الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(26) - (736) - بَابُ الصَّرْفِ وَمَا لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ
(59)
- 2216 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ،
===
(26)
- (736) - (باب الصرف وما لا يجوز متفاضلًا يدًا بيد)
والصرف: هو بيع الذهب بالفضة وبالعكس، قاله العيني.
* * *
(59)
- 2216 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(وهشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(ونصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(قالوا) أي: قال من هؤلاء الخمسة: (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي
عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ،
===
الكوفي ثم المكي، ثقة متقن، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن مسلم ابن شهاب (الزهري) المدني، ثقة إمام حجة، من الرابعة، من صغار التابعين، مات سنة خمس وعشرين، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح المهملتين والمثلثة (النصري) -بالنون- أبي سعيد المدني، له رؤية، وروى عن عمر بن الخطاب، مات سنة اثنتين وتسعين (92 هـ)، وقيل: سنة إحدى وتسعين. يروي عنه: (ع).
(قال) مالك بن أوس: (سمعت عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(الذهب بالذهب) أي: بيع الذهب بالذهب، ويدخل في الذهب جميع أنواعه؛ من مضروب ومنقوش، وجيد ورديء، وصحيح ومكسر، وحلىً وتبر، وخالص ومغشوش (ربًا) أي: فيه ربا نسيئة في جميع الأحوال (إلا) في حالة كونه مقولًا فيه: (هاء) أي: خذ المبيع (وهاء) أي: وهات ثمنه.
وهاء: فيه لغتان؛ المد والقصر، والمد أفصح وأشهر، والهمزة مفتوحة، ويجوز كسر الهمزة؛ نحو: هات، وسكونها مع القصر، وهو اسم فعل بمعنى: خذ هذا، ويقول به صاحبه مثله، ومعناه: التقابض، أفاده النووي.
وحقها ألا تقع بعد إلا؛ كما لا يقع بعدها خذ، فإذا وقع بعد إلا .. قدر
وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ".
===
قبله قول يكون به محكيًا؛ أي: إلا مقولًا من المتعاقدين: خذ وخذ؛ أي: يدًا بيد، فمحلُّهُ النصبُ، والمستثنى منه مقدر؛ يعني: بيع الذهب بالذهب ربًا في جميع الحالات، إلا حال الحضور والتقابض، فكنى عنه بقوله:"هاء وهاء" لأنه لازمه، ذكره الزرقاني.
قال ملا علي: وفي الحديث دليل على صحة بيع المعاطاة، ثم ذكر عن "شرح ابن الهمام" أن سفيان الثوري جاء إلى صاحب الرمان، فوضع عنده فلسًا، وأخذ رمانة، ولم يتكلم ومشى. انتهى.
وكذا يقال فيما بعده؛ يعني قوله: (والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء) أي: وبيع البر بالبر فيه ربا نسيئة في جميع الحالات، إلا حال الحضور والتقابض (والشعير بالشعير) فيه (ربا) نسيئة (إلا هاء وهاء) أي: في حال الحضور والتقابض (والتمر بالتمر) فيه (ربا) نسيئة (إلا هاء وهاء) أي: إلا في حالة الحضور والتقابض.
قال السندي: (هاء وهاء) هي اسم فعل بمعنى: خذ؛ تقول: هاء درهمًا؛ أي: خذ درهمًا، فدرهمًا منصوب باسم الفعل؛ كما ينصب بالفعل، وأصله هاك -بالكاف- فقلبت الكاف همزة. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام، ومسلم في كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق، وأبو داوود في كتاب البيوع، باب في الصرف، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في الصرف، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم.
(60)
- 2217 - (2) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَا: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ التَّمِيمِيُّ،
===
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عمر بن الخطاب بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(60)
- 2217 - (2)(حدثنا حميد بن مسعدة) -بفتح الميم وسكون المهملة- ابن المبارك السامي -بالمهملة- أو الباهلي البصري، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومئتين (244 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدثنا يزيد بن زريع) -بتقديم الزاي مصغرا- البصري أبو معاوية، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة اثنتين وثمانين ومئة (182 هـ). يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا محمد بن خالد بن خداش) -بكسر الخاء المعجمة- المهلبي أبو بكر البصري نزيل بغداد الضرير، صدوق يغرب، من صغار العاشرة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).
