الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجانب الثاني: في حكم طوافها من حيث الصحة:
أما من حيث صحة الطواف فإنَّ أهل العلم قد اختلفوا في حكم طوافها على قولين:
القول الأول: أنه لا يصح:
ذهب إليه المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة في المذهب (3) والظاهرية (4)، وهو قول أكثر أهل العلم (5).
الأدلَّة:
1 -
حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف» (6).
2 -
وحديث جابر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتأخذوا عني مناسككم» (7).
قالوا: ففي الحديث دليلان:
أحدهما: أنَّ طوافه صلى الله عليه وسلم بيان للطواف الْمُجمَل في القرآن (8).
الثاني: قوله: «لتأخذوا عني مناسككم» يقتضي وجوب كلِّ ما فعله إلا ما قام دليلٌ على عدم وجوبه (9).
(1) انظر: الإشراف (1/ 228) بداية المجتهد (2/ 250) المنتقى (2/ 224) القوانين الفقهية (89) شرح الخرشي (2/ 314) المعونة (1/ 186).
(2)
المجموع (8/ 17) الحاوي (1/ 384).
(3)
المغني (5/ 223) الفروع (3/ 502) المبدع (3/ 221) كشاف القناع (2/ 485).
(4)
المحلى (7/ 257).
(5)
المغني (5/ 223) المجموع (8/ 17).
(6)
أخرجه البخاري في الحج، باب الطواف على وضوء (2/ 168) ومسلم في الحج، باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى من البقاء على الإحرام وترك التحلل (2/ 906).
(7)
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم:«لتأخذوا عني مناسككم» (2/ 943).
(8)
الإشراف (1/ 228) المجموع (8/ 18).
(9)
المجموع (8/ 18).
ونُوقش: بأنَّ وضوءه فعل، والفعل المجرَّد لا يدلُّ على الوجوب، بل يدلُّ على أنه الأفضل، فمثله مثل الرمل، والاضطباع وتقبيل الحجر (1).
2 -
ما روي عن قوله صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة، إلَاّ أنَّ الله أباح فيه الكلام» (2).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه موقوف على ابن عباس، ولا يصحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (3).
الوجه الثاني: أنه منتقض، لأننا إذا أخذنا بلفظه فإنه على القواعد الأصولية يقتضي أنَّ جميع أحكام الصلاة تثبت للطواف إلَاّ الكلام.
لأنَّ من القواعد الأصولية أنّ الاستثناء معيار العموم، وإذا نظرنا إلى الطواف وجدناه يخالف الصلاة في غالب الأحكام غير الكلام، فهو يجوز فيه الأكل والشرب والضحك، ولا يجب فيه تكبير ولا تسليم ولا
(1) الشرح الممتع (1/ 274).
(2)
من حديث ابن عباس أخرجه النسائي في كتاب المناسك، باب إباحة الكلام (5/ 222) والترمذي في الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف (3/ 2840) وابن ماجة (2739) والدارمي (1854) والحاكم في المستدرك (1/ 459) والبيهقي (5/ 85).
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي عليه، وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 85) وعطاء متكلم فيه، وقد اختلط آخر عمره، ومع هذا اختلف عليه فيه، ورواه غير واحد عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا كما بينه البيهقي.
وقد تكلم ابن حجر في التلخيص، (1/ 129) عن روايات الحديث ثم قال: صحح إسناده أي: الحاكم وهو كما قال: فإنهم ثقات.
وأورده الزيلعي في نصب الراية (3/ 57) وتكلم عليه، وذكر طرقه المرفوعة والموقوفة.
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 193) الشرح الممتع (1/ 273) السنن الكبرى (5/ 85) نصب الراية (3/ 57).
قراءة، وكلامه صلى الله عليه وسلم يكون محكم لا يمكن أن يُنتقض مما يدلُّ على ضعف الحديث وعدم صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).
3 -
قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
ووجه الدلالة من وجهتَين:
الأولى: أنه إذا وجب تطهير مكان الطواف، فتطهير بدن الطائف من باب أولى (2).
ونُوقش: بأنه لا يلزم من وجوب تطهير مكان الطائف من النجاسة وجوب تطهُّر الطائف من الحدث، ويدلُّ له أنكم لا تشترطون الطهارة للاعتكاف مع لزومها على كلامهم إذ لا فرق (3).
الجهة الثانية من الاستدلال بالآية: أنه لما كان الراكع والساجد لا بدَّ لهما من الطهارة فكذلك الطائف (4).
ونوقش: بأنَّ إلحاق الطائف بالراكع الساجد ليس بأولى من إلحاقه بالعاكف، بل إلحاقه بالعاكف أشبه؛ لأنَّ المسجد شرط في الاعتكاف وليس شرطًا في الصلاة (5).
4 -
أنها عبادة متعلِّقة بالمسجد، فكان من شرطها الطهارة كالصلاة (6).
ونوقش: بأنَّ القياس فاسد، فإنه يقال: لا نُسلِّم أنَّ العلَّة في الأصل كونها متعلِّقة بالبيت، ولم يذكروا دليلاً على ذلك.
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 193، 194) الشرح الممتع (1/ 273).
(2)
الشرح الممتع (1/ 273).
(3)
الشرح الممتع (1/ 273).
(4)
مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 212).
(5)
المصدر السابق (26/ 213).
(6)
مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 212) الإشراف (1/ 228) المغني (5/ 223) المبدع (3/ 221).
والقياس الصحيح ما بيَّن فيه أنَّ المشترك بين الأصل والفرع هو علَّة الحكم أو دليل العلَّة.
وأيضًا فالطهارة إنما وجبت لكونها صلاة، سواء تعلَّقت بالبيت أو لم تتعلَّق يدلُّ عليه أنهم لَمَّا كانوا يُصلُّون إلى الصخرة كانت الطهارة شرطًا فيها، ولم تكن متعلِّقة بالبيت، وكذلك أيضًا إذا صلَّى إلى غير القبلة، كما يُصلِّي المتطوِّع في السفر، وكصلاة الخوف راكبًا، فإنَّ الطهارة شرط، وليست مُتعلِّقة بالبيت.
وأيضًا فالنظر إلى البيت عبادة مُتعلِّقة بالبيت، ولا يُشترط له الطهارة ولا غيرها (1).
5 -
أنَّ الطائف لا بدَّ أن يُصلِّي الركعتين بعد الطواف، والصلاة لا تكون إلَاّ بطهارة (2).
ونوقش: بأنَّ وجوب ركعتي الطواف فيه نزاع، وإذا قُدِّر وجوبهما لم تجب فيهما الموالاة، وليس اتصالهما بالطواف بأعظم من اتصال الصلاة بالخطبة يوم الجمعة، ومعلومٌ أنه لو خطب محدثًا ثم توضَّأ وصلَّى الجمعة جاز، فلأن يجوز أن يطوف مُحدِثًا ثم يتوضَّأ ويصلِّي الركعتين بطريق الأَولَى، وهذا كثيرٌ ما يُبتَلَي به الإنسان إذا نَسِيَ الطهارة في الخطبة فإنه يجوز أن يتطهَّر ويصلِّي (3).
6 -
ولقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألَاّ تطوفي بالبيت حتى تطهري» (4).
فهذا نفيٌ صريحٌ جليٌّ في عدم صحته من الحائض؛ إذ النهي يقتضي الفساد.
(1) المصدر السابق (26/ 212).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 213).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 213).
(4)
سبق تخريجه.
القول الثاني: أنه يصحُّ مع الإثم:
ذهب إليه الحنفية (1)، وأحمد في رواية عنه (2)، اختارها ابن تيمية (3).
الاستدلال:
احتجَّ الحنفية بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
ووجه الدلالة:
أنَّ المأمور بالنص هو الطواف، وهو اسم للدوران حول البيت، وذلك يُحقَّق من المحدث والطاهر، فاشتراط الطهارة فيه يكون زيادة على النص، ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد، ولا بالقياس، لأنَّ الركنية لا تثبت إلَاّ بالنص (4).
(1) انظر: المبسوط (4/ 38) فتح القدير والعناية (3/ 51) رد المحتار (2/ 519) البحر الرائق (1/ 203).
(2)
المغني (5/ 223) المبدع (3/ 221) الفروع (3/ 502) حاشية المقنع (1/ 445).
(3)
مجموع الفتاوى (26/ 213) المبدع (3/ 221) حاشية المقنع (1/ 445).
وقد اختلف هؤلاء في وجوب الدم أو عدم وجوبه فيما لو طافت وهي حائض.
فذهب أحمد في رواية عنه، وبعض الحنفية، إلى سنية الدم، الفروع (1/ 502) المبسوط (4/ 38).
وذهب أكثر الحنفية وأحمد في الرواية الثانية عنه إلى وجوب الدم.
قالوا: وإنما يجب الدم؛ لأن الطهارة إن لم تكن شرطًا فهي واجبة، وترك الواجب موجب للدم ثم اختلفوا في قدر الدم.
فذهب الحنفية إلى وجوب البدنة، لأن المنع من وجهين، من حيث الطواف، ومن حيث دخول المسجد، ولتفاحش النقصان، يلزمها بدنة، وذهب أحمد إلى وجوب الدم ولم يعين بدنة.
انظر: الفروع (3/ 502) المبدع (3/ 221) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 205) والمبسوط (4/ 39).
(4)
العناية والهداية (2/ 50) والمبسوط (4/ 38) فتح القدير (2/ 53) بدائع الصنائع (2/ 129) ومراد الحنفية بالنص أي: القرآن فقالوا: إن الأدلة الواردة في الطهارة، أخبار آحاد، والذي فيها زيادة على النص، والزيادة على النص عندهم من باب النسخ، ولا ينسخ النص بخبر الآحاد، انظر: العناية (2/ 50) المبسوط (4/ 38) فتح القدير (2/ 51).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ الآية عامة، فتخصَّص بما ذكرنا، والتخصيص ليس بنسخ.
الوجه الثاني: أنَّ الطواف بغير طهارة مكروه عند أبي حنيفة، ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه؛ لأنَّ الله لا يأمر بالمكروه (1).
2 -
وبما رُوِيَ عن عطاء قال: حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة فأتمَّت بها عائشة سُنة طوافها (2).
3 -
ولأنَّ الطواف رُكن من أركان الحج فلم تُشترط له الطهارة كسائر الأركان (3).
ونوقش: بأنَّ الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج، فلم تكن شرطًا بخلاف الطواف، فإنهم سلَّموا وجوبها فيه (4).
واحتجَّ الحنابلة:
بأنَّ الطواف عبادة لا يُشترط فيها الاستقبال، فلم يُشترط فيها الطهارة كالسَّعي (5).
ويمكن أن يناقش:
بأنَّ الاستقبال ليس هو سبب الطهارة في الصلاة، بدليل اشتراطها حين كانت الصلاة إلى الصخرة، وكذا بالنسبة للمربوط أو الخائف، أو في النافلة على الراحلة في السفر.
(1) المجموع (8/ 18).
(2)
ذكره ابن الهمام في فتح القدير (2/ 51) ولم أجده.
(3)
بدائع الصنائع (2/ 129) المجموع (8/ 18) المغني (5/ 223).
(4)
المجموع (8/ 18).
(5)
المبدع (3/ 221).