ 717).
(4)
زاد المعاد (5/ 653).
(5)
المحلى (11/ 717).
الوجه الثالث: أنَّ قياس هذه العدَّة على حدِّ الزنا فاسد؛ لأنه لا شبه بين الزنا الموجب للحدِّ وبين طلاق الزوج، والقياس عند القائل به لا يصح إلَاّ على شبهٍ بين المقيس والمقيس عليه، فكيف بمن لا يرى القياس أصلاً؟
ثم فساد آخر ..
وهو أنكم أوجبتم القياس على نصف الحدِّ في الأمَة، وأنتم لا تختلفون في أنَّ حدَّ الأمة في قطع السرقة كحدِّ الحرة، فمن أين وجب أن تُقاس العدّة عندهم على حد الزنا دون أن يقيسوه على حدِّ السرقة؟
ثم هلا قاسوا عدَّة الأمَة من الطلاق على ما لا يختلفون فيه من أنَّ عدَّتها «إن كانت حاملاً» كعدَّة الحرة، وهذا القياس أولى من قياس العدَّة على حد الزنا.
ثم يلزمهم إذا قاسوا عدَّة الأمة على حدِّها ألَاّ يُوجِبوا عليها إلَاّ نصف الطهارة ونصف الصلاة ونصف الصيام، قياسًا على حدِّها (1).
القول الثاني: أنَّ عدَّتها عدَّة الحرة؛ أي: ثلاثة قروء:
ذهب إليه الظاهرية (2)، وعلَّق ابن سيرين القول به على عدم مُضيِّ سنة (3)، ورُوِي عن مكحول والأصم (4).
الأدلَّة:
1 -
قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
(1) المحلى (11/ 718، 719).
(2)
المحلى (11/ 714)، بداية المجتهد (2/ 70)، حلية العلماء (7/ 327)، زاد المعاد (5/ 652).
(3)
حلية العلماء (7/ 327)، زاد المعاد (5/ 650)(11/ 714)، بداية المجتهد (2/ 70).
(4)
البناية (4/ 774)، زاد المعاد (5/ 650).
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]
وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
قال ابن حزم: وقد علم الله عز وجل إذا أباح لنا زواج الإماء أنه يكون عليهنَّ العِدَد المذكورات، فما فرَّق سبحانه بين حرَّةٍ ولا أمَة في ذلك {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] (1).
ونوقش الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: بأنَّ هذه الآيات لا تتناول الإماء، وإنما تتناول الحرائر، فإنه سبحانه قال:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]
إلى أن قال: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]
وهذا في حقِّ الحرائر دون الإماء، فإنَّ افتداء الأمَة إلى سيدها لا إليها، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230].
فجعل ذلك إليهما، والتراجع المذكور في حقِّ الأمَة، وهو العقد إنما هو إلى سيدها، لا إليها، بخلاف الحرَّة، فإنه إليها بإذن وليها.
وكذلك قوله تعالى في عدَّة الوفاء: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234].
(1) المحلى (11/ 711).