المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الأول: في حكمه من حيث الحل والحرمة - الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

[صالح اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الداعي لجمع مسائل هذا الموضوع والكتابة فيه:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأولفي التعريف بالحيض

- ‌المطلب الثانيفي التعريف بالنفاس

- ‌المطلب الثالثالتعريف بالاستحاضة

- ‌الفصل الأولالأحكام المترتبة على الحيض

- ‌المبحث الأولفي الأحكام المتعلقة بالطهارة

- ‌المطلب الأولفي قراءة الحائض للقرآن

- ‌الفرع الأول: في قراءة الكثير منه

- ‌الفرع الثاني: في قراءة الآية فما دونها:

- ‌المطلب الثانيفي الذِّكر

- ‌المطلب الثالثفي مس المصحف

- ‌المسألة الأولى في كون ذلك حالة الضرورة:

- ‌المسألة الثانية: في مسِّه في غير حالة الضرورة:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الجانب الأول: في مسِّه مع عدم وجود حائل:

- ‌الجانب الثاني: في كون ذلك من وراء حائل:

- ‌الفقرة الأولى: في مسِّ المصحف:

- ‌الفقرة الثانية: حمل الحائض للمصحف:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الجانب الأول: في مسِّ كتُب التفسير

- ‌الجانب الثاني في مسِّ كتُب الحديث والفقه ونحوها مما اشتمل على القرآن:

- ‌المطلب الخامسدخولها للمسجد

- ‌المسألة الأولى: في اللبث

- ‌المسألة الثانية: في عبور المسجد:

- ‌المطلب السادسفي الغسل من المحيض، والتيمُّم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله

- ‌المسألة الأولى: في الغسل:

- ‌الفرع الأول: في حُكم الغسل من المحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكمه للمسلمة:

- ‌الجانب الثاني: في إجبار الذميَّة على الغُسل منه:

- ‌الفرع الثاني: في صفته:

- ‌أولاً: صفة الكمال:

- ‌[ثانياً: الغُسل المجزئ]

- ‌الفرع الثالث: في نقض الشَّعر للغسل من المحيض:

- ‌المسألة الثانية: في التيمُّم:

- ‌المطلب السابعفي اغتسال الحائض للجنابة

- ‌المطلب الثامنتغسيل الحائض إذا ماتت

- ‌المبحث الثانيفي الأحكام المتعلِّقة بالصلاة

- ‌المطلب الأولحكم الصلاة أثناء الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء ما فاتها من الصلوات

- ‌المطلب الثالثفي طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة

- ‌المسألة الأولى: في حكم تلك الصلاة

- ‌المسألة الثانية: في وجوب ما يُجمع إليها قبلها:

- ‌الفرع الأول: فيما تدرك به الصلاة التي اتُّفق على وجوبها

- ‌الفرع الثاني: فيما تُدرَك به الصلاة الثانية عند القائلين بذلك:

- ‌المطلب الرابعفي بدء الحيض بعد دخول وقت الصلاة، وقبل أن تصليها

- ‌الفرع الأول: قضاء تلك الصلاة:

- ‌الفرع الثاني: في قضاء ما يُجمع إليها:

- ‌المبحث الثالثفي الأحكام المتعلقة بالصيام

- ‌المطلب الأولفي حكم الصيام حال الحيض

- ‌المطلب الثانيفي قضاء الأيام الفائتة

- ‌المطلب الثالثفي الطهر أثناء النهار، وحكم الإمساك

- ‌المطلب الرابعفي المرأة يطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل من الحيض

- ‌المطلب الخامسسقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يوم جومعت فيه

- ‌المبحث الرابعفي اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الأولحكم اعتكاف الحائض

- ‌المطلب الثانيفي طروء الحيض حال الاعتكاف

- ‌المبحث الخامسفي الأحكام المتعلقة بالحج والعمرة

- ‌المطلب الأول: في حكم إحرام الحائض بالحج أو العمرة

- ‌المطلب الثانيفي حكم الطواف حال الحيض

- ‌المسألة الأولى: في الطواف حال الاختيار

- ‌الفرع الأول: في الطواف حال الاختيار

- ‌الجانب الأول: حُكم طوافها من حيث الحلِّ والحرمة:

- ‌الجانب الثاني: في حكم طوافها من حيث الصحة:

- ‌الفرع الثاني: ما تفعل المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج:

- ‌المسألة الثانية: في الطواف حال الضرورة

- ‌الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة

- ‌الفرع الثاني: في حكمه من حيث الصحة وعدمها:

