المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض: - الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

[صالح اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الداعي لجمع مسائل هذا الموضوع والكتابة فيه:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأولفي التعريف بالحيض

- ‌المطلب الثانيفي التعريف بالنفاس

- ‌المطلب الثالثالتعريف بالاستحاضة

- ‌الفصل الأولالأحكام المترتبة على الحيض

- ‌المبحث الأولفي الأحكام المتعلقة بالطهارة

- ‌المطلب الأولفي قراءة الحائض للقرآن

- ‌الفرع الأول: في قراءة الكثير منه

- ‌الفرع الثاني: في قراءة الآية فما دونها:

- ‌المطلب الثانيفي الذِّكر

- ‌المطلب الثالثفي مس المصحف

- ‌المسألة الأولى في كون ذلك حالة الضرورة:

- ‌المسألة الثانية: في مسِّه في غير حالة الضرورة:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الجانب الأول: في مسِّه مع عدم وجود حائل:

- ‌الجانب الثاني: في كون ذلك من وراء حائل:

- ‌الفقرة الأولى: في مسِّ المصحف:

- ‌الفقرة الثانية: حمل الحائض للمصحف:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الجانب الأول: في مسِّ كتُب التفسير

- ‌الجانب الثاني في مسِّ كتُب الحديث والفقه ونحوها مما اشتمل على القرآن:

- ‌المطلب الخامسدخولها للمسجد

- ‌المسألة الأولى: في اللبث

- ‌المسألة الثانية: في عبور المسجد:

- ‌المطلب السادسفي الغسل من المحيض، والتيمُّم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله

- ‌المسألة الأولى: في الغسل:

- ‌الفرع الأول: في حُكم الغسل من المحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكمه للمسلمة:

- ‌الجانب الثاني: في إجبار الذميَّة على الغُسل منه:

- ‌الفرع الثاني: في صفته:

- ‌أولاً: صفة الكمال:

- ‌[ثانياً: الغُسل المجزئ]

- ‌الفرع الثالث: في نقض الشَّعر للغسل من المحيض:

- ‌المسألة الثانية: في التيمُّم:

- ‌المطلب السابعفي اغتسال الحائض للجنابة

- ‌المطلب الثامنتغسيل الحائض إذا ماتت

- ‌المبحث الثانيفي الأحكام المتعلِّقة بالصلاة

- ‌المطلب الأولحكم الصلاة أثناء الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء ما فاتها من الصلوات

- ‌المطلب الثالثفي طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة

- ‌المسألة الأولى: في حكم تلك الصلاة

- ‌المسألة الثانية: في وجوب ما يُجمع إليها قبلها:

- ‌الفرع الأول: فيما تدرك به الصلاة التي اتُّفق على وجوبها

- ‌الفرع الثاني: فيما تُدرَك به الصلاة الثانية عند القائلين بذلك:

- ‌المطلب الرابعفي بدء الحيض بعد دخول وقت الصلاة، وقبل أن تصليها

- ‌الفرع الأول: قضاء تلك الصلاة:

- ‌الفرع الثاني: في قضاء ما يُجمع إليها:

- ‌المبحث الثالثفي الأحكام المتعلقة بالصيام

- ‌المطلب الأولفي حكم الصيام حال الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء الأيام الفائتة

- ‌المطلب الثالثفي الطهر أثناء النهار، وحكم الإمساك

- ‌المطلب الرابعفي المرأة يطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل من الحيض

- ‌المطلب الخامسسقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يوم جومعت فيه

- ‌المبحث الرابعفي اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الأولحكم اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الثانيفي طروء الحيض حال الاعتكاف

- ‌المبحث الخامسفي الأحكام المتعلقة بالحج والعمرة

- ‌المطلب الأول: في حكم إحرام الحائض بالحج أو العمرة

- ‌المطلب الثانيفي حكم الطواف حال الحيض

- ‌المسألة الأولى: في الطواف حال الاختيار

- ‌الفرع الأول: في الطواف حال الاختيار

- ‌الجانب الأول: حُكم طوافها من حيث الحلِّ والحرمة:

- ‌الجانب الثاني: في حكم طوافها من حيث الصحة:

- ‌الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج:

- ‌المسألة الثانية: في الطواف حال الضرورة

- ‌الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة

- ‌الفرع الثاني: في حكمه من حيث الصحة وعدمها:

- ‌المطلب الثالثحبس الحائض لمن معها

- ‌المسألة الأولى: في حبس المحرم

- ‌المسألة الثانية: في حبس الرفقة:

- ‌المسألة الثالثة: في حبس الكري:

