الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(71) - (781) - بَابُ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ يُفْسِدُ مَالَهُ
===
(71)
- (781) - (باب الحجر على من يفسد ماله)
والحجر - بفتح الحاء وسكون الجيم - لغةً: المنع، ومنه سمي العقل حِجرًا؛ لمنعه صاحبه من ارتكاب ما لا يليق، وهذا معنى الحجر بفتح الحاء.
وأما الحجر بكسرها .. فيطلق على الفرس، وعلى حجر إسماعيل، وعلى العقل، وعلى حجر ثمود، وعلى المنع، وعلى الكذب، وعلى حجر الثوب، ونظمها بعضهم في قوله:
ركبت حجرًا وطفت البيت خلف الحجر
…
وحزت حجرًا عظيمًا ما دخلت الحجر
لله حجر منعني من دخول الحجر
…
ما قلت حجرًا ولو أعطيت ملء الحجر
فقوله: (ركبت حجرًا) أي: فرسًا (وطفت البيت خلف الحجر) أي: حجر إسماعيل عليه السلام (وحزت حجرًا عظيمًا) أي: عقلًا (ما دخلت الحجر) أي: حجر ثمود (لله حجر) أي: منع (منعني من دخول الحجر) أي: حجر ثمود، فهو مكرر مع ما سبق (ما قلت حجرًا) أي: كذبًا (ولو أعطيت ملء الحجر) أي: حجر الثوب.
وشرعًا: منع التصرف في المال.
وجملة من يحجر عليه: ثمانية، نظمها بعضهم، فقال:
ثمانية لم يشمل الحجر غيرهم
…
تضمنهم بيت وفيه محاسن
صبي ومجنون سفيه ومفلس
…
رقيق ومرتد مريض وراهن
وفي قوله: (لم يشمل الحجر غيرهم) نظر؛ لأنَّ أنواعَ الحجر كثيرة، أنهاها
(159)
- 2316 - (1) حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك أَنَّ رَجُلًا
===
بعضهم إلى نحو السبعين، بل قال الأذرعي: إن هذا الباب واسع جدًّا لا تنحصر أفراد مسائله. انتهى "ب ج".
* * *
(159)
- 2316 - (1)(حدثنا أزهر بن مروان) الرقاشي - بتخفيف القاف والشين المعجمة - النَوَّاءُ - بنون وواو مشددة - لقبه فريخ - بالخاء المعجمة مصغرًا - صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من السادسة، مات سنة ست، وقيل سبع وخمسين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن رجلًا) اسمه حبان - بفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة - ابن منقذ بن عمرو الأنصاري، وقيل: بل هو والده منقذ بن عمرو، وكان قد بلغ مئة وثلاثين سنة، وكان قد شج في بعض مغازيه مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحصون بحجر، فأصابته في رأسه مأمومة، فتغير بها لسانه وعقله، لكن لم يخرج عن التمييز، قاله النووي. انتهى من "العون".
كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُقْدَتِهِ ضعْفٌ وَكَانَ يُبَايِعُ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ احْجُرْ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنِ الْبَيْعِ، فَقَالَ:"إِذَا بَايَعْتَ .. فَقُلْ: هَا وَلَا خِلَابَةَ".
===
أي: أن رجلًا من الأنصار (كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقدته) - بضم فسكون - أي: في رأيه ونظره في مصالح نفسه وعقله (ضعف) أي: كان ضعيف النظر والرأي (وكان) ذلك الرجل (يبايع) مع الناس؛ أي: يعامل معاملة البيع والشراء (وأن أهله) أي: أقاربه (أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أي: جاؤوه (فقالوا) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ احجر) بتقديم المهملة على الجيم (عليه) أي: على هذا الرجل الضعيف العقل؛ أمر من الحجر؛ وهو المنع من التصرف، ومنه حجر القاضي على الصغير والسفيه؛ إذا منعهما من التصرف في مالهما. انتهى "نهاية".
أي: امنعه من المعاملة مع الناس؛ لأنه ضعيف الرأي والفكر (فدعاه) أي: فدعا ذلك الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه) النبي صلى الله عليه وسلم (عن ذلك) أي: عن المبايعة مع الناس، (فقال) الرجل:(يا رسول الله؛ إني لا أصبر عن) معاملة (البيع، فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بايعت) أي: عاملت معاملة البيع مع الناس .. (فقل) لمن بايعت معه: (ها) بالقصر في رواية المؤلف؛ أي: خذ هذا المبيع، وهات الثمن؛ أي: أعطه (ولا خلابة) - بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام - أي: لا خديعة ولا لنفي الجنس؛ أي: لا خديعة في الدين؛ لأن الدين النصيحة.
قال النووي: واختلف العلماء في هذا الحديث: فجعله بعضهم خاصًا في حقه، وأن المغابنة بين المتبايعين لازمة، لا خيار للمغبون بسببها، سواء قلت أو كثرت،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، وهي أصح الروايتين عن مالك.
وقال البغداديون من المالكية: للمغبون الخيار لهذا الحديث، بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، فإن كان دونه .. فلا.
والصحيح الأول؛ لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت له الخيار، وإنما قال له:"قل: لا خلابة"، ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار، ولأنه لو ثبت أو أثبت له الخيار .. كانت قضية عين لا عموم لها، فلا ينفذ منه إلى غيره إلا بدليل. انتهى، انتهى من "تحفة الأحوذي".
وقال التوربشتي: لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول؛ يعني قوله: "لا خلابة" ليتلفظ به عند البيع؛ ليطلع به صاحبه على أنه ليس من أهل البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة؛ ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك العهدِ أَحِقَّاءَ لا يغبنون أخاهم المسلمَ، وكانوا ينظرون له كما ينظرون لأنفسهم. انتهى.
واستعماله في الشرع عبارة عن اشتراط خيار الثلاث، وقد زاد بعضهم في هذا الحديث بإسناد حسن:(ثم أنتَ بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال).
واستدل به أحمد؛ لأنه يَرُدُّ بالغبنِ الفاحشِ لمن لم يعرف قيمةَ السلعة، وحدَّهُ بعضُ الحنابلة بثُلُث القيمة، وقيل: بسُدسها.
وأجاب الشافعية والحنفية والجمهور بأنها واقعة عين وحكاية حالة، فلا يصح دعوى العموم عند أحد، كذا في "إرشاد الساري".
قال في "النيل": قوله: "ولا خلابة" اختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصًّا بهذا الرجل أم كان يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط، ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لهذا الرجل الخيار؛ للضعف الذي كان في عقله؛ كما في حديث أنس، فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك، بشرط أن يقول هذه المقالة، ولهذا روي أنه كان إذا غبن .. يشهد رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله بالخيار ثلاثًا، فيرجع في ذلك.
وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل، ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة، وهذا مذهب الجمهور، وهو الحق. انتهى ملخصًا.
قوله: فقل (ها) بالقصر، وفي رواية الترمذي وأبي داوود:(هاء هاء) مرتين بالمد وفتح الهمزة، وقيل: بالكسر، وقيل: بالسكون.
قال في "المجمع": هو أن يقول كل من البيعين: (ها) فيعطيه ما في يده؛ كحديث: "إلا يدًا بيد"، وقيل: معناه: (هاك وهات) أي: خذ وأعط. انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يقول عند البيع: لا خلابة، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يخدع في البيع، قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عمر، وحديث أنس حديث حسن صحيح غريب، والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث محمد بن يحيى بن حبان عن جده منقذ بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(160)
- 2317 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانٍ قَالَ: هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ لَا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ
===
(160)
-2317 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ) يروي عنه (ع).
(عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم، ثقة إمام المغازي، ولا يصح قول من قال: إنه مدلس ضعيف؛ كما في "التهذيب"، من الخامسة.
مات سنة خمسين ومئة، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم).
(عن محمد بن يحيى بن حبان) - بفتح الحاء المهملة والباء المشددة - ابن منقذ الأنصاري المدني، ثقة فقيه، من الرابعة، مات سنة إحدى وعشرين ومئة (121 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) محمد بن يحيى: (هو) أي: الشأن، وهو مبتدأ أول (جدي) مبتدأ ثان (منقذ بن عمرو) خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول مقول محكي لقال، وجملة قوله:(وكان رجلًا) معطوفة على جملة المبتدأ الأول، على كونها مقولًا لقال؛ أي: وكان جدي منقذ بن عمرو الأنصاري الأوسي المدني (قد أصابته) جراحة (آمة) - بتشديد الميم - أي: واصلة إلى أم الرأس والدماغ (في رأسه، فكسرت) أي: شلت تلك الجراحة (لسانه، وكان) جدي (لا يدع) ولا يترك (على ذلك) أي: مع ذلك؛ أي: مع إصابة تلك الجراحة التي
التِّجَارَةَ وَكَانَ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ:"إِذَا أَنْتَ بَايَعْتَ .. فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ؛ فَإِنْ رَضِيتَ .. فَأَمْسِكْ، وِإنْ سَخِطْتَ .. فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا".
===
نقصت عقله (التجارة) أي: تقليب المال بالتبايع؛ لغرض الربح.
(وكان) جدي (لا يزال يغبن) ويخاع في تجارته (فأتى) جدي (النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك) أي: خداعه في البيع (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) صلى الله عليه وسلم (له) أي: لجدي: (إذا أنت بايعت) الناس .. (فقل) لمن بايعته: (لا خلابة) ولا خديعة في الدين (ثم) بعدما قلت ذلك؛ أي: لا خلابة (أنت في كل سلعة ابتعتها) أو اشتريتها (بالخيار ثلاث ليال) بين ردها إلى صاحبها بالفسخ أو تركها لك (فإن رضيت) تلك السلعة مع الغبن .. (فأمسك) لنفسك ولا تردها (وإن سخطتـ) ها ولم ترضها لنفسك .. (فارددها على صاحبها) وخذ ثمنك منه.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:
الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم