الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا اللفظ، وإن لم يرد إطلاقه على الله تعالى في كتاب ولا سنة، فإن معناه ثابت له تعالى، نحو:(إليه المصير) ، (إليه مرجعكم)، وأتى بلفظ: الرحمن الرحيم، من غير عاطف، قصدًا لإرادة البسملة، ولما كان موئلًا إنما أتي به تنميمًا للبيت، عطفه عليها، وهذا زاد دخول الواو حسنًا، كذا في «شرح السمين» .
قال الجعبري في ديباجة شرحه في ترجمة الشاطبي: هو ولي الله، أبو القاسم ابن فيرة بن خلف بن أحمد، الرعيني، الشاطبي، نسبة إلى شاطبة، قرية بجزيرة الأندلس، كان رحمه الله تعالى إمامًا في علوم القرآن، متقنًا لأصول العربية، رجلة في الحديث، يضبط نسخ الصحيحين من لفظه، غاية في الذكاء، حاذقًا في تعبير الرؤبا، مجيدًا في النظم، متواضعًا لله، قدوة في الصلاح ذا بصيرة صافية تاوح من الكرامات، وكان محفوظ اللسان، يمنع جلساءه من فضول الكلام، لا يجلس للإفراء إلا متطهرًا خاشعًا، له تصانيف حسنة. ولد آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بمصر بعد عصر الأحد آخر جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة، ودفن يوم الاثنين بمقبرة البيساني، عرفت الناحية بسارية. انتهى ملخصًا. وأبو شامة: هو عبد الرحمن بن إسماعيل، شهاب الدين الدمشقي الشافعي، المشهور بأبي شامة، لشامة كبيرة كانت من حاجبه الأيسر، ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بدمشق، وقرأ القراءات على علم الدين السخاوي، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، وتوفي سنة خمس وستين وستمائة، وله شرح جيد على الشاطبية.
وأنشد في «أما» بالتخفيف، وهو الانشاد الرابع والسبعون:
(74)
أما والذي أبكى وأضحك والذي
…
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
هو من قصيدة لأبي صخر الهذلي، أورد بعضها أبو تمام في باب النسيب من «الحماسة» وكذلك الأصبهاني أورد بعضها في «الأغاني» ورواها تمامًا أبو علي القالي في «أماليه» عن ابن الأنباري وابن دريد، وهي:
لليلى بذات الجيش دار عرفتها
…
وأخرى بذات البين آياتها سطر
كأنهما ملآن لم يتغيرا
…
وقد مر للدارين من عهدنا عصر
وقفت بربعيها فعي جوابها
…
فقلت وعيني دمعها سرب همر
ألا أيها الركب المخبون هل لكم
…
بساكن أجراع الحمى بعدنا خبر
فقالوا طوينا ذاك ليلًا، وإن يكن
…
به بعض من تهوى فما شعر السفر
أما والذي أبكى وأضحك والذي
…
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد كنت آتيها وفي النفس هجرها
…
بتاتًا لأخرى الدهر ما طلع الفجر
فما هو إلا أن أراها فجاءة
…
فأبهت لا عرف لدي ولا نكر
وأنسى الذي قد كنت فيها هجرتها
…
كما قد تنسي لب شاربها الخمر
وما تركت لي من شذى أهتدي به
…
ولا ضلع إلا وفي عظمها كسر
وقد تركتني أغبط الوحش أنأرى
…
قرينين منها لم يفزعهما الذعر
ويمنعني من بعض إنكار ظلمها
…
إذا ظلمت يوما وإن كان لي عذر
مخافة أني قد علمت لئن بدا
…
لي الهجر منها ما على هجر ها صبر
وأني لا أدري إذا النفس أشرفت
…
على هجرها وما يبلغن بي الهجر
أبى القلب إلاحبها عامرية
…
لها كنية عمرو وليس لها عمرو
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني
…
نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها
…
وينبت في أطرافها الورق الخضر
وإني لتعروني لذكراك هزة
…
كما انتفض العصفور بلله القطر
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها
…
فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
وبقي بعد هذا أكثر مما كتباه.
وذات الجيش: بقتح الجيم وسكون الثمناة التحتية بعدها شين معجمة، قال أبو عبيد البكري: ذات الجيش: ذكر العتبي أن ذات الجيش من المدينة على بريد، روى مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: قلت لسالم بن عبد الله: ما أشد ما رأيت ابن عمر أخر المغرب في السفر؟ قال: غربت له الشمس بذات الجيش، فصلاها بالعقيق. قال يحيى بن يحيى: بين ذات الجيش والعقيق ميلان. وفي «تفسير ابن المواز» عن ابن وهب أن بينهما خمسة أميال، وقال عيسى عن ابن القاسم: بينهما عشرة أميال، وذكر مطرف أن العقيق من المدينة على ثلاثة أميال، وإذا نظرت هذا ونظرت قول العتبي، صح قول ابن القاسم. قال مطرف: وبين سرف ومكة سبعة أميال. وبخط عبد الله بن إبراهيم في عرض
كتابه: بين ذات الجيش والعقيق سبعة أميال. قال ابن عمر: قد بلغني أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غربت له الشمس بسرف، وصلى المغرب بمكة وبينهما سبعة أميال. انتهى.
وذات البين: بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية بعدها نون، قال ياقوت: هو واد قرب المدينة المنورة. وقوله: كأنها ملآن، واصله: من الآن.
وقوله: أما والذي أبكى .. الخ استشهد به صاحب «الكشاف» عند قوله تعالى: (ألا إنهم هم المفسدون) من سورة البقرة [الآية/12] ، على أن «أما» أخت «ألا» وهي من مقدمات القسم وطلائعه، وكذا أورده في «المفصل» قال ابن يعيش في «شرحه»: إدخاله «أما» على حرف القسم، كأنه ينبه المخاطب على سماع قسمه، وتحقق المقسم عليه. وقال ابن جني في «إعراب الحماسة» المحلوف به سبحانه واحد، وإما أراد عطف بعض الصلة على بعض، فلامتزاج الموصول بصلته أعاده معها، وإن كان غرضه إياها نفسها، فكأنه قال: أما والذي أبكى وأضحك، وأمات وأحيا. انتهى. وقال المرزوقي: تكريره «الذي» ليس لتكثير الأقسام، لأن اليمين يمين واحدة، بدليل أن لها جوابًا واحدًا، ولو كانت أيمانًا مختلفة لوجب أن يكون لها أجوبة مختلفة، وفائدة التكرير التفخيم والتهويل. انتهى. يريد أن الواو للعطف لا للقسم. وقوله:
أمره الأمر، أراد أمره الأمر الذي لا مراد له. وقوله: لقد كنت آتيها .. الخ، هذا جواب القسم، وآتيها فعل مضارع. وقوله: وفي النفس هجرها، في متعلق بمحذوف خبر مقدم، وهجرها: مبتدأ مؤخر، والتقدير: وهجرها مضمر في نفسي، والجملة: حال من فاعل آتيها ضمير المتكلم. وبتاتًا: مصدر مؤكد للهجر، أي: قطعًا لا وصل معه، وقوله: لأخرى الدهر، أي: إلى آخر الدهر، وقوله: ما طلع الفجر، ما: مصدرية دوامية، أي: مدة دوام طلوع الفجر، وهذا تأبيد إلى يوم القيامة، أو تأبيد إلى آخر حياته، والتقدير: ما طلع الفجر وأنا في الحياة. ووقع جواب القسم في رواية أبي تمام:
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى
…
أليفين منها لا يروعهما الذعر
تركتني: بمعنى صيرتني، يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، والياء المفعول لأول. وجملة أحسد الوحوش: في موضع المفعول الثاني. وقال شراح «الحماسة» : تركتني: خلتني، يتعدى لواحد. وجملة «أحد»: حال من الياء، وأن أرى: في تأويل مصدر مجرور بالباء أو اللام، ولا يجوز تقدير «على» خلافًا للدماميني. وقال شراح «الحماسة» المرزوقي والتبريزي والطبرسي: أن أرى: بدل من الوحش، وفيه نظر، لاقتضائه أن يحسد رؤية أليفين، وليس الحسد رؤيتهما، وإنما يحسد المرئي. وأليفين: مفعول أرى البصرية، ومنها: صفة لأليفين، وكذلك جملة: لا يروعهما الذعر، ويروع بالتخفيف من الروع، يقال: راعني الشيء يروعني روعًا، أي: أفزعني، والذعر بضم الذال وسكون العين، في «المصباح»: ذعرته ذعرًا، من باب نفع: أفزعته. والذعر بالضم: اسم منه. قال المرزوقي: معناه: إني إذا تأملت الوحوش وهي تأتلف في مراعيها ومنصرفاتها اثنين اثنين، لا يفزعهما رقيب، ولا يدخل بنيهما تنفير، حسلتها وتمنيت
أن تكون حالتي مع صاحبني كحالها في ألافها. انتهى.
وقوله: فما هو إلا أن أراها فجاءة .. الخ. جاء في شعر عروة بن حزام العذري، وفي شعر كثيرة عزة البيت هكذا:
وما هو إلا أن أراها فجاءة
…
فأبهت حتى ما أكاد أجيب
وهذا من شواهد سيبويه، قال في «الكتاب»: وسألت الخليل، رحمه الله تعالى عن قول الشاعر: وما هو إلا أن أراها .. البيت، فقال: أنت في «أبهت» بالخيار، إن شئت حملتها على أن، وإن شئت لم تحملها عليه فرفعت، كأنك قلت: ما هو إلا الرأي فأبهت. انتهى.
يريد: إن روي بنصب أبهت، فالفاء عاطفة أبهت على أراها، وهو عطف مفرد على مفرد، وهما في تأويل المصدر، والتقدير: إلا الرأي فالبهت. وإن روي بالرفع، فالفاء استئنافية، وجملة أبهت خبر مبتدأ محذوف، أي: فأنا أبهت، بفتح الهمزة وضم الهاء وفتحها، لأنه جاء من بابي قرب وتعب، بمعنى أدهش وأنحير، وهو لازم. وأما أبهت بالبناء للمفعول، فغير مراد هنا، يقال: بهته يبهته من باب نفع، أي: قذفه بالباطل والاسم البهتان، فهو متعد. وقوله: وما هو إلا، هذا الضمير يفسره ما بعده كقوله تعالى:(إن هي إلا حياتنا الدنيا)[الأنعام/29، والمؤمنون /37] قال الزمخشري: هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه، وأصله: إن الحياة (إلا حياتنا لدنيا) ثم وضع (هي) موضع الحياة، لأن الخبر يدل عليها وبينها. انتهى. وأراها بفتح الهمزة من
رؤية العين، تتعدى إلى مفعول واحد، وهو ضمير الحبيبة. والفجاءة: البغتة، مفعول مطلق، أي: رؤبة فجاءة، وحتى ابتدائية، ومعناها الغاية. ومفعول أجيب محذوف، أي: ما أاد أجيبها إن كلمتني. وقوله: لا عرف لدي ولا نكر، العرف بالضم: كل ما تعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه. والنكر بالضم خلافه، وقوله: وما تركت لي من شذى، بفتح الشين والذال المعجمتين: بقية القوة.
وقوله: إذا قلت هذا حين أسلو .. البيت. يأتي إن شاء الله تعالى شرحه في الباب الرابع.
وقوله: وإني لتعروني لذكراك .. البيت. استشهد به المصنف في «شرح الألفية» على أن المفعول له يجر باللام إذا فقد بعض شروطه، فإن قوله: لذكراك، مفعول له جر باللام لأن فاعله غير فاعل الفعل المعلل، وهو قوله: لتعروني، فإن فاعله هزة، وفاعل ذكراك المتكلم، فإنه مصدر مضاف لمفعوله، وفاعله محذوف، أي: لذكري إياك.
واستشهد به الرضي على أن الأخفش والكوفيين استدلوا به على أنه لم تجب قد مع الماضي المثبت الواقع حالًا، فإن جملة «بلله القطر» حال من العصفور. وتعروني: مضارع عراه الشيء، أي: أصابه، والهزة بفتح الهاء: الحركة. وأراد بها الرعدة، قال ابن جابر الأندلسي في شرح «بديعة العميان» في
البيت من البديع: الاحتباك، وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني، ويحذف من الثاني ما أثبت نظيره في الأول، فإن التقدير فيه: وإني لتعروني لذكراك فترة وانتفاضة، كفترة العصفور وانتفاضته. فحذف من الأول الانتفاض، لدلالة الثاني عليه، وحذف من الثاني الفترة، لدلالة الأول عليه. انتهى. وقد شرحنا هذا البيت بأكثر مما هنا في الشاهد الخامس بعد المائتين، وبسطنا ترجمة أبي صخر الهذلي.
وقوله:
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها .. البيت
قال المرزوقي: يجوز أن يريد به سرعة تقضي أوقات الوصال بينهما، وأنه لما انقضى الوصل عاد الدهر إلى حالته في السكون والبطء، وهذا على عادتهم في استقصار أيام السرور واللهو، واستطالة أيام الفراق والهجر، ويجوز أن يريد بسعي الدهر سعاية أهله، وإيقادهم نار الشر بينهما بالنمائم والوشايات، وأنه لما فترت أشواقهم بالتهاجر الواقع بينهما، وحصل مرادهم فيما طلبوه من الفساد بينهما، سكنوا. وكما أراد بسعي الدهر سعي أهله كذلك، أراد بسكون الدهر سكون أهله. انتهى. ولا يخفى أن المتبادر من السياق إلى الفهم إنما هو المعنى الثاني.
وأبو صخر: اسمه عبد الله بن سالم السهمي الهذلي، شاعر إسلامي في الدولة المروانية، كان متعصبًا لبني مروان ومواليًا لهم، وله في عبد الملك بن مروان وأخيه عبد العزيز مدائح كثيرة.