الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني: إذا كان مُختلِطًا بغيره.
الفرع الأول:
وفيه جانبان:
الجانب الأول: في مسِّه مع عدم وجود حائل:
وقد اختلف أهل العلم في حُكم مسِّ الحائض له في هذه الحالة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يحرم.
ذهب إليه جمهور أهل العلم (1)، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة (2).
إلَاّ أنَّ المالكية استثنوا من ذلك المتعلِّمة وكذلك المعلمة في قول.
الاستدلال:
1 -
قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79].
وجه الدلالة:
أنَّ الضمير (الهاء) يعود إلى القرآن الكريم، والمقصود
(1) انظر: الأوسط (2/ 101) المغني (1/ 202) المجموع (2/ 72).
(2)
انظر للحنفية: الهداية (1/ 31) بدائع الصنائع (1/ 33، 44) البحر الرائق (1/ 211) المبسوط (3/ 152) الاختيار لتعليل المختار (1/ 13) اللباب (1/ 43).
وانظر للمالكية: مختصر خليل (17) الكافي (1/ 172) المنتقى (1/ 343) بداية المجتهد (1/ 41) حاشية الدسوقي (1/ 125، 174) القوانين (31) وقد استثنوا من ذلك ما إذا كانت معلمة أو متعلمة، انظر: حاشية الدسوقي (1/ 174) حاشية الصاوي (1/ 312) المنتقى (1/ 344).
وانظر للشافعية: الوجيز (1/ 17) المهذب (1/ 32) المجموع (2/ 67) الحاوي (1/ 384) مغني المحتاج (1/ 76).
وانظر للحنابلة: الفروع (1/ 188) المبدع (1/ 137) الإنصاف (1/ 223) المغني (1/ 202).
بـ {الْمُطَهَّرُونَ} المطهَّرين من الحدث، وهم المكلَّفون من الآدميِّين (1).
ونوقش الاستدلال من أوجه:
الوجه الأول: أن الضمير يعود على اللوح المحفوظ و {الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة طهروا من الشرك والذنوب، لأنَّ "الْمُطهَّر" من طهَّره غيره، ولو أُرِيد بنو آدم لقال:"الْمُتَطَهِّرُون"، فلا دلالة فيها على منع المحدث (2).
وأجيب عنه بعدَّة أجوبة:
أحدها- أنه أعقب الآية بوصفه بالتنزيل، وظاهر أنَّ المراد به القرآن الكريم (3).
الثاني- أنَّ هذا باطل؛ لأنَّ الملائكة لا تناله في وقت، ولا تصل إليه بحال، فلو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه محلُّ (4).
الثالث- أنَّ الملائكة مُطهَّرون بالإجماع، فيلزم على هذا التفسير للآية استثناء الشيء من نفسه، واستثناء الشيء من نفسه لا يصح (5).
الرابع- لو سلم بأنَّ المراد بهم الملائكة، فإنه يُقاس عليه بنو آدم، بدليل الأحاديث الواردة في منع المحدث من مسه (6).
الوجه الثالث: أنَّ الضمير يعود إلى الصحف التي بأيدي الملائكة، والمُطهَّرون هم الملائكة طهروا من الشرك والذنوب (7).
(1) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225) المغني (1/ 203) نيل الأوطار (1/ 244) الحاوي (1/ 384) المعونة (1/ 161).
(2)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225) كشاف القناع (1/ 134) المبدع (1/ 137) نيل الأوطار (1/ 244).
(3)
المجموع (2/ 72) حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب (1/ 87).
(4)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225).
(5)
حاشية الشرقاوي (1/ 87).
(6)
كشاف القناع (1/ 134) المبدع (1/ 137).
(7)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1737) تفسير القرطبي (17/ 225) المنتقى (1/ 344).
قال الإمام مالك رحمه الله: أحسن ما سمعت في قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها بمنزلة الآية التي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى} .. {فمن شاء ذكره * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 12 - 16](1).
وأجيب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنه قوله {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 80] ظاهر أنَّ المراد به المصحف، فلا يُحمل على غيره إلَاّ بدليل (2).
الجواب الثاني: أنَّ فيه دليلٌ على وجوب التطهُّر لمسِّ المصحف؛ ذلك أنَّ البارئ تعالى وصف القرآن بأنه كريم، وأنه في الكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهَّرون، فوصفه بهذا تعظيمًا، والقرآن المكنون في اللوح المحفوظ هو المكتوب في المصاحف التي بأيدينا، وقد أُمِرنا بتعظيمها فيجب أن نتمثَّل ذلك بما وصف الله القرآن به من أنه لا يمسُّ الكتاب الذي هو فيه إلَاّ مُطهَّر.
قال الباجي: وهذا وجهٌ صحيحٌ سائغ (3).
الوجه الثالث: أنَّ المراد بقوله: {لَا يَمَسُّهُ} أي: لا يجد طعم نفعه "إلَاّ المطهَّرون" من الذُنوب، التائبون العابدون (4)
وأجيب عنه: بأنَّه عدول عن الظاهر لغير ضرورة عقل ولا دليل سمع (5).
الوجه الرابع: أنَّ ما في الآية ليس أمرًا، وإنما هو خبر، والله تعالى لا يقول إلا حقًا، ولا يجوز أن يُصرف لفظ الخبر إلى معنى
(1) الموطأ مع المنتقى (1/ 344).
(2)
المجموع (2872).
(3)
المنتقى (1/ 344).
(4)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1738) تفسير القرطبي (17/ 226).
(5)
أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1738).
الأمر إلا بنصٍّ جليّ، أو إجماع متيقَّن، فلما رأينا المصحف يَمسُّه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عز وجل لم يَعنِ المصحف، وإنما عني كتابًا آخر (1).
وأجيب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنَّ الذي في الآية نهي، وإن كان لفظه لفظ الخبر، فمعناه الأمر؛ لأنَّ خبر البارئ تعالى لا يكون بخلاف مُخبِره، ونحن نشاهد من يمسه غير طاهر (2).
الجواب الثاني: أنه إن حُمل لفظ الآية على حقيقة الخبر فإنَّ الأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند الله و {الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة.
وإن حُمِل على النهي، وإن كان في صورة الخبر، كان عامًا فِينا وهذا أولى؛ لِما رُوِيَ من نهيه صلى الله عليه وسلم:«أن لا يمسَّ القرآن إلَاّ طاهر» ، فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية لأنها مُحتمَلَة (3).
الوجه الخامس: أنه لو سلم رجوع الضمير إلى القرآن على التعيين لكانت دلالته على المطلوب، وهو منع الجُنب من مسِّه، غير مُسلَّمة؛ لأنَّ المطهَّر من ليس بنجس، والمؤمن ليس بنجسٍ دائمًا لحديث:«المؤمن لا ينجس» (4).
فلا يصح حمل المطهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجِّس بنجاسة عينية، بل يتعيَّن حمله على من ليس بمشركٍ كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] لهذا الحديث
(1) المحلى (1/ 109).
(2)
المنتقى للباجي (1/ 343).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (3/ 416).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب عرق الجُنب، وأن المؤمن لا ينجس (1/ 74، 85).
ومسلم في كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس (1/ 282).
ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو (1)(2).
الوجه السادس: أنه لو سلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثًا أكبر أو أصغر، فإنَّ هذا اللفظ من الألفاظ المشتركة، والراجح كون المشترك مُجملاً في معانيه، فلا يُعيِّن حتى يبين.
وقد دلَّ الدليل ههنا أنَّ المراد به غيره لحديث: «المؤمن لا ينجس» (3).
ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته لكان تعيينه لمحلِّ النزاع ترجيحًا بلا مُرجح، وتعيينه لجميعها استعمالاً للمشترك في جميع معانيه، وفيه الخلاف، ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه لَما صحَّ لوجود المانع وهو حديث:«المؤمن لا ينجس» (4)(5).
2 -
حديث كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر بن حزم وفيه: «
…
وأن لا يمسَّ القرآن إلا طاهر» (6).
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو (4/ 15).
ومسلم في كتاب الإمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم (3/ 1490).
(2)
نيل الأوطار (1/ 244).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
نيل الأوطار (1/ 244).
(6)
حديث عمر بن حزم أخرجه مالك في الموطأ كتاب العقول (611).
والنسائي في كتاب القسامة، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، واختلاف الناقلين له (8/ 58).
وابن حبان في صحيحه، في كتاب التاريخ، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 18).
والدارقطني في الديات (3/ 209) والدارمي في السنن كتاب الديات، باب كم الدية من الإبل (2/ 193) والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الديات، باب جماع أبواب الديات فيما دون النفس (8/ 80) والحاكم في المستدرك في كتاب الزكاة (1/ 395) وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل: قد أسند هذا الحديث ولا يصح. التلخيص الحبير (4/ 17).
وقال ابن جزم: صحيفة عمرو بن حزم منقطعة، لا تقوم بها حجة، المحلى (12/ 125).
وصححه جماعة من الأئمة؛ منهم: الحاكم، وابن حبان، والبيهقي وقال أحمد أرجو أن يكون صحيحًا.
وصححه غيرهم من حيث الشهرة، فقال الشافعي: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم، معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.
وقال العقيلي: هذا حديث ثابت محفوظ، انظر: التلخيص الحبير (4/ 18) الهداية في تخريج أحاديث البداية (8/ 496).
ووجه الاستدلال: أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يمسَّ القرآن إلا طاهر (1).
ونوقش الاستدلال: من أوجه.
الوجه الأول: ضعف الحديث؛ فإنه من صحيفة ولم يسنده إلَاّ سليمان بن داود الجزري، وسليمان بن قرم، وهما لا شيء، وقد سُئِل يحيى بن معين عن سليمان الجزري الذي يحدث عن الزهري، وروي عنه يحيى بن حمزة؟ فقال: ليس بشيء.
وأما سليمان بن قرم فساقط بالجملة.
وكذلك من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر، ولا حجَّة في مرسل (2).
وأجيب عنه: بأن وإن كان صحيفة، فقد تلقته الأمة بالقبول، حتى قال ابن عبد البر: إنه أشبه المتواتر لتلقِّي الناس له بالقبول (3).
الوجه الثاني: أنَّ الطاهر يُطلق بالاشتراك على المؤمن، والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر، ومن ليس على بدنه نجاسة.
(1) نيل الأوطار (1/ 243) المغني (/203) السيل الجرار (1/ 108).
(2)
المحلى (12/ 125).
(3)
التلخيص الحبير (4/ 18) نيل الأوطار (1/ 243).
ويدلُّ لإطلاقه على الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس» (1).
وعلى الثاني: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
وعلى الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» (2).
وعلى الرابع: الإجماع على أنَّ الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى «طاهرًا» ، فحمله على أحد هذه المعاني حملاً للمشترك على أحد معانيه، والراجح خلافه، فعليه يحتاج إلى دليل (3).
وأجيب عنه:
بأنَّ الصحيح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه (4).
ورُدَّت الإجابة: بأنه لو سُلِّم لَمَا صحَّ فيما نحن فيه لوجود المانع، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:«المؤمن لا ينجس» (5).
الوجه الثالث: إنَّ إطلاق اسم «النجس» على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر، لا يصحُّ، لا حقيقةً ولا مجازًا ولا لغةً (6).
قال الشوكاني: فإذا ثبت هذا فالمؤمن طاهرٌ دائمًا فلا يتناوله الحديث، سواء كان جنبًا أو حائضًا أو محدثًا أو على بدنه نجاسة (7).
الوجه الرابع: أنه محمولٌ على من ليس بمشرِك.
(1) سبق تخريجه.
(2)
من حديث المغيرة بن شعبة، أخرجه البخاري، في كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتين (1/ 59) ومسلم في كتاب الطهارة باب المسح على الخفين (1/ 230).
(3)
نيل الأوطار (1/ 243).
(4)
نيل الأوطار (1/ 244).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
نيل الأوطار (1/ 244).
(7)
المصدر السابق.
وأجيب عنه: بما ثبت من كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وقد ضمنه آيات من القرآن، ومعلوم جمعهم بين نجاسة الشرك والجنابة، ووقوع اللمس منهم معلوم.
وردت الإجابة من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ هذا خاص بمثل الآية والآيتين، فإنه يجوز تمكين المشرك منها لمصلحة كتبليغ الدعوة.
الوجه الثاني: أنه قد صار باختلاطه بغيره لا يحرم لمسه ككتُب التفسير، فلا تُخصَّص به الآية والحديث (1).
3 -
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسافَر بالقرآن إلى أرض العدوِّ.
وفي رواية: «مخافة أن يناله العدوُّ» (2).
وتوجيه الاستدلال:
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدوِّ مخافةً أن تناله الإهانة منهم، ومنها أن يمسُّوه، وهذا يدلُّ على منع المحدِث من مسِّه؛ لأنَّ كلَّ كافِرٍ جُنب.
وأجيب عنه: بأنَّ الحديث حقٌّ يجب اتباعه، ولكن ليس فيه ألَاّ يُمِسَّ المصحف جُنب ولا كافر، وإنما فيه أن ينال أهل أرض الحرب القرآن فقط (3).
ثم لو سُلِّم بمنع الكافر فلا دلالة فيه على منع الحائض من مسِّه.
4 -
ما أخرجه الدارقطني عن أنس بن مالك؛ قال: خرج عمر متقلِّدًا السيف، فقيل له: إنَّ خِتنك (4) وأختك قد صبئوا، فأتاهما عمر
(1) نيل الأوطار (1/ 244).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
المحلى (1/ 109).
(4)
الختن: هو زوج الأخت. انظر: النهاية (2/ 10).
وعندهما رجل من المهاجرين يقال له: «خباب» ، وكانوا يقرأون {طه} ، فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم أقرؤه، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت أخته: إنك نَجِسٌ ولا يمسُّه إلا المطهرون، فقم واغتسل، أو توضَّأ، فقام عُمر، فتوضَّأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ:{طه} (1).
ونوقش من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: بأنَّ الأثر ضعيف، لتفرُّد القاسم بن عثمان به، وليس بقوي (2).
الوجه الثاني: على فرض ثبوته وصحته فيحمل على الطهارة من الشرك.
الوجه الثالث: أنه لو توضَّأ أو اغتسل لم ينفعه وضوءه ولا غسله ما دام لم يسلم.
5 -
ولأنها ممنوعة من الصلاة لمعنى فيها، فكانت ممنوعة من مسِّ المصحف كالمشرك، أو كالذي غمرت جسده النجاسة (3).
ويمكن أن يُناقَش بالفارق للنصِّ الصحيح الصريح في منعها من الصلاة دون ما نحن فيه.
وقد احتجَّ المالكية لِما ذهبوا إليه من جواز ذلك حالة التعلُّم والتعليم بأنَّ ذلك للضرورة (4).
القول الثاني: أن لها مسَّه بظاهر الكفِّ دون باطنه:
ذهب إليه الحكم وحمَّاد (5).
(1) أخرجه الدارقطني في الطهارة، باب نهي المحدث عن مس القرآن (1/ 123) وقال عقبه: تفرد به القاسم بن عثمان، وليس بالقوي، وقال الحافظ: في إسناده مقال التلخيص (1/ 132).
(2)
كذا قال الدارقطني عقب روايته له (1/ 123).
(3)
المنتقى (1/ 344).
(4)
المصدر السابق.
(5)
المغني (1/ 203) المجموع (2/ 72).
واحتجَّا بأنَّ آلة اللمس باطن اليد، فينصرف النهي إليه دون غيره (1).
ونوقش: بأنَّ هذا ليس بصحيح؛ فإنَّ كلَّ شيءٍ لاقى شيئًا فقد مسَّه (2).
القول الثالث: أنَّ لها مسَّه مُطلقًا:
ذهب إليه جمعٌ من فقهاء السلف، منهم سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك وأبو العالية (3).
وهو قول داود (4)، وابن حزم (5)، ورُوِيَ عن الحكم وحماد (6).
الأدلَّة:
1 -
ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم: «أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولَّيت فإنما عليك إثم الأريسيين (7) و {يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] إلى قوله {مُسْلِمُونَ}» (8).
(1) المغني (1/ 203).
(2)
المغني (1/ 203).
(3)
الأوسط (2/ 103) النباية (1/ 646) المغني (2/ 202).
(4)
المغني (2/ 202).
(5)
المحلى (1/ 107).
(6)
المجموع (2/ 72).
(7)
الأريسيين: قد اختلف في هذه اللفظة صيغة ومعنى، فرُوي بوزن «الكريمين» ، ورُوي الإريسين بوزن «الشربيين» ، ورُوي: الإريسيين، بوزن «العظميين» .
وأما معنى: فقيل: هم الخدم والخول، يعني لصده إياهم عن الدين، وقيل: هم «الأكارون» ، وكانوا جماعة من الفرس، وهم عبدة النار، فجعل عليه إثمهم.
وقيل: إن في رهط هرقل فرقة تعرف بـ «الأروسية» ، فجعل النسب إليهم وقيل «الأريسون» ، الملوك واحدهم «إريس» ، وقيل: هم العشارون، انظر: النهاية (1/ 38).
(8)
سبق تخريجه.
ووجه الاستدلال:
أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب بهذا إلى الروم مع كونهم جامعين لنجاسة الشرك والجنابة، ووقوع اللمس منهم معلوم (1)، وإذا ثبت هذا في هؤلاء فالحائض من باب أولى.
ونُوقش من أوجه:
الوجه الأول: أن هذا خاص بمثل الآية والآيتين، فإنه يجوز تمكين المشرك من ذلك المقدار لمصلحة، كدعائه إلى الإسلام، وتبليغ الدعوة.
الوجه الثاني: أنه قد صار باختلاطه بغيره لا يحرم لمسه ككتُب التفسير.
الوجه الثاني: أنه يُمنع إذا كان يعرف أنَّ الذي يقرؤه قرآنًا. أما لو قرأ في ورقة شيئًا لا يعلم أنه قرآن فإنه لا يمنع (2).
2 -
ولأن الصبيان يحملون الألواح محدثين بلا إنكار (3).
ونُوقش من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن هذا غير مسلَّم بل حالهم أولى؛ لأنَّ البالغ إنما مُنِع تعظيمًا للقرآن، والصبيُّ أنقص حالاً منه (4).
الوجه الثاني: لو سُلِّم فإنما جاز حملهم لها للضرورة، لأنَّ في تكليفهم استصحاب الطهارة مما يعظم المشقَّة (5).
الوجه الثالث: أنَّ ما فيها لا يُقصد إثباته على الدوام، بل هو كالمسودة التي تُتَّخذ وسيلة ولا يُعتنَى بها.
(1) المحلى (1/ 107) المغني (1/ 202) فتح الباري (1/ 408) نيل الأوطار (1/ 244).
(2)
فتح الباري (1/ 408) نيل الأوطار (1/ 244) المغني (1/ 203).
(3)
المجموع (2/ 72).
(4)
فتح العزيز (2/ 107) كشاف القناع (1/ 135).
(5)
المجموع (2/ 72) فتح العزيز (2/ 107).