الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلاقى عليه من صباح مدمرًا
…
لناموسه من الصفيح سقائف
صباح: بطن من ضبة، وصباح بن عبد القيس، وصباح من عنزة، ومدمرًا:
مهلكًا. وناموسه: موضعه الذي يكون فيه، والصفيح: كل حجر رقيق مصفح فهو صفيح، والسقائف: جمع سقيفة. وترجمة امرئ القيس تقدمت في الشاهد الرابع.
وأنشد بعده، وهو الانشاد الثالث والثلاثون:
(33)
أحاذر أن تعلم بها فتردها
…
فتتركها ثقلًا على كماهيا
قال أبو حيان في «شرح التسهيل» عند قول المصنف: ولا يجزم بها، أي: بأن، خلافًا لبعض الكوفيين ما نصه: قال الرؤاسي: فصحاء العرب ينصبون بأن وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها، قال ابن المصنف: ومستند الرؤاسي في ذلك ما جاء في الشعر من قوله:
أحاذر أن تعلم بها فتردها
…
فتتركها ثقلًا علي كماهيا
قال: ولا حجة فيه، لجواز كونه سكون وقف للضرورة، لا سكون إعراب. انتهى. وما ذكره من أنه لا حجة في الاستدلال بهذا البيت صحيح، للاحتمال الذي ذكره، لكنه يبعد أن يكون مستند الرؤاسي في ذلك هذا البيت، لأنه قال: ودونهم قوم يجزمون بها، فهذه حكاية لغة قوم، لا استنباط من بيت شعر.
وقد حكى الجزم بها أيضًا اللحيانى، وذكر أن الجزم بها لغة بني صباح، وحكى الجزم بها أيضًا أبو عبيدة، وقد أنشدوا شاهدًا على الجزم قول الشاعر:
إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا
…
البيت
وقال آخر:
وإن بنات الدارعين وأن ترع
…
حذارا لتلك العين أهنا وأجمل
وإذا كان قد حكى الجزم بها الكوفيون، ومن البصريين اللحياني وأبو عبيدة، كان الأصح جواز ذلك، لكنه قليل، انتهى كلام أبي حيان.
قال ابن النديم في كتاب «الفهرست» : اسم الرؤاسي: محمد بن أبي سارة، ويكنى أبا جعفر، وسمي الرؤاسي لكبر رأسه، وكان ينزل النيل فسمي النيلي، وهو أول من وضع من الكوفيين كتابًا في النحو، وهو أستاذ الكسائي والفراء، وقال الرؤاسي: بعث إلي الخليل يطلب كتابي، فبعثته إليه فقرأه ووضع كتابه، وحيث قال سيبويه: قال الكوفي: يعني به الرؤاسي، وله من الكتب كتاب «الفيصل، كتاب التصغير، كتاب معاني القرآن، كتاب الوقف والابتداء الصغير والكبير» انتهى.
واللحياني بالكسر: نسبة إلى لحيان من بني هذيل، أخذ عن الكسائي، وأخذ عنه القاسم بن سلام، وله «النوادر» المشهورة، واسمه علي بن المبارك، كذا قال السيوطي.
والبيت من قصيدة لجميل العذري، هي في أوائل ديوانه، لكنه برواية لا شاهد فيه، قال جامع ديوانه محمد بن السائب الكلبي عن اليزيدي: لما زوجت بثنية تنبيهًا أسف جميل، وجزع جزعًا شديدًا، فقطع زيارة بثينة وطالت المدة، ثم قال لابني عمه وكانا له صفيين: قد طال هجري لبثينة وتجلدي، وإن ذلك لقاض علي ودافعي منها على ما أرى إلى ما يسخن عيني فيها، فقالا: فأبق على
نفسك إن كنت لا تطيق الساو عنها، واصبر على بعض ما تكره، وألمم بها إلمامة، فلعلك تستريح إليها، فأجمع على ذلك ومضى معهما فلقي جارية لها حبشية، فلم يكلمها، ولا أعلمها أنه قصد بثينة، ولكنه جلس مع ابني عمه مستظلًا بشجرة، ومطاياهم معقولة كأنهم يريدون أن يريجوا، فبادرت الأمة إلى بثينة فأخبرتها، فجاءت وأم الحسين وليلى وأم منظور، فلما رأينه سلمن عليه وعلى صاحبيه، وجلسن إليه، فقالت له أم منظور: أين كنت بعدنا، وأين كانت غيبتك؟ فقد طال شوقنا إليك! فقال: اغتربت عنكن في أهلي، وافترقنا، فرأيت التباعد مع ما حدث أجمل! فبكت بثينة وقالت: ما تباعدنا عنك، وما زادتنا الليالي إلا شوقًا إليك وتجديدًا لمودتك، وتحدثا بقية يومهما وليلتهما وتشاكيا، فقال جميل في ذلك:
ألا طال كتماني بثينة حاجةً
…
من الحاج ما تدري بثينة ماهيا
أخاف إذا أنبأتها أن تضيعها
…
فتتركها ثقلًا علي كما هيا
أغرك أني لا بخيل عليكم
…
ولا مفحش فيما لديك التقاضيا
أعد الليالي ليلة بعد ليلةٍ
…
وقعد عشت دهرًا لا أعد اللياليا
ذكرتك بالديرين يومًا فأشرقت
…
بنات الهوى حتى بلغن التراقيا
إذا اكتحلت عيني بعينك لم أزل
…
بخير وجلت غمرةً عن فؤاديا
فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي
…
وإن شئت بعد الله أنعمت باليا
إذا خدرت رجلي وقيل شفاؤها
…
دواء حبيبٍ كنت أنت المداويا
وأنت التي ما من صديق ولا أخ
…
يرى نضو ما أبقيت إلا رثى ليا
وإني لتثنيني الحفيظة كلما
…
لقيتك يومًا أن أبثك ما بيا
وإني لأستحييك أن أذكر الصبا
…
إليك فأنسى القلب ما ليس ناسيا
وبقي منها بيان.
وجميل: هو ابن عبد الله بن معمر، وقيل: معمر بن عبد الله العذري الحجازي الشاعر، صاحب بثينة العذرية، ذكره الجمحي في الطبقة السادسة من الإسلاميين، وحدث عن أنس بن مالك، قال الخطابي: وليس له إلا حديث واحد، وهو:«إن من الشعر حكمة» ومات بمصر في سنة اثنين وثمانين، ودخل عليه العباس بن سهل الساعدي وهو يجود بنفسه، فقال له جميل: ما تقول في رجل لم يقتل نفسًا ولم يزن قط، ولم يشرب خمرًا قط، أترجو له الجنة؟ قال العباس: إي والله! فمن هو؟ قال جميل: إني أرجو أن أكون ذلك الرجل، قال العباس: فقلت: سبحان الله، وأنت تتبع بثينة منذ ثلاثين سنة؟ فقال: يا عباس إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط، فما بوحنا حتى مات.
وبثينة صاحبته بنت الأسود، وقيل: بنت مالك، ولما بلغها وفاته جزعت وصاحت وأغمي عليها ساعة، ثم أفاقت وقالت ترثيه:
وإن سلوي عن جميل لساعة
…
من الدهر لا حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر
…
إذا مت بأساء الحياة ولينها
ولم ير أكثر باكيًا وباكية من يومئذ.