الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إني وكل شاعرٍ من البشر
…
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
فما رآني شاعر إلا استسر
…
فعل نجوم الليل عاين القمر
فبينا ينشد مننها، حمل جمله على ناقة العجاج، فضحك الناس، وانصرفوا يقولون:
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
انتهى. وقال له هشام بن عبد الملك يومًا: يا أبا النجم، حدثني، قال: عني أو عن غيري؟ قال: بل عنك، قال: إني لما كبرت عرض لي البول، فوضعت عند رجلي شيئًا أبول فيه، فقمت من الليل أبول، فخرج مني صوت، فشددت ثم عدت، فخرج مني صوت آخرو فآويت إلى فراشي فقلت: يا أم الخيار! هل سمعت شيئًا؟ قالت: لا، ولا واحدة منهما، فضحك هشام وأحسن إليه بصلة، وله معه نوادر ومضحكات مذكورة في كتاب «الأغاني» .
وأنشد بعده، وهو الانشاد الثامن والستون:
(68)
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
…
شديدًا بأعباء الخلافة كاهله
على أن «أل» في اليزيد زائدة لضرورة الشعر. وهو من قصيدة لابن ميادة مدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وقبله:
هممن بقولٍ صادقٍ أن أقوله
…
وإني على رغم العدو لقائله
وبعده:
أضاء سراج الملك فوق جبينه
…
غداة تناجى بالنجاح قوابله
وقوله: هممت، من هم بالأمر، إذا قصده وعزم عليه. وأن أقوله: بدل اشتمال من قول، أي: هممت بقول كلام صادق، وفسره بقوله: رأيت الوليد .. البيت.
وقوله: رأيت الوليد .. البيت. فيه عدة شواهد:
أحدها: ما ذكرنا من زيادة أل في العلم.
ثانيها: دخول أل على العلم للمح أصله كما في الوليد، وقد نبه عليه المصنف.
ثالثها: صرف غير المنصرف بدخول أل عليه مع كونها زائدة، كما في اليزيد، وقد استشهد به المصنف في «الأوضح» .
رابعها: نصب رأيت بمعنى علمت مفعولين.
خامسها: تعدد المفعول الثاني لأفعال القلوب بلا عاطف، كما في الخبر، وهو هنا مباركًا وشديدًا.
سادسها: إعمال فعيل في الظاهر، لاعتماده على ذي خبر بحسب الأصل.
سابعها: جواز الفصل بينه وبين معموله بالمجرور.
وإن كان رأيت بصرية فمباركًا وشديدًا حالان من مفعولها وهو الوليد، إحداهما جارية على من هي له، والأخرى جارية على غير من هي له. ووري
«وجدت» بدل «رأيت» فإن كانت وجد بمعنى علمو فهي متعدية لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، وإن كانت بمعنى أصاب أو صادف، فمتعدية إلى واحد وهو الوليد، والمنصوبان بعده حالان. والأعباء: جمع عبء، بكسر المهملة وسكون الموحدة بعدها همزة، وهو الحمل وزنًا ومعنى. وروي بدله «بأحناء» جمع حنور، بكسر المهملة وسكون النون، قال الأزهري في «التهذيب»: قال الليث: الحنو كل شيء فيه اعوجاج والجميع الأحناء، تقول: حنو الحجاج، وهو عظم الحاجب، وحنو الأضلاع، وكذلك في الإكاف والقتب والسرج والجبال والأودية، وكل منفرج واعوجاج حنو. وأحناء الأمور: أطرافها ونواحيها، قال الكميت:
وآلوا الأمور وأحناءها
…
فلم يبهلوها ولم يهملوا
أي: ساسوها ولم يضيعوها، وأحناء الأمور: مشتبهاتها، قال النابغة:
يقسم أحناء الأمور فهارب
…
وشاصٍ عن الحرب العوان ودائن
قال الدماميني: وأعباء الخلافة: أحمالها، وهذه استعارة تحقيقة، شبه أمور الخلافة وما يحتاج إليه فيها من سداد النظر، وحسن السياسة، والقيام بمصالح الأمور، بالأحمال الثقيلة التي لا ينال الغرض منها إلا بعد نقلها من المحل التي هي مطروحة فيه. والكاهل: ما بين الكتفين، ويقال له الحارك. وشدته بحيث يحمل تلك الأعباء كناية عن كفاية الممدوح للإمامة العظمى. وأهليته لها. انتهى.
قال ابن الملا: هذا ظاهر تفسير الأعباء بالأحمال، وأما إذا فسرت بالأثقال
من كل شيء فقد يقال: لا استعارة، لأن الثقل كما يكون بالأشياء المحسوسة يكون بالأمور المعقولة. وأما قول السيوطي: يصح أن تكون استعارة بالكناية، بأن شبه أمور الخلافة الشاقة بالجسم الذي يثقل حمله، وإضافتها إلى الخلافة ترشيح، وذكر الكاهل تخييل، ففاسد، لأن شرط الاستعارة المذكورة أن لا يذكر معها لفظ المشبه به، وههنا قد ذكر بلفظ العبء وأن الترشيح ذكرما يلائم المشبه به، وليست إضافته الأعباء إلى الخلافة من ذلك، وأن التخييل إثبات ما يلازم المشبه به للمشبه، والكاهل ههنا إنما أثبت لذي الخلافة، وليس هو المشبه به، على أنا نمنع أن يكون الكاهل مما يلازم الجسم الذي يثقل حمله مطلقًا، وإلا لكان الحجر العظيم ذا كاهل. والكاهل: الحارك، أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق، وهو الثالث الأعلى وفيه ست فقر، أو ما بين الكتفين، أو موصل العتق في الصلب، كذا في «القاموس»: وشدته بحيث يقوى لحمل تلك الأعباء، كناية عن كفاية الممدوح للإمامة العظمى، لأن شدة الرجل في العادة باعتباره. هذا كلامه، ومن خطه نقلت.
وقوله: أضاء سراج الملك .. الخ، أراد به وضوح استحقاقه ولياقت بالمك، والجبينان: حرفان يكتنفان الجبهة من جانبيها، لإيما بين الحاجبين مصعدًا إلى قصاص الشعر، أو حروف الجبهة ما بين الصدغين متصلًا بحذاء الناصية، كله جبين، كذا في «القاموس». وغداة: ظرف أضيف إلى جملة تناجى قوابه، وتناجى: مضارع ناجاه إذا ساره، وأصله: تتناجى، فهو على حكاية الحال الماضية، وقبلت القابلة الولد، من باب تعب: تلقته عند خروجه، قبالة بالكسر، والجمع قوابل، فهو جمع قابل لا غير، كامرأة حائض، يقول بأن استحقاقه حين وضعت أمه وتناجت القوابل بنجابته، كقول الآخر: