الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضغبوس مثلًا للرجل الضعيف. وأخبرني بعض العرب قال: الضغابيس: ينبث نبات الهليون سواء، وهو ضعيف، فإذا جف حتته الرياح فطيرته. وقال: الذؤنون: ضرب واحد حاو، وهو شبيه بالطرثوث، والذونون أخضر، وإذا جف أبيض، وقال: الضجع مثل الضغابيس إلا أنه أغلظ، وهما جميعًا في خلقة الهليون. ويقال للكمء الأبيض: أقرح، والجمع قرحان. وقال أبو خيرة العدوي: الكمأة جمع، والواحد: الكمء، وكذلكا لجبء، والجميع الجبأة، قال: والجبأة أكبره وأطيبه، وهي هناة حمر، والعساقيل منها بين الحمرة والبياض، وهي أطيبها بعد الجبأة. قال: ومنها الفقع، والواحدة: فقعة، وهي هناة بيض، وهي أرؤدها طعمًا وأسرعها ظهورًا. قال: ومنها بنات أوبر، والواحد ابن أوبر، وهي أمثال الحصى صغار، وهي رديئة الطعم، وهي أول الكمأة. قال: وما يدخل فيها وليس منها العراجين، وهي طوال بيض طيبة ما دامت غضة. قال: والدمالق: أصغر من العرجون وأقصر يكون في الروص وهو طيب، وقال غيره: القرحان: ضرب من الكمأة أبيض صغار ذوات رؤوس كرؤوس الفطر، الواحدة قرحانة، وقال أبو عمرو: بنات أوبر: شيء مثل الكمأة وليس بكمأة، وهي صغار، ويقال: إن بني فلان مثل بنات أوبر، يظن أن فيهم خيرًا، واحدها ابن أوبر. انتهى كلام الدينوري، وما أخذته مقدار عشره.
وأنشد بعده، وهو الانشاد الواحد والسبعون:
(70)
وابن اللبون إذا مالز في قرن
…
لم يستطع صولة البزل القناعيس
على أن ابن لبون نكرة فعرف باللام.
قال سيبويه في باب المعرفة: ومنه أبو جخادب، وهو ضرب من الجنادب، كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة، وهي معرفة، ومن ذلك ابن فترة، وهو ضرب من الحيات، فكأنهم إذا قالوا: هذا ابن قترة، فقد قالوا: هذا الحية الذي من أمره كذا، وإذا قالوا: بنات أوبر، فكأنهم قالوا: هذا الضرب الذي من أمره كذا من الكمأة، وإذا قالوا: أبو جخادب، كأنهم قالوا: هذا الضرب الذي سمعت به من الجنادب أو رأيته، ومثل ذلك: ابن آوى، كأنه قال: هذا الضرب الذي سمعت به أو رأيته من السباع، فهو ضرب من السباع، كما أن ابن أوبر ضرب من الكمأة، ويدلك على أنه معرفة أن آوى غير مصروف، وليس بصفة إلى أن قال: وأما ابن لبون وابن مخاض فنكرة، لأنها تدخلها الألف واللام، وكذلك ابن ماء، قال جرير، فيما دخل فيه الألف واللام:
وابن اللبون إذا ما لز في قرنٍ .. البيت
وقال الفرزدق:
وجدنا نهشلًا فضلت فقيمًا
…
كفضل ابن المخاض على الفصيل
فإذا أخرجت الألف واللام صار الاسم نكرة. انتهى.
قال الأعلم: الشاهد فيه إدخال الألف واللام في اللبون ليعرف الأول به،
لأنه اسم جنس نكرة بمنزلة ابن رجل، ولم يجعل علمًا بمنزلة ابن آوى وغيره، فلذلك خالفه في دخول الألف واللام على ما أضيف إليه. ضرب هذا مثلًا لنفسه، ولمن رام مقاومته في الشعر والفخر، لأن ابن اللبون – وهو الفصيل الذي نتجت أمه غيره فصارت لبونًا – إذا لزم، أي: شد، في قرن، وهو الحبل، ببازل من الجمال قوي، لم يستطع صولته ولا مقاومته في سيره. والقناعيس: الشداد، واحدها قنعاس. انتهى كلامه.
والبيت من قصيدة لجرير، هجا بها بني تيم، رهط عمر بن لجأ التيمي، وهذه الأبيات منها:
إني إذا الشاعر المغرور حربني
…
جار لقبر على مران مرموس
قد كان أشوس أباء فأورثنا
…
شغبًا على الناس في أبنائه الشوس
نحمي ونغتصب الجبار نجنبه
…
في محصد من حبال القد مخموس
لا يستطيع امتناعًا فقع قرقرةٍ
…
بين الطريقين بالبيد الأماليس
وابن اللبون إذا ما لز في قرنٍ
…
البيت
قوله: إني إذا الشاعر المغرور، هذا تعريض بعدي بن الرقاع العاملي، ووجهه – كما قال الأصفهاني في «الأغاني» -: أن جريرًا دخل على الوليد بن عبد الملك، وعنده عدي بن الرقاع العاملي، فقال الوليد لجرير: أتعرف هذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال الوليدك هذا عدي بن الرقاع، فقال جرير: شر الثياب الرقاع! ممن هو؟ قال: العاملي، فقال جرير: الذي يقول الله تعالى: (عاملة ناصبة * تصلى نار حامية)[الغاشية/3] ثم قال:
يقصر باع العاملي عن العلى
…
ولكن أير العاملي طويل
فقال له عدي:
أأمك كانت أخبرتك بطوله
…
أم أنت امرؤ لم تدر كيف تقول
فقال: لا، بل لم أدر كيف أقول، فوثب العاملي إلى رجل الوليد يقبلها وقال: أجرني منه، فقال الوليد لجرير: لئن شتمته لأسرجنك وألجمنك حتى يركبك، فيعيرك بذلك الشعراء. فكنى جرير عن اسمه فقال: إني إذا الشاعر المغرور حر بني .. إلى آخر الأبيات الخمسة، وفيها قبل البيت الشاهد:
أقصر فإن نزارًا لن يفاخرهم
…
فرع لئيم وأصل غير مغروس
وقال ابن السيد البطليوسي في «شرح أبيات الجمل الزجاجية» : كان سبب قوله أنه دخل على الوليد بن عبد الملك، وعدي بن الرقاع العاملي ينشد قصيدته التي أولها:
عرف الديار توهمًا فاعتادها
…
من بعد ما شمل البيلى أبلادها
فلما فرغ من إنشاد القصيدة قال: كيف تسمع يا ابن الخطفى؟ قال: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: عدي بن الرقاع [العاملي]، فقال له جرير: الذين قال الله تعالى فيهم: (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة * تصلى نار حامية)[الغاشية/ 3،4] فقال له الوليد: لا أم لك! أتقول هذا لمن يمدح أحياءنا، ويؤبن موتانا؟ ! فقال جرير:
يقصر باع العاملي عن العلى .. البيت
فقال العاملي:
أأمك كانت أخبرتك بطوله
…
أم أنت امرؤلم تدر كيف تقول
فغضب جرير: فقال عدي: يا أمير المؤمنين أجرني من لسانه، فقال الوليد لجرير: والله لئن ذكرته لأسرجنك، وليركبنك حتى يعيرك الشعراء. فلم يذكره جرير، ولكن عرض به في قصيدته التي يقول فيها:
إني إذا الشاعر المغرور حريني .. إلى آخر الأبيات
انتهى. وقوله: إذا الشاعر المغرور حر بني: إذا شرطية، وشرطها محذوف يفسره حربني. وقوله: جار، جواب إذا بتقدير مبتدأ، والتقدير: فهو جار، والجملة الشرطية خبر إن. وحربني بالحاء المهملة، أي: أغضبني: يقال منه: حرب الرجل يحرب حربًا – من باب فرح – إذا غضب، وأحربني: أغضبني. وقوله: لقبر، فيه محذوف، أي: لذي قبر، فإنه قال: مرموس، بمعنى مدفون، فإن القبر لا يكون مرموسًا. وعلى: بمعنى في، متعلقة بمرموس. ومران بفتح الميم: موضع على أربع مراحل من مكة إلى البصر دون بلاد تميم، وفيه قبر تميم بن مر. يقول من أغضبني يصير جارًا لتميم بن مر، أي: يموت، فيصير جارًا له. وشارح ديوان جرير لم يحمل هذه الأبيات على التعريض بعدي بن الرقاع، بل قال: يفخر به على ابن لجأ.
وقوله: قد كانأشوس، الشوس بفتحتين: التكبر والنظر بمؤخر العين.
زعم جرير أن تميمًا كان أشوس سيء الخلق، فأورثنا شغبًا ونحن شوس. والأباء: الكثير التأبي من الظلم. والشغب: تهييج الشر.
وقوله: نحمي ونغتصب .. الخ، أي: نحمي الجاني. والجبار. الرجل المتجبر، ونجنيه: نقوده أسيرًا في محصد، أي: في جبل محصد، اسم مفعول من: أحصدت الحبل، أي: قتلته وأحكمته ومخموس الحبل: الذي قتل بخمس طاقات. والقد: الجلد. وقوله: فقع قرقرة، مثل للذليل. والفقع:
الكمأة البيضاء لا تؤكل. والقرقرة: الأرض المستوية. يقول: إنه ذليل كالفقع يداس بالأرجل ولا حامي له ولاناصر. والأماليس: جمع إمليس، وهو البلد الواسع، وقال ابن السيد: الأرض التي لا نبات فيها. والبيد: جمع بيداء، وهي المفازة.
وقوله: وابن اللبون .. الخ، هو من ولد الناقة الذي استكمل السنة الثانية، ودخل في الثالثة، والأنثى بنت لبون، سمي بذلك لأن أمه ولدت غيره، فصار لها لبن. واللبون: الناقة، والشاة ذات اللبن. وقوله: إذا ما لز، ما: زائدة، ولز بالبناء للمجهول، أي: شد. قال ابن دريد في «الجمهرة» : لز الشيء بالشيء، إذا قرن به لزًا، ومنه قولهم: قد لززت بي يا فلان، وكل شيء دانيت بينه أو قرنته، فقد لززته، وأنشد البيت. قال: وأجاز قوم: لززت الشيء بالشيء وألززته به، ولم يجزها البصريون، وأجاز الأصمعي: لاززته ملازة ولزازًا، إذا قرنته. انتهى. والقرن، بفتح القاف والراء المهملة: الحبل الذي يشد به البعيران ونحوهما، فيقرنان معًا. والصولة: الحملة. والبزل: جمع بازل، وهو البعير الذي دخل في السنة التاسعة، وبزل نابه، أي: خرج والقناعيس: جمع قنعاس – بالكسر – وهو الجمل العظيم الجسم الشديد القوة.
وهذا البيت ضربه مثلًا لمنيعارضه ويهاجيه، يقول: من رام إدراكي، كان بمنزلة ابن اللبون إذا قرن في قرن مع البازل القنعاس، إن صال عليه لم يقدر على دفع صولته ومقاومته، وإن رام النهوض معه قصر عن عدوته.
ونظير هذا البيت في معناه قول سحيم بن وثيل الرباحي وقد أدركه جرير:
عذرت البزل إن هي خاطرتني
…
فما بالي ابن اللبون
روى المرزباني في «الموشح» قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم قال: سألت الأصمعي عن الأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة: أفحل هو؟ قال: لا، ليس بفحل، قلت له: ما معنى الفحل؟ قال: نريد أنه له مزية على غيره، كمزية الفحل على الحقاق. وبيت جرير يدلك على ذلك، وأنشد:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن .. البيت
انتهى.
ونظيره في الخيل قول أعرابي:
ألا قالت الخنساء يوم لقيتها
…
كبيرت ولم تجزع من الشيب مجزعا
رأت ذا عصا يمشي عليها وشيبة
…
تقنع منها رأسه ما تقنعا
فقلت لها لا تهزئي بي فقلما
…
يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا
وللقارح اليعبوب خير علالة
…
من الجذع المرخى وأبد منزعا
والقارح من ذي الحافر: بمنزلة البازل من الإبل. واليعبوب: الفرس السريع والبعيد القدر في الجري. والعلالة: بضم العين المهملة: بقية جري الفرس. والجذع بفتحتين: الفرس الداخلة في السنة الثالثة.
ومن آخر هذه القصيدة:
قد نكتسي بزة الجبار نجنبه
…
والبيض نضر به فوق القوانيس
تدعوك تيم وتيم في قرى سبأٍ
…
قد عض أعناقهم جلدًا لجواميس
والتيم ألام من يمشي وألا مهم
…
أولاد ذهلٍ بنو السود المدانيس
بزة الجبارو بكسر الموحدة: سلاحه. والقوانيس: جمع قونس، كجعفر، زاد الياء اضرورة، وأراد به أعلى الهامة. وقوله: تدعوك تيم، استشهد صاحب «الكشاف» بهذا البيت على صرف سبأٍ، على أنه اسم للحي أو للأب الأكبر. وقوله: قد عض أعناقهم .. الخ، يريد: أن تيمًا قد غلت أيديهم إلى أعناقهم بالقد من جلد الجاموس. والمدانيس: جمع مدناس، وهو الكثير الدنس، وهو الوسخ في الثوب والعرض.
قال شارح الديوان: قوله: تدعوك تيم .. البيت، هذا يوم منة لبني سعد على الرباب وذلك فيما ذكروا، أن الرباب قبل أن تكثر بنو تميم في أول الزمان، انطلقوا إلى أهل اليمن، فحالفوهم ونزلوا في ديارهم، وحالفوا منهم الحارث بن كعب، وهو يومئذ من سادة اليمن وملوكهم، فكانوا فيهم زمانًا، ثم إنهم جعلوا يشتقون عليهم، ورأوا أمورًا رابتهم، فقال الرباب بعضهم لبعض: ما يقعدنا هاهنا، وقومنا بنو تميم أكثر الناس وأعزهم؟ ! فتحملت ضبة وعدي بن عبد مناة، فرجعوا إلى تميم، وأقامت
عكل والتيم فلبثوا زمانًا. ثم إن ركبًا نزلوا بهم فلم يقروهم، وكانوا قد وفدوا على الملك، فأخبروه بصنيع عكل والتيم، فأخذهم وجدع خمسة وعشرين من سراة التيم، وخصى خمسة وعشرين من سراة عكل، ثم أقصاهم وأهانهم، وجعلوا ينكحون فيهم ولا ينكحونهم، فلما رأوا ما لقوا، ظعنت عكل بعد الخصاء، فلحقت ببني تميم، وبقيت التيم، وكانوا أهل شاء وحمير، فلم يستطيعوا براحًا، فأقاموا وأقروا بالذل. ثم إن رجلًا من أهل اليمن ابن أخت لهم غضب لهم مما يصنع بهم، فكتب إلى تميم بشعر له، وهو:
أبلغ الأضبط بن قريعٍ
…
ومن مثله من تميم
إن تيمًا لمنكم
…
هل لتيم من نصار وحميم
وكان الأضبط سيد بني تميم، فلما قرأ الكتاب، ندب بني حنظلة وبني سعد وقال: لا ينبغي إلا إباء هذا، فأغار على بني الحارث بن كعب أعز ما كانوا، فقتلهم، وأخذ ما سراتهم مائة رجل ورجلين، وسبى ذراريهم، وأقام بأرضهم سنة يغير على قراهم يمينًا وشمالًا، وأمير الخيل يومئذ مرة بن عبيد بن الحارث بن كعب ابن سعد بن زيد مناة بن تميم. وبنى الأضبط أطمًا، فبنت الملوك حول ذلك الأطم مدينة صنعاء، فهي اليوم قصبتها. وأقبل التيم مع ما أصاب من السبي والغنائم. فهذه يد بني سعد على تيم التي يفخر بها عليهم جرير.