الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(36) - (746) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي الرِّبَا
(77)
- 2234 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّلْت، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوت، فِيهَا
===
(36)
- (746) - (باب التغليظ في الربا)
(77)
- 2234 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى) الأشيب -بمعجمة ثم تحتانية- أبو علي البغدادي قاضي الموصل وغيرها، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع أو عشر ومئتين (210 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد) بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري المعروف بعلي بن زيد ابن جدعان، ضعيف، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن أبي الصلت) مجهول، من الثالثة. يروي عنه:(ق).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه علي بن زيد، وهو متفق على ضعفه، وفيه أيضًا أبو الصلت، وهو مجهول.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت) أي: مررت (ليلة أسري بي) -بالبناء للمجهول- أي: أسري بي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج بي إلى السماوات؛ أي: مررت تلك الليلة (على قوم بطونهم) في الكبر والسعة (كالبيوت) والدور الواسعة (فيها) أي: في بطونهم
الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرَائِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا".
(78)
- 2235 - (2) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ،
===
(الحيات) العظام والثعابين (ترى) -بالبناء للمجهول- أي: ترى وتبصر تلك الحيات (من خارج بطونهم) في داخلها؛ لعظمها.
(فـ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قلت) لجبريل عليه السلام: (من هؤلاء) الذين في بطونهم الحيات (يا جبرائيل؟ ) فـ (قال) لي جبرائيل: (هؤلاء) الذين رأيتهم هم (أكلة الربا) -بقصر الهمزة- جمع آكل؛ نظير كملة جمع كامل، يعذبون بتلك الحيات.
فهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، فدرجته: أنه ضعيف؛ لضعف سنده؛ كما قد علمت آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فالحديث ضعيف متنًا وسندًا (7)(235).
* * *
ثم استأنس المؤلف ثانيًا للترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فقال:
(78)
- 2235 - (2)(حدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي -بسكون الواو- أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الثامنة، مات سنة اثنتين وتسعين ومئة (192 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا، أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ".
===
(عن أبي معشر) نجيح بن عبد الرحمن السندي -بكسر المهملة وسكون النون- المدني مشهور بكنيته، ضعيف، من السادسة، أسن واختلط، مات سنة سبيعن ومئة (170 هـ)، وقيل: اسمه عبد الرحمن بن الوليد بن هلال. يروي عنه: (عم).
(عن سعيد) بن أبي سعيد كيسان (المقبري) أبي سعد المدني، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع)، مات في حدود الأربعين ومئة (140 هـ)، وقيل قبلها، وقيل بعدها.
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه أبا معشر، وهو متفق على ضعفه.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون حوبًا) بضم الحاء المهملة: الإثم، ولكن المراد به هنا: سبعون نوعًا من الإثم، والمراد بذكر العدد: التكثير لا التقييد بخصوص هذا العدد، وبهذا التأويل يظهر التوفيق بين هذا الحديث وبين الحديث الآتي من قوله:(ثلاثة وسبعون نوعًا) لأن المراد في كل منهما: بيان كثرة أنواعه لا التقييد بخصوص العدد، فلا معارضة بينهما (أيسرها) أي: أخف تلك الآثام السبعين وأقلها عقوبة .. مثل (أن ينكح الرجل أمه) أي: عقوبة ذلك الأيسر مثل عقوبة وطء الرجل والدته، والمراد بنكاحها: العقد أو الجماع، فالحديث يدل على أن الربا أشد عقوبة من الزنا بالأم الذي هو أقبح أنواع الزنا وأشدها عقوبة.
(79)
- 2236 - (3) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الصيْرَفِيُّ أَبُو حَفْصٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ،
===
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف؛ لضعف سنده، فهو ضعيف متنًا وسندًا (8)(236).
وقد ذكر ابن الجوزي متنه في "الموضوعات" من حديث أبي هريرة أيضًا، قاله البوصيري.
* * *
ثم استدل المؤلف على الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، فقال:
(79)
- 2236 - (3)(حدثنا عمرو بن علي) بن بحر بن كَنِيزٍ -بنون وزاي- مكبرًا (الصيرفي) بمعنى الصرَّاف؛ وهو بائع النقد بالنقد، يجمع على صيارفة (أبو حفص) الفلاس الباهلي البصري، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة تسع وأربعين ومئتين (249 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) وقد ينسب محمد إلى جده أبي عدي، فيقال: محمد ابن أبي عدي؛ وقيل: هو -أي: أبو عدي- كنية إبراهيم؛ أي: كنية والده إبراهيم، فيكون عطف بيان عنه، فليس جد محمد، بل كنية أبيه، وقيل: اسم أبي عدي: محمد، فيكون الراوي محمد بن إبراهيم بن محمد أبي عدي، هكذا يفهم من كلامهم؛ أي: حدثنا محمد بن إبراهيم أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، تفرد برواية هذا الحديث عن شعبة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقة مشهور إمام أئمة الجرح والتعديل، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا".
===
(عن زبيد) -بموحدة مصغرًا- ابن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي -بالتحتانية- أبي عبد الرحمن الكوفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة، مات سنة اثنتين وعشرين ومئة (122 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة ثبت مشهور، من الخامسة، مات سنة ست وتسعين (96 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين أو ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة، لأن رجاله ثقات أثبات.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الربا ثلاثة وسبعون بابًا) أي: نوعًا بالنظر إلى شدتها وخفتها، قال السيوطي: قال العراقيُّ في "تخريجِ الإِحْيَاءِ": المشهُورُ أنه (الرِّبَا) بالباء الموحدة وتصَحَّفَ عَلَى الغَزَّالِي (الرِّيَا) بالمثناة التحتانية، فأورده في بابِ ذمِ الجاه؟ وقال:(والرِّيا بضع وسبعون بابًا، والشركُ مثلُ ذلك) وهذه الزيادة قد يُستدَلُّ بها على أنه (الريا) بالمثناة؛ لاقترانه بالشرك.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
(80)
- 2237 - (4) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِث، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّب، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ آخِرَ مَا نَزَلَتْ آيَةُ آلرِّبَا، وَإِنَّ
===
ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن مسعود بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(80)
- 2237 - (4)(حدثنا نصر بن علي) بن نصر الأزدي (الجهضمي) ثقة متقن، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي -مصغرًا- أبو عثمان البصري، ثقة ثبت، يقال له: خالد الصدق، من الثامنة، مات سنة ست وثمانين ومئة (186 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة ثبت، من السادسة، مات سنة ست، وقيل سبع وخمسين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من الثانية، مات بعد التسعين. يروي عنه:(ع).
(عن عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) عمر: (إن آخر ما نزلت) من الآيات القرآنية في الحلال والحرام -والله أعلم- قيل: أراد بذلك؛ أَنَّهَا محكمةٌ غيرُ منسوخة (آية الربا، وإن
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا لَنَا فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ.
(81)
-2238 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض) وتوفي (و) الحال أنه (لم يفسرها لنا) تفسيرًا جامعًا لتمام الجزئيات مغنيًا عن كلفة القياس، وإلا .. فالتفسير قد جاء، ومراده: أنه لا بد في باب الربا من الاحتياط (فدعوا) أي: فاتركوا أكل الربا بجميع أنواعها في النقود والمطعومات من ربا النسيئة والمفاضلة، أي: دعوا (الربا) الصريح (و) دعوا (الريبة) أي: دعوا كل ما شككتم أنه من الربا.
والريبة -بكسر الراء بعدها مثناة ساكنة ثم موحدة- في "الصحاح": الريب: الشك، والاسم الريبة -بالكسر- وهي التهمة، والمراد: أن ما اشتبه فيه الأمر ينبغي تركه تورعًا في هذا الباب، والله أعلم بالصواب. انتهى "سندي".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح، لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث ابن مسعود.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(81)
- 2238 - (5)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(حدثنا شعبة، حدثنا سماك بن حرب) بن أوس بن خالد الذهلي البكري
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ.
===
الكوفي، صدوق، من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه:(م عم).
(قال) سماك: (سمعت عبد الرحمن بن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي، ثقة، من صغار الثانية، مات سنة تسع وسبعين (79 هـ)، وقد سمع من أبيه لكن شيئًا يسيرًا. يروي عنه:(ع).
حالة كونه (يحدث عن) عن والده (عبد الله بن مسعود) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا) أي: آخذه ولو لم يأكل، وإنما خص بالأكل؛ لأنه أعظم أنواع الانتفاع؛ كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} (1)، (وموكله) أي: معطيه لمن يأخذه، وإن لم يأكل منه؛ نظرًا إلى أن الأكل هو الأغلب أو الأعظم؛ كما مر آنفًا. انتهى "مرقاة".
وفي معنى المعطي: المعين عليه؛ يعني: الذي يؤدي الربا إلى غيره؛ فإثم عقد الربا والتعامل به سواء في كل من الأخذ والمعطي، ثم أخذ الربا أشد من الإعطاء؛ لما فيه من التمتع بالحرام، ولهذا جاز إعطاؤه عند الضرورة الشديدة؛ كما في "شرح الأشباه والنظائر" للحموي وغيره.
(و) لعن (شاهديه) أي: الشاهدين على عقد الربا، والمراد: من يتحمل الشهادة على عقد الربا وإن لم يؤدها، وفي معناهما: من حضره فأقره (و) لعن (كاتبه) أي: كاتب وثيقة عقد الربا؛ لأن كتابة عقد الربا إعانة عليه، ومن هنا
(1) سورة النساء: (10).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ظهر أن التوظف في البنوك الربوية لا يجوز، فإن كان عمل الموظف في البنك مما يعين على الربا؛ كالكتابة أو الحساب .. فذلك حرام لوجهين؛ الأول: الإعانة على المعصية، والثاني: أخذ الأجرة من المال الحرام؛ فإن معظم دخل البنوك حرام مستجلب بالربا.
وأما إذا كان العمل لا علاقة له بالربا .. فإنه للوجه الثاني فحسب، فإذا وجد بنك معظم في خله حلال .. جاز فيه التوظف للنوع الثاني من الأعمال، والله أعلم.
قال القرطبي: وإنما سوى بين هؤلاء الأربعة في اللعنة؛ لأنه لا يحصل عقد الربا إلا بمجموعهم، ويجب على السلطان إذا وقع له أحد من هؤلاء أن يغلظ العقوبة عليهم في أبدانهم بالضرب والإهانة، وبإتلاف مال الربا عليهم بالصدقة؛ كما يفعل المسلم إذا أجر نفسه في عمل الخمر؛ فإنه يتصدق بالأجرة وبثمن الخمر إذا باعها المسلم، ويدل على صحة ما ذكرناه قوله تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} (1)؛ أي: يفسخ عقده ويرفع بركته، وتمام المحق بإتلاف ماله. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا ومؤكله، والترمذي في كتاب البيوع، قال: وفي الباب عن عمر وعلي وجابر وأبي جحيفة، قال أبو عيسى: حديث عبد الله حديث حسن صحيح، والنسائي في كتاب الطلاق، باب إحلال المطلقة وما فيه من التغليظ.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
(1) سورة البقرة: (276).
(82)
- 2239 - (6) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا دَاوُودُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي خَيْرَةَ، عَنِ الْحَسَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
ثم استأنس المؤلف ثالثًا لحديث عبد الله بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(82)
-2239 - (6)(حدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومئتين (257 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا داوود بن أبي هند) دينار بن عذافر القشيري مولاهم أبو بكر البصري، ثقة متقن كان يهم بأخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن سعيد بن أبي خيرة) -بفتح المعجمة بعدها تحتانية ساكنة- البصري، مقبول، من السادسة. يروي عنه:(د س ق).
(عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، فالسند منقطع.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَكَلَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ .. أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ".
===
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا) أي: أخذه (فمن لم يأكل) الربا ولم يأخذه .. (أصابه) أي: وصل إليه شيء (من غباره) وآثاره وبقاياه من نحو جيرانه أو صديقه أو قريبه بسبب العَزُومةِ أو الضيافةِ أو الوليمةِ مثلًا.
قوله: "إلا أكل الربا"، وقال القاري: بصيغة اسم الفاعل أو الماضي، وعلى صيغة اسم الفاعل نسخة لابن ماجه، فعلى هذه النسخة يصح فِيمَا بَعْدَ (إِلَّا) نَصْبُه على الاستثناء، ورفْعُه على الإبدال من المستثنى منه؛ لأن الاستثناء من المنفي التام، وهذه النسخة هي الصواب، وفي نسخ أخرى لابن ماجه ورواية أبي داوود بصيغة الفعل الماضي:(إلا أكَلَ الربا)، وعلى هذه النسخة فالمستثنى من أعم الأوصاف؛ والتقدير: لا يبقى أحد موصوفًا بصفة من الأوصاف إلا موصوفًا بصفةِ أَكْلِ الربا، فهذا كناية عن انتشار الربا في الناس في آخر الزمان؛ كهذا العصر الفاسد؛ بحيث إنه يأكله كل أحد (فمن لم يأكلـ) ـه ويأخذه بنفسه بعقد الربا .. (أصابه) أي: وصل إليه (شيء من غباره) أي: من غبار الربا وآثاره، وفي رواية أبي داوود:(من بخاره) والمعنى واحد؛ أي: يصل إليه أثره؛ بأن يكون شاهدًا في عقد الربا، أو كاتبًا، أو آكلًا من ضيافةٍ، أو هَدِيَّةٍ.
والمعنى: أنه لو فرض أن أحدًا سلم من حقيقته .. لم يسلم من آثاره وإن قلَّتْ جدًّا، قاله القاري. انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب البيوع والإجارت،
(83)
- 2240 - (7) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ،
===
باب في اجتناب الشبهات، والنسائي في كتاب البيوع، باب اجتناب الشبهات في الكسب، ولكن رويا أيضًا بهذا السند المنقطع عن أبي هريرة.
فدرجة هذا الحديث: أنه ضعيف (9)(237)؛ لضعف سنده؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(83)
- 2240 - (7)(حدثنا العباس بن جعفر) بن عبد الله بن الزبرقان البغدادي، أبو محمد بن أبي طالب أخو يحيى، أصله من واسط، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عمرو بن عون) بن أوس الواسطي أبو عثمان البزار البصري، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة خمس وعشرين ومئتين (225 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا يحيى) بن زكريا (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومئة (184 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو يوسف الكوفي، ثقة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
عَنْ رُكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنَ الرِّبَا .. إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ".
===
(عن ركين) -مصغرًا بالراء- وفي بعض النسخ دكين، وهو خطأ المطابع (ابن الربيع بن عميلة) -مكبرًا- الفزاري أبو الربيع الكوفي، ثقة، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبيه) الربيع بن عميلة -بفتح المهملة مكبرًا- الكوفي، ثقة، من الثانية. يروي عنه:(م عم).
(عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحد أكثر من) أكلِ (الربا .. إلا كان) أي: صار (عاقبة أمره إلى قلة) وفقرٍ، كما قال تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (1).
قال السندي: أي: أَكْثَرَ مالَه وجمَعَه من الربا.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وفي "الزوائد": إسناده صحيح؛ لأن رجاله ثقات؛ لأن العباس بن جعفر وثقه ابن أبي حاتم وابن المديني، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم، لكن رواه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث ابن مسعود أيضًا، والحاكم في كتاب الرقاق، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" من طريق شريك عن الركين بإسناده ومتنه سواء،
(1) سورة البقرة: (276).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأبو يعلى الموصلي؛ حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا شريك عن الركين بن الربيع عن أبيه.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شواهد، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: سبعة أحاديث:
واحد للاستدلال، وثلاثة للاستشهاد، وثلاثة للاستئناس.
والله سبحانه وتعالى أعلم