- ‌المطلب الثالثحبس الحائض لمن معها

- ‌المسألة الأولى: في حبس المحرم

- ‌المسألة الثانية: في حبس الرفقة:

- ‌المسألة الثالثة: في حبس الكري:

- ‌المطلب الرابعفي السعي بين الصفا والمروة من الحائض

- ‌المطلب الخامسطواف الوداع للحائض

- ‌المسألة الأولى: حكم طواف الوداع للحائض:

- ‌المسألة الثانية: طُهر الحائض بعد مفارقة البنيان:

- ‌المبحث السادسفي الأحكام المتعلقة بالنكاح

- ‌المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة

- ‌المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة

- ‌الفرع الأول: في الوطء في الفرج:

- ‌الجانب الأول: في الوطء حال نزول الدم

- ‌الفقرة الأولى: في حُكمه

- ‌الفقرة الثانية: في الكفارة للوطء في الحيض:

- ‌الجزء الأول: في الكفارة على العالِم الذَّاكر

- ‌أ- حُكم الكفارة

- ‌أولاً- في حكمها على الواطئ

- ‌ثانيًا: الكفارة على الموطوءة:

- ‌ب- من الجزء الأول: في قدر الكفارة:

- ‌الجزء الثاني: الكفارة على الناسي والجاهل

- ‌الجانب الثاني: في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الأولى: حكم الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفقرة الثانية: الكفارة في الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال:

- ‌الفرع الثاني: في الاستمتاع فيما عدا الفرج، مما هو دون السرَّة وفوق الركبة

- ‌المبحث السابعفي الأحكام المتعلِّقة بالطلاق

- ‌المطلب الأول: في تطليق الحائض

- ‌المسألة الأولى: في الطلاق قبل الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكمه:

- ‌الفرع الثاني: في وقوعه:

- ‌المسألة الثانية: في الطلاق بعد الدخول:

- ‌الفرع الأول: في حُكم إيقاع الطلاق في الحيض

- ‌الفرع الثاني: في وقوع الطلاق:

- ‌الفرع الثالث: في الرجعة في الطلاق في الحيض:

- ‌الجانب الأول: في حُكم الرجعة في الطلاق البدعي:

- ‌الجانب الثاني: في الإجبار على الرجعة:

- ‌المطلب الثانيوطء الزوج الثاني للمرأة حال حيضها هل يحلها للزوج الأول

- ‌المبحث الثامنفي الخلع في الحيض

- ‌المبحث التاسعفي الأحكام المتعلقة بالإيلاء

- ‌المطلب الأولعدم احتساب وقت الحيض من مدة الإيلاء

- ‌المطلب الثانيحصول الفيئة من الْمُولِي بالوطء حال الحيض

- ‌المبحث العاشرفي الأحكام المتعلِّقة بالعدَّة

- ‌المطلب الأولما وقع فيه الاتفاق

- ‌المطلب الثانيما وقع فيه الخلاف

- ‌المسألة الأولى: في المراد بـ «الأقراء»

- ‌المسألة الثانية: اختلافهم في عدة الأمة إذا كانت ممن تحيض:

- ‌المسألة الثالثة: في عدة المختلعة التي تحيض

- ‌المبحث الحادي عشرفي الاستبراء

- ‌المطلب الأول: في استبراء الثيب

- ‌المسألة الأولى: ألَاّ يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المسألة الثانية: أن يعلم براءتها من الحمل:

- ‌المطلب الثانيفي استبراء البكر

- ‌المبحث الثاني عشروجوب نفقة الزوجة بالتسليم حال الحيض

- ‌المبحث الثالث عشرتذكية الحائض

- ‌المبحث الرابع عشرفي أنه علامة على البلوغ

- ‌الفصل الثانيفي الأحكام المترتبة على النفاس

- ‌الفصل الثالثفي الأحكام المترتبة على الاستحاضة

- ‌المبحث الأولفي أن حُكمها حكم الطاهرات

- ‌المبحث الثانيتطهر المستحاضة للصلاة

- ‌المطلب الأول: في عمل ما يمنع خروج الدم

- ‌المطلب الثانيفيما يلزم المستحاضة من التطهر بالماء

- ‌المبحث الثالثوطء المستحاضة

- ‌تراجم الأعلام الواردة في البحث

- ‌مصادر البحث

- ‌مصادر تراجم الأعلام

الفصل: ‌الفرع الأول: في حكمه من حيث الحل والحرمة

‌المسألة الثانية: في الطواف حال الضرورة

(1).

وفيه فرعان:

‌الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة

.

الفرع الثاني: في حُكمه من حيث الصحَّة وعدمها.

الفرع الأول: في حُكمه من حيث الحلِّ والحرمة:

ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يحرم على المرأة الطواف حال الحيض، ولم يفرِّقوا في ذلك بين حال ضرورة أو غيرها.

وقد عدَّ كثيرٌ من أهل العلم هذه من مسائل الإجماع (2).

قال النووي: وقد أجمع العلماء على تحريم الطواف على الحائض والنفساء (3).

وقال ابن حزم: أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في الفرج حال الحيض؛ فإجماع مقطوع به، لا خلاف فيه بين أحد من أهل الإسلام (4).

أدلَّة الجمهور:

وإذا كان الجمهور قد اتفقوا على تحريم الطواف على الحائض،

(1) ونقصد بالضرورة حالة ما إذا لم يمكنها البقاء في مكة حتى تطهر إلَاّ بعنت ومشقة أو الرجوع إلى بلدها والعودة بعد الطهر، وسيرد لهذا مزيد إيضاح من خلال عرض المسألة.

(2)

انظر: المجموع (2/ 356) نقلاً عن ابن المنذر. وانظر: حكاية الاتفاق في بداية المجتهد (1/ 252) المغني (1/ 387) المحلى (2/ 220).

(3)

المجموع (2/ 356) نقلاً عن ابن المنذر.

(4)

المجموع (2/ 220) وقد قيد ابن تيمية الإجماع على التحريم في حال عدم الضرورة فإنه قال: وأما الذي لا أعلم فيه نزاعًا أنه ليس لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر، فما أعلم منازعًا أنَّ ذلك يحرم عليها وتأثم به. مجموع الفتاوى (26/ 206).

ص: 121

فإنهم لم يتفقوا على سبب التحريم، فنذكر الدليل، ومن قال به، ونذكر ما أورد عليه من مناقشة.

الدليل الأول:

1 -

أنَّ الحائض منهيَّة عن دخول المسجد (1).

بقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]

إذ هي في معنى الجنب، بل حدثها أغلظ (2).

وبما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أُحِلُّ المسجد لحائض ولا جنب» (3).

ونوقش الاستدلال من أوجه:

الوجه الأول: عدم صلاحيته للاستدلال.

أما الآية فلأنَّ المسجد لم يذكر في أول الآية، فيكون آخرها عائدًا عليه، وإنما ذكرت الصلاة، والصلاة لا تجوز للجنب، إلَاّ ألَاّ يجد ماءً فيتيمَّم صعيدًا طيبًا (4).

وأمَّا الحديث: فإنه ضعيف، ولا يجوز الاحتجاج بمثله (5).

الوجه الثاني: أنَّ الاستدلال معارض بما هو أقوى منه.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المؤمن ليس بنجس» (6).

فإذا ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا، وكان تأويل الآية ما قد سبق، وضعف ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم:«لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب» وجب ألَاّ يُمنع من ليس بنجس من المسجد إلَاّ بحجَّة (7).

(1) انظر: فتح القدير لابن الهمام (1/ 166) رد المحتار (1/ 292) مجمع الأنهر (1/ 53) البحر (1/ 207) المنتقى (3/ 61) مواهب الجليل (1/ 374) المغني (5/ 222، 3267) المبدع (1/ 173).

(2)

المغني (1/ 200).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

الأوسط (2/ 109) المحلى (2/ 250) المجموع (2/ 155).

(5)

الأوسط (2/ 109) المحلى (2/ 253).

(6)

سبق تخريجه.

(7)

الأوسط (2/ 1110).

ص: 122

وأيضًا: فالاستدلال معارَض بما صحَّ عن عائشة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «ناوليني الخُمرة من المسجد» فقلت: إني حائض، قال:«إنَّ حيضتك ليست في يدك» (1).

وعن ميمونة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا يتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض» (2).

الوجه الثالث:

على فرض التسليم بأنها ممنوعة من دخول المسجد، فإنَّ هذا لا يحرم عليها عند الضرورة، فإنَّ لبثها في المسجد لضرورة جائز، كما لو خافت مَن يقتلها إذا لم تدخل المسجد، أو كان البرد شديدًا أو ليس لها مأوى إلَاّ المسجد (3).

فإذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور، مع قيام سبب الحظر لأجل الضرورة، كما يُباح سائر المحرمات مع الضرورة من الدَّم والميتة ولحم الخنزير .. وكذلك الصلاة إلى غير القبلة مع كشف العورة، ومع النجاسة في البدن والثوب وهي محرمة أغلظ من غيرها وتُباح، بل تجب عند الحاجة (4).

وإذا كانت إنما منعت من الطواف لأجل المسجد، فمعلوم أن إباحة ذلك للعذر أولى من إباحة مسِّ المصحف للعذر، ولو كان لها مصحف، ولم يمكنها حفظه إلَاّ بمسه، مثل أن يريد أن يأخذه لصٌّ أو كافر، أو ينهبه أحد، ولم يمكنها منعه إلَاّ بمسِّه، لكان ذلك جائزًا لها، مع أنَّ المحدِث لا يمسُّ المصحف، ويجوز له الدخول في المسجد، فعُلِم أنَّ حُرمة المصحف أعظم من حرمة المسجد، وإذا أبيح لها مسُّ المصحف

(1) سبق تخريجه.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 177).

(4)

المصدر السابق (26/ 180).

ص: 123

للحاجة فالمسجد الذي حُرمته دون حرمة المصحف أولى بالإباحة (1).

الدليل الثاني:

ولأنَّ الطواف من شرطه (أو تجب له) الطهارة، ولا تصحُّ منها، فيحرم عليها (2).

الدليل الثالث:

1 -

حديث عائشة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لَمَّا حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألَاّ تطوفي بالبيت حتى تطهري» (3).

2 -

وحديث عائشة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال، وقد أخبر عن حيض صفية:«أحابستنا هي؟» قيل له: إنها قد أفاضت، قال:«فلتنفر إذن» (4).

فالحديثان دليلٌ على أنَّ الطواف يحرم مع الحيض، كما يحرم على الحائض الصلاة والصيام بالنص والإجماع (5).

ونُوقش من أوجه:

الوجه الأول: أنَّ سبب منعها من الطواف، لكونها ممنوعة من دخول المسجد (6)، وقد بينَّا فيما سبق جواز لبثها عند الضرورة، وهذا منها.

(1) مجموع الفتاوى (26/ 184).

(2)

انظر: رد المحتار (1/ 292) فتح القدير (1/ 166) المنتقى (3/ 61) المهذب (1/ 45) المغني (5/ 222، 367) وقد ذكرنا فيما سبق أدلَّة القول بوجوب الطهارة، أو اشتراطها فلا نعيدها هنا فيمكن الرجوع إليها.

(3)

سبق تخريجه.

(4)

أخرجه البخاري في الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت (2/ 195) ومسلم في الحج باب وجوب طواف الوداع (2/ 469).

(5)

انظر: المحلى (7/ 256، 257) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 176) المبدع (1/ 261) الشرح الممتع (1/ 274) المهذب المجموع (2/ 356).

(6)

الهداية مع فتح القدير (1/ 166) المبدع (1/ 166) المغني (5/ 267).

ص: 124

الوجه الثاني: على فرض التسليم بأنَّ التحريم لذات الحيض فإنَّا نقول: إنها إذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور مع قيام سبب الحظر، لأجل الضرورة، كما يُباح سائر المحرَّمات مع الضرورة من الدم والميتة ولحم الخنزير، وكذلك الصلاة إلى غير القبلة مع كشف العورة، ومع النجاسة في البدن والثوب، هي محرمة أغلظ من غيرها، وتُباح بل تجب مع الحاج.

ولا يمكن قياس مسألتنا على الصوم والصلاة؛ فإنَّ الحائض ليست محتاجة إلى الصوم في الحيض، فإنه يمكنها أن تصوم شهرًا آخر غير رمضان، فإذا كان المسافر والمريض مع إمكان صومهما جعل لهما أن يصوما شهرًا آخر، فالحائض الممنوعة من ذلك أولى أن تصوم شهرًا آخر، وإذا أُمِرت بقضاء الصوم لم تؤمر إلَاّ بشهرٍ واحد، فلم يجب عليها إلَاّ ما يجب على غيرها، ولهذا لو استحاضت فإنها تصوم مع الاستحاضة فإنَّ ذلك لا يمكن الاحتراز عنه، إذ قد تستحيض وقت القضاء.

وأمَّا الصَّلاة، فإنها تتكرَّر في كلِّ يومٍ وليلة خمس مرَّات، والحيض ممَّا يمنع الصلاة، فلو قيل: إنها تصلِّي مع الحيض لأجل الحاجة لم يكن الحيض مانعًا من الصلاة بحال، وكان يكون الصوم والطواف بالبيت أعظم حرمة من الصلاة، وليس الأمر كذلك بل كان من حرمة الصلاة أنها لا تصلِّي وقت الحيض، إذ كان لها في الصلاة أوقات الطهر غنية عن الصلاة وقت الحيض (1).

الدليل الرابع:

أنه لو كان طوافها مع الحيض ممكنًا لأُمِرت بطواف القدوم، وطواف الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم أسقط طواف الوداع عن الحائض، وأمر

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 183، 184).

ص: 125

عائشة لَمَّا قدمت وهي مُتمتِّعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة، وتحرم بالحج، فعلم أنه لا يمكنها الطواف (1).

ونُوقش: بأنَّ الطواف مع الحيض محظورٌ لحرمة المسجد أو للطواف أو لهما، والمحظورات لا تُباح إلَاّ حال الضرورة، ولا ضرورة بها إلى طواف الوداع، فإنَّ ذلك ليس من الحجِّ، ولهذا لا يودِّع المقيم بمكة، وإنما يودِّع المسافر عنها فيكون آخر عهده بالبيت، وكذلك طواف القدوم ليست مضطرَّة إليه، بل لو قدم الحاج وقد ضاق الوقت عليه بدأ بعرفة، ولم يطُف للقدوم، فهو إن أمر بهما القادر عليهما، إما أمر إيجاب فيهما، أو في أحدهما، أو استحباب، فإنَّ للعلماء أقوالاً، وليس واحد منهما رُكنًا يجب على كلِّ حاج بالسُنة الثابتة باتفاق العلماء، بخلاف طواف الفرض، فإنها مضطرَّة إليه؛ لأنه لا حجَّ إلَاّ به، وهذا كما يُباح لها دخول المسجد للضرورة، ولا تدخله لصلاة ولا اعتكاف، وإن كان منذورًا، بل المعتكفة إذا حاضت خرجت من المسجد، ونُصِبت لها قُبَّة في فنائه (2).

القول الثاني- إنه لا يحرم عليها:

ذهب إليه ابن تيمية (3)، وتلميذه ابن القيم (4)، ونفيا وجود الإجماع على تحريم الطواف، أو عدم صحَّته من المضطرَّة (5).

وقد ذكر ابن تيمية أنَّ الإجماع على التحريم إنما هو في غير المضطرَّة، فقال بعد كلام: .. وأمَّا الذي لا أعلم فيه نزاعًا أنه ليس

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 214).

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 215).

(3)

انظر: مجموع الفتاوى له (26/ 177، 179، 180، 185، 202، 225).

(4)

انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/ 110).

(5)

مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 205).

ص: 126

لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف على الطهر، فما أعلم منازعًا أنَّ ذلك يحرم عليها وتأثم به (1).

وقد أطال ابن تيمية في الاستدلال لهذا القول الذي مال إليه، وقد ذكرنا جُملة منه في مناقشته لِما استدلَّ به الجمهور، ونعيد جملة منه على سبيل الاختصار:

فإنه قال:

إنَّ نهي النبي صلى الله عليه وسلم للحائض عن الطواف بالبيت إمَّا أن يكون لأجل المسجد، لكونها منهية عن اللبث فيه، وفي الطواف لبث .. وإمَّا أن يكون لكون الطواف نفسه يحرم مع الحيض، كما يحرم على الحائض الصلاة والصوم (2).

فإن كان تحريمه للأول: لم يحرم عليها عند الضرورة، فإنَّ لبثها في المسجد أو كان البرد شديدًا، أو ليس لها مأوى إلَاّ المسجد (3).

فإذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور، مع قيام سبب الحظر لأجل الضرورة، كما يباح سائر المحرمات مع الضرورة، من الدم والميتة ولحم الخنزير (4).

وإن كان المنع من الطواف لمعنى في نفس الطواف، كما منع من غيره، أو كان لذلك وللمسجد: كل منهما علَّة مستقلة.

فنقول: إذا اضطرت إلى ذلك بحيث لم يمكنها الحج بدون طوافها وهي حائض لتعذُّر المقام عليها إلى أن تطهر، فهذا الأمر دائر بين أن تطوف مع الحيض، وبين الضرر الذي ينافي الشريعة، فإنَّ إلزامها بالمقام إذا كان فيه خوف على نفسها ومالها، وفيه عجزها عن الرجوع إلى أهلها، وإلزامها المقام بمكة مع عجزها عن ذلك، وتضررها به، لا تأتي

(1) مجموع الفتاوى (26/ 206).

