الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما تعطينى؟ فضمن له مالا جزيلًا، فأخبر بذلكعمر فنفاه وأخرجه، وكتب إلى عامله على الكوفة: إن بلالًا غرنا بالله فكدنا نغتر به، ثم سبكناه فوجدناه كله خبثًا.
وأنشد بعده:
دعاني إليها القلب إني لأمره
…
سميع فما أدري أرشد طلابها
على أنه حذف منه أم مع معطوفها، تقديره: أم غي. وفيه بحث كما تقدم توجيهه وما يرد عليه في الشاهد الخامس.
وأنشد بعده، وهو الانشاد الخامس والخمسون:
(54)
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
…
غلس الظلام من الرباب خيالا
على أن أبا عبيدة زعم أن «أم» تأتي بمعنى الاستفهام المجرد، وقال: إن المعنى في هذا البيت: هل رأيت؟
والذي رأيته في «شروح التسهيل» لأبي حيان وناظر الجيش والمرادي وغيرهم أن أبا عبيدة ذهب إلى أن أم بمعنى ألف الاستفهام، قال: ومنه قوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} [البقرة /108] وقال حذاق النحويين: لا تأتي بمعنى الألف، لو كان ذلك لوقعت في أول الكلام كالألف، ولا يجوز ذلك فيها، وأما:{أم تريدون} فهي المنقطعة، بتقدير بل والهمزة، أي: بل أتريدون، وكأنه أشار المصنف إلى أن الاستفهام الذي قاله أبو عبيدة في البيت
للتصديق بمعنى هل، وهو السؤال عن إدراك النسبة، لا الاستفهام التصوري الذي هو سؤال عن إدراك غير النسبة.
ونقل سيبويه عن الخليل أن أم في هذا البيت منقطعة، وجوز أن تكون متصلة بتقدير الهمزة.
قال الأعلم: الشاهد فيه إتيانه بأم منقطعة بعد الخبر، حملًا على قولهم إنها لإبل أم شاء. ويجوز أن تحذف ألف الاستفهام ضرورة لدلالة أم عليها، والتقدير: أكذبتك علينك أم رأيت؟ ونظير إضرابه عن الخبر الأول وتكذيبه لنفسه بقوله: أم رأيت بواسط، قول زهير:
قف بالديار التي لم يعفها القدم
…
بلى وغيرها الأرواح والديم
فقال: لم يعفها القدم [ثم أكذب نفسه فقال]: بلىوغيرها الأرواح، فكذلك قال: كذبتك عينك فيما تخيل [لك] ثم [رجع عن ذلك فقال]: أم رأيت بواسط خيالًا، والمعنى [بل] هل رأيته ولم تشك فيه. انتهى.
وقال ابن الحنبلي: إن جعل الخليل التقدير في المثال: بل أهي شاء، كان مراد الأخطل: كذبتك عينك في رؤية الرباب نفسها، بل لم تر خيالًا منها فضلًا عن أن تراها نفسها، على أن أم بمعنى بل وهمزة الإنكار. وإن جعله: بل هي شاء، كان مراده: كذبتك عينك فلم تكن رأيتها، بل رأيت خيالًا منها. انتهى. ولا يخفى أن الشق الثاني لم يقل به، وإما أم المنقطعة عنده معناها بل والهمزة جميعًا، كما نقله المصنف وغيره.
والبيت مطلع قصيدة للأخطل النصراني التغلبي هجا بها جريرًا وبعده:
وتعرضت لك بالأبالخ بعدما
…
قطعت بأبرق خلة ووصالا
وتغولت لتروعنا جنية
…
والغانيات يرينك الأهوالا
يمددن من هفواتهن إلى الصبا
…
سببًا يصدن به الغواة طوالا
ما إن رأيت كمكر هن إذا جرى
…
فينا ولا كحبالهن حبالا
المهديات لمن هو ين مسبة
…
والمحسنات لمن قلين مقالا
يرعين عهدك ما رأينك شاهدا
…
وإذا مذلت يصرن عنك مذالا
وإذا وعدنك نائلًا أخلفنه
…
ووجدت عند عداتهن مطالا
وإذا دعوتك عمهن فإنه
…
نسب يزيدك عندهن خبالا
وإذا وزنت حلومهن إلى الصبا
…
رجح الصبا بحلومهن فمالا
إلى أن قال بعد أربعة أبيات:
أبيني كليب إن عمي اللذا
…
قتلا الملوك وفككا الأغلالا
ومن أبيات الهجو:
فانعق بضأنك يا جرير فإنما
…
منتك الملوك وفككا الأغلالا
ومن أبيات الهجو:
فانعق بضأنك يا جرير فإنما
…
منتك نفسك في الخلاء ضلالا
منتك نفسك أن تسامي دارمًا
…
أو أن توازن حاجبًا وعقالا
قال ابن الأعرابي في «نوادره» : روي عن جرير أنه قال: ما غلبني الأخطل إلا في هذه القصيدة، ولقد قلت بيتًا في القصيدة التي عارضت قصيدته بها، لو أن أحدهم نهشته أفعى في استه ما حكها، وهو:
والتغلبي إذا تنحنح للقرى
…
حك استه وتمثل الأمثالا
وقوله: كذبتك عينك، قال ابن الأثير في «النهاية»: قد استعملت العرب الكذب في موضع الخطأ، قال الأخطل: كذبتك عينك، ومنه حديث عروة، قيل له: إن ابن عباس يقول: إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لبث بمكة بضع عشرة سنة، فقال: كذب، أي: أخطأ. وقد تكرر في الحديث انتهى. يعني: أن عينه أخطأت في دعواها أنها رأت الرباب في المنام، بل إنما رأت في المنام خيالها لا نفسها.
وواسط هنا: موضع بجزيرة ابن عمر في الموصل، وهو من منازل بني تغلب التي ينزلون بها، قال ياقوت في «معجم البلدان»: واسط: قرية بالخابور قرب قرقيا، وإياها على الأخطل فيما أحسب، لأن الجزيرة منازل تغلب، وقال ابن السيرافي في «شرح شواهد سيبويه»: واسط في هذا البيت موضع بنواحي الشام، وغلطه الأسود أبو محمد الأعرابي في «فرحة الأديب» فقال: واسط في هذا البيت هو واسط الجزيرة، وقال الدماميني: واسط بلد في العراق، اختطها الحجاج في سنتين، وتبعه سائر الشراح، ولا يخفى أن هذا الشعر قبل أن ينبي الحجاج واسط، والأخطل لم يفارق بلاده وإنما كان يتردد إلى دار الخلافة بالشام، وهو من شعراء معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان وغيرهم، فإنه عمر عمرًا طويلًا.
وغلس الظلام منصوب على ظرف الزمان، يريد: ريأت خبالها في آخر الليل في النوم، والغلس بفتحتين: آخر الليل، والرباب بفتح الراء: اسم امرأة، والخيال أراد به الطيف الذي يراه النائم بخيل إليه أنه عين الذي رآه. وقوله: وتعرضت لك بالأبالح، قال ياقوت في «معجم البلدان»: الأبالح بفتح
الهمزة بعدها موحدة وآخره معجمة: جمع بليخ على غير قياس، والبليخ: نهر بالرقة يسقي قرى ومزارع وبساتين، والرقة بفتح الراء وتشديد القاف: مدينة مشهورة على ضفة شرقي الفرات بالجزيرة، وأبرق: موضع أيضًا، والخلة بالضم: الصداقة، يقول: تعرضت لك بالأبالخ بعدما قطعت صداقتك ووصلك في أبرق وهجرتك.
وتغولت: تاونت، وتروعنا: تخوفنا، والغانية: الحسناء التي استغنت بحسنها عن الزينة. وهفواتهن: جهلهن، والسبب: الحبل، وطوالا صفته، وهو بالضم بمعنى الطويل، والغواة: جمع غاوٍ، بمعنى الراغب والمائل إليهن.
وشاهدًا: حاضرًا، ومذلت نفسه بالشيء - مثلثة العين - سمحت به، ومذال - بالكسر - جمع مذلىو كعطاش جمع عطشى، من مذلت من كلامه بمعنى قلقت وضجرت، أو من مذل بسره: أفشاه، وحلومهن: عقولهن، ولقد أجاد في وصفهن بالغدر وقلة الوفاء.
وقوله: أبني كليب .. البيت، قد شرحناه في الشاهد الثالث والعشرين بعد الأربعمائة من شواهد الرضي.
وقوله: فانعق بطأنك .. البيت، استشاهد به صاحب «الكشاف» عند قوله تعالى:{ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} [البقرة/171] على أن النعيق التصويت، يقال: نعق المؤذن ونعق الراعي بغنمه ينعق، من باب منع وضرب، نعقًا ونعيقًا: صاح بها وزجرها، ونعق الغراب: صاح، والمعنى: أنك من رعاة الغنم لا من الأِراف، وما منتك نفسك به في الخلاء أنك من العظماء، فضلال باطل لا تقدر على إظهاره في الملأ، وهم الأشراف.
وحاجب وعقال: من أشراف قوم الفرزدق، وهم من قبيلة دارم، يفضل الفرزدق عليه.