الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح:
ولعلَّ الراجح، هو القول الثاني، لِما ذكروه من الحديث، والمعنى.
الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:
وفي فقرتان:
الفقرة الأولى: حكم الوطء.
الفقرة الثانية: في الكفارة.
الفقرة الأولى: حكم الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:
أما الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال، فقد اختلف أهل العلم فيه على الأقوال التالية:
القول الأول: أنه يحرم.
ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومنهم المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو قول أكثر فقهاء السلف (4).
بل قال ابن المنذر: هو كالإجماع من أهل العلم (5).
وقال المروزي: لا أعلم في هذا اختلافًا (6).
الاستدلال:
1 -
قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي
(1) انظر: الاستذكار (2/ 26) المنتقى (1/ 118) بداية المجتهد (1/ 50) القوانين الفقهية (31) الشرح الصغير (1/ 312) مواهب الجليل (1/ 373) المعونة (1/ 185).
(2)
المجموع (2/ 368) حلية العلماء (1/ 277) مغني المحتاج (1/ 110).
(3)
المغني (1/ 419) الإنصاف (1/ 349) المبدع (1/ 262) كشاف القناع (1/ 199) الشرح الكبير (1/ 157).
(4)
الأوسط (2/ 215) المغني (1/ 419) الاستذكار (2/ 26) المنتقى (1/ 118) حلية العلماء (1/ 216) المجموع (2/ 370) مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 625).
(5)
الأوسط (2/ 215).
(6)
المغني (1/ 419).
الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]
فجعل الامتناع لأجل الأذى، وهو عيافة النفس الشريفة، ونفار الطبائع الكريمة عن مخالطة القذارة بالحيض، وذلك موجود قبل الاغتسال (1)، ولهذا قال للمرأة التي سألته عن غسل الحيض .. فذكر الخبر إلى أن قال: «
…
وخذي فِرصة من مسك فاستعمليها» قالت لها عائشة: تتبَّعِي أثر الدم (2).
ونوقش: بأنه لو كان لأجل ما ذكرتم لم يجز وطء المستحاضة، لأن أذى جريان الدم أكثر من أثر الحيض.
وأجيب عن المناقشة من وجهين:
الوجه الأول: بالفارق بين أذى دم الحيض ودم الاستحاضة، لما هو معلوم من خبث دم الحيض ونتنه بخلاف دم الاستحاضة.
الوجه الثاني: أنَّ وطء المستحاضة لا يجوز دون خوف العنت، وأما مع خوف العنت، فلأنه يُخشَى من مواقعة ما هو أكثر من الأذى، ولأنَّ ذلك يفضي إلى رفع مقصود النكاح وحله، فاستثني لهذه الضرورة وبقي ما ليس فيه ضرورة على الأصل المذكور (3).
2 -
قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
وقد رُوي {يَطهرْنَ} بالتشديد والتخفيف، والقراءتان في السبع (4).
والاستدلال بالآية على قراءة التشديد ظاهر وصريح في اشتراط الغسل، ومعناها «حتى يتَطَهَّرن» ، وإنما أدغم التاء في الطاء لتقارب مخرجيهما كما قال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
(1) الانتصار في المسائل الكبار، لأبي الخطاب (1/ 581).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
الانتصار (1/ 581).
(4)
المجموع (2/ 370).
أي: فتطهروا (1).
ونوقش الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: بأنه إذا حمل على هذا احتيج إلى شرط آخر، وهو انقطاع الدم.
وأجيب: بأنَّ هذا غير مسلم؛ لأنَّ التطهير لا يكون إلَاّ بعد انقطاع الدم، فأمَّا إذا اغتسلت قبله لم تكن تطهَّرت.
الوجه الثاني: أنه قال بعد ذلك: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فكيف يكون ذلك، أي أنَّ هذا تكرار.
وأجيب: بأنَّ إعادته تأكيد للأول وبيان كما نقول: "لا تأكل حتى تغرب الشمس، فإذا غربت فكلْ".
فنحن معكم بين أمرَين: إما أن يكون الأول أراد به الاغتسال والثاني تأكيدًا له، أو يكون أراد بالأول انقطاع الدم والثاني الاغتسال، فيكون قد علَّق جواز الوطء بشرطَين (2).
أما على قراءة التخفيف فالاستدلال بها من أوجه:
الوجه الأول: أنَّ معناها أيضًا «يغتسلن» ، وهذا شائع في اللغة؛ فيصار إليه جمعًا بين القراءتين (3).
الوجه الثاني: أنَّ الإباحة مُعلَّقة بشرطَين: أحدهما انقطاع دمهن، والثاني تطهُّرهنَّ، وهو اغتسالهن، وما علق بشرطين لا يُباح بأحدهما (4)، كما قال تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].
ونوقش: بأنَّ هذه الدعوى غير مسلَّمة، وإنما هُما شرط واحد،
(1) المجموع (2/ 370) الانتصار (1/ 578).
(2)
الانتصار (1/ 579).
(3)
المجموع (2/ 371).
(4)
المجموع (2/ 371) الانتصار (1/ 576) المغني (1/ 420).
ومعناه حتى ينقطع دمهن، فإذا انقطع فأتوهن، كما يقال:"لا تكلم زيدًا حتى يدخل الدار، فإذا دخل فكلمه"(1).
وأجيب عن المناقشة من أوجه:
الوجه الأول: أنَّ ابن عباس والمفسرين وأهل اللسان فسَّروه فقالوا: معناه «فإذا اغتسلن» ، فوجب المصير إليه (2).
الوجه الثاني: أنَّ ما قالوه فاسد من جهة اللسان؛ فإنه لو كان كما يقولون لقيل: «فإذا تطهرن» فأعيد الكلام، كما يقال:"لا تكلم زيدًا حتى يدخل، فإذا دخل فكلِّمْه"، فلما أعيد بلفظ آخر دلَّ على أنهما شرطان كما يقال:"لا تكلم زيدًا حتى يأكل، فإذا أكل فكلمه".
الوجه الثالث: أنَّ فيما قلنا جمعًا بين القراءتين فتعيَّن (3).
3 -
وعلى الحنفية من القياس:
أنه طهر من الحيض لم يضامه تطهير فلم يُبِح الوطء، دليله إذا انقطع لأقل من أكثره، وهذا لأنه لا يخلو في الأصل أن يكون الوطء لم يُبَح لِما ذكرنا، أو لأنها لا تأمن معاودة الدم، أو لأنَّ الحيض ما زال حُكمًا.
بطل أن يكون لمعاودة الدم، فإنها إذا اغتسلت، أو مضى عليها وقت صلاة، أو تيمَّمت وصلَّت لا تأمن معاودة الدم، ويباح وطؤها عندهم (4)، وبطل أن يكون لأنَّ الحيض ما زال حُكمًا لأنه لو لم يزل لم نأمرها بالاغتسال والشروع في الصلاة والصيام، فلم يبقَ إلَاّ انه لم
(1) المجموع (2/ 371).
(2)
المجموع (2/ 371) المغني (1/ 420).
(3)
المجموع (2/ 371).
(4)
أي: عند الحنفية انظر: فتح القدير (1/ 171) أحكام القرآن للجصاص (1/ 349) رد المحتار (1/ 294).
يضامه تطهير (1).
ونوقش: بأنَّ ما دون الأكثر من زمان الحيض، وانقطاع الدم فيه لا يؤذَن بالطهر، لأنَّ الدم دفقات وليس بسائل على الدوام، فلم يصحّ الوطء؛ لأنَّ انقطاعه يجوز أن يكون لدفقة من دفقاته بخلاف انقطاعه لأكثره، فإنا تيقنَّا طهارتها منه فجاز وطؤها (2).
وأجيب: بكيف أمنت انقطاعه إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة أو صلَّت بالتيمم (3).
وردت الإجابة: بأنَّا إنما أبحنا الوطء إذا اغتسلت لأنها استباحت الصلاة، وإذا أباح لها الشرع الصلاة فقد أباح وطؤها، وكذلك إذا مضى وقت صلاة فقد أثبت الشرع وجوب الصلاة في ذمَّتها، ولا تثبت الصلاة في ذمَّة حائض، وكذلك إذا صلّت بالتيمُّم فقد فعلت ما لا يجيزه الشرع إلَاّ لطاهر، فما أبحنا الوطء إلَاّ بيقين الانقطاع (4).
وأجيب عن الرد: بأنه إذا لم يُؤذَن الاغتسال ومضى وقت الصلاة بزوال حيضها يقينًا فلِمَ أبحتم الوطء والدم يعرض أن يعود؟ ولِمَ إذا أباح الشرع الصلاة لها يُباح وطؤها؟ والمتيمِّمة عند انقطاع الدم لدون الأكثر يُباح لها فعل الصلاة، ولا يُباح له الوطء (5).
وكذلك نعلم أنَّ المتحلِّل التحلُّل الأول يُباح له كلُّ المحظورات في الحجِّ إلَاّ الوطء، ثم إذا أوقفت جواز الوطء على جواز الصلاة وإيجابها في الذمة، أفلا أوقفتها إذا انقطع لأكثره على ذلك، وقد قلت: تُوطأ قبل أن تستبيح الصلاة، وإلَاّ أوقفت جواز فعل الصلاة وثبوتها في
(1) الانتصار (1/ 581) وانظر: الاستدلال مختصرًا في المغني (1/ 420) والإشراف (1/ 55).
(2)
ذكره لهم في الانتصار (1/ 582) وانظر: رد المحتار (1/ 296).
(3)
أي: عند المعترض وهم فقهاء الحنفية انظر: رد المحتار (1/ 295).
(4)
الانتصار (1/ 582) وانظر: فتح القدير (1/ 171) رد المحتار (1/ 294).
(5)
كما هو المذهب عند الحنفية.
الذمّة على إباحة الوطء؛ لأنَّ إباحة الصلاة كإباحة الوطء، فليس بأن تجعل إباحة الوطء موقوفاً على إباحة الصلاة، بأولى أن تجعل إباحة الصلاة موقوفة على إباحة الوطء، ولا فرقان بينهما (1).
قال أبو الخطاب موردًا للحنفية:
نعم، ويجوز أن تقول: عند إباحة الوطء، وإباحة الصلاة تقف على أمر ثالث، ويقول آخر: إنها تقف على رابع:
وأجاب عنه: بأن هذا يُفضي إلى فساد وتخليط، فيجب أن ترجع إلى النظر الصحيح، وهو أنَّ انقطاع الدم في العادة المستمرة السنين الكثيرة يجري مجرى انقطاعه لأكثره في غلبة الظن، لاسيَّما ولك في الأكثر مخالف (2)، لا يمكنك القطع بإبطال مذهبه، بل إنه إذا انقطع في هذه العادة المستمرة يباح وطؤها من غير غسل، فلما شرطت الغسل فيجب أن تشرطه فيه إذا انقطع لأكثره عندك (3).
4 -
أنَّ الإجماع منعقد على تحريم وطئها في حال الحيض، فلمَّا اختلفوا بعد إجماعهم من منع وطئها في حال الحيض وجب أن يكون التحريم قائمًا حتى يتَّفقوا على الإباحة، ولم يتَّفقوا قط إلَاّ بعد أن تطهر بالماء في حال وجود الماء (4).
القول الثاني: أنه إن انقطع الدم لأكثر الحيض حلَّ وطؤها، وإن انقطع لدون ذلك لم يُبَح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة ذهب إليه الحنفية (5).
(1) الانتصار (1/ 582).
(2)
وهم جمهور أهل العلم. انظر: الأوسط (2/ 227) المغني (1/ 389) الإفصاح (1/ 96) بداية المجتهد (1/ 36).
(3)
الانتصار (1/ 583).
(4)
الأوسط (2/ 214).
(5)
انظر: فتح القدير والهداية (1/ 171) اللباب (1/ 44) أحكام القرآن للجصاص (2/ 35) المبسوط (2/ 16) رد المحتار (1/ 294) مجمع الأنهر (1/ 53) رءوس المسائل (34) الفتاوى الهندية (1/ 38).
الاستدلال:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222].
والاحتجاج بالآية من أوجه:
الوجه الأول: أنَّ قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} لا يحتمل إلَاّ انقطاع الدم، وقوله:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يحتمل الغسل وانقطاع الدم، فيجب حمل اللفظ المحتمل على ما لا يحتمل، ويكون تقديره، ولا تقربوهن حتى ينقطع دمهن، فإذا انقطع دمهن فأتوهن.
ويكون الثاني تأكيدًا للأول بدليل شيئين:
أحدهما: أنَّ الله تعالى ذِكره بلفظ الغاية فقال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} وحكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها، فإذا كان قبل الغاية لا يجوز وطؤها فبعدها يجوز، وعندكم لا يجوز إلا بوجود شرط آخر فيلغوا حكم الغاية.
الثاني: أنَّ الغاية إذا علَّق عليها حكم، ثم أعيدت بلفظ الشرط فالظاهر أن الثاني هو الأول، ألا ترى أنه لو قال: لا تكرم زيدًا حتى يدخل الدار، فإذا دخل الدار فأكرمه، رجع الثاني إلى الدخول الأول (1).
ونوقش القول: باحتمال أن يكون الثاني هو الأول: من عدة أوجه:
الوجه الأول: بما روي عن ابن عباس: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالماء (2). وهو قول عكرمة. وروي عنه: «فإذا اغتسلن» (3)، وهو قول مجاهد (4).
(1) الانتصار (1/ 576، 577) وانظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 349).
(2)
أخرجه البيهقي في السُنن (1/ 309) وابن جرير في التفسير (2/ 316).
(3)
انظر: زاد المسير (1/ 249).
(4)
مصنف عبد الرزاق (1/ 330) السُنن الكبرى للبيهقي (1/ 370).
الوجه الثاني: أن التَفعُّل إذا أضيف إلى من يصحُّ منه الفعل اقتضى إيجاده كما يقال: تَكرَّم وتَطرَّف وتَسدَّد.
الوجه الثالث: أنه لو أراد بهما معنى واحدًا لقال: «حتى يطهرن» ، «فإذا تطهَّرن» ، فلما خالف بين اللفظين علمنا أنَّ ذلك لاختلاف معناهما.
الوجه الرابع: أنه قد مدحها في آخر الآية فقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولا يمدحها إلَاّ على ما هو من فعلها، وهو الغسل، فأما انقطاع الدم فليس من فعلها.
الوجه الخامس: أنَّ حمله على انقطاع الدم لا تقولون به إذا كان لدون الأكثر، وحمله على الغسل يقول به الجميع في الأكثر، والأقل، فوجب الحمل عليه.
الوجه السادس: أنَّ حمله على انقطاع الدم حمل لفظين على معنى واحد، وحمله على الغسل حمل كلِّ لفظ على معنى مستجَد، فكان أولى؛ لأنه تكثير لفوائد القرآن (1).
أما القول: بأنَّ حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها:
فنوقش: بأنه صحيح، ما لم يستأنف بعدها شرط آخر، فأما إذا استؤنف شرط آخر فإنه يقف عليه كما قال تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].
فجعل بلوغ النكاح شرطًا، وإيناس الرشد شرطًا آخر، فكذلك قوله:{حَتَّى يَطْهُرْنَ} شرط وقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} شرط آخر، ولهذا أعاده بغير اللفظ الأول، فزاد فيه التاء والتشديد (2).
الوجه الثاني: من الاحتجاج بالآية:
أنَّ الله تعالى نهى عن وطء الحائض، وأباح وطء الطاهر بقوله:{حَتَّى يَطْهُرْنَ} الآية.
(1) انظر: الاقتصار (1/ 577، 578).
(2)
الانتصار (1/ 578)
وأجمعوا أنَّ للزوج وطء زوجته الطاهر، ولو كانت إذا انقطع دمها، إمَّا تطهر باغتسالها، وجب ما لم يكن الغسل منها أنها حائض، وليس على الحائض عند الجميع غسل، والحيض معنى، والطهر ضده، ولَمَّا حظر تبارك اسمه وطء الحائض، وأباح وطء الطاهر ولزم الحائض الاسم لظهور الدم، وجب أنها طاهر لانقطاعه وظهور النقاء.
الوجه الثالث من الاحتجاج بالآية:
أنَّ الله حرَّم وطء الحائض حتى تطهر بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} الآية.
وكان وطؤها إذا طهرت من الحيض قبل أن تطهر بالماء مباحًا؛ لأنَّ النهي لَمَّا لم يقع في هذه الحال، كان داخلاً في جُملة قوله، وما سكت عنه فهو معفوٌّ عنه (1).
2 -
ولأنه يجوز الصوم والطلاق، فكذلك الوطء (2).
ونوقش: بأنَّ الشرع ورد بتحريم الصوم على الحائض، وهذه ليست بحائض، وهنا حرم الوطء حتى تغتسل.
وأما الطلاق: فإنَّ تحريمه لتطويل العدَّة، وذلك يزول بمجرد الانقطاع (3).
3 -
ولأنَّ تحريم الوطء هو للحيض، وقد زال وصارت كالجنب (4).
ونوقش من أوجه:
الوجه الأول: أنَّا لا نُسلم بأنَّ التحريم للحيض، بل هو لحدث
(1) ذكرهما ابن المنذر في الأوسط (2/ 15) فقال: واحتج بعض من أدركنا ممن يخالف ما عليه عوام أهل العلم.
(2)
الانتصار (1/ 583) المجموع (2/ 370) وانظر: رد المحتار (1/ 294) أحكام القرآن للجصاص (1/ 349) فتح القدير (1/ 170).
(3)
المجموع (2/ 371).
(4)
المجموع (2/ 370) المغني (1/ 419) الانتصار (1/ 584) وانظر: رد المحتار (1/ 295) أحكام القرآن للجصاص (1/ 351).
الحيض، وهو باق (1).
الوجه الثاني: أنه يُنتقض بالانقطاع لدون أكثر الحيض (2).
الوجه الثالث: أنَّ الجنابة لا تمنع الوطء وكذا غسلها بخلاف الحيض (3).
الوجه الرابع: أنَّ حدث الحيض آكد من حدث الجنابة، فلا يصحُّ قياسه عليه (4).
القول الثالث: أنها إذا رأت الطهر فغسلت فرجها فقط، أو توضَّأت فقط، أو اغتسلت كلها، فأي ذلك فعلت فقد حلَّ لزوجها وطؤها، ذهب إليه داود وابن حزم (5).
وروي نحوه عن قتادة وعطاء (6)، وذكره ابن رشد للأوزاعي (7)، وحكي أيضًا عن طاوس ومجاهد (8).
الأدلَّة:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222].
فقوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} معناه: حتى يحصل لهن الطهر الذي هو عدم الحيض.
(1) المجموع (2/ 371).
(2)
المجموع (2/ 371) المغني (1/ 420).
(3)
المجموع (2/ 371).
(4)
المغني (1/ 420).
(5)
انظر: المحلى (2/ 233)(11/ 309).
(6)
المحلى (11/ 309) الأوسط (2/ 213).
(7)
بداية المجتهد (1/ 43).
(8)
الأوسط (2/ 13) حلية العلماء (1/ 289).
لكن قال ابن المنذر: فأما ما روي عن عطاء، ومجاهد، وطاوس فقد روينا عن عطاء، ومجاهد، خلاف هذا القول. وذكر الروايتين عنهما ثم قال: فهذا ثابت عنهما والذي روي عن عطاء، وطاوس، ومجاهد الرخصة، ممن لا يجوز أن يقابل به ابن جريج الأوسط (2/ 214).