(2)

مجموع الفتاوى (26/ 176).

(3)

المصدر السابق (26/ 177).

(4)

المصدر السابق (26/ 178).

ص: 127

به الشريعة، فإنَّ مذهب عامة العلماء أنَّ من أمكنه الحج، ولم يمكنه الرجوع إلى أهله لم يجب عليه الحج، أمَّا مع الضرر الذي يُخَاف منه على النفس، أو مع العجز عن الكسب فلا يوجب أحد عليه المقام، فهذه لا يجب عليها حجٌّ يحتاج معه إلى سكنى مكة.

وكثيرٌ من النساء إذا لم ترجع مع من حجَّت معه لم يمكنها بعد ذلك الرجوع، ولو قُدِّر أنه يمكنها بعد ذلك الرجوع، فلا يجب عليها أن يبقى وطؤها مُحرَّمًا مع رجوعها إلى أهلها، ولا تزال كذلك إلى أن تعود، فهذا من أعظم الحرج الذي لا يوجب الله مثله؛ إذ هو أعظم من إيجاب حجَّتين، والله تعالى لم يُوجِب إلَاّ حجَّةً واحدة (1).

وإذا قيل في هذه المرأة:

بل تتحلَّل كما يتحلَّل المحصر، فهذا لا يفيد سقوط الفرض عنها، فتحتاج مع ذلك إلى حجَّة ثانية، ثم هي في الثانية تخاف ما خافته في الأولى.

وإذا قيل: إنَّ الحج يسقط عن مثل هذه، كما يسقط عمَّن لا تحجُّ إلَاّ مع من يفجر بها، لكون الطواف مع الحيض يحرم كالفجور.

قيل: هذا مخالف لأصول الشرع؛ لأنَّ الشرع مبناه على قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].

وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (2) ومعلومٌ أنَّ المرأة إذ لم يمكنها فعل شيءٍ من فرائض الصلاة أو الصيام أو غيرهما، إلَاّ مع الفجور، لم يكن لها أن تفعل ذلك، فإنَّ الله تعالى لم يأمر عباده بأمر لا يمكن إلَاّ مع الفجور، فإنَّ الزنا لا يُباح بالضرورة، كما يُباح أكل الميتة عند الضرورة.

(1) مجموع الفتاوى (26/ 185).

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله (8/ 142) ومسلم في الحج، باب فرض الحج مرة في العمر (2/ 975).

ص: 128

قال: وأمَّا إذا أمكن العبد أن يفعل بعض الواجبات دون بعض فإنه يُؤمَر بما يقدر عليه، وما عجز عنه يبقى ساقطًا، كما يؤمر بالصلاة عريانًا ومع النجاسة وإلى غير القبلة، إذا لم يُطق إلَاّ ذلك، وكما يجوز الطواف راكبًا، ومحمولاً للعذر بالنص، واتفاق العلماء، وبدون ذلك فيه نزاع، وكما يجوز أداء الفرض للمريض قاعدًا أو راكبًا، ولا يجوز ذلك في الفرض بدون العذر، مع أنَّ الصلاة إلى غير القبلة والصلاة عريانًا وبدون الاستنجاء، وفي الثوب النجس: حرام في الفرض والنفل، ومع هذا فلأن يصلي الفرض مع هذا المحظورات خير من تركها، وكذلك صلاة الخوف مع العمل الكثير، ومع استدبار القبلة مع مفارقة الإمام في أثناء الصلاة، ومع قضاء ما فاته قبل السلام، وغير ذلك مما لا يجوز في غير العذر.

فإن قيل: الطواف مع الحيض كالصلاة مع الحيض، والصوم مع الحيض وذلك لا يباح بحال.

قيل: الصوم مع الحيض لا يُحتاج إليه بحال؛ فإنَّ الواجب عليها شهر، وغير رمضان يقوم مقامه، وإذا لم يكن لها أن تؤدِّي الفرض مع الحيض فالنفل بطريق الأولى؛ لأن لها مندوحة عن ذلك بالصيام في وقت الطهر.

وأما الصلاة: فإنها لو أبيحت مع الحيض، لم يكن الحيض مانعًا من الصلاة بحال، فإن الحيض مما يعتاد النساء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:«إنَّ هذه شيء كتبه الله على بنات آدم» (1) فلو أذن لهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلين بالحيض، صارت الصلاة مع الحيض كالصلاة مع الطهر (2).

(1) سبق تخريجه.

(2)

مجموع الفتاوى له (26/ 188، 189).

ص: 129