المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(52) - (762) - باب: قضية الحاكم لا تحل حراما ولا تحرم حلالا - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب التّجارات

- ‌(1) - (711) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَبَيْعِ الْغَرَرِ

- ‌فصل في حكم بيع المعاطاة

- ‌(2) - (712) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ وَضُرُوعِهَا وَضَرْبَةِ الْغَائِصِ

- ‌(3) - (713) - بَابُ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ

- ‌(4) - (714) - بَابُ الْإِقَالَةِ

- ‌(5) - (715) - بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُسَعِّرَ

- ‌(6) - (716) - بَابُ السَّمَاحَةِ فِي الْبَيْعِ

- ‌(7) - (717) - بَابُ السَّوْمِ

- ‌تتمة

- ‌(8) - (718) - بَابُ مَا جَاءَ فِي كرَاهِيَةِ الْأَيْمَانِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ

- ‌فائدة

- ‌(9) - (719) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا أَوْ عَبْدًا لَهُ مَالٌ

- ‌(10) - (720) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا

- ‌تتمة

- ‌(11) - (721) - بَابُ بَيْعِ الثِّمَارِ سِنِينَ وَالْجَائِحَةِ

- ‌(12) - (722) - بَابُ الرُّجْحَانِ فِي الْوَزْنِ

- ‌(13) - (723) - بَابُ التَّوَقِّي فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ

- ‌(14) - (724) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْغِشِّ

- ‌(15) - (725) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ

- ‌(16) - (726) - بَابُ بَيْعِ الْمُجَازَفَةِ

- ‌(17) - (727) - بَابُ مَا يُرْجَى فِي كَيْلِ الطَّعَامِ مِنَ الْبَرَكَةِ

- ‌(18) - (728) - بَابُ الْأَسْوَاقِ وَدُخُولِهَا

- ‌(19) - (729) - بَابُ مَا يُرْجَى مِنَ الْبَرَكةِ فِي الْبُكُورِ

- ‌(20) - (730) - بَابُ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ

- ‌(21) - (731) - بَابُ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ

- ‌(22) - (732) - بَابُ عُهْدَةِ الرَّقِيقِ

- ‌(23) - (733) - بَابٌ: مَنْ بَاعَ عَيْبًا .. فَلْيُبَيِّنْهُ

- ‌(24) - (734) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ السَّبْيِ

- ‌(25) - (735) - بَابُ شِرَاءِ الرَّقِيقِ

- ‌(26) - (736) - بَابُ الصَّرْفِ وَمَا لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ

- ‌(27) - (737) - بَابُ مَنْ قَالَ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ

- ‌فصل في بيان حد الربا وأقسامه وعلته

- ‌(28) - (738) - بَابُ صَرْفِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ

- ‌(29) - (739) - بَابُ اقْتِضَاءِ الذَّهَبِ مِنَ الْوَرِقِ وَالْوَرِقِ مِنَ الذَّهَبِ

- ‌(30) - (740) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ كسْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ

- ‌(31) - (741) - بَابُ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ

- ‌(32) - (742) - بَابُ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ

- ‌(33) - (743) - بَابُ بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا

- ‌(34) - (744) - بَابُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً

- ‌(35) - (745) - بَابُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ

- ‌(36) - (746) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي الرِّبَا

- ‌(37) - (747) - بَابُ السَّلَفِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ

- ‌(38) - (748) - بَابٌ: مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ. . فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ

- ‌(39) - (749) - بَابُ إِذَا أَسْلَمَ فِي نَخْلٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُطْلِعْ

- ‌(40) - (750) - بَابُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ

- ‌(41) - (751) - بَابُ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ

- ‌(42) - (752) - بَابُ مَا لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ

- ‌(43) - (753) - بَابُ مَا لِلْمَرْأَةِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا

- ‌(44) - (754) - بَابُ مَا لِلْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَ وَيَتَصَدَّقَ

- ‌(45) - (755) - بَابُ مَنْ مَرَّ عَلَى مَاشِيَةِ قَوْمٍ أَوْ حَائِطٍ هَلْ يُصِيبُ مِنْهُ

- ‌(46) - (756) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا

- ‌فرع

- ‌(47) - (757) - بَابُ اتِّخَاذِ الْمَاشِيَةِ

- ‌كتابُ الأحكام

- ‌(48) - (758) - بَابُ ذِكْرِ الْقُضَاةِ

- ‌(49) - (759) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي الْحَيْفِ وَالرِّشْوَةِ

- ‌(50) - (760) - بَابُ الْحَاكِمِ يَجْتَهِدُ فَيُصِيبُ الْحَقَّ

- ‌(51) - (761) - بَابٌ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ وَهُوَ غَضْبَانُ

- ‌(52) - (762) - بَابٌ: قَضِيَّةُ الْحَاكمِ لَا تُحِلُّ حَرَامًا وَلَا تُحَرِّمُ حَلَالًا

- ‌(53) - (763) - بَابُ مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَخَاصَمَ فِيهِ

- ‌(54) - (764) - بَابٌ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

- ‌(55) - (765) - بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَاجِرَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالًا

- ‌(56) - (766) - بَابُ الْيَمِينِ عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ

- ‌(57) - (767) - بَابٌ: بِمَا يُسْتَحْلَفُ أَهْلُ الْكِتَابِ

- ‌(58) - (768) - بَابٌ: الرَّجُلَانِ يَدَّعِيَانِ السِّلْعَةَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ

- ‌(59) - (769) - بَابُ مَنْ سُرِقَ لَهُ شَيءٌ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ اشْتَرَاهُ

- ‌(60) - (770) - بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي

- ‌(61) - (771) - بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنْ كَسَرَ شَيْئًا

- ‌(62) - (772) - بَابُ الرَّجُلِ يَضَعُ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِ جَارِه

- ‌(63) - (773) - بَاب: إِذَا تَشَاجَرُوا فِي قَدْرِ الطَّرِيقِ

- ‌(64) - (774) - بَابُ مَنْ بَنَى فِي حَقِّهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ

- ‌(65) - (775) - بَابٌ: الرَّجُلَانِ يَدَّعِيَانِ فِي خُصٍّ

- ‌(66) - (776) - بَابُ مَنِ اشْتَرَطَ الْخَلَاصَ

- ‌(67) - (777) - بَابُ الْقَضَاءِ بِالْقُرْعَةِ

- ‌(68) - (778) - بَابُ الْقَافَةِ

- ‌(69) - (779) - بَابُ تَخْيِيرِ الصَّبِيِّ بَيْنَ أَبَوَيْهِ

- ‌(70) - (780) - بَابُ الصُّلْحِ

- ‌(71) - (781) - بَابُ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ يُفْسِدُ مَالَهُ

- ‌(72) - (782) - بَابُ تَفْلِيسِ الْمُعْدِمِ وَالْبَيْعِ عَلَيْهِ لِغُرَمَائِهِ

- ‌(73) - (783) - بَابُ مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ

- ‌(74) - (784) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ لَمْ يُسْتَشْهَدْ

- ‌(75) - (785) - بَابُ الرَّجُلِ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ وَلَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُهَا

- ‌(76) - (786) - بَابُ الْإِشْهَادِ عَلَى الدُّيُونِ

- ‌(77) - (787) - بَابُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ

- ‌(78) - (788) - بَابُ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ

- ‌فائدة

- ‌(79) - (789) - بَابُ شَهَادَةِ الزُّورِ

- ‌(80) - (790) - بَابُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ

الفصل: ‌(52) - (762) - باب: قضية الحاكم لا تحل حراما ولا تحرم حلالا

(52) - (762) - بَابٌ: قَضِيَّةُ الْحَاكمِ لَا تُحِلُّ حَرَامًا وَلَا تُحَرِّمُ حَلَالًا

(121)

- 2278 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَة، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيه، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ تَخْتصِمُونَ إِلَيَّ وَإنَّمَا أَنَا بَشَرٌ،

===

(52)

- (762) - (باب: قضية الحاكم لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالًا)

(121)

- 2278 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير.

(عن زينب بنت أم سلمة) المخزومية الصحابية ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها.

(عن أم سلمة) أم المؤمنين هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات، وفيه رواية صحابية عن صحابية، وبنت عن والدتها.

(قالت) أم سلمة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم) أيها الناس (تختصمون إلي) أي: ترفعون المخاصمة بينكم إلي لأحكم بينكم (وإنما أنا بشر) مثلكم؛ أي: لا أعلم من الغيب إلا ما أطلعني الله تعالى عليه؛ كما هو شأن البشر. انتهى "سندي".

أي: كواحد من البشر في عدم علم الغيب، قال النووي: معناه: التنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطنِ الأمور شيئًا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك، وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز

ص: 362

وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي لَكُمْ عَلَيَّ نَحْوٍ مِمَّا

===

عليهم، وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر، ولا يتولى السرائر، فيحكم بالبينة وباليمين، ونحو ذلك من أحكام الظاهر، مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك، ولو شاء الله .. لأطلعه على باطن أمر الخصمين، فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين، لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء به في أقواله وأفعاله وأحكامه .. أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور؛ ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره؛ ليصح الاقتداء به. انتهى، انتهى من "تحفة الأحوذي".

(ولعل بعضكم) أيها الناس (أن يكون ألحن) وأفصح وأبين (بحجته) ودعواه (من بعض) آخر؛ أي: من غيره، وفي رواية للبخاري ومسلم:(أن يكون أبلغ من بعض).

قال الحافظ: ألحن بمعنى أبلغ؛ لأنه من لحن؛ كفطن؛ من باب طرب وزنًا ومعنىً، والمراد: أنه إذا كان أفطن .. كان قادرًا على أن يكون أبلغ في حجته من الآخر. انتهى، قال السندي: وأن في قوله: "أن يكون" زائدة، دخلت في خبر لعل؛ تشبيهًا لها بعسى.

وقوله: "ألحن" أي: أفطن وأعرف بها، أو أقدر على بيان مقصوده وأبين كلامًا. انتهى منه.

قال في "النيل": ويجوز أن يكون معناه: أفصح تعبيرًا عنها، وأظهر احتجاجًا حتى يخيل أنه محق، وهو في الحقيقة مبطل، والأظهر: أن معناه: أبلغ؛ كما وقع في رواية في "الصحيحين" أي: أحسن إيرادًا للكلام. انتهى.

(وإنما أقضي) وأحكم (لكم) أي: بينكم (على نحو) وشبه ومثل (مما

ص: 363

أَسْمَعُ مِنْكُمْ؛ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا .. فَلَا يَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

===

أسمع) أي: على مثل ما أسمعه (منكم) من الكلام (فمن قضيت) وحكمت (له) منكم على مثل ما سمعته منه (من حق أخيه) المسلم ومثله الذمي والمعاهد (شيئًا) من المال أو غيره .. (فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له) أي: قطعت وحكمت (قطعة) -بكسر القاف- أي: طائفة (من النار يأتي بها) أي: بتلك القطعة من النار حاملًا لها على رقبته (يوم القيامة) والمحاسبة والمجازاة على الأعمال؛ أي: إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه .. دخل النار. انتهى من "العون".

أي: إن الذي قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه .. فهو عليه حرام يؤول به إلى النار.

وقوله: "قطعة من النار" تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه؛ فهو من مجاز التشبيه؛ كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} (1).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين، ومسلم في كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، وأبو داوود في كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ، والترمذي في كتاب الأحكام، باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء، وقال أبو عيسى: حديث أم سلمة حديث حسن صحيح، والنسائي في كتاب آداب القضاة، باب الحكم بالظاهر.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة، والله تعالى أعلم.