كلاهما (قالا) أي: كل من يزيد وإسماعيل: (حدثنا سلمة بن علقمة التميمي) أبو بشر البصري، ثقة، من السادسة، مات سنة تسع وثلاثين ومئة (139 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَاهُ قَالَا: جَمَعَ الْمَنْزِلُ بَيْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
===
(حدثنا محمد بن سيرين) الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(أن مسلم بن يسار) المصري أبا عثمان الطنبذي -بكسر المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة- وفي "القاموس": طنبذ -بوزن قنفذ-: بلدة بمصر، منها مسلم بن يسار الطنبذي، تابعي محدث. انتهى.
والظاهر: أنه البصري الأموي أبو عبد الله الفقيه مولى بني أمية من فقهاء البصرة وزهادها، وكان رضيع عبد الملك بن مروان. روى عن: أبي هريرة، وابن عمر، ويروي عنه:(من دت ق)، وثقه ابن حبان. وقال أحمد: ثقة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلًا ورعًا عابدًا، وقال ابن عون: كان مسلم بن يسار إذا كان في غير صلاة .. كأنه كان في صلاة، وإذا كان في صلاة .. كأنه وتد لا يتحرك شيء منه؛ كما في "التهذيب"(10/ 141)، وقال في "التقريب": مقبول، من الرابعة.
(وعبد الله بن عبيد) -مصغرًا بغير إضافة- ابن عمير الليثي المكي، ثقة، من الثالثة، استشهد غازيًا سنة ثلاث عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدَّثاه) أي: حدَّثا لابنِ سيرين (قالا) أي: قال مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد: (جمع المنزل) أي: منزل ومكان تنزله الرفقة في السفر.
(بين عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم بن فهر الأنصاري الخزرجي الشامي، مات بالرملة سنة أربع وثلاثين (34 هـ)، وله اثنتان وسبعون سنة
وَمُعَاوِيَةَ إِمَّا فِي كَنِيسَةٍ وَإِمَّا فِي بِيعَةٍ، فَحَدَّثَهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالْوَرِق، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَب، وَالْبُرِّ بِالْبُرّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِير، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْر، قَالَ أَحَدُهُمَا: وَالْمِلْحِ بِالْمِلْح، وَلَمْ يَقُلْهُ الْآخَرُ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا.
===
رضي الله تعالى عنه، وقيل: عالش إلى خلافة معاوية. يروي عنه: (ع).
(ومعاوية) بن أبي سفيان أميرًا من جهة عمر، لا خليفة؛ فإن زمان خلافته متأخر عن ذلك بكثير رضي الله تعالى عنه (إما) بنزولهما (في كنيسة) معبد اليهود (وإما) بنزولهما (في بيعة) معبد النصارى (فحدثهم) أي: فحدث الناس (عبادة بن الصامت).
هذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات أثبات.
(فقال) عبادة في حديثه: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق) والفضة (بالورق و) عن بيع (الذهب بالذهب، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر) قال ابن سيرين: اتفق مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد على هذه الخمسة المذكورة، ولكنهما اختلفا في الملح: فـ (قال أحدهما: و) نهى عن بيع (الملح بالملح، ولم يقله) أي: ولم يذكر النهي عن بيع الملح بالملح (الآخر) منهما.
وقوله: (وأمرنا) أي: أذن لنا فيه، ورخص لنا فيه. انتهى "سندي"، معطوف على قوله: نهانا؟ أي: وقال عبادة: وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر) حالة كون بيع أحدهما بالآخر (يدًا بيد) أي: مقابضة حالًا لطعمِهما، وأن نبيع أحدهما بالآخر (كيف شئنا) أي: بأي حالة شئناها من التفاضل أو المساواة؛ لاختلاف جنسهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وفي الحديث دليل: على أن البر والشعير جنسان؟ كما عليه الجمهور، لا جنس واحد؛ كما عليه مالك.
قوله: (وعن بيع الورق بالورق، والذهب بالذهب) هذا إذا كانت خالصة؛ فإن التفاضل في مبادلتها بجنسها عين الربا، أما الدراهم والدنانير المغشوشة .. فقد ذكر فقهاء الأمصار أن الغش إن كا مغلوبًا .. فلا عبرة به، فيحرم التفاضل فيه؛ كما في الذهب والفضة الخالصين؛ لأنها لا تخلو عن قليل غش عادة؛ لأنها لا تنطبع إلا مع الغش، وقد يكون الغش خلقيًا؛ كما في الرديء منها، فيُلحق بها القليلُ بالرداءة، فيكون الجيد والرديء سواء.
وأما إذا كان الغالب عليها الغش .. فليس في حكم الدراهم والدنانير الخالصة؛ فإن بيعت بجنسها متفاضلًا .. جاز عند الأحناف؛ صرفًا للجنس إلى خلاف الجنس، فهي في حكم شيئين مختلفي الجنس؛ كفضة وصفر، ولكنه صرف حتى يشترط القبض في المجلس، لوجود الفضة من الجانبين، فإذا شرط القبض في الفضة .. يشترط في الصفر؛ لأنه لا يتميز منه إلا بالضرر. انتهى من "التكملة".
وأما الشافعية .. فالعلة عندهم جوهرية الثمن، فيختص الربا بالذهب والفضة، فليست الفلوس في حكمهما؛ فقد صرح علماؤهم بأنه لا ربا في الفلوس، وإن راجت رواج النقود، فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلًا؛ كما في "نهاية المحتاج" للرملي (3/ 418) و" تحفة المحتاج" لابن حجر المكي مع "حاشيته للشرواني"(4/ 279).
وأما المالكية .. فيعتبرون الفلوس كالدراهم والدنانير سواء بسواء مهما كانت مادتها واحدة حتى لو راجت فلوس الجلد .. كان لها حكم الذهب والفضة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما الحنفية .. فالفلوس عندهم عددية، فليست من الأموال الربوية، والذي يظهر أن فلوس مملكة واحدة كلها جنس واحد، والتماثل فيها بالقيمة لا بالوزن والعدد، وفلوس ممالك مختلفة أجناس مختلفة؛ كالهللات السعودية، والبيسات الباكستانية، فلا يشترط فيها التماثل؛ لعدم اتحاد الجنس.
وأما الأوراق النقدية التي تسمى نوطًا .. فالمختار فيها أنها بمنزلة الدراهم والدنانير، فتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصابًا بقيمتها من الدراهم أو الدنانير وحال عليها الحول، وتجري فيها أحكام الربا.
ويجوز فيها التفاضل عند اختلافه، واختلاف الجنس فيها باختلاف دولتها؛ كما مر آنفًا، فلا يجوز صرف أبي عشرة من الريالات السعودية بإحدى عشرة من الريالات المتفرقة، أو تسع منها؛ كما يفعله بعض الغشاشين من الصيارفة؛ لاشتراطه المماثلة بينهما قيمةً.
وأما إذا اختلف جنس الأوراق .. فيجوز فيها التفاضل مع اشتراط التقابض والحلول؛ كبيع أبي عشرة من الريال السعودي بعشرين من الريالات الأثيوبية مثلًا؛ لاختلاف الجنس باختلاف دولتها؛ نظير الذهب بالفضة. انتهى من "الكوكب".
قوله: (والبر بالبر والشعير بالشعير) دليل على أنهما جنسان مختلفان؛ كمخالفة التمر للبر، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والثوري وابن علية وفقهاء أهل الحديث، وذهب مالك والأوزاعي والليث ومعظم علماء المدينة والشام إلى أنهما صنف واحد، وهو مروي عن عمر وسعيد وغيرهما من السلف، متمسكين بتقاربهما في المنبت والمحصد والمقصود؛ لأن كل واحد منهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في معنى الآخر، والاختلاف الذي بينهما إنما هو من باب مخالفة جيد الشيء لرديئه. انتهى من "المفهم".
وقد تقدم القول في النقود والقول هنا في الأطعمة، ولم يختلف في جريان الربا في هذه الأصناف الأربعة المذكورة هنا، لكن هل تعلق الربا بأسمائها أم بمعانيها؟
فأهل الظاهر قصروه على أسمائها، فلا يجري الربا عندهم في غير هذه الأصناف الأربعة، وفقهاء الأمصار من الحجازيين وغيرهم رأوا أن ذلك متعلق بمعانيها، وتمسكوا في ذلك بما تقدم، وبأن الدقيق يجري فيه حكم الربا بالاتفاق، ولا يصدق عليه اسم شيء من تلك الأصناف المذكورة في الحديث.
فإن قيل: دقيق كل صنف منها مردود إلى حبه في حكمه.
قلنا: فهذا اعتراف بأن الحكم لم يتعلق بأسمائها بل بمعانيها، والله تعالى أعلم.
وقد اختلفوا في تعيين ذلك المعنى: فقال أبو حنيفة: إن علة ذلك كونه مكيلًا أو موزونًا جنسًا، وذهب الشافعي في القديم إلى أن المعنى: هو أنه مأكول مكيل أو موزون جنسًا، وفي الجديد: هو أنه مطعوم جنسًا، وحكي عن ربيعة أن العلة هي كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، واختلفت عبارات أصحابنا، وأحسن ما في ذلك هو كونه مقتاتًا مدخرًا للعيش غالبًا جنسًا، ولبيان الأرجح من هذه العلل والفروع المبنية عليها علم الخلاف، وكتب الفروع. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، ولكن ليس فيه ذكر جمع المنزل بين عبادة ومعاوية إما في كنيسة وإما في بيعة، وأبو داوود في كتاب البيوع والإجارات،
(61)
- 2218 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ،
===
باب في الصرف، والنسائي في كتاب البيوع، باب بيع الشعير بالشعير، والترمذي في كتاب البيوع، باب رقم (1240) قال: وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وبلال وأنس.
قال أبو عيسى: حديث عبادة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم؛ لا يرون أن يباع البر بالبر إلا مثلًا بمثل، والشعير بالشعير إلا مثلًا بمثل، فإذا اختلف الأصناف .. فلا بأس أن يباع متفاضلًا إذا كان يدًا بيد، وهذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قال الشافعي: والحجة في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بيعوا الشعير بالبر كيف شئتم يدًا بيد"، قال أبو عيسى: وقد كره بعض أهل العلم أن تباع الحنطة بالشعير إلا مثلًا بمثل، وهو قول مالك بن أنس، والقول الأول أصح.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عمر بن الخطاب.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمر بن الخطاب بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(61)
- 2218 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يعلى بن عبيد) بن أبي أمية الكوفي أبو يوسف الطنافسي، ثقة إلا أن في حديثه عن الثوري لينًا، من كبار التاسعة، مات سنة بضع ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).
حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْفِضَّةُ بِالْفِضَّة، وَالذَّهَبُ بِالذَّهَب، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِير، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَة، مِثْلًا بِمِثْلٍ".
===
(حدثنا فضيل بن غزوان) -بفتح المعجمة وسكون الزاي- ابن جرير الضبي مولاهم أبو الفضل الكوفي، ثقة، من كبار السابعة، مات بعد سنة أربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الرحمن (بن أبي نعم) -بضم النون وسكون العين المهملة- البجلي أبي الحكم الكوفي، صدوق، من الثالثة، مات قبل المئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفضة بالفضة) قال السندي: بالنصب؛ أي: بيعوا الفضة بالفضة، والأمر للجواز أو للإيجاب بالنظر إلى قيد مثلًا؛ أي: يجب عليكم مراعاة المماثلة إذا بعتم، وبالرفع: الفضة تباع بالفضة، وكذا ما بعده (والذهب بالذهب، والشعير بالشعير، والحنطة بالحنطة مثلًا) مقابلًا (بمثل) أي: مثلًا مقابلًا بمماثله؛ يعني: يشترط التماثل بين العوضين.
فالحديث يدل على وجوب تحقيق المماثلة في بيع الربوي بجنسه، وذلك لا يكون إلا بمعيار معلوم مقداره بالشرع أو بالعادة وزنًا أو كيلًا، والأولى عند مالك أن تجعل ذهبك في كفة، ويجعل ذهبه في كفة، فإذا استوى .. أخذ وأعطى، وكذلك يكون الكيل واحدًا، ويجوز بصنجة واحدة معلومة المقدار بالعادة أو التحقيق، ولا يجوز عند مالك والشافعي الصرف ولا في غيره من البيوع أن يتعاملا بمعيار مجهول يتفقان عليه؛ لجهل كل واحد منهما بما يصير إليه حالة العقد.
(62)
- 2219 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، والنسائي في كتاب البيوع، باب بيع الدرهم بالدرهم، وأحمد في "المسند".
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(62)
- 2219 - (4)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه.
قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْزُقُنَا تَمْرًا مِنْ تَمْرِ الْجَمْع، فَنَسْتَبْدِلُ بِهِ تَمْرًا هُوَ أَطْيَبُ مِنْهُ وَنَزِيدُ فِي السِّعْر، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَصْلُحُ صَاعُ تَمْرٍ بِصَاعَيْن، وَلَا دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْن، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا إِلَّا وَزْنًا".
===
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو سعيد: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يرزقنا تمرًا) أي: يعطينا رزقنا تمرًا (من تمر الجمع) قال السندي: قيل: هو كل لون أي نوع من النخيل؛ أي: من التمر لا يعرف اسمه، فهو جمع، وقيل: الجمع تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبًا فيه ولا يخلط إلا لردائته (فنستبدل به) أي: نبيع بذلك الجمع الرديء (تمرًا) أي: بتمر (هو أطيب) وأجود (منه) أي: من ذلك الجمع (ونزيد) لصاحب الأطيب (في السعر) أي: في سعر أطيبه؛ أي: نزيد له من تمرنا الجمع في مقابلة تمره الأطيب، قال السندي:(ونزيد في السعر) أي: فيما نعطي من مقابلة الأطيب من الجمع.
(فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلح) أي: لا يجوز ولا يصح (صاع تمر بصاعين) أي: لا يصح بيع صاع تمر -ولو كان أجود- بصاعين منه -ولو كان أردأ- (ولا) بيع (درهم بدرهمين، والدرهم) يباع (بالدرهم، والدينار) يباع (بالدينار) مثلًا بمثل (لا فضل) ولا زيادة ولا مفاضلة (بينهما) أي: بين العوضين، لا يباع أحدهما بالآخر (إلا) متماثلًا (وزنًا) لاتحاد الجنس.
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرزقنا تمرًا من تمر الجمع) أي: يعطي لنا ويقسم التمر الرديء في رزقنا وسهمنا، وكان هذا العطاء مما يقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مما أفاء الله عليهم من خيبر؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لضيق العيش، والجمع الخلط -بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام- أي: المخلوط من التمر من أنواع مختلفة، وإنما خلط لردائته وهذا الخلط لا يعد غشًا؛ لأنه متميز ظاهر، بخلاف خلط اللبن بالماء؛ فإنه لا يظهر. انتهى "قسطلاني".
وفي الحديث: دليل على أن الذي ارتكب المحذور لجهالة معذور في أحكام الآخرة، ولذلك لم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم على فعله السابق، وإنما أمره في المستقبل ألا يعود، ولكنه غير معذور في أحكام الدنيا، فلا يصح العقد الباطل أو الفاسد بعذر الجهالة، ولذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم برد هذا التمر، وفسخ البيع فيما سيأتي من طريق أبي نضرة في "صحيح مسلم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الخلط من التمر، ومسلم في كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلًا بمثل، والنسائي في كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالذهب.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم