الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أودى فلا تنفع الإشاحة من
…
أمرٍ لمن قد يحاول البدعا
أودى: هلك، والإشاحة: الحذر، يقول: من حاذر حوادث الدهر وحاول ذلك فهو بدعة. ومن شعره آخر قصيدة:
وليس أخوك الدائم العهد بالذي
…
يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا
ولكن أخوك النأي ما كنت آمنا
…
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا
النأي: البعد، أطلق المصدر على الصفة، وأعضل الأمر: اشتد.
وأنشد بعده، وهو الانشاد الثالث والأربعون:
(43)
أبا خراشة أما أنت ذا نفرٍ
…
فإن قومي لم يأكلهم الضبع
على أن قول الكوفيين: إن المفتوحة شرطية، راجح لأمور، منها مجيء الفاء بعدها كثيرًا كهذا البيت، وكذا استدل المحقق الرضي في «شرح الكافية» وهذا من توارد الخاطر، كما يقال:«قد يقع الحافر موضع الحافر» وقال أبو علي في «البغداديات» : قال سيبويه: سألته - يعني: الخليل - عن قوله: أما أنت منطلقًا أنطلق معك، فرفع، وهو قول أبي عمرو حدثنا به يونس، يريد أنه رفع: أنطلق، ولم يجزمه على أنه جزاء. وحكى أبو عمر الجرمي عن الأصمعي - فيما أظن - المجازاة بأما المفتوحة الهمزة، وزعم أنه لم يحكه غيره، وهذا الذي حكاه أبو عمر يقويه قوله: أبا خراشة أما أنت ذا نفر .. البيت، لأنه
ليس فيه ما يحمل عليه أن فيتعلق به، كما أنها في قولهم: أما أنت منطلقًا أنطلق معك، متعلق بأنطلق معك، فإن قلت: يكون متعلقًا بعفل مضمر يفسره ما بعده، فإن جواب ما يكون تفسيرًا لا يعطف به على المفسر، ألا ترى أنك تقول: إن زيدًا ضربته، ولا يجوز: إن زيدًا فضربته، فإذا لم يجز، كانت الفاء في: فإن قومي، جواب شرط، وأنت مرتفع بفعل مضمر. فإن قلت: قد تزاد الفاء كما حكى أبو الحسن: «أخوك فوجد» فأحملها في البيت على هذا ليصح إضمار الفعل المفسر، وفي حمل البيت عليه تقوية لما ذهب إليه سيبويه من أن «أما» في البيت إنما هو أن الناصبة، ضمت إليها ما، فالجواب أن القول بزيادتها ليس من مذهبه. انتهى كلامه. فيكون أبو علي قد سبق المحقق الرضي والمصنف. وقال ابن خلف في «شرح شواهد سيبويه»: قال علي بن عبد الرحمن: عندي فيه وجه، وهو أن تجعل الفاء جوابًا لما دل عليه حرف النداء المقدر من التنبيه والإيقاظ، كأنه قال: تنبه وتيقظ فإن قومي لم تأكلهم الضبع.
والبيت من أبيات للعباس بن مرداس السلمي، ومنها:
السلم تأخذ منها ما رضيت به
…
والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
قوله: أبا خراشة، بضم الخاء المعجمة: منادى بحرف النداء المقدر.
وأبو خراشة: اسمه خفاف بن ندبة، بضم الخاء المعجمة، وخفة الفاء، وندبة بفتح النون وسكون الدال، بعدها موحدة، وهي اسم أمه اشتهر بها. وأبو خراشة: صحابي شهد فتح مكة مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ومعه لواء بني سليم، وشهد حنين والطائف أيضًا، وهو ممن ثبت على إسلامه في الردة، وهو أحد فرسان قيس وشعرائها، وكان أسود حالكًا، وهو ابن عم الخنساء الصحابية،
وكان بينه وبين العباس بن مرداس مهاجاة في الجاهلية.
وأما: أصله: «أن ما» فأدغم، فأن المفتوحة على ما اختاره أبو علي والرضي والمصنف: شرطية فعلها فقط محذوف عوض عنه ما، وهو كان، وأنت: اسمها، وأصله: أن كنت، فلما حذفت كان، وعوض عنها ما، انفصل الضمير، وذا نفر خبرها، وجملة: فإن قومي .. الخ: جواب الشرط، وعند ابن جني هما معمولان لما الواقعة عوضًا عن كان، ومصلحة للفظ، ليزول مباشرة «أن» الاسم، قال في «الخصائص»: فإن قلت: بم ارتفع وانتصب: أنت منطلقًا؟ قيل: بما، لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب، فعملت عمله من الرفع والنصب، وهذه طريقة أبي علي، وجملة أصحابنا من قبل أن الشيء إذا عاقب الشيء، ولي من الأمر ما كان المحذوف يليه، من ذلك الظرف إذا تعلق بالمحذوف، فإنه يتضمن الضمير الذي كان فيه، ويعمل ما كان يعمله من نصبه الحال والظرف، وعلى ذلك صار قوله: فاه إلى في، من قوله:«كلمته فاه إلى في» ضمانًا [للضمير] الذي كان في «جاعلًا» لما عاقبه. انتهى.