- ‌المطلب الرابعفي السعي بين الصفا والمروة من الحائض

- ‌المطلب الخامسطواف الوداع للحائض

- ‌المسألة الأولى: حكم طواف الوداع للحائض:

- ‌المسألة الثانية: طُهر الحائض بعد مفارقة البنيان:

- ‌المبحث السادسفي الأحكام المتعلقة بالنكاح

- ‌المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة

- ‌المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة

- ‌الفرع الأول: في الوطء في الفرج:

- ‌الجانب الأول: في الوطء حال نزول الدم

- ‌الفقرة الأولى: في حُكمه

- ‌الفقرة الثانية: في الكفارة للوطء في الحيض:

- ‌الجزء الأول: في الكفارة على العالِم الذَّاكر

- ‌أ- حُكم الكفارة

- ‌أولاً- في حكمها على الواطئ

- ‌ثانيًا: الكفارة على الموطوءة:

- ‌ب- من الجزء الأول: في قدر الكفارة:

- ‌الجزء الثاني: الكفارة على الناسي والجاهل

- ‌الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الأولى: حكم الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الثانية: الكفارة في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفرع الثاني: في الاستمتاع فيما عدا الفرج، مما هو دون السرَّة وفوق الركبة

- ‌المبحث السابعفي الأحكام المتعلِّقة بالطلاق

- ‌المطلب الأول: في تطليق الحائض

- ‌المسألة الأولى: في الطلاق قبل الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكمه:

- ‌الفرع الثاني: في وقوعه:

- ‌المسألة الثانية: في الطلاق بعد الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكم إيقاع الطلاق في الحيض

- ‌الفرع الثاني: في وقوع الطلاق:

- ‌الفرع الثالث: في الرجعة في الطلاق في الحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكم الرجعة في الطلاق البدعي:

- ‌الجانب الثاني: في الإجبار على الرجعة:

- ‌المطلب الثانيوطء الزوج الثاني للمرأة حال حيضها هل يحلها للزوج الأول

- ‌المبحث الثامنفي الخلع في الحيض

- ‌المبحث التاسعفي الأحكام المتعلقة بالإيلاء

- ‌المطلب الأولعدم احتساب وقت الحيض من مدة الإيلاء

- ‌المطلب الثانيحصول الفيئة من الْمُولِي بالوطء حال الحيض

- ‌المبحث العاشرفي الأحكام المتعلِّقة بالعدَّة

- ‌المطلب الأولما وقع فيه الاتفاق

- ‌المطلب الثانيما وقع فيه الخلاف

- ‌المسألة الأولى: في المراد بـ «الأقراء»

- ‌المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض:

- ‌المسألة الثالثة: في عدة المختلعة التي تحيض

- ‌المبحث الحادي عشرفي الاستبراء

- ‌المطلب الأول: في استبراء الثيب

- ‌المسألة الأولى: ألَاّ يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المسألة الثانية: أن يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المطلب الثانيفي استبراء البكر

- ‌المبحث الثاني عشروجوب نفقة الزوجة بالتسليم حال الحيض

- ‌المبحث الثالث عشرتذكية الحائض

- ‌المبحث الرابع عشرفي أنه علامة على البلوغ

- ‌الفصل الثانيفي الأحكام المترتبة على النفاس

- ‌الفصل الثالثفي الأحكام المترتبة على الاستحاضة

- ‌المبحث الأولفي أن حُكمها حكم الطاهرات

- ‌المبحث الثانيتطهر المستحاضة للصلاة

- ‌المطلب الأول: في عمل ما يمنع خروج الدم

- ‌المطلب الثانيفيما يلزم المستحاضة من التطهر بالماء

- ‌المبحث الثالثوطء المستحاضة

- ‌تراجم الأعلام الواردة في البحث

- ‌مصادر البحث

- ‌مصادر تراجم الأعلام

الفصل: ‌المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض:

‌المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض:

فقد اختلف أهل العلم في قدر عدَّتها على قولين:

القول الأول: أنها قراءة على اختلافهم في فهم القرء:

ذهب إليه جمهور أهل العلم (1).

الأدلَّة:

1 -

ما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلم: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان» (2).

ونوقش: بأنَّ الحديث ضعيف لضعف إسناده، فلا يصلح للاحتجاج (3).

2 -

ولأنه قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعًا (4).

ونوقش: بأنَّ دعوى الإجماع تخالف ما صحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أنَّ عدَّة الأمَة التي لم تبلغ ثلاثة أشهر» (5).

وصحَّ ذلك عن عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، والحسن، وربيعة، والليث والزهري، ومالك وأصحابه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في قول.

ومعلوم أنَّ الأشهر في حقَّ الآيسة والصغيرة بدل عن الأقراء الثلاثة،

(1) الإشراف لابن المنذر (4/ 291) الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2/ 169) بداية المجتهد (2/ 70).

المغني (11/ 206) زاد المعاد (5/ 651) حلية العلماء (7/ 328).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

انظر تخريجه وكذا المحلى (11/ 630، 715).

(4)

المغني (11/ 206) زاد المعاد (5/ 654).

(5)

أخرجه ابن حزم في المحلى (11/ 714).

ص: 224

فدلَّ على أن بدلها في حقِّها ثلاثة (1).

وأجيب: بأنَّ القائلين بهذا هم بأنفسهم القائلون: إنَّ عدَّتها حيضتان، وقد أفتوا بهذا وهذا، ولهم في الاعتداد بالأشهر ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها شهران.

ذهب إليه الشافعي في قول (2)، وأحمد في رواية عنه (3)، وروي عن عمر، وهو قول عطاء، والزهري، وإسحاق (4).

وحجَّة هذا القول: أنَّ عدتها بالأقراء حيضتان، فجعل كلّ شهر مكان حيضة (5).

والقول الثاني: أنَّ عدّتها شهر ونصف:

ذهب إليه أبو حنيفة (6)، والشافعي في قول (7)، وأحمد في رواية عنه، وسعيد بن المسيب (8)، وهو قول علي وابن عمر (9).

وحجة هذا القول:

1 -

أنَّ التصنيف في الأشهر ممكن، فتنصفت بخلاف القروء.

ونظير هذا: أنَّ المحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مُدٍّ

(1) زاد المعاد (5/ 655).

(2)

روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 326).

(3)

زاد المعاد (5/ 655)، المغني (11/ 209).

(4)

المغني (11/ 209)، زاد المعاد (5/ 655).

والأثر عن عمر أخرجه البيهقي في باب عدَّة الأمَة (7/ 425).

(5)

زاد المعاد (5/ 655) المغني (11/ 209).

(6)

البناية (4/ 775).

(7)

روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 326).

(8)

المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655).

(9)

أخرجهما ابن أبي شيبة في كتاب الطلاق، باب كم عدة الأمة إذا طلقت (5/ 166، 167).

ص: 225

أخرجه، فإن أراد الصيام مكانه لم يجزه إلَاّ صوم يومٍ كامل (1).

2 -

ولأنها معتدَّة بالشهور فكانت على النصف من عدَّة الحرة كالمتوفِّي عنها (2).

والقول الثالث: أنَّ عدَّتها ثلاثة أشهر كوامل:

ذهب إليه مالك (3)، والشافعي في قول (4)، وأحمد في رواية عنه (5)، ورُوِي عن عمر، وجمع من فقهاء السلف؛ منهم: الحسن، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، ويحيى الأنصاري، وربيعة (6).

1 -

لعموم (7) قوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4].

والفرق عند هؤلاء بين اعتدادها بالأقراء، وبين اعتدادها بالشهور، أنَّ الاعتبار بالشهور للعلم ببراءة رحمها، وهو لا يحصل بدون ثلاثة أشهر في حقِّ الحرَّة والأمَة جميعًا، لأنَّ الحمل يكون نُطفة أربعين يومًا، ثم علَّقة أربعين يومًا، ثم مضغة أربعين وهو الطور الثالث الذي يمكن أن يظهر فيه الحمل، وهو بالنسبة إلى الحرَّة والأمَة سواء بخلاف الأقراء، فإنَّ الحيضة الواحدة علم ظاهر على الاستبراء، ولهذا اكتفى بها في حقِّ المملوكة، فإذا زوِّجت فقد أخذت شُبهًا من الحرائر، وصارت أشرف من ملك اليمين، فجعلت عدَّتها بين العدتين (8).

(1) المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655).

(2)

المغني (11/ 209).

(3)

الكافي (1/ 516).

(4)

روضة الطالبين (8/ 371) مغني المحتاج (3/ 386) حلية العلماء (7/ 327).

(5)

المغني (11/ 209) زاد المعاد (5/ 655).

(6)

المغني (11/ 209).

(7)

المغني (11/ 210).

(8)

زاد المعاد (5/ 655، 656) المغني (11/ 210).

ص: 226

الدليل الثالث: من أدلة الجمهور:

3 -

ولأنه معنى ذو عدد، يُبنى على التفاضل، فلا تساوي فيه الأمة الحرَّة كالحدِّ (1).

وقد روى هذا المعنى عن ابن مسعود من قوله: يكون عليها نصف العذاب، ولا يكون لها نصف الرخصة (2).

ونُوقش من أوجه:

الوجه الأول: أن الأثر لا يصحُّ، لأنه منقطع؛ إذ هو عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، ولم يسمع إبراهيم من عبد الله (3).

وأجيب بعدم التسليم بالانقطاع:

لقول إبراهيم: إذا قلت "قال عبد الله"، فقد حدَّثني غير واحد عنه، وإذا قلت:"قال فلان عنه"، فهو عمَّن سمَّيت.

ومن المعلوم أنَّ بين إبراهيم وعبد الله أئمَّة ثقات، لم يُسمِّ قط متهمًا ولا مجروحًا ولا مجهولاً، فشيوخه الذين أخذ عنهم عن عبد الله أئمَّة أجلَاّء نبلاء، وكل من له ذوق في الحديث إذا قال إبراهيم: قال عبد الله، لم يتوقَّف في ثبوته عنه (4).

الوجه الثاني: لو سلم بصحته فإنه يقال لقائل هذا القول ومصوبه، ما نحن جعلنا عليها نصف العذاب، ولا نحن نجعل لها نصف الرخصة، بل الله تعالى جعل عليها نصف العذاب، ولم يجعل لها نصف الرخصة.

ثم هبك لو جعلنا نحن عليها نصف العذاب وكان ذلك مباحًا لنا أن نجعله، فمن أين لنا أن نجعل لها نصف الرخصة؟ (5)

(1) المغني (11/ 206).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (12879) عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، ورجاله ثقات.

(3)

المحلى (11/ 717).

(4)

زاد المعاد (5/ 653).

(5)

المحلى (11/ 717).

ص: 227

الوجه الثالث: أنَّ قياس هذه العدَّة على حدِّ الزنا فاسد؛ لأنه لا شبه بين الزنا الموجب للحدِّ وبين طلاق الزوج، والقياس عند القائل به لا يصح إلَاّ على شبهٍ بين المقيس والمقيس عليه، فكيف بمن لا يرى القياس أصلاً؟

ثم فساد آخر ..

وهو أنكم أوجبتم القياس على نصف الحدِّ في الأمَة، وأنتم لا تختلفون في أنَّ حدَّ الأمة في قطع السرقة كحدِّ الحرة، فمن أين وجب أن تُقاس العدّة عندهم على حد الزنا دون أن يقيسوه على حدِّ السرقة؟

ثم هلا قاسوا عدَّة الأمَة من الطلاق على ما لا يختلفون فيه من أنَّ عدَّتها «إن كانت حاملاً» كعدَّة الحرة، وهذا القياس أولى من قياس العدَّة على حد الزنا.

ثم يلزمهم إذا قاسوا عدَّة الأمة على حدِّها ألَاّ يُوجِبوا عليها إلَاّ نصف الطهارة ونصف الصلاة ونصف الصيام، قياسًا على حدِّها (1).

القول الثاني: أنَّ عدَّتها عدَّة الحرة؛ أي: ثلاثة قروء:

ذهب إليه الظاهرية (2)، وعلَّق ابن سيرين القول به على عدم مُضيِّ سنة (3)، ورُوِي عن مكحول والأصم (4).

الأدلَّة:

1 -

قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].

(1) المحلى (11/ 718، 719).

(2)

المحلى (11/ 714)، بداية المجتهد (2/ 70)، حلية العلماء (7/ 327)، زاد المعاد (5/ 652).

(3)

حلية العلماء (7/ 327)، زاد المعاد (5/ 650)(11/ 714)، بداية المجتهد (2/ 70).

(4)

البناية (4/ 774)، زاد المعاد (5/ 650).

ص: 228

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]

وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

قال ابن حزم: وقد علم الله عز وجل إذا أباح لنا زواج الإماء أنه يكون عليهنَّ العِدَد المذكورات، فما فرَّق سبحانه بين حرَّةٍ ولا أمَة في ذلك {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] (1).

ونوقش الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: بأنَّ هذه الآيات لا تتناول الإماء، وإنما تتناول الحرائر، فإنه سبحانه قال:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]

إلى أن قال: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]

وهذا في حقِّ الحرائر دون الإماء، فإنَّ افتداء الأمَة إلى سيدها لا إليها، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230].

فجعل ذلك إليهما، والتراجع المذكور في حقِّ الأمَة، وهو العقد إنما هو إلى سيدها، لا إليها، بخلاف الحرَّة، فإنه إليها بإذن وليها.

وكذلك قوله تعالى في عدَّة الوفاء: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234].

(1) المحلى (11/ 711).

ص: 229