الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالمَنَّان عَطاءَهُ،
===
جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل ذلك .. ففي النار" رواه أبو داوود (4093)، والنسائي في "السنن الكبرى" (9715).
والخيلاء: الكبير والعجب، ويدل هذا الحديث بمفهومه على أن من جر ثوبه على غير وجه الخيلاء .. لم يدخل في هذا الوعيد، ولما سمع أبو بكر هذا الحديث .. قال: يا رسول الله؛ إن جانب إزاري يسترخي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"لست منهم يا أبا بكر". أخرجه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (6062) إذ كان جره إياه لغير الخيلاء، بل لأنه لا يثبت على عاتقه. انتهى منه.
قال الأبي: وجر كل شيء بحسبه؛ فجر السراويل والقميص .. إطالتهما إلي أسفل من الكعبين، وإطالة الكم إلي أطراف أصابع اليدين؛ ففي العتبية رأى عمر رجلًا أطالَ كُمَّيْه، فقطعهما عليه على أطراف أصابعه. انتهى منه.
والوعيد المرتب على الجر والخيلاء إنما هو على الجر بالفعل لا على الجر بالإمكان.
فائدة
وأول من جر الثوب قارون صاحب موسى بن عمران عليه السلام. انتهى من "حدائق الريحان" نقلًا عن "روح البيان".
(و) ثانيهم: (المنان) أي: كثير مَن (عطائه) وتعداده على من يعطيه؛ وهو فعال من المن، وهو من صيغ المبالغة، فلا يتناول الوعيد المذكور إلا من كَثُر مَنُّه، وهو في ذلك كذلك، بخلاف إبطاله الصدقة، وقد فسره في الحديث الآخر، فقال:"هو الذي لا يعطي شيئًا إلا منَّه"؛ أي: إلا امتن به
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
على المعطي له، ولا شك في أن الامتنان بالعطاء مبطل لأجر الصدقة والعطاء مؤذٍ للمعطي له، ولذلك قال تعالى:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (1).
وإنما كان المن كذلك؛ لأنه لا يكون غالبًا إلا عن البخل والعجب والكبر ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم به عليه، فالبخيل يعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها.
والعجب يحمله على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه منعم بمالة على المعطي له ومتفضل عليه، وأن له عليه حقًّا يجب عليه مراعاته، والكبر يحمله على أن يحتقر المعطي له وإن كان في نفسه فاضلًا، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان منة الله تعالى عليه فيما أنعم به عليه؛ إذ قد أنعم عليه مما يعطي، ولم يجعله ممن يسأل، ولو نظر ببصيرته .. لعلم أن المنة للآخذ؛ لما يزيل عن المعطي من إثم المنع وذم المانع ومن الذنوب، ولما يحصل له من الأجر الجزيل والثناء الجميل، ولبسط هذا موضع آخر، فلا نطيل الكلام فيه.
وقيل: المنان في هذا الحديث: هو من المن الذي هو القطع؛ كما قال الله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (2)؛ أي: غير مقطوع.
فيكون معناه: البخيل بقطعه عطاء ما يجب عليه للمستحق؛ كما قد جاء في حديث آخر: "البخيل المنان"، رواه أحمد من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، فنعته به؛ لأن المن يستلزم القطع؛ لأن المان لا يمن إلا بما عظم في عينه وشح بإخراجه، والجواد لا يستعظم فلا يمن، ويدل على أنه يستلزمه قوله:
وإنَّ امرأً أهدَى إليَّ صنيعةً
…
وذَكَّرَنِيها مرةً لَبخيلُ
(1) سورة البقرة: (264).
(2)
سورة فصلت: (8).
وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ".
===
وإذا كان التذكير بالنعمة يستلزم البخل .. فكيف بالمن الذي هو أخص منه؟ ! وإنما كان أخص منه؛ لأنه تقرير بالنعمة على من أسديت إليه، والمعنى الأول أظهر؛ لقوله:"لا يعطي شيئًا إلا منَّه".
(و) ثالثهم: (المنفق) أي: المروج (سلعته) المعروضة للبيع (بالحلف الكاذب) أي: باليمين الفاجرة، فهو بمعنى الرواية الأخرى:"بالحلف الفاجر"، ويقال:"الحلف" بكسر اللام وإسكانها مع الحاء المهملة.
قال القرطبي: قوله: "والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" الرواية في (المنفق) بفتح النون وكسر الفاء المشددة، وهو مضاعف نفَقَ البيعُ يَنْفُق نَفاقًا؛ إذا خرج ونفَدَ، وهو ضد كسد، غير أن نفَقَ المخفف لازم، فإذا شدد .. عُدِّي إلى المفعول، ومفعوله هنا:(سلعتَه)، وقد وصف (الحلف) وهي مؤنثة بالكاذب وهو وصف مذكر، وكأنه ذهب بالحلف مذهب القول، فذكَره، أو مذهب المصدر، وهو مثل قولهم: أتاني كتابه فمزقتها، ذهب بالكتاب مذهب الصحيفة، والله تعالى أعلم. انتهى منه.
وممن ذكر الإسكان: ابن السكيت في أول كتابه "إصلاح المنطق". انتهى "نووي".
وقال القاضي: وقد جمعت هذه اليمين الكذب والغرور؛ أي: غروره إياه بيمينه وأخذ مال الغير بغير حق، والاستخفاف بحق الله تعالى، فعلى القول في حد الكبيرة: إنه ما توعد عليها، تكون تلك الثلاث كبائر؛ لترتيبه الوعيد عليها إن لم يستحلها، وإلا .. فقد أخرجته من الملة وسلبته الإيمان.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، وأبو داوود في كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال
(16)
-2173 - (3) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ح وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
===
الإزار، والترمذي في كتاب البيوع، باب فيمن حلف على سلعةٍ كاذبًا، والنسائي في كتاب الزكاة، باب المنان بما أعطى.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(16)
-2173 - (3)(حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي أبو سلمة البصري الجوباري -بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة- صدوق، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م د ت ق).
(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقةٌ، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي الخطيب، صدوق من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا إسماعيل بن عياش) بن سليم العنسي -بالنون- الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومئة (182 هـ). يروي عنه:(عم).
كلاهما (قالا: حدثنا محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم المدني،
عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالْحَلِفَ فِي الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ".
===
صدوق بل ثقة؛ كما في "التهذيب"، من الخامسة، مات سنة خمسين ومئة، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم).
(عن معبد بن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي -بفتحتين- المدني، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(خ م س ق).
(عن أبي قتادة) الأنصاري السلمي الحارث بن ربعي المدني رضي الله تعالى عنه، مات سنة أربع وخمسين (54 هـ) على الأصح. يروي عنه:(ع).
وهذان السندان من خماسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات.
(قال) أبو قتادة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والحلف في البيع) أي: باعدوا أنفسكم عن الحلف في البيع؛ (فإنه) أي: فإن الحلف فيه (ينفق) أي: يروج السلعة في الحال (ثم يمحق) أي: يزيل البركة في البيع في المستقبل إن كان على الكذب.
قوله: "إياكم" منصوب بفعل محذوف وجوبًا؛ لقيام المعطوف مقامه.
قوله: "والحلف" معطوف على إياكم؛ أي: باعدوا أنفسكم أيها المسلمون عن كثرة الحلف "في البيع" أي: اتقوا كثرة اليمين ولو كنتم صادقين؛ لأنه ربما يقع كذبًا.
وفي رواية مسلم: (وكثرة الحلف) فقيد الكثرة فيها احتراز عن القلة؛ فإنه يحتاج إليه، فلا يدخل تحت التحذير. قاله ملا على.
والتحذير عندهم: تنبيه المخاطب على أمر مذموم ليجتنبه "فإنه" أي: فإن الحلف أو إكثاره "ينفق" البيع ويروجه من التنفيق بمعنى الترويج "ثم" بعد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تنفيقه أولًا "يمحق" بفتح حرف المضارعة؛ من باب منع؛ مثل قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} (1)؛ أي: يمحق بركة البيع.
قال القرطبي: وإنما حذر عن كثرة الحلف؛ لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور، وإن سلم من ذلك على بعده .. لم يسلم من الحنث أو الندم؛ لأن اليمين حنث أو ندامة، وإن سلم من ذلك .. لم يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها والإفراط في تزيينها؛ ليروجها على المشتري مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى لا على جهة التعظيم، بل على جهة مدح السلعة، فاليمين على ذلك تعظيم للسلع، لا تعظيم لله تعالى، وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد. انتهى من "المفهم".
وقد دل الحديثان على كراهية الحلف في البيع؛ لأن الحلف إن كان كاذبًا .. فهو عين الحرام، وإن كان صادقًا؛ فإن الرجل إذا اعتاد ذلك .. تدرج إلى الكاذب منه، فكره ذلك سدًّا للذريعة، ولأن حقيقة الحلف هو جعل الشيء في ذمة الله أو شهادته، وكل ذلك لا يناسب في أمور دنيويةٍ تافهةٍ.
قال الدهلوي: ويكره إكثار الحلف في البيع؛ لشيئين:
كونه مظنةً لتغرير المتعاملين.
وكونه سببًا لزوال تعظيم اسم الله عن القلب.
والحلف الكاذب منفقة للسلعة؛ لأن مبنى الإنفاق على تدليس المشتري، وممحقة للبركة؛ لأن مبنى البركة على توجه دعاء الملائكة إليه، وقد تباعدت بالمعصية، بل دعت عليه. انتهى من "التكملة".
(1) سورة البقرة: (276).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم؛ أخرجه في كتاب المساقاة، باب النهي عن الحلف في البيع، والنسائي في كتاب البيوع، باب المنفق سلعته بالحلف الكاذب.
ودرجته أنه: صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم