الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكنى أبا الحكم، فكناه رسول الله صلى الله تعالى وسلم أبا جهل، وقتل يوم بدر على كفره كما تقدم، وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنشد بعده، وهو الانشاد الثامن والخمسون:
(58)
أحاد أم سداس في أحاد
…
لييلتنا المنوطة بالتنادي
على أن «أم» فيه محتملة لأن تكون متصلة بتقدير الهمزة، ومحتملة لأن تكون منقطعة بتقدير مبتدأ بعدها، وقول المصنف: أم ست اجتمعت في واحدة، أشار إلى أن معنى قوله: سداس في أحاد، أن طول ست ليال اجتمع في ليلة واحدة، وهو قول ابن جني ومن تبعه من شراح شعر المتبني.
وأغرب أبو القاسم عبيد الله بن عبد الرحيم الأصفهاني فيما كتبه على شرح ابن جني في قوله: وإنما معنى البيت إن ذهبت به مذهب العدد، فأضفت الواحد إلى الستة، والمراد إلى الأسبوع، فتكون استطالته الليلة الواحدة كاستطالته ليالي الأسبوع، ووقف عند هذا الحد كقول بعض الرجاز:
إني إذا ما الليل كان ليلين
…
ولجلج الحادي لسانين اثنين
فهذا جعل واحدة ثنيتن، وأوس بن حجر جعل الليلة ليالي، فقال:
ولقد أبيت بليلةٍ كليالي
…
وكأن تحت الجنب شوك سيال
والمتنبي جعل الليلة الواحدة ليالي الأسبوع طولًا ووقف عندها. وإن ذهبت
مذهب الضرب ففيه معنى لطيف، لأنك إذا ضربت الواحد في الستة رجع إلى وراء، فيكون المعنى أن هذا الليل إلى الوراء فلا يتصرم آخره، كما قال الشاعر:
تطاول هذا الليل حتى كأنما
…
إذا ما انقضى تثنى عليه أوائله
وقال أبو اليمن الكندي: أجود ما قيل فيه أن يكون أراد: واحدة أم ست في واحدة، على أن تكون في ظرفًا للست، فتصير سبع ليال، ولا يريد بها ضرب الحساب وخص هذا العدد لأنه أراد ليالي الدهر كله، لدوران الأسابيع فيه متتابعة إلى يوم القيامة، أي: أهذه الليلة واحدة، أم ليالي الدهر كلها جمعت في هذه الليلة الواحدة حتى طالت وامتدت إلى يوم القيامة؟ هذا كلامه.
وأبو القاسم هذا كان عصري المتنبي، وابن جني ألف كتابه هذا باسم بهاء الدولة بن بويه، قال في ديباجته: وكان بعض أكنفاء خدمته، واغدياء نعمته، التمس من عثمان بن جني استخلاص أبيات المعاني من ديوان شعر المتنبي، وتجريدها ليقرب تناولها، فأجابه إلى ما طلب، وفعل بقدر إمكانه، ثم قرأه على أحد من تصرف في جلائل الأمور وسياسة الجمهور، فوقعت منه على صواب وخطأ، فأملت فيه كتابًا ترجمته بالواضح في مشكلات شعر المتنبي. انتهى المراد منه.
وتبعه فيما قاله المبارك بن أحمد المستوفي الإربلي في كتاب «النظام» وزاده توضيحًا فقال: وست في واحدة – إذا جعلتها فيها كالشيء الظرف، ولم يرد الضرب الحاسبي – سبع، وخص هذا العدد لأنه أراد ليالي الأسبوع، وجعلها اسمًا لليالي
الدهر، لأن كل أسبوع بعده أسبوع آخر إلى آخر الدهر، يقول: هذه الليلة واحدة، أم ليالي الدهر كلها جمعت في هذه الواحدة حتى طالت وامتدت إلى يوم القيامة؟ ويريد بالتنادي يوم القيامة، والله تعالى سمى يوم القيامة يوم التناد، لأن النداء يكثر في ذلك اليوم، ويكون هذا كقوله:
كأن أول يوم الحشر آخره
وقال ابن جني: يريد تنادي أصحابه بما يهم به، ألا ترى إلى قوله بعده:
أفكر في معاقرة المنايا
…
وقود الخيل مشرفة الهوادي
وعلى هذا استطال الليلة التي عزم فيها على الحرب شوقًا إلى ما عزم عليه. انتهى.
وإنما خص الليل بالطول دون الأيام، لأنهم يستطليلون ليالي السهر والفكر، وتتضاعف فيه الغموم والهواجس، وكذلك عند الأطباء أن الأمراض تشتد ليلًا، لأن طبعه الضم والقبض والخثورة والجمود، وبالنهاء تنفش البخارات عن البدن، وتنحل أجزاء العلل، وليس بين الشعراء وبين الأيام ت علق في أمر ما يسهر، بل يقولون: إن المحزون والمغنم ينشرح صدره ويخف ما به لمحادثة الناس وملاقاة الأشخاص، كما قال ابن الدمينة:
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
…
ويجمعني والهم بالليل جامع
وقال الطرماح:
على أن للعينين في الصبح راحة
…
لرميهما طرفيهما كل مطرح
وقال النابغة:
طليني لهم يا أميمة ناصب
…
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض
…
وليس الذي يتلو النجوم بآيب
وأما إذا ذكروا اليوم، فإنهم يذهبون به قصد الممدوح وطول نهاره على الأعداء، كقول الكميت:
وإذا اليوم كان كالأيام
وقال أبو تمام:
ورب يوم كأيام تركت بها
…
متن القناة ومتن القرن منقصفا
قال ابن جني: واختيار الست دون غيرها من العدد، لأنها الغاية التي فرغ الله تعالى من جميع أحوال الدنيا. انتهى. ولا يخفى أن هذا لا تعلق له بقول المتنبي، فإنه إنما ذكر الليل دون اليوم. وقال ابن المستوفي: قال أبو العلاء: وحكي عن أبي الفتح أنه كان يحتج لتخصيص أبي الطيب سداس عن غيره بما هو أكثره بأن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، يريد أن هذه الليلة طويلة كأنها الأيام الستة التي خلقت فيها السموات والأرض، إذ كان كل يوم من أيام الله سبحانه كألف سنة مما يعده بنو آدم، وهذا قول حسن ومما يجوز أن يقال في هذا المعنى. أن الحديث جاء فيه: إذا حانت القيامة، وقضى الله أن
تطلع الشمس من مغربها، أخر طلوعها ثلاثة أيام، فينكر الناس ذلك، ويفزعون إلى المساجد، ثم تطلع بعد ثلاث سوداء» والثلاثة الأيام التي لم تطلع فيها الشمس صارت كثلاث ليال، فهي حينئذ ست، ويقوي هذا القول: ليلتنا المنوطة بالتنادي، لأن طلوع الشمس من مغربها يتصل بالقيامة. انتهى. ولم يرض بهذا السيد المرتضى، فقال في «أماليه» بعدما ذكر كلام ابن جني: وهذا من جملة الزلل والخلل، ولا علة لقوله سداس، واختصاصه هذا العدد دون غيره من الأعداد، لأن غرضه لما طالت عليه ليلته أن يقول: أليلة هي أم ليال؟ وكل عدد متجاوز للواحد يقوم في هذا الغرض مقام صاحبه، فما سداس إلا كخماس وسباع، والتعليل بأن هذا العدد فيه فرغ من خلق الخلق مضحك، وأي تعلق لأيام خلق الخلق بما قصد إليه من الاستطالة! حتى كأن الله تعالى خلق السماء والأرض في أطول مدة تتصور، وليس الأمر على هذا، بل الأيام المضروبة لخلق السماء والأرض للمصلحة لا لغير ذلك من العلل، ولا يظن مثل هذا متأمل. وأما لفظة التناد، فلا شبهة أن المراد بها القيامة، والتنادي بقيام الأموات من قبورهم، كما قال الله تعالى:{يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد} [غافر/32] أي: يوم المبعث، وأي مدخل للتنادي بالرحيل في المعنى الذي قصده الشاعر من استطالة ليلته حتى قال: هي ليلة أم ست ليال؟ وإنما يليق ذلك بأن يقول: هذه الليلة الطويلة منوطة بيوم القيامة. واستدلال أبي الفتح على هذا الغرض الفاسد بقوله من بعد: أفكر في معاقرة المنايا .. البيت لا يدل على ما ظنه، لأن هذا كلام استأنفه، وقد مضى ما استطاله من ليله وعدل إلى غرض آخر. انتهى كلامه. واعترض عليه ابن المستوفي بأن قوله: هذا كلام استأنفه آخر آخره،
لا يصح له به الرد على أبي الفتح، لأن أبا الطيب ما استطال ليلته إلا لهذا، ولم يعدل إلى غرض آخر مما يخالف غرضه، وكل الأبيات إلى المخلص تؤدي معنى واحدًا بني عليه القصيدة، والذي يجب أن يقال: إن المتنبي استعمل من الأعداد المعدولة ما لم يجمع على استعماله، وإن كان قد حكي عنهم أن هذا العدد جاء إلى عشار، فكان ينبغي أن يقول: أحاد أم عشار في أحاد، فينتهي من هذا العدد إلى غايته، فتكون الليلة أطول عليه، فاختصاصه بداس لا معنى له دون غيره من الأعداد المعدولة، وهو قادر على أن يضع موضعه ما هو أكثر منه عددًا، وكان يؤخذ عليه في عشار ما أخذ عليه في سداس ويزيد الليلة طوالًا. هذا كلامه. وقول المصنف: ويكون تقديم الخبر، وهو أحاد .. الخ. إن قلت: لم لا يجوز أن يكون أحاد مبتدأ لتخصصه بالاستفهام؟ قلت: الغرض الإخبار به لا عنه، وقول المصنف: إذ شرط الهمزة المعادلة لأن أن يليها أحد الأمرين ..
الخ، هذا مذهب ابن الحاجب ومن حذا حذوه، وقد أخذ المصنف كلامه هذا من «أماليه» فإنه قد تكلم على هذا البيت فيها.
وقد أجاز سيبويه خلافه، قال في «الكتاب» بعد أن مثل بقوله: أزيد عندك أم عموو؟ وأزيدًا لقيت أم بشرًا؟ واعلم أنك إذا أردت هذا المعنى فتقدير الاسم أحسن، لأنك لا تسأل عن اللقاء، وإنما تسأل عن أحد الاسمين لا تدري أيهما هو، فبدأت بالاسم لأنك تقصد قصد أنيبين لك أي الاسمين في هذا الحال، وجعلت الاسم الآخر عديلًا للأول، فصار الذي لا تسأل عنه بينهما، ولو قال: ألقيت زيدًا أم عمرًا؟ كان جائزًا حسنًا، أو قلت: أعندك زيد أم عمرو؟ كان كذلك، إلى آخر ما ذكره.
وقال السيرافي: الاختيار في هذا الباب أن يكون الشيء الذي يسأل عنه هو الذي يلي الألف وأم، وما لا يسأل عنه متوسط، كقولك: أزيد عندك أم عمرو؟
والسؤال في زيد وعمرو، لأن السائل يلتتمس تعيين واحد منهما، ولا سؤال عن عندك، لأنه قد عرف أن أحدهما عنده، وإذا قيل: أعندك زيد أم عمرو؟ وصار الذي يلي الألف «عند» وليس بعديل عمرو الذي ولي «أم» وهو وإن كان حسنًا جائزًا لاستواء: ألقيت زيدًا، وأزيدًا لقيت؟ فليس كحسن: أزيدًا لقيت أم بشرًا. لأنه مع صحة المبنى أعدل لفظًا، وهو مما تختار العرب. انتهى.
وقول المصنف: وأظهر الوجهين الاتصال .. الخ، هذا زائد على ما في «أمالي» ابن الحاجب، وهو من تصرفه. وقوله: واعلم أن هذا البيت اشتمل على لحنات .. الخ، أخذ هذا من «درة الغواص» للحريري، قال فيها: ونسب إلى أنه وهم في أربعة مواضع في هذا البيت، أحدها: أنه أقام أحاد مقام واحد، وسداس مقام ستة. والموضع الثاني: أنه عدل بلفظة ست إلى سداس، وهو مردود عند أكثر أهل اللغة. والثالث: أنه صغر ليلة على لييلة، والمسموع في تصغير لييليلة. والرابع: أنه ناقض كلامه، لأنه كنى بتصغير الليلة عن قصرها، ثم عقب تصغيرها بأن وصفها بالامتداد إلى يوم التناد. انتهى.
وقوله: وهم، مضارعه يوهم وهمًا، مثل غلط غلطًا وزنًا ومعنى، واللحن: مصدر لحن في كلامه لحنًا من باب تقع: أخطأ في العربية. ولا يخفى أن هذا تحامل عليه، وليس كل واحد من هذه الأربعة خطأ، إلا استعمال سداس في معنى ست، ويأتي ما فيه.
وأول من أشاع الطعن فيه الصاحب بن عباد في جملة ما عده له من السقطات، وتتبع عواره من الهفوات، لا سيما والبيت مطلع القصيدة وهو مما ينبغي التأنق فيه، فقد نقل أن الأستاذ الرئيس ذكر الشعر يومًا فقال: إن أول
ما يحتاج فيه إلى حسن المطلع، وماذلك إلا أنه أول ما يقرع به الأسماع، فقال: ومن عيون قصائده التي تحير الأفهام وتفوت الأوهام، وتجمع من الحساب ما لا يدرك بالارتماطيقى، وبالأعداد الموضوعة للموسيقى: أحاد أم سداس في أحاد .. البيت، وهذا كلام الحكل ورطانه الزط، وما ظنك بممدوح قد تشمر للسماع من مادحه، فصك سمعه بهذه الألفاظ الملفوظة والمعاني المنبوذة! أي هزة تبقى هناك، وأي أريجية تثبت! هذا وقد خطأه في المعنى واللفظ كثير من أهل اللغة وأصحاب المعاني، حتى احتيج في الاعتذار له، والتفصي عنه إلى كلام لا يستأهله هذا البيت، ولا يتسع له هذا الباب، انتهى.
وقول المصنف: استعمال أحاد وسداس بمعنى واحدة وست، أما أحاد فقد قال ابن بري فيما كتبه على «درة الغواص»: إنه قد ورد في كلام العرب بمعنى واحد كقوله:
منت لك أن تلاقينا المنايا
…
أحاد أحاد في الشهر الحلال
وأما سداس بمعنى ست فقد حكى صاحب «القاموس» : إزار سديس وسداسي: طوله ستة أذرع، فلولا أن سداس ثابت في كلامهم ما نسبوا إليه، وإن كان استعماله قليلا، على أنه ما المانع من أن يكون أحاد وسداس في البيت بمعنى واحدة واحدة، وست ست، باحتمال أن المتنبني قصد التقسيم، والمعنى الإخبار عن ليلة فراقه للأحبة بأنها منقسمة إلى واحدة واحدة، أي: أن كل
جزء منها بمثابة ليلة واحدة، ثم رأى أنها أطول من ذلك، فأضرب واستفهم: هل هي باعتبار الأجزاء منقسمة إلى ست ست في كل واحد واحد من أجزاء الليلة؟ هذا إن جعلت أم منقطعة، وإن كانت متصلة فالمعنى طلب التعيين لأحد هذين الأمرين، فلم يخرج العدد المعدول عن استعماله في معناه كما قاله الدماميني، ومع هذين التوجهين لا لحن ولا خطأ. وقوله: واستعمال وأكثرهم يأباها، مفهومه أن الكثير لا يأباها. قال الدماميني: ومثل هذا لا يعد لحنًا، لأنه ليس بخارج عن كلام العرب قطعًا، لوجود النقل من كثيرين أنه من كلامه، ولو كانت مخالفة الأكثرين لحنًا لزم أن يلحن كثير من العلماء الذاهبين إلى ما لم يقل به غير القليل، وهذا عن الإنصاف بمراحل. انتهى.
على أنه قد حكى الشيباني وأبو حاتم وابن السكيت سماع المعدول من واحد إلى عشرة على فعال ومفعل، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
وقوله: وتصغير ليلة على لييلة .. الخ، هذا هو القياس، ومثله مما رآه بعض النحويين جائزًا، على أن منهم من ذهب إلى أن لييلية ليس مصغر ليلة، وإنما هو مصغر ليلاة، وعليه جمع ليالٍ، ومثل هذا لا يعد لحنًا.
وقوله: ومما قد يستشكل فيه أنه جمع بين متنافيين، هذا أيضًا ليس بشيء، لأن التصغير قد جاء للتكثير والتعظيم، قال ابن سيدة صاحب «المحكم» في شرح «ديوان المتنبي» عند الكلام على هذا البيت: وصغر الليلة تصغير التعظيم، كقول أوس بن حجر: