الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فصل في حكم بيع المعاطاة
وهي الخالية عن الإيجاب؛ كما هو عرف البيع في زماننا هذا الذي جعل فيه النظام والعادة شرعًا، والشرع أضحوكةً.
واستدل الشافعي على حرمة بيع المعاطاة بحديث النهي عن بيع الحصاة، وعن بيع الملامسة والمنابذة، وقال: إن هذه البيوع إنما فسدت؛ لكونها خاليةً من الإيجاب والقبول، ويقاس عليها بيع المعاطاة؛ لأنها خالية عن الإيجاب والقبول.
وقد رد عليه ابن قدامة في "المغني" بما فيه الكفاية، فلنحك عبارته بلفظه، قال ابن قدامة: المعاطاة: مثل أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزًا، فيعطيه ما يرضيه، أو قال: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه.
قلت: جعله ابن قدامة من باب المعاطاة، وقال بعض الفقهاء: إنه ليس من باب المعاطاة، وإنما هو إيجاب لفظًا وقبول فعلًا، والمعاطاة إنما تكون فيما كان الإيجاب والقبول فيه فعلًا، والله أعلم.
قال: فهذا بيع صحيح، نص عليه أحمد فيمن قال لخباز: كيف تبيع الخبز؟ قال: كذا بدرهم، قال: زنه وتصدق به، فإذا وزنه .. فهو عليه، وقال مالك بنحو من هذا؛ فإنه قال: يقع البيع بما يعتقده الناس بيعًا، وقال بعض الحنفية: يصح بيع المعاطاة في الأشياء الخسيسة، وحكي عن القاضي مثل هذا، قال: يصح في الأشياء اليسيرة دون الكثيرة.
قلت: والصحيح المفتى به عند الحنفية: جواز المعاطاة في خسائس الأشياء ونفائسها؛ كما في "الدر المختار"، والله أعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب والقبول لفظًا، وذهب بعض أصحابه إلى مثل ما قلنا، ولنا أن نقول: إن الله تعالى أحل البيع ولم يبين كيفيته، فوجب فيه الرجوع إلى العرف؛ كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولأن البيع كان موجودًا بينهم معلومًا عندهم، وإنما علق عليه الشرع أحكامًا، وأبقاه على ما كان، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم .. لنقل نقلًا شائعًا، ولو كان ذلك شرطًا .. لوجب نقله، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عنه، ولأن البيع مما تعم به البلوى؛ فلو اشترط له الإيجاب والقبول .. لبينه صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًّا، ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر، ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا، فكان ذلك إجماعًا، وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية والصدقة، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام .. سأل عنه؛ أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة .. قال لأصحابه: "كلوا"، ولم يأكل، وإن قيل: هدية .. ضرب بيده، وأكل معهم.
وفي حديث سلمان حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثمر، فقال: هذا شيء من الصدقة، رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"كلوا"، ولم يأكل هو، ثم أتاه ثانيًا بثمر، فقال: رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذا شيء أهديته لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"باسم الله" وأكل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ولم ينقل قبول منه ولا أمر بإيجاب، وإنما سأل؛ ليعلم هل هو صدقة أو هدية.
وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول، وليس إلا المعاطاة، والتفرق عن تراضٍ يدل على صحته، ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي، فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي .. قام مقامهما وأجزأ عنهما؛ لعدم التعبد فيه، كذا في "المغني" لابن قدامة أول البيوع (3/ 562).
ثم إن التعاطي ليس من بيع الحصاة ولا من الملامسة ولا من المنابذة في شيء؛ لأن هذه البيوع يفوتها النظر والتراضي، ويجمعها الجهالة والغرر، ولا غرر ولا جهالة في التعاطي، وإنما هو إيجاب وقبول بالفعل لا باللفظ، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى من "الكوكب" نقلًا عن "المغني".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والغرر، وأبو داوود في كتاب البيوع، باب في بيع الغرر، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الغرر، قال: وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأنس، وقال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، والنسائي في كتاب البيوع، باب بيع الحصاة، والدارمي في كتاب البيوع.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(2)
- 2159 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
===
(2)
- 2159 - (2)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
(والعباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل (العنبري) أبو الفضل البصري، ثقة حافظ، من كبار الحادية عشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م عم).
(قالا: حدثنا الأسود بن عامر) الشامي نزيل بغداد، يكنى أبا عبد الرحمن، ويلقب شاذان، ثقة، من التاسعة، مات في أول سنة ثمان ومئتين (208 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أيوب بن عتبة) اليمامي أبو يحيى القاضي، من بني قيس بن ثعلبة، ضعيف، من السادسة، مات سنة ستين ومئة). (160 هـ). يروي عنه:(ق).
(عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع)، وما في أغلب النسخ من يحيى بن كثير .. تحريف من النساخ؛ لأن أيوب بن عتبة إنما يروي عن يحيى بن أبي كثير، ويروي عنه: أسود بن عامر.
(عن عطاء) بن أبي رباح، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ) على المشهور. يروي عنه:(ع).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.
===
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه أيوب بن عتبة، وهو ضعيف.
(قال) ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) تقدم ما فيه من البحث.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه الدارقطني في "سننه"(3/ 15 - 16) من حديث ابن عباس أيضًا، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه مسلم وأصحاب "السنن الأربعة"، انظر تخريج الحديث الذي قبله.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح المتن بما قبله، وإن كان سنده ضعيفًا، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة، فهو صحيح المتن، ضعيف السند.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:
الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم