الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عطفت عليك النفس حتى كأنما
…
بكفيك بؤسي أو لديك نعيمها
فما بي إن أقصيتني من ضراعةٍ
…
ولا افتقرت نفسي إلى من يضيمها
انتهى. ومن شعره:
أظليم إن مصابكم رجلًا
…
أهدى السلام تحية ظلم
وأورده المصنف في الباب الخامس، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى.
وأنشد بعده، وهو الانشاد الثمانون:
(80)
من يفعل الحسنات الله يشكرها
تمامه:
والشر بالشر عند الله مثلان
على أن حذف الفاء الرابطة للضرورة كالبيت الذي قبله، والأصل: فالله يشكرها. هذا مذهب سيبويه، قال في «الكتاب»: وسألته رحمه الله تعالى - يعني الخليل - عن قوله: إن تأتني إنا كريم. قال: لا يكون هذا إلا أن يضطر شاعر، كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
…
والشر بالشر عند الله مثلان
وقال الأعم في شرح البيت: الشاهد فيه: حذف الفاء ضرورة، وزعم
الأصمعي أن النحويين غيروه، وأن الرواية:«من يفعل الخير فالرحمن يشكره» وأورده ابن عصفور في «الضرائر» قال: ومنه حذف الفاء من جواب الشرط إذا كانت جملة اسمية، أو فعلًا مرفوعًا، لأنه إذ ذاك في تقدير جملة اسمية، نحو قوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وقوله:
أأبي لا تبعد فليس بخالدٍ
…
حي ومن تصب المنون بعيد
يريد: فهو بعيد. وقوله:
إنك إن يصرع أخوك تصرع
يريد: فأنت تصرع. وقوله:
فقلت تحمل فوق طوقك إنها
…
مطبعة من يأتها لا يضيرها
يريد: فهو لا يضيرها. انتهى. وقال النحاس في «شرح شواهد سيبوية» عند هذا البيت: أبو العباس المبرد يجيز حذف الفاء في الشعر، وقال أبو الحسن: هو عندي جائز في الكلام إذا علم، ومنه قول الله عز وجل:(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)[الشورى/30] وقرئ: (بما كسبت) فاستدل بهذا على أن الفاء محذوفة، ومنه قوله تعالى:(إن ترك خيرًا الوصية للوالدين)[البقرة/180].
قال أبو الحسن: حدثني محمد بن يزيد قال: حدثني المازني أن الأصمعي قال:
هذا البيت غيره النحويون، والرواية:«من يفعل الخير فالرحمن يشكره» انتهى كلامه.
وأبو الحسن قال هذا فيما كتبه على «نوادر أبي زيد» قال: أخبرنا أبو العباس عن المازني عن الأصمعي أنه أنشدهم: فالرحمن يشكره، قال: فسألته عن الرواية الأولى، فذكر أن النحويين صنعوها، ولهذا نظائر ليس هذا موضع شرحها. انتهى.
وهذا مردود، لأنه طعن في الرواة العدول، لا سيما سيبويه، فإنه ذكره في كتابه. وأغرب منه ما نقله ابن المستوفي قال: وجدت في بعض نسخ «الكتاب» في أصله: قال أبو عثمان المازني: خبر الأصمعي عن يونس قال: نحن عملنا هذا البيت، وقال الكرماني في شرح أبيات «الموشح»: قال المازني في كتاب «علل النحو» : سمعناهم ينشدون البيت: «من يفعل الخير فالرحمن يشكره» قال: وقال الأصمعي: قال يونس: نحن صنعنا هذا البيت الذي نسب إلى كعب، سألنا الأعراب عنه فأنشدونا كما صنعناه، قال الأصمعي: فقلت له: كيف كنتم تنشدونه؟ فقال: «من يفعل الخير فالرحمن يشكره» انتهىز
وقد تبع ابن مالك أبا الحسن في جواز حذف الفاء في الكلام، قال في «شواهد التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح»: قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لسعد رضي الله تعالى عنه: «إنك إن تركت ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة» وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لأبي بن كعب: «فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها» وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لهلال بن أمية: «البينة وإلا حد في ظهرك» قلت: تضمن الحديث الأول حذف الفاء والمبتدأ معًا من جواب الشرط، فإن الأصل: فهو خير. وهو مما زعم النحويون أنه مخصوص بالضرورة، وليس مخصوصًا بها، بل يكثر استعماله في الشعر، ويقل في غيره. ومن خص هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضيق، بل هو
في غير الشعر قليل، وهو فيه كثير، وإذا حذفت الفاء والمبتدأ معًا، ولم يخص ذلك بالشعر، فحذف الفاء وحدها أولى بالجواز، وأن لا يخص بالشعر، فلو قال في الكلام: إن استغنيت أنت معان، لم أمنعه، إلا أنه لم أجده مستعملًا، والمبتدأ مذكور إلا في شعر قليل، كقول الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وتضمن الحديث الثاني حذف جواب إن الأولى، وحذف شرط إن الثانية، وحذف الفاء من جوابها، فإن الأصل: فإن جاء صاحبها أخذها، وإن لايجئ فاستمتع بها، وتضمن الحديث الثالث حذف فعل ناصب للبينة، وحذف فعل الشرط بعد إن لا، وحذف فاء الجواب والمبتدأ معًا، فإن الأصل: أحضر البينة، وإن لا نحضرها، فجزاؤك حد في ظهرك. والنحويون لا يعترفون بمثل هذا الحذف في غير الشعر، أعني: حذف فاء الجواب، إذا كان جملة اسمية، أو جملة طلبية، وقد ثبت ذلك في هذين الحديثين، فبطل تخصيصه بالشعر، لكن الشعر أولى به، فإذا جاز حذف الفاء والمبتدأ معًا، فحذفها والمبتدأ غير محذوف أولى بالجواز ومن ورود الجواب طلبًا عاريًا من الفاء قول الشاعر:
إن تدع للخير كن إياه متبعيًا
…
ومن دعاك له احمده بما فعلا
هذا كلامه. وقد اعترض عليه بعضهم بأن الكلام في حذفها وحدها، أما بتبعية الجملة أو بعض أجزائها، فليس محل الخلاف، إذ رب شيء يغتفر تبعًا، ولا يغتفر استقلالا. ثم قال ابن مالك: ومنها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «أما بعد، ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله» وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «أما موسى، كأني أنظر إليه إذ ينحدر من الوادي»
وقول عائشة رضي الله تعالى عنها: وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، طافوا طوافًا واحدًا. وقول البراء بن عازب: أما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، لم بول حينئذ. قلت:«أما» حرف قائم مقام أداة شرط والفعل الذي يليلها، فلذلك يقدرها النحويون بمهما يكن من شيء، وحق المتصل بالمتصل بها أن تصحبه الفاء نحو:(فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق)[فصلت/15] ولا تحذف هذه الفاء غالبًا إلا في شعر، أو مع قول أغنى عنه مقوله، نحو:(فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم)[آل عمران/106] أي: فيقال لهم: أكفرتم، ومن حذفتها في الشعر قول الشاعر:
فأما القتال لا قتال لديكم
…
ولكن سيرًا في عراض الكتائب
أراد: فلا قتال لديكم، فحذف الفاء لإقامة الوزن، وقد خولفت القاعدة في هذه الأحاديث، فعلم بتحقيق عدم التضييق، وأن من خصه بالشعر أو بالضرورة المغنية عن النثر مقصر في فتواه، وعاجز عن نصرة دعواه. انتهى كلامه.
وتبعه الدماميني فقال في «المزج» : لقائل أن يمنع كونه ضرورة لاستعماله في السعة، فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال:«أما بعد، ما بال رجال .. » الحديث، وقال أيضًا:«أما موسى كأني أنظر إليه» وقال أيضًا: «أما بعد، أسيروا علي في أناس ابنوا أهلي» وقال أيضًا في حديث الفتح يخاطب الأنصار: «أما الرجل قد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريبة» وقال عمر رضي الله تعالى عنه: أما بعد، يا أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر. وقالت عائشة، رضي الله تعالى عنها: وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، طافوا طوافًا واحدًا. وقال البراء بن عازب: أما رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، لم يول يومئذ. انتهى.
رجعنا إلى البيت. قوله: يشكرها، أي: يقبلها ويضاعفها، كأنه قصد معنى قوله تعالى:(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. ومن جاء بالسية فلا يجزى إلا مثلها)[الأنعام/160] وقوله: والشر بالشر عند الله مثلان: فيه حذف معطوف، والتقدير: والشر والمكافأة بالشر مثلان. وبهذا التقدير صح وقوع المثنى خبرًا، والباء متعلقة بالمحذوف، وعند متعلقة بمثلان. والمعنى: إن الله تعالى لا يجزي بالشر إلا شرًا مثله من غير زيادة، وأما الخير، فيضاعفه ما شاء فضلًا وكرمًا.
ويروى: «سيان» بدل مثلان، أي: متساويان، مثنى سي، وهو المثل المساوي. وقال ابن الملا: والشر: مبتدأ، خبره: بالشر، والباء فيه للمقابلة والعوض، ومثلان: خبر مبتدأ محذوف، أي: هما مثلان، والجملة مستأنفة لتحقيق معنى العوض. وذهب المراغي في شرح شواهد «المفصل» إلى أن الشر مبتدأ، ومثلان خبره، والتقدير: والشر في مقابلة الشر مثلان متساويان عند الله تعالى، فأشكل عليه متعلق الباء، فوقع في حيص بيص، فقالك وأما الباء ففي متعلقه نظر، لا يكون حالًا من الشر، لأنه مبتدأ، والمبتدأ لا ينشأ عنه الحال، ولا بيان لأنه خبر عنهما يجب تأخره، فكأنه متعلق بما في الكلام من معنى الفعل، كأنه قال: فعل الشر الثاني في مقابلة الشر الأول مجازاة، يتساويان عنده، ومعنى التساوي فيه أن الشر جزاؤه واحد، وأما الحسنة فلا يحصى جزاؤها. انتهىز ومع ما فيه من التكلف، يلزمه الإخبار عن المفرد بالمثنى، ولا ينفعه التأويل، المذكور. هذا آخر كلام ابن الملا.
وقبل هذا البيت بيتان وهما:
إن يسلم المرء من قتل ومن هرمٍ
…
للذة العيش أفناه الجديدان
فإنما هذه الدنيا وزينتها
…
كالزاد لابد يومًا أنه فاني