الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أنَّ مالكًا رحمه الله فرَّق بين مدَّة الانتظار في حقِّ المحرم، والانتظار من الرفقة، فقال باحتباس ذي المحرم حتى يمكنها السفر.
وأما الرفقة والأصحاب فقال: إن كان مقامها اليوم واليومين وإلَاّ فلا.
ووجه الدلالة: أنَّ الرفقة تلحقهم المشقَّة بطول الحبس، وليس بينهم وبينها عقد، ولا لها عليهم حقٌّ يُحبسون به إلَاّ مقدار ما لا تلحقهم به مضرَّة لمعنى المرافقة والاصطحاب في الطريق، وهي تجد العوض منهم بعد مدَّة، فإنَّ الطريق المأمونة لا تنقطع (1).
المسألة الثالثة: في حبس الكري:
وأما الكري: كصاحب الجمل، أو صاحب السيارة، فهل يلزمه انتظارها حتى تطهر وتطوف، أو أنه لا يلزمه ذلك؟
اختلف أهل العلم في ذلك.
القول الأول- أنه لا يلزمه ذلك:
ذهب إليه الشافعية (2)، وابن المنذر (3).
قال النووي .. قال أصحابنا: إذا حاضت الحاجَّة قبل طواف الإفاضة ونفر الحجاج بعد قضاء مناسكهم وقبل طهرها، وأرادت أن تقيم إلى أن تطهر، وكانت مستأجرة جملاً؛ لم يلزم الجمال انتظارها، بل له النفر مع الناس (4).
واستدلُّوا:
1 -
بما رُوِيَ من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» (5).
(1) المنتقى (3/ 61).
(2)
المجموع (3/ 257، 285).
(3)
المجموع (3/ 285).
(4)
المجموع (3/ 257).
(5)
رُوي هذا الحديث من عدة طرق عن جمع من الصحابة، فروي من حديث عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وجابر بن عبد الله، وعائشة وثعلبة بن أبي مالك القرظي، وأبي لبابة.
1 -
فأما حديث عبادة، فأخرجه ابن ماجة (2/ 57) وأحمد في المسند (5/ 326).
2 -
وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجة (2/ 57) وأحمد (1/ 313) والدارقطني (4/ 228).
3 -
وأما حديث أبي سعيد، فأخرجه الدارقطني (4/ 228) والحاكم (2/ 57) والبيهقي (6/ 69).
4 -
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني (4/ 228).
5 -
وأما حديث جابر، فأخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 141).
6 -
وأما حديث عائشة فأخرجه الدارقطني (4/ 227) والطبراني في الأوسط (1/ 141).
7 -
وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في الكبير (1/ 70/1).
8 -
وأما حديث أبي لبابة، فأخرجه أبو داود في المراسيل، كما في الدراية (2/ 282) وأسانيد هذه الأحاديث فيها مقال، لكن يشهد بعضها لبعض، ولذا قوَّى هذا الحديث جماعة من الأئمَّة، واعتمده الفقهاء قاعدة فقهية.
فقال النووي: له طُرق يقوِّي بعضها بعضًا، وهو حديث حسن.
وقال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحَّة أو الحسن الْمُحتج به.
وقال الألباني بعد أن ساق طُرق هذا الحديث: فهذه طرق كثيرة لهذا الحديث، وهي وإن كانت ضعيفة مفرداتها، فإنَّ كثيرًا منها لم يشتدّ ضعفها، فإذا ضُمَّ بعضها إلى بعض تقوَّى الحديث بها، وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله.
انظر: الدراية (2/ 282) نصب الراية (4/ 384) إرواء الغليل (3/ 408) فيض القدير انظر: الدراية (2/ 282) نصب الراية (4/ 384) إرواء الغليل (3/ 408) فيض القدير (6/ 431).
وفي حبسه إضرار به، وهو مدفوع شرعًا (1).
ويمكن أن يناقش: بأنَّ الإضرار في تركه لها لا في حبسه.
2 -
القياس على ما لو مرضت، فإنه لا يلزمه انتظارها بالإجماع، فكذا هنا (2).
ويمكن أن يناقَش: بأنَّ المرض لا تُعلَم مدَّته بخلاف الحيض.
(1) المجموع (3/ 285).
(2)
المجموع (3/ 258).
القول الثاني- أنه يلزمه الانتظار، أكثر ما يحبس النساء الدم:
ذهب إليه المالكية (1)، والظاهرية (2).
قال الباجي: والذي يُحبَس عليها الكري وذو المحرم والرفقة (3).
وقال ابن حزم: فإن حاضت قبل طواف الإفاضة فلا بدَّ لها أن تنتظر حتى تطهر، وتطوف وتحبس عليها الكري والرفقة (4).
واستدلُّوا:
1 -
بأنَّ لها عليها حقُّ ثبت بعقد، فليس له أن يتركها ويذهب بحقِّها، وهو حقٌّ مُعتاد قد عرفه ودخل عليه فلزمه المقام (5).
2 -
ولأنَّ حقَّها قد تعيَّن عنده، وتعلَّق به دون غيره، فليس له نقله إلى غيره (6).
الترجيح:
ولعلَّ الراجح هو القول الثاني، لقوَّة دليله، وسلامته من المناقشة، في مقابل ضَعف ما ذكر للأول من استدلال، على أن يقيِّد ذلك بحالة أمن الطريق إذا رجع وحده أو مع الركب القليل.
قال القاضي عياض المالكي: موضع الخلاف بين الشافعي ومالك في هذه المسألة، إذا كان الطريق آمنًا ومعها محرم، فإن لم يكن آمنًا، أو لم يكن معها محرم، لم ينتظر بالاتفاق، لأنه لا يمكنه السير بها وحده (7).
(1) المنتقى (3/ 61) حاشية الصاوي (2/ 380).
(2)
المحلى (7/ 241).
(3)
المنتقى (3/ 61).
(4)
المحلى (7/ 241).
(5)
المنتقى (3/ 61).
(6)
المنتقى (3/ 61).
(7)
المجموع (3/ 258) وانظر: المنتقى (3/ 61) وفتح الباري (3/ 590).