قال الخطابي: في هذا الحديث من الفقه وجوب الحكم بالظاهر، وأن حكم

(1) سورة النساء: (10).

ص: 364

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الحاكم لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالًا، وأنه متى أخطأ في حكمه فقضى .. كان ذلك في الظاهر، فأما في الباطن وفي حكم الآخرة .. فإنه غير ماض. انتهى.

وقال النووي في "شرح مسلم": في هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم؛ أن حكم الحاكم لا يحل الباطل ولا يحل حرامًا، فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال، فحكم به الحاكم .. لم يحل للمحكوم له من ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل .. لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما ولا أخذ الدية منه، وإن شهدا بالزور أنه طلق امرأته .. لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم الحاكم بالطلاق، وقال أبو حنيفة: يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال، وقال: يحل نكاح المرأة المذكورة، وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح وإجماع من قبله من العلماء، ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها؛ وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال. انتهى، انتهى من "التحفة".

وقال في "معالم السنن": قال أبو حنيفة: إذا ادعت المرأة على زوجها الطلاق، وشهد لها شاهدان به، فقضى الحاكم بالتفرقة بينهما .. وقعت الفرقة فيما بينهما وبين الله تعالى وإن كانا شاهدي زور، وجاز لكل واحد من الشاهدين أن ينكحها، وخالفه أصحابه في ذلك. انتهى.

وقال في "السبل": والحديث دليل على أن حكم الحاكم لا يحل به للمحكوم له ما حكم له به على غيره، إذا كان ما ادعاه باطلًا في نفس الأمر ومَا أقامه من الشهادة الكاذبة، وأما الحاكم .. فيجوز له الحكم بما ظهر له والإلزام به، وتخليص المحكوم عليه لما حكم به لو امتنع، وينفذ حكمه ظاهرًا، ولكن لا يحل به الحرام إذا كان المدعي مبطلًا وشهادته كاذبة، وإلى هذا ذهب

ص: 365

(122)

- 2279 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَنَا بَشَر،

===

الجمهور، وخالف أبو حنيفة، فقال: إنه ينفذ ظاهرًا وباطنًا، وإنه لو حكم الحاكم بشهادة زور أن هذه المرأة زوجة فلان .. حلت له، واستدل بِآثَارٍ لا تقوم بها حجة وبقياسٍ لا يَقْوى على مقاومة النص. انتهى.

قلت: ولذلك خالفه أصحابه ووافقوا الجمهور. انتهى من "العون".

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أم سلمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(122)

- 2279 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ) على الصحيح.

يروي عنه: (ع)، ومحمد بن بشر. وروى هو عن: أبيه، وعن أبي سلمة.

(عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر) في

ص: 366

وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ قِطْعَةً .. فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ".

===

عدم اطلاعي على حقائق الأمور إلا ما أطلعني الله عليه (ولعل بعضكم أن يكون ألحن) وأبين لدعواه وأفصح (بحجته) أي: بما يقطع خصمه عنه ويعجزه عن معارضته (من بعض) آخر متعلق بألحن (فمن قطعت) وحكمت (له) بدعواه الفصيحة (من حق أخيه) من المال أو غيره (قطعةً) أي: طائفة .. (فإنما أقطع) أي: فإنما قطعت وحكمت (له) أي: لذلك الألحن (قطعةً من النار) أي: قطعة موصلةً له إلى النار، فليدعها أو يأخذها.

قوله: "إنما أنا بشر" قال الحافظ: المراد: أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختص بها في ذاته وصفاته، والحصر هنا مجازي؛ لأنه يختص بعلم الباطن فيما أطلعه الله تعالى عليه، ويسمى قَصْرَ القَلْبِ؛ لأنه أتى به ردًا على من زعم أنه من كان رسولًا .. فإنه يعلم كل غيب، حتى لا يخفى عليه المظلوم. انتهى، انتهى من "العون".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شاهدًا من حديث أم سلمة المذكور قبله، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.

* * *

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:

الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 367