الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما والله عالم كل غيبٍ
…
ورب الحجر والبيت العتيق
لو أنك يا حسين خلقت حرًا
…
وما بالحر أنت ولا الخليق
فإنه يكون شاهدًا على ما حكاه أبو عمرو في نصب خبر «ما» مقدمًا، ومن دفع ذلك أمكن ان يقول: إن الباء دخلت على المبتدأ، وحمل ما على أنها ما التميمية، ويقوي أن «ما» حجازية أن «أنت» أخص من الحر، فهو أولى بأن يكون الاسم، ويكون الحر الخبر. انتهى.
وأقول: من يدفع ذلك يقول: إن الباء زيدت في خبر ما التميمية، ولا يذهب أن مدخولها مبتدأ، والصحيح أنها تزاد في خبر ما على اللغتين، وهو ظاهر كلام سيبويه في باب الاستثناء في مسألة: ما زيد بشيء إلا شيء لا يعبأ به. وجواب القسم محذوف، أي: لقاومتك، أو هو في بيت بعده. وقوله في رواية أبي علي:«لو انك» بنقل فتحة الألف إلى واو لو، والحر من الرجال: الكريم الأصل والفعل، والخليق: الجدير واللائق، أي: ولا أنت جدير بأن تكون حرًا. والعتيق: الكريم الأصيل والذي خلص من الرق عتيق أيضًا، ولذكره بجنب الحر حسن موقع.
والبيتان لم أعرف قائلهما، والله أعلم.
وأنشد بعده، وهو الانشاد الواحد والأربعون:
(41)
ويومًا توافينا بوجه مقسم
…
كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
على أن «أن» زائدة بين الكاف ومجرورها، وهو ظبية، وهو نادر، وعد ابن عصفور هذا من الضرورات الشعرية.
وروي برفع ظبية ونصبها أيضًا، أما الرفع فعلى خبر كأن المخففة، وجملة تعطو صفتها، واسمها محذوف وهو ضمير المرأة، وهو ظاهر كلام سيبويه، قال الأعلم: الشاهد فيه رفع ظبية على الخبر، وحذف الاسم، والتقدير: كأنها ظبية، وكذا قال ابن الشجري وابن يعيش وغيرهم.
قال المصنف في شرح أبيات ابن الناظم: وفيه شذوذ لكون الخبر مفردًا مع حذف الاسم، وقيل: يحتمل أن تكون ظبية مبتدأ، وجملة تعطو خبره، والجملة خبر كأن، واسمها ضمير شأن محذوف. وأما نصبها فعلى أنها اسم كأن المخففة، وجملة تعطو صفتها، ولا يجوز أن تكون خبرها كما جوزه العيني، واقتصر عليه السيوطي هنا، وإن جاز الإخبار عن النكرة في باب أن، لأنه ليس مراد الشاعر الإخبار عن الظبية بأنها تعطو، وإنما مراده تشبيه المرأة بالظبية، فالخبر محذوف قدره ابن الناظم ظرفًا، قال: والتقدير: كأن مكانها ظبية.
وقدره الأعلم وابن الشجري وابن السيد في «أبيات المعاني» وابن يعيش وغيرهم ضميرها أو اسم إشارتها، والتقدير: كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم هي، أو هذه المرأة، قال المصنف: وهذا إنما يصح على جعل المشبه مشبهًا به، وبالعكس لقصد المبالغة. ولا يخفى أن إعمال كأن المخففة هذا الإعمال خاص بضرورة الشعر، نص عليه سيبويه في قول الراجز:
كأن وريدية رشاءا خلب
وهذا البيت اختلف في قائله فعند سيبويه: هو لابن صريم اليشكري، وكذا
قال النحاس والأعلم. وقال القالي في «أماليه» : هو لأرقم اليشكري، وقال أبو عبيد البكري فيما كتبه على «أماليه»: هو لراشد بن شهاب اليشكري، ولم يرو المفضل هذا البيت في قصيدته.
أقول: رأيت القصيدة التي أشار إليها لراشد، وليس فيها هذا البيت ولا الأبيات الآتية. وقال ابن المستوفي في «شرح أبيات المفصل»: هو لابن أصرم اليشكري، ووجدته لعلباء بن أرقم اليشكري، وقال ابن بري في حاشية «صحاح الجوهري»: هو لباغت بن صريم اليشكري، ويقال: لعلباء بن أرقم اليشكري قاله في امرأته وهو الصحيح، وبعده:
ويومًا تريد ما لنا مع ما لها
…
فإن لم ننلها لم تنمنا ولم تنم
نظل كأنا في خصوم عرامةً
…
تسمع جيراني المآلي والقسم
فقلت لها إلا تناهي فإنني
أخو الشر حتى تقرعي السن من ندم
انتهى ما أورده ابن بري. وضبط المصنف «باغتًا» في شرح أبيات ابن الناظم، فقال: هو منقول من بغته بالأمر إذا فاجأه به، ونقله العيني عنه ولم يزد عليه، ونسب ابن الملا الحلبي إليه شيئًا لم يقله، قال: وقال العيني: هو بالثاء المثلثة.
وقوله ويومًا توافينا .. الخ، يومًا: ظرف متعلق بتوافينا، ولا يجوز أن يجر يجعل الواو واو رب، لأنه لم يرد إنشاء التكثير أو التقليل، وإنما أخبر عن أحوالها في الأيام. ولم يتنبه العيني، وله العذر، لأنه لم يقف على ما بعده، فقال: وأنشده بعض شراح «المفصل» بالجر، وقال: الواو فيه واو رب، وتوافينا: تأتينا، يقال: وافيته موافاة إذا أتيته، وقال ابن الملا: توافينا: إما بلفظ الغيبة، أو بلفظ الخطاب للمرأة على ما صرح به العيني، فيكون التقدير في حذف الاسم على الاحتمالين: كأنها، أو: كأنك، هذا كلامه.
وما نقله عن العيني غير موجود، وإنما قال: توافينا: فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه، وهو الضمير الراجع إلى المرأة التي يمدحها. انتهى. وقوله: أو بلفظ الخطاب للمرأة، هذا إنما يصح لو قال: توافيننا، بنونين. وقال العيني، وتبعه السيوطي: الموافاة: هي المقابلة بالإحسان والخير والمجازاة الحسنة، وفاعل توافينا ضمير المرأة التي يمدحها، والباء في قوله: بوجه، بمعنى مع. انتهى.
والمقسم: المحسن، قال الأعلم: وأصله من القسيمات، وهي مجاري الدموع وأعالي الوجه، ويقال لها أيضًا: التناصف، لأنها في منتصف الوجه إذا قسم، وهي أحسن ما في الوجه وأنوره، فينسب إليها الحسن فيقال: له: القسام، الظهوره هناك وتبينه. انتهى. وقال المبرد في «الكامل»: زعم أبو عبيدة أن القسمات مجاري الدموع، واحدتها: قسمة، بكسر السين فيهما، وقال الأصمعي: القسمات: أعالي الوجوه، ولم يبينه بأكثر من هذا، وقول أبي عبيدة مشروح، ويقال من هذا: رجل قسيم، ورجل مقدم، ووجه قسيم ومقسم، وأنشد البيت.
وقال القالي في «أماليه» : يقولون: قسيم وسيم، فالقسيم: الحسن الجميل، والقسام: الحسن والجمال، وأنشد يعقوب بن السكيت:
يسن على مراغمها القسام
وقال العجاج:
ورب هذا البلد المقسم
أي: المحسن، وقال أرقم اليشكري:
…
وأنشد البيت مع البيت الذي بعده فقط، ثم قال: والوسيم: الحسن الجميل أيضًا، والميسم: الحسن والجمال. انتهى.
وفرق بينهما الثعالبي في «فقه اللغة» فقال: إن المرأة إذا كان حسنها فائقًا كأنه قد وسم، فهي وسيمة، فإذا قسم لها حظ وافر [من الحسن] فهي قسيمة. انتهى.
وتعطو: فسره المبرد قال: تعطو: تناول، يقال عطا يعطو إذا تناول، وأعطيته: ناولته. انتهى. وعليه لابد من تضمنه معنى تميل، لتعديه بإلى، وفي «القاموس»: العطو: التناول ورفع الرأس واليدين، وظبي عطو - مثلثلة - وكعدو: يتطاول إلى الشجر ليتناول منه. انتهى. وعليه فلا تضمين.
ووارق: لغة في مورق، فإنه يقال: ورق الشجر يرق، وأورق يورق، وورق توريقًا إذا خرج ورقه. وروي بدله:«إلى ناضر السلم» من النظارة،
وهي الحسن، وأراد به خصرته. والسلم بفتحتين: من شجر البادية يعظم وله شوك واحدته سلمة، وقال المبرد: السلم: شجر بعينه كثير الشوك فإذا أرادوا أن يحطبوه، شدوه ثم قطعوه، ومن ذلك قول الحجاج: والله لأحزمنكم حزم السلمة.
وقوله: ويومًا تريد مالنا .. الخ، ما: موصولة في الموضعين واللام مفتوحة فيهما، أي: تطلب ما في أيدينا من المال مع ما في يدها من المال، فإن لم نعطها مطلوبها آذتنا وكلمتنا بكلام يمنعنا النوم، ولم تنم هي لتحزننا. قال ابن السيرافي: يريد أنه يستمتع مجسنها يومًا، وتشغله يومًا بطلب ماله، فإن منعها آذته وكلمته بكلام يمنعه من النوم. والخضوم: جمع خصم، وهو مصدر، أي: في مخاصمات، وهو منون، وعرامة بالنصب: مصدر عرم يعرم، من بايي نصر وضرب، عرامة بالفتح، وهي الشراسة وسوء الخلق. والمآلي: جمع مثلاة قال صاحب «الصحاح» : والمئلاة بالهمزة على وزن المعلاة: الخرقة التي تمسكها المرأة عند النوح وتشير بها، والجمع المآلي.
ورأيت في كتاب «النساء الناشزات» تأليف أبي الحسن المدائني قال: كانت امرأة علباء بن أرقم اليشكري قد فر كنته، فقال:
ألا تلكم عرسي تصد بوجهها
…
وتزعم في جاراتها أن من ظلم
أيونا ولم أظلم بشيء علمته
…
سوى ما ترون في القذال من القدم
نظل كأنا في خضوم غرامةً
…
تسمع جيراني التألي والقسم
فيومًا تريد ما لنا مع ما لها
…
إلى آخر الأبيات.
وكذا رأيت فيما كتبه ابن السيد البطليوسي على «كامل المبرد» . والغرامة