الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أصح، فهو أرجح، وثالثها: أن ذلك محمول على ما إذا علم طيب نفوس أرباب الأموال بالعادة أو بغيرها، ورابعها: أن ذلك محمول على أوقات المجاعة والضرورة؛ كما كان ذلك في أول الإسلام، والله تعالى أعلم.
فرع
لو اضطر فلم يجد ميتةً .. فيجب عليه إحياء رمقه من مال الغير، فهل يلزمه قيمة ما أكل أم لا؟
قولان في المذهب، والجمهور على وجوبها عليه إذا أمكنه ذلك؛ فإن وجد ميتة وطعامًا للغير: فإن أمن على نفسه من التلف والضرر .. أكل ويغرم قيمته، وقيل: لا يغرم، وإن لم يأمن على نفسه .. أكل الميتة، قاله مالك، غير أنه قد جرت عادة بعض الناس بالمسامحة في أكل بعض الثمر؛ كما اتفق في بعض بلادنا، وفي شرب لبن الماشية؛ كما كان ذلك في أهل الحجاز، فيكون استمرار العادة بذلك وترك النكير فيه دليلًا على إباحة ذلك، ولذلك شرب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه من لبن غنم الراعي في طريق الهجرة، ويمكن أن تحمل الأحاديث المتقدمة على العادة الجارية عندهم في اللبن والثمرة. انتهى من "المفهم".
ومنهم من جمع بين أحاديث الإذن وأحاديث النهي بوجوه من الجمع؛ فمنها: حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه، والنهي على ما إذا لم يعلم.
ومنها: تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره أو بالمضطر أو حال المجاعة مطلقًا، وحكى ابن بطال عن بعض شيوخه أن حديث الإذن كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده من التشاح
(107)
- 2264 - (2) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ،
===
وترك المواساة بينهم، ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار. انتهى من "فتح الباري".
وظاهر تشبيه ضرع الماشية بالخزانة يقتضي أن من حلب ماشية أحد في خفية وكان قيمة ما حلب نصابًا .. قطع؛ كما يقطع من أخذه من خزانته، فيكون ضرع الماشية حرزًا، وقد قال به بعض العلماء، فأما مالك .. فلم يقل به إلا إذا كانت في حرز.
وفيه من الفقه: تسمية اللبن طعامًا؛ فمن حلف ألا يأكل طعامًا فشرب لبنًا .. حنث، إلا أن يكون له نية في نوع من الأطعمة. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب اللقطة، ومسلم في كتاب اللقطة، باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها، وأبو داوود في كتاب البيوع.
فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(107)
- 2264 - (2)(حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور) السليمي -بفتح المهملة وبعد اللام المكسورة تحتانية- أبو بشر البصري، صدوق تكلم فيه للقدر، من العاشرة، مات سنة خمس وخمسين ومئتين (255 هـ). يروي عنه:(د ق).
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ سَلِيطِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الطُّهَوِيّ، عَنْ ذُهَيْلِ بْنِ عَوْفِ بْنِ شَمَّاخ الطُّهَوِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ إِذْ رَأَيْنَا إِبِلًا مَصْرُورَة بِعِضَاهِ الشَّجَر،
===
(حدثنا عمر بن علي) بن عطاء بن مقدم -بوزن محمد بقاف- البصري، ثقة، وكان يدلس كثيرًا، من الثامنة، مات سنة تسعين ومئة (190 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن حجاج) بن أرطاة بن ثور النخعي الكوفي القاضي، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن سليط بن عبد الله الطهوي) -بفتحتين- التميمي، مجهول، من السادسة. يروي عنه:(ق).
(عن ذهيل) مصغرًا (ابن عوف بن شماخ الطهوي) التميمي، مجهول، من الثالثة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا أبو هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه حجاج بن أرطاة، وهو مدلس، وسليط بن عبد الله وذهيل بن عوف مجهولان.
(قال) أبو هريرة: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: بينا أوقات كوننا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (في سفر) لم أر من عين هذا السفر (إذ رأينا إبلًا مصرورة) أي: مربوطة الضروع، وكانت عادة العرب أنهم إذا أرسلوا الحلوبات إلى المراعي .. ربطوا ضروعها وأرسلوها؛ ويسمون ذلك الرباط: صرارًا.
وقوله: (بعضاه الشجر) صفة ثانية لإبلًا؛ أي: رأينا إبلًا مربوطة الضروع
فَثُبْنَا إِلَيْهَا فَنَادَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ هُوَ قُوتُهُمْ وَيُمْنُهُمْ بَعْدَ الله، أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَزَاوِدِكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذُهِبَ بِهِ؟ ! أَتُرَوْنَ
===
راعيةً بشجر العضاه، وهو من إضافة الاسم إلى المسمى؛ أي: راعيةً بشجر يُسمى بالعضاه، والعضاه -بكسر العين- هي شجر أم غيلان أو كل شجر عظيم له شوك (فَثُبْنَا) معشرَ الصحابة؛ أي: فاجتمعنا (إليها) لنحلب لبنها ونشربه، وقوله:(ثبنا) هو ماض أسند إلى ضمير المتكلمين؛ من ثاب الناس؛ إذا اجتمعوا؛ أي: اجتمعنا إليها بقصد لبنها على عادة العرب.
(فنادانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: أمر من ينادي إلينا بقوله: هلموا إِليَّ يا عباد الله (فرجعنا) من عند الإبل (إليه) أي: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الإبل) التي اجتمعتم إليها مملوكة الأهل بيت من المسلمين؛ هو) أي: ما في ضروعهم من اللبن (قوتهم) أي: طعامهم (ويمنهم) أي: بركتهم وسبب حياتهم (بعد الله) أي: من الله تعالى، وبعد هنا بمعنى: من.
وعبارة السندي: (هو قوتهم) أي: ما في ضروعها قوت لأولئك المسلمين (ويمنهم) -بضم الياء وسكون الميم- أي: بركتهم وخيرهم من الله تعالى؛ يعني: أن المحتاج إليه أولًا الذي فيه البركة واليمن .. هو الله تعالى، لكن بعد ذلك القوت هو المحتاج إليه. انتهى منه.
والاستفهام في قوله: (أيسركم) أي: هل يبشركم؛ للإنكار (لو رجعتم إلى مزاودكم) -بالزاي المعجمة- أي: إلى أوعيتكم المعدة للسفر (فوجدتم ما فيها) أي: ما في تلك المزاود من الزاد (قد ذهب به؟ ! ) -بالبناء للمجهول- أي: قد أخذ به فوجدتموها فارغةً من الزاد (أترون) -بضم التاء- بمعنى الظن؛
ذَلِكَ عَدْلًا؟ ! "، قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَإِنَّ هَذَا كَذَلِكَ"، قُلْنَا: أَفَرَأَيْتَ إِنِ احْتَجْنَا إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؟ فَقَالَ: "كُلْ وَلَا تَحْمِلْ، وَاشْرَبْ وَلَا تَحْمِلْ".
===
أي: أتظنون (ذلك) الأخذ؛ أي: أخذ ما في مزاودكم من الزاد (عدلًا) من فاعله؛ أَيْ: عَمَل عَدْلٍ وحقٍ مِن فاعله وآخذِه؟ ! بل ذلك الأخذ عمل ظلم وجور (قالوا) للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: قال الحاضرون في جواب استفهام النبي صلى الله عليه وسلم: (لا) أي: لا نرى ولا نظن ذلك الأخذ عدلًا وحقًا، بل هو ظلمُ ظالمٍ وجورُ جائر.
فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جوابهم هذا: (فإن هذا) الذي قصدتموه من حلب ما في ضروع مواشيهم .. كائن (كذلك) أي: كأخذ ما في مزاودكم من الزاد؛ فإنه ظلم واضح وجور ظاهر، قال أبو هريرة:(قلنا) معاشر الحاضرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفرأيت) أي: أخبرنا (إن احتجنا إلى) أكل (الطعام و) إلى شرب (الشراب) حاجةَ اضطرارٍ فلم نجد غير ما في ضروع مواشيهم، فهل يحل لنا طعامهم وشرابهم؟
(فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالنا عن ذلك: إذا احْتَجْتَ حاجةَ اضطرارٍ إلى أكل طعامهم وثمارهم .. فـ (كل) منها بقدر الحاجة لسد رمقك (ولا تحمل) شيئًا من طعامهم وثمارهم معك (و) احلب و (اشرب) من ألبانهم قدر الضرورة لسد الرمق (ولا تحمل) من ألبانهم معك؛ فإن حمل ذلك الفاضل على ما يسد الرمق حرام عليك؛ لأنه حق الناس.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه البيهقي في "الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" بهذا السند عن أبي هريرة، لكن للمتن شاهد في "صحيح مسلم" وغيره من حديث ابن عمر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح المتن بما قبله، ضعيف السند جدًّا، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:
الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم