الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما عن العمل، قال: وزعم الكوفيون على رواية النصب أن «إن» نافية مؤكدة لا كافة، وغدانة بضم الغين المعجمة: حي من يربوع من بني تميم، والصريف قال ابن السكيت: هو الفضة، وأنشد البيت، والخزف بفتحتين، قال ثعلب في «أماليه»: هو ما عمل من طين وشبوي بالنار حتى يكون فخارًا، وأنشد أيضًا البيت.
ولم أر من نسب هذا البيت إلى قائله مع كثرة الاستشهاد به في كتب النحو واللغة، والله تعالى أعلم.
وأنشد بعده، وهو الانشاد السادس والعشرون:
(26)
يرجى المرء ما إن لا يراه
…
ويعرض دون أدناه الخطوب
هو أحد أبيات ثلاثة، أوردها أبو زيد الأنصاري في «نوادره» وقال: هي لجابر بن رألان الطائي الجاهلي وهي:
فإن أمسك فإن العيش حلو
…
إلي كأنه عسل مشوب
يرجي العبد ما إن لا يراه
…
وتعرض دون أبعده خطوب
وما يدري الحريص على م يلقي
…
شراشره أيخطئ أم يصيب
قوله: إلي، في معنى عندي، والشراشر: الثقل، ثقل النفس، انتهى ما في
«النوادر» ، والتي نقلت منها نسخة صحيحة مضبوطة ضبط إتقان حسنة الخط واضحة الشكل، كتبها علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب، وعليها خطوط جلة من العلماء، منها زيد بن الحسن بن زيد الكندي، وهي رواية أبي على الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي عن أبي بكر محمد بن السري ابن السراج النحوي عن الرياشي. وأبي حاتم السجستاني وأبي عمر الجرمي، وأبي عثمان المازني عن أبي زيد بن سعيد بن أوس الأنصاري رحمهم الله تعالى، وهي نسخة قديمة جدًا يزيد تاريخ كتابتها على سبعمائة سنة، وعندي نسختان أخريان منها، إحداهما بخط محمد بن مكرم صاحب «لسان العرب» وخطه جيد مضبوط، والأخرى صحيحة أيضًا بخط قديم، وكلاهما من رواية أبي الحسن الأخفش تلميذ المبرد، وقد حشاها بفوائد، ووقع فيهما «يلاقي» بدل «يراه» قال هنا: وروى أبو حاتم: «ما لا إن يلاقي» قال أبو الحسن: قوله: «يرجي العبد ما إن لا يلاقي» غلط، والصواب:«ما أن لا يلاقي» وأن زائدة، وهي تزاد في الإيجاب مفتوحة، وفي النفي مكسورة، تقول: لما أن جاءني زيد أعطيته، قال الله تعالى:{فلما أن جاء البشير} [يوسف /96]، وتقول في النفي: ما زيد منطلقًا، فإذا زدت «إن» قلت: ما إن زيد منطلق، «فإن» كافة لما عن العمل، ونظير هذا قولك: إن زيدًا منطلق، ثم تقول: إنما زيد منطلق، فكفت ما الزائدة إن كما كفت إن ما النافية. وهذا تمثيل الخليل، فلما قال:«ما إن لا يلاقي» فنظر إلى «ما» الذي روى هذه الرواية، ظنها النافية، وهو بمعنى الذي، فلا تكون «أن» بعدها إلا مفتوحة، ورواية أبي حاتم:«مالا إن يلاقي» صحيحة، لأن «لا» في النفي بمنزلة ما، وإن كانت إن ليست تكاد تزاد بعد لا، انتهى كلامه.
اعلم أن رواية إن بالكسر هنا ثابتة صحيحة، وهي تزاد بعد ما الموصولة وغيرها، كما تزاد بعد ما النافية، وهو في تغليظه غالط، فقد قال صاحب «الكشاف» والبيضاوي عند قوله تعالى:{ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} [الأحقاف /26] ، إن «إن» صلة، ونظروا الآية الشريفة بهذا البيت، وقال ابن عصفور في كتاب «الضرائر»: ومن زيادة إن المكسورة الهمزة في الضرورة قول الشاعر، وأنشده سيبويه:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته .. البيت
فزاد إن بعد ما المصدرية، وليست بنافية تشبيها لها بما النافية، ألا ترى أن المعنى: ورج الفتى للخير مدة رؤيتك إياه لا يزال يزيد خيرًا على السن، لكن لما كان لفظها كلفظ ما النافية، زادها بعدها كما تزاد في ما النافية في نحو قولك: ما إن قام زيد، وقول الآخر، أنشده أبو زيد:
يرجى المرء ما إن لا يلاقي .. البيت
فزاد إن بعد ما لشبهها باللفظ بما النافية، وقول النابغة في إحدى الروايتين:
إلا الأواري لا إن ما أبينها .. البيت
فزاد إن بعد لا لشبهها بما من حيث كانتا المنفي، وزعم الفراء أن لا وإن وما حروف نفي، وأن النابغة جمع بينها على طريق التأكيد، انتهى كلامه.
وتقييده زيادة إن في هذه المواضع بالضرورة يرده الآية الشريفة، وهو مذهب لم يذهب إليه غيره.
والرواية التي نسبها الأخفش إلى أبي حاتم نسبها المحقق الرضي إلى الخليل، نقل أن الخليل قال: أصل «لن» : لا أن، كما جاءت على أصلها في قوله:
يرجي المرء مالا إن يلاقي .. البيت
وقوله: فإن أمسك، يريد: عن الحرب ونحوها، فإنه يقال: أمسكت عن الأمر، إذا كففت عنه، يقول: إن امتنعت عن إلقاء نفسي في المهالك والمتاعب فلا عجب، فإن المعيشة لذيذة عندي كالعسل المشوب بالماء، وإنما قيد العسل بالمشوب، لأن العسل لشدة حلاوته له سورة وحدة تؤذي، فإذا مزج بالماء اعتدلت حلاوته ولذ شربه، ويقال: شابه، أي: خلطه، مثل شوب اللبن بالماء، وقوله: يرجي المرء، في النسخ الثلاث:«يرجي العبد» وهو عبد الخلقة.
وهذا البيت تعليل لإمساكه عن المشتاق، فإن الإنسان وإن اجتهد بكل حيلة لم ينل جميع ما يرومه «ما كل ما يتمنى المرء يدركه» ويرجي: مبالغة يرجو، أي: يأمل، وقد حذف العائد إلى ما الموصولة من قوله: لا يلاقي، على رواية الأخفش، والأصل: لا يلاقيه، وما واقعة على الأمور التي تطلبها النفس، وتعرض، أي: تحول، من عرضت له بسوء أي تعرضت، من باب ضرب، وباب تعب لغة، تقول: سرت فعرض لي في الطريق من جبل ونحوه، أي: حائل ومانع يمنع من المضي، ويجوز أن يكون من عرض له أمر، أي: ظهر، من باب ضرب أيضًا، ويجوز أن يكون: تعرض بضم الراء، من عرض الشيء بالضم عرضًا – كعنب – وعراضة بالفتح: اتسع عرضه وتباعد حاشيتاه، ودون هنا: بمعنى أمام، وأدناه: أقربه، من الدنو وهو القرب، والخطوب: