الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانشد بعده، وهو الانشاد العشرون:
(20)
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
…
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشن
…
عند الحفيظة إن ذو لوثةٍ لانا
على أن قوله: «إذن لقام» بدل من لم تستبح، وبدل الجواب جواب، وهذا كلام ابن جني، قال في إعراب «الحماسة» قوله: إذن لقام .. إلخ، هو جواب قوله: لو كنت من مازن، فإن قلت: فقد أجاب لو هذه بقوله: لم تستبح إبلي، قيل: قوله إذن لقام .. إلخ، بدل من قوله: لم تستبح إبلي، وهذا كقولك: لو زرتني لأكرمتك إذن لم يضع عندي حق زيارتك، انتهى.
وتبعه جماعة منهم ابن يعيش في «شرح المفصل» قال: فإذن جواب لقوله: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي على سبيل البدل من قوله: لم تستبح إبلي، وجزاء على فعل المستبيح، انتهى.
وقال الإمام المرزوقي: اللام في لقام جواب يمين مضمر، والتقدير: إذن والله لقام بنصري، [فإن قيل: فأين جواب لو كنت؟ قلت: هو لم تستبح إبلي] ، وفائدة إذًا: هو أن هذا البيت الثاني أخرج مخرج جواب قائل قال له: ولو استباحوا ماذا كان يفعل بنو مازن؟ فقال: إذًا لقام بنصري، [قال سيبويه: إذن جواب وجزاء] وإذا كان كذلك فهذا البيت جواب لهذا السائل، وجزاء على فعل المستبيح. ويجوز أيضًا أن يكون إذًا لقام
جواب لو، كأنه أجيب بجوابين، وهذا كما تقول: لو كنت حرًا لاستقبحت ما يفعله العبيد، إذن لاستحسنت ما يفعله الأحرار، انتهى.
والمحقق الرضي لم يرتض هذا المسلك، واختار وجهًا غير ما ذكرنا قال: إن «إذن» متضمنة لمعنى الشرط، وحققه ثم قال: وإذا كانت بمعنى الشرط الماضي جاز إجراؤها مجرى «لو» في إدخال اللام في جوابها كما في البيت، فجملة لقام .. إلخ: جواب إذن، كأنه قيل: ولو استباحوا إبلي مع كوني من بني مازن لقام بنصري .. إلخ.
واستشهد بالبيت الأول على أن «بنين» لتغير مفرده في الجمع، أشبه جمع المكسر، فجاز تأنيث الفعل المسند إليه كما يجوز في الأبناء الذي هو جمع مكسر، كما أسند في البيت لم تستبح بناء التأنيث في أوله إلى «بنو» وهو ظاهر.
واستشهد بالبيت الثاني أيضًا على أن إذن تدخل على الماضي.
والبيتان أول أبيات ثمانية هي أول كاب «الحماسة» لأبي تمام الطائي لقريط ابن أنيف العنبري، وقد شرحناها جميعًا في الشاهد السادس والخمسين بعد الخمسمائة، وفي الشاهد السادس والأربعين بعد الستمائة من أبيات «شرح الكافية» للمحقق الرضي.
قال أبو عبيدة: أغار ناس من بني شيبان على رجل من بني العنبر يقال له: قريط بن أنيف، فأخذوا له ثلاثين بعيرًا، فاستنجد قومه فلم ينجدوه، فأتى مازن تميم، فركب معه نفر فأطردوا لبني شيبان مائة بعير فدفعوها إليه، فقال هذه الأبيات. ومازن هنا هو ابن مالك بن عمرو بن تميم بن أخي العنبر بن عمرو بن تميم، وإذا كان كذلك فمدح هذا الشاعر لهم يجري مجرى الافتخار بهم.
قال المرزوقي: قصد الشاعر في هذه الأبيات إلى بعث قومه على الانتقام له من أعدائه لا إلى ذمهم، وكيف يذمهم ووبال الذم راجع إليه، لكنه سلك طريقة كبشة أخت عمرو بن معدي كرب في قولها:
ودع عنك عمروا إن عمروا مسالم
…
وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم
فإنها لا تهجو أخاها، وعمرو هو الذي كان يعد بألف فارس، ولكن مرادها تهيبجه.
والاستباحة: الإباحة، وقيل: الإباحة: التخلية بين الشيء وطالبه، والاستباحة: اتخاذ الشيء مباحًا، ولا مناسبة للقيطة هنا لأنها فزارية لا اتصال لها بذهل بن شيبان، والصواب بنو الشقيقة، وأول من شرح على اللقيطة أبو عبد الله النمري أول شارح «للحماسة» واتبعه من جاء ببعده من شراحها، قال النمري: اللقيطة: نبز نبزهم الشاعر به وليس بنسب لهم، جعل أمهم ملقوطة وأخرجها مخرج النطيحة والرمية، هذا كلامه، ورد عليه الأسود أبو محمد الأعرابي الغندجاني فيما كتبه على ذلك الشرح قال: هذا موضع المثل «أول الدن دردي» هذا أول بيت من «الحماسة» جهل جهة الصواب في صحة منته، واستواء نظامه فاشتغل بوزن اللقيطة وذكر النطيحة، والصواب إن شاء الله تعالى ما أنشدناه أبو الندى، وذكر أنه لقريط بن أنيف العنبري:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
…
بنو الشقيقة من ذهل بن شيبانا
قال: الشقيقة: هي بنت عباد بن زيد بن عوف بن ذهل بن شيبان، وهي أم سيار وسمير وعبد الله وعمر، وأولاد سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان،
وهم سيارة مردة ليس يأتون على شيء إلا أفدوه، قال: وأما اللقيطة وليس هذا موضعها، فهي أم حصن بن حذيفة وإخوته، وهم خمسة واسمها: نضيرة بنت عصيم بن مروان بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة، وإنما ألحق بها هذا الاسم، أن أباها لم يكن له ولد غيرها، والعرب ذاك الدهر تئد الجواري، فلما رآها انتشرت نفسه عليها، ورق لها، وقال لأمها: استرضعيها وأخفيها من الناس، فكان أول من فطن لها حمل بن بدر، فقال لأخيه حذيفة - وتحته العذرية، ليس له ولد إلا منها، وهو مسهر، وبه كان يكنى -:
ما لك لا تتزوج ونجمع النساء، نرزق منك عضدًا؟ قال: ومن لي بالنساء التي تشبهني وتلائمني؟ قد علمت ما لقيت في العذرية! قال: قد التقطت لك امرأة ترضاها وتشبهك، قال: من هي؟ قال: بنت لعصيم بن مروان بن وهب، قال: وإن له لبنتًا؟ قال: نعم، قال: فما لي لم أسمع بها؟ ! قال: كانت مخفاة، وقد خبرت خبرها، قال: فأنت رسولي إلى عصيم فيها، قال: فأتاه فزوجه إياها، وبهذا سميت اللقيطة، وهي أم حصن ومالك ومعاوية وورد وشريك بن حذيفة، وإياهم عنى زبان بن سيار بقوله:
أعددتها لبني اللقيطة فوقها
…
رمح وسيف صارم وسليل
هذا آخر كلام الأسود، وقال السكري في شرح «ديوان حسان بن ثابت»: اللقيطة أم حصن بن حذيفة كانت سقطت منها في نجعة وهي صغيرة، فأخذت وسميت اللقيطة، وكذا قال ياقوت الحموي في «أنساب العرب» قال: وحصن بن حذيفة هو ابن اللقيطة، لأن قومها انتجعوا فسقطت وهي طفل، فالتقطها قوم فردوها عليهم، انتهى، والله تعالى أعلم.