وعلى هذا يلغز ويقال: هل تعرف في كلام العرب «ما» رافعة للاسم وناصبة للخبر وليست بالنافية التي يعملها أهل الحجاز، بل هي موجبة لا نافية.
وروى أبو حنيفة الدينوري في كتاب «النبات» وابن دريد في «الجمهرة» :
أبا خراشة أما كنت ذا نفر .. فلا شاهد فيه، وما تكون زائدة.
قال الفراء: نفر الرجل: رهطه، ويقال لعدة من الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وهذا هو المشهور، والضبع: قال حمزة الأصبهاني في «أمثاله» التي على وزن أفعل عند قوله: «أفسد من الضبع» : إنها إذا وقعت في الغنم عاثت ولم تكتف بما يكتفي به الذئب، ومن إفسادها وإسرافها فيه استعارب العرب اسمها للسنة المجدبة، فقالوا: أكلتنا الضبع، وقال ابن الأعرابي: ليس يريدون بالضبع السنة، وإنما هو أن الناس إذا أجدبوا ضعفوا عن الانتصار، وسقطت قواهم، فعائت فيهم الضباع والذئاب، وإذا اجتمع الذئب والضبع في الغنم سلمت، ومنه قولهم:«اللهم ذئبًا وضبعًا» ، أي: اجمعهما في الغنم، لأن كلاً منهما يمنع صاحبه.
انتهى. فيكون قوله: فإن قومي .. الخ كناية عن قوتهم، قال الدماميني: الضبع السنة المجدبة، فيه توربة، لأنه أوهم أنه يريد الحيوان المعروف، ورشح له بقوله تأكلهم وهو مجاز عن الشدة التي تحصل من جدب السنة، شبهها بالآكل، فهو استعارة تبعية. انتهى.
والتورية: إيراد لفظ له معنيان أحدهما قريب، ودلالة اللفظ عليه ظاهرة، والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية، ويراد البعيد، فيورى عنه بالقريب، فإن جامعت شيئًا مما يلائم المعنى القريب المورى به عن البعيد المراد، سميت مرشحة، وإلا فمجردة، وعلى هذا فلا استعارة في الضبع بخلاف ما تقدم، فتكون السنة المجدبة مستعارة من اسم الحيوان الضبع، لأنها نهاية في الفساد، كما أن الأكل المراد به الإهلاك استعارة أيضًا، كقوله تعالى:{الذين ينقضون عهد الله} [البقرة/27] حيث استعير فيه العهد للحبل، والنقض للإبطال، إلا أن الأكل لا يلائم السنة المجدبة، بخلاف النقض، فإنه ملائم للحبل، إلا أن يكون الأكل مستعارًا للمحق والإتلاف، وقال بعضهم: وقد جعل الأكل ترشيحًا للاستعارة
لا استعارة تبعية، كما في حديث:«أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا» .
وقوله: السلم تأخذ منها .. البيت، استشهد به البيضاوي عند قوله تعالى:{ادخلوا في السلم كافة} [البقرة /208] على أن السلم تؤنث كالحرب.
قال صحاب «الصحاح» : السلم: الصلح، تفتح وتكسر وتذكر وتؤنث، وكذلك استشهد به ابن السكيت في «إصلاح المنطق» قال التبريزي في «إيضاح الإصلاح»: الجرع: جمع جرعة، وهي ملء الفم. يخبره أن السلم هو فيها وداع ينال من مطالبه، يريد فإذا جاءت الحرب قطعته عن لذاته وشغلته بنفسه، انتهى. وفيه تعرض بأنه لا يقدر على تحمل مشاق الحرب. وأبيات العباس جواب لشعر أتاه من خفاف بن ندبة أبي خراشة، وهو قوله:
قومي خفاف بن عوفٍ إن سألت بهم
لا يفشلون ولا يزري بهم طبع
شم مساعير في الهيجا لحربهم
…
إذا تخلف عنها الأعزل الورع
تسعى لشعب حبيب كي تندده
…
وسوف إن همرتك الحرب تنقمع
أقصر إليك ابن مرداس بداهية
…
تلقى الدواهي منها ثم تختشع
لالفينك وبرا حين تبصرنا
…
أسد الغياطل أرماح لنا شرع
والحرب كاشرة أنيابها عصلا
…
فينا وما لك في إشعالها طمع
جلمود بصر إذا المناقر صاب به
…
فل المشرجع منه كل ما يقع