المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) - (861) - باب: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحدود

- ‌(1) - (861) - بَابٌ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ

- ‌(2) - (862) - بَابُ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ

- ‌(3) - (863) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ

- ‌(4) - (864) - بَابُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(5) - (865) - بَابُ السَّتْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَدَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ

- ‌(6) - (866) - بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

- ‌(7) - (867) - بَابُ حَدِ الزِّنَا

- ‌(8) - (868) - بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ

- ‌(9) - (869) - بَابُ الرَّجْمِ

- ‌(10) - (870) - بَابُ رَجْمِ الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيَّةِ

- ‌(11) - (871) - بَابُ مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ

- ‌(12) - (872) - بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌(13) - (873) - بَابُ مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

- ‌(14) - (874) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْإِمَاءِ

- ‌فرع

- ‌(15) - (875) - بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌(16) - (876) - بَابُ حَدِّ السَّكْرَانِ

- ‌(17) - (877) - بَابُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا

- ‌(18) - (878) - بَابُ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(19) - (879) - بَابُ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ

- ‌(20) - (880) - بَابُ مَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا

- ‌(21) - (881) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ .. فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌(22) - (882) - بَابُ حَدِّ السَّارِقِ

- ‌فائدة

- ‌(23) - (883) - بَابُ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي الْعُنُقِ

- ‌(24) - (884) - بَابُ السَّارِقِ يَعْتَرِفُ

- ‌(25) - (885) - بَابُ الْعَبْدِ يَسْرِقُ

- ‌(26) - (886) - بَابُ الْخَائِنِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْمُخْتَلِسِ

- ‌(27) - (887) - بَابٌ: لَا يُقْطَعُ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ

- ‌(28) - (888) - بَابُ مَنْ سَرَقَ مِنَ الْحِرْزِ

- ‌(29) - (889) - بَابُ تَلْقِينِ السَّارِقِ

- ‌(30) - (890) - بَابُ المُسْتَكْرَهِ

- ‌(31) - (891) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ

- ‌(32) - (892) - بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌تتمة

- ‌(33) - (893) - بَابٌ: الْحَدُّ كفَّارَةٌ

- ‌(34) - (894) - بَابُ الرَّجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا

- ‌(35) - (895) - بَابُ مَنْ تَزَوَّجَ أمْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ

- ‌(36) - (896) - بَابُ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ

- ‌تتمة

- ‌(37) - (897) - بَابُ مَنْ نَفَى رَجُلًا مِنْ قَبِيلَتِهِ

- ‌(38) - (898) - بَابُ الْمُخَنَّثِينَ

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌(39) - (899) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا

- ‌(40) - (900) - بَابُ هَلْ لِقَاتِلِ مُؤْمِنٍ تَوْبَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(41) - (901) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ .. فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ

- ‌(42) - (902) - بَابُ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَرَضُوا بِالدِّيَةِ

- ‌(43) - (903) - بَابٌ: دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(44) - (904) - بَابُ دِيَةِ الْخَطَأَ

- ‌(45) - (905) - بَابُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ .. فَفِي بَيْتِ الْمَالِ

- ‌(46) - (906) - بَابُ مَنْ حَالَ بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ

- ‌(47) - (907) - بَابُ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ

- ‌(48) - (908) - بَابُ الْجَارِحِ يُفْتَدَى بِالْقَوَدِ

- ‌تتمة في ترجمة أبي الجهم

- ‌(49) - (909) - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

- ‌(50) - (910) - بَابُ الْمِيرَاثِ مِنَ الدِّيَةِ

- ‌(51) - (911) - بَابُ دِيَةِ الْكَافِرِ

- ‌(52) - (912) - بَابٌ: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ

- ‌(53) - (913) - بَابٌ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا وَمِيرَاثُهَا لِوَلَدِهَا

- ‌(54) - (914) - بَابُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ

- ‌تتمة في دفع التعارض الواقع بين الروايات المختلفة الواقعة في هذه القصة

- ‌(55) - (915) - بَابُ دِيَةِ الْأَسْنَانِ

- ‌(56) - (916) - بَابُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ

- ‌(57) - (917) - بَابُ الْمُوضِحَةِ

- ‌(58) - (918) - بَابُ مَنْ عَضَّ رَجُلًا فَنَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَ ثَنَايَاهُ

- ‌(59) - (919) - بَابٌ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

- ‌(60) - (920) - بَابٌ: لا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ

- ‌(61) - (921) - بَابُ هَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ

- ‌(62) - (922) - بَابٌ: يُقْتَادُ مِنَ الْقَاتِلِ كمَا قَتَلَ

- ‌(63) - (923) بَابٌ: لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ

- ‌(64) - (924) - بَابٌ: لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ

- ‌(65) - (925) - بَابُ الْجُبَارِ

- ‌(66) - (926) - بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌(67) - (927) - بَابٌ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(68) - (928) - بَابٌ: أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ

- ‌(69) - (929) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ

- ‌(70) - (930) - بَابُ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌(71) - (931) - بَابُ مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ

- ‌(72) - (932) - بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقَاتِلِ

- ‌(73) - (933) - بَابُ الْعَفْوِ فِي الْقِصَاصِ

- ‌(74) - (934) - بَابُ الحَامِلِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَوَدُ

- ‌كتاب الوصايا

- ‌(75) - (935) - بَابٌ: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(76) - (936) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ

- ‌(77) - (937) - بَابُ الْحَيْفِ فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌(78) - (938) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِمْسَاكِ فِي الْحَيَاةِ وَالتَّبْذِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌(79) - (939) - بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ

- ‌(80) - (940) - بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ

- ‌(81) - (941) - بَابٌ: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ

- ‌(82) - (942) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ هَلْ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ

- ‌(83) - (943) - بَابُ قَولِهِ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

الفصل: ‌(1) - (861) - باب: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث

(19)

- كِتَابُ الْحُدُودِ

(1) - (861) - بَابٌ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ

===

(19)

- (كتاب الحدود)

(1)

- (861) - (باب: لا يحلُّ دمُ امرئ مسلمٍ إلا في ثلاث)

والحدودُ جمعُ حد، وإنما جَمَعها؛ لاختلاف أنواعها، والحدُّ لغةً: المنع، سميت الحدود الشرعية بذلك؛ لمنعها من ارتكاب الفواحش، وذالك لأن من علم أنه إذا زنى .. حُد، امتنع من الزنا، وهكذا فقد منعه الحد من ارتكاب الزنا ونحوه، وقيل: لأن لها نهايات مضبوطةً، فتكون مأخوذةً من الحد بمعنى النهاية، وقيل: مأخوذة من حدَّ بمعنى قدَّر؛ لأن الشارع قدرها بما لا يزيد ولا ينقص.

وأما شرعًا: فهي عقوبة مقدرة وجبت على من ارتكب ما يوجبها.

فإن الشارع قدرها، فلا يزاد عليها ولا ينقص عنها.

وخرج بذلك التعزير؛ فإنه عقوبة غير مقدرة، بل موكولةٌ إلى رأي الإمام، وشرعت الحدود زواجر عن ارتكاب ما يوجبها من المعاصي، وقيل: جبرًا لذلك، والأول مبني على القول بأن الحدود زواجر، والثاني مبني على القول بأنها جوابر، والراجح أنها في حق الكافر زواجر، وفي حق المسلم جوابر، فإذا استوفيت في الدنيا .. فلا يعاقب على المعاصي التي اقتضتها في الآخرة؛ لأن الله عز وجل أكرمُ من أن يعاقب على الذنب مرتين. انتهى من "ب ج على الغَزِّيِّ".

ص: 11

(1)

- 2492 - (1) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَسَمِعَهُمْ وَهُمْ يَذْكُرُونَ الْقَتْلَ

===

(1)

- 2492 - (1)(حدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري، ثقة رمي بالنصب، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(م عم).

قوله: (بالنصب) النصب - بفتح النون وسكون الصاد المهملة -: هو مذهب تدينت به الناصبة من الخوارج؛ وهو نصب العداء للخليفة علي رضي الله تعالى عنه.

(أنبأنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الجهضمي البصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه (ع).

(عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني أبي سعيد القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن أبي أمامة) أسعد، وقيل: سعد (بن سهل بن حنيف) - مصغرًا - الأنصاري، معروف بكنيته، معدود في الصحابة، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).

(أن عثمان بن عفان) ذا النورين الأموي المدني أحد الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(أشرف) واطلع (عليهم) أي: على أبي أمامة ومن معه (فسمعهم) عثمان (وهم) أي: والحال أن أبا أمامة ومن معه (يذكرون القتل) أي: قتل عثمان

ص: 12

فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَتَوَاعَدُونِي بِالْقَتْلِ، فَلِمَ يَقْتُلُونِي؟

===

ويتشاورون عليه (فقال) لهم: (إنهم) أي: إن هؤلاء النفر (ليتواعدوني بالقتل) أي: ليتشاورون على قتلي (فلم يقتلوني؟ ) أي: لأي سبب يقتلوني؟

قوله: (فلم تقتلوني)، وفي رواية الترمذي:(فبم تقتلوني) بتشديد النون، وفي "المشكاة":(تقتلونني) قال القاري: بنونين، وفي نسخة من "المشكاة" بنون مشددة، وفي نسخة بتخفيفها؛ أي: فباي سبب تريدون قتلي؟ والخطاب للتغليب. انتهى.

قال الحافظ: قال شيخنا - يعني: الحافظ العراقي في "شرح الترمذي" -: استثنى بعضهم من الثلاثة الصائل ونحوه، فيباح قتله في الدفع، وقد يجاب عنه: بأنه داخل في المفارق للجماعة، أو يكون المراد: لا يباح تعمد قتله؛ بمعنى أنه لا يحل قتله إلا مدافعةً، بخلاف الثلاثة.

قال الحافظ: والجواب الثاني هو المعتمد، وحكى ابن التين عن الداوودي أن هذا الحديث منسوخ بآية المحاربة؛ يعني: قوله عز وجل: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} (1)، قال: فأباح القتل بمجرد الفساد في الأرض، قال: فقد ورد القتل بغير الثلاث أشياء؛ منها: قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (2)، وحديث "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط .. فاقتلوه"، وحديث:"من أتى بهيمة .. فاقتلوه"، وحديثُ:"مَن خرج وأَمْرُ الناسِ جَمْعٌ يريد تفرقهم .. فاقتلوه".

وقولُ جماعة من الأئمة: إن تاب أهل القَدَر؛ يعني القدرية، وإلا .. قتلوا، وقولُ جماعة من الأئمة: يضرب المبتاع حتى يرجع أو يموت، وقولُ جماعة

(1) سورة المائدة: (32).

(2)

سورة الحجرات: (9).

ص: 13

وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ دَمُ آمْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ؛ رَجُلٌ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ

===

من الأئمة: يقتل تارك الصلاة، قال: وهذا كله زائد على الثلاث، قال الحافظ: وزاد غيره قتل من طلب أخذ مال إنسان أو حريمه بغير حق، ومن ارتد ولم يفارق الجماعة، ومن خالف الإجماع وأظهر الشقاق والخلاف، والزنديق إذا تاب على رأي، والساحر.

والجواب عن ذلك كله: أن الأكثر في المحاربة أنه إن قتل .. قتل، وبأن حكم الآية في الباغي أن يقاتل لا أن يقصد إلى قتله، وبأن الخبرين في اللواط وإتيان البهيمة لم يصحا، وعلى تقدير الصحة .. فهما داخلان في الزنا.

وحديث الخارج على المسلمين تقدم تأويله بأن المراد بقتله: حبسه ومنعه من الخروج، والقول في القدرية وسائر المبتدعة مفرع على القول بتكفيرهم، وبأن قتل تارك الصلاة عند مَن لا يُكَفِّره مختلف فيه؛ كما تقدم، وأما من طلب المال أو الحريم .. فمن حكم دفع الصائل، ومخالف الإجماع داخل في مفارق الجماعة، وقتل الزنديق؛ لاستصحاب حكم كفره، وكذا الساحر، وقد حكى ابن العربي عن بعض أشياخه أن أسباب القتل عشرة، قال ابن العربي: ولا تخرج عن هذه الثلاثة بحال؛ فإن من سحر أو سب نبي الله .. كفر داخل في التارك لدينه. انتهى كلام الحافظ باختصار، انتهى من "التحفة".

(وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل) إراقةُ (دم امرئ مسلم) هو صفة مقيدة لامرئ؛ أي: لا يحل إراقة دمهِ كُلِّه، وهو كناية عن قَتْلِهِ، ولو لم يُرَق دمُه؛ كالخَنقِ والسحرِ والسُّمِّ (إلا في إحدى ثلاث) من الخصال، وفي رواية الترمذي:(إلا بإحدى ثلاث) - بالباء - إحداها: خصلة (رجل زنى وهو محصن) أي: متعفف من الزنا بالوطء في نكاح صحيح.

ص: 14

فَرُجِمَ، أَوْ رَجُلٌ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ رَجُلٌ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ"، فَوَاللهِ؛ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا فِي إِسْلَامٍ، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا مُسْلِمَةً، وَلَا ارْتَدَدْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ.

===

قوله: (فَرُجم) أي: قتل برجمه بالحجارة معطوف على (زنى) ولفظ الترمذي: (رجل زنى بعد إحصان) قال في "النهاية": أصل الإحصان: المنع، والمرأة تكون محصنة بالأسلام وبالعفاف والحرية وبالتزويج، يقال: أحصنَت المرأةُ، فهي محصَنة ومحصِنة - بكسر الصاد وفتحها - وكذلك الرجل. انتهى.

قوله: (فرجم) تقريرٌ ومزيد توضيح للمعنى، وكلمةُ (أو) في قوله:(أو رجل قتل نفسًا) محترمة بإيمان (بغير نفس) أي: بغير مقابلةِ نفس قَتَلها ذلك المقتولُ .. بمعنى الواو، وكذا فيما بعدها؛ أي: وثانيها: خصلة رجل قتل نفسًا محترمة (أو رجل) أي: وثالثها خصلة رجل (ارتدَّ) ورجع عن دينه (بعد إسلامه) إلى دين الشرك، ثم قال عثمان (فوالله؛ ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا قتلت نفسًا مسلمة، ولا ارتددت منذ أسلمت) فبم تقتلوني؟ ! أي: فبأي سبب تقتلوني؟ !

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، والترمذي في كتاب الفتن، باب لا يحل دم امرئ مسلم، والنسائي في كتاب تحريم الدم، باب ذكر ما يحل دم المسلم.

فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث عثمان بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 15

(2)

- 2493 - (2) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ

===

(2)

- 2493 - (2)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(وأبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م دس ق).

(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، إمام مشهور ثقة، من التاسعة مات آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي - بمعجمة وراء وفاء - الكوفي، ثقة، من الثالثة، مات سنة مئة (100 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).

(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين، ويقال: ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه: (ع).

(عن عبد الله؛ وهو ابن مسعود) الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

ص: 16

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا أَحَدُ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ".

===

(قال) ابن مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم) ومسلمة؛ أي: لا يحل إراقة دمه كله، وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) وهذا يشير إلى أن المدار على الشهادة الظاهرة، لا على تحقيق إسلامه في الواقع.

قال الحافظ ابن حجر: هو صفة مفسرة، وليست قيدًا فيه؛ إذ لا يكون مسلمًا إلا بالشهادتين، أو هي حال مقيدة لموصوف إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم. انتهى.

(إلا) دم (أحد ثلاثة نفر) وقوله: "أحد" بالرفع بدل من (امريء) على تقدير مضاف؛ كما قدرناه آنفًا؛ أي: لا يحل دم امرئ مسلم إلا دم أحد ثلاثة نفر؛ أي: أنفس.

وقوله: (النفس) بالرفع بدل من أحد بدل تفصيل من مجمل، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ تقديره: أحدهم: النفس القاتلة (بالنفس) المحترمة بالإيمان بغير حق (و) الثاني: (الثيب) أي: الشخص الواطئ في نكاح صحيح (الزاني) بعد إحصانه (و) الثالث: الشخص (التارك لدينه) بالارتداد عنه (المفارق للجماعة) أي: لجماعة المسلمين بالخروج عن دينه، والارتداد عنه بأن فعل مكفرًا، أو قال مكفرًا، فهو صفة كاشفة للتارك، وإلا .. لكانت الخصال أربعة، أو المعنى: التارك لدينه بالارتداد عنه المفارق لجماعة المسلمين بترك امتثال المأمورات واجتناب المنهيات؛ كان ترك الصلاة مع اعتقاد وجوبها؛ فإنه يقتل حدًّا لا كفرًا.

ص: 17

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقوله: (النفس بالنفس) قال القرطبي: موافق لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (1)، ويعني به: النفوس المتكافئة في الإسلام والحرية؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، في رقم (6903)، وهو حجة للجمهور من الصحابة والتابعين على من خالفهم، وقال: يقتل المسلم بالذمي؛ وهم أصحاب الرأي والشعبي والنخعي، ولا يصح لهم ما رووه من حديث ربيعة:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلمًا بكافر) وهو منقطع، ومن حديث ابن البيلماني وهو ضعيف، ولا يصح في الباب إلا حديث البخاري المتقدم آنفًا.

وأما الحرية .. فشرط في التكافؤ، فلا يقتل حر بعبد عند مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وهو قول الحسن وعطاء وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز، محتجين في ذلك بأن العبد لما كان مالًا متقومًا .. كان كسائر الأموال إذا أتلفت، فإنما يكون فيها قيمة المتلف بالغة ما بلغت، والحر ليس بمال بالاتفاق، فلا يكون كفؤًا للعبد، فلا يقتل به، ويغرم قيمته ولو فاقت على دية الحر، ويجلد القاتل مئة جلدة، ويحبس عامًا عند مالك.

وذهبت طائفة أخرى إلى أنه يقتل به، وإليه ذهب سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي، محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم:"المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم" رواه أبو داوود، رقم (2751)، وابن ماجه، رقم (1683).

وذهب النخعي والثوري في أحد قوليه إلى أنه يقتل به وإن كان عبده، محتجين في ذلك بما رواه النسائي من حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله

(1) سورة المائدة: (45).

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل عبده .. قتلناه، ومن جدعه .. جدعناه، ومن أخصاه .. خصيناه" رواه النسائي (8/ 20 - 21)، قال البخاري عن علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وأخذ بهذا الحديث، قال البخاري: وأنا أذهب إليه، وقال غيره: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة.

قوله: "الثيب الزاني" قال القرطبي أيضًا: الثيب هنا: المحصن، وهو اسم جنس يدخل فيه الذكر والأنثى، وهو حجة على ما اتفق عليه المسلمون من أن حكم الزاني المحصن الرجم، وسيأتي شروط الإحصان وبيان أحكام الرجم.

فائدة

وفي أصل النووي: (الثيب الزَّانِ) بحذف الياء للتخفيف، فتقول في إعرابه على رفع (الثيب): الزان صفة للثيب، والصفة تتبع الموصوف، تبعه بالرفع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص، أو تقول على جر (الثيب): الزانِ صفة للثيب، تبعه بالجر، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص، وإنما قدرنا الضمة أو الكسرة على الياء المحذوفة؛ لأن المحذوف للعلة كالثابت، ولما حذفوا الياء من (الزان) للتخفيف إجراء لأل مجرى التنوين المعاقب لها .. قالوا: فكما تحذف الياء مع التنوين .. تحذف مع أل. انتهى من "الأهدل".

فهو نظير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} (1)، وقوله:{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} (2).

(1) سورة القمر: (8).

(2)

سورة القمر: (6).

ص: 19

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقوله: (والتارك لدينه) يعني به: المرتد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه .. فاقتلوه" رواه أحمد (1/ 282)، والبخاري (6922).

وهذا الحديث يدل على أن المرتد الذي يقتل هو الذي يبدل بدين الإسلام دين الكفر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استثناه من قوله: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" ثم ذكرهم، وذكر منهم (التارك لدينه)، وقد تقدم الكلام في الردة.

وقوله: "المفارق للجماعة" ظاهره أنه أتى به نعتًا جاريًا على التارك لدينه؛ لأنه إذا ارتد عن دين الإسلام .. فقد خرج عن جماعتهم، غير أنه يلحق بهم في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة المسلمين وإن لم يكن مرتدًا؛ كالخوارج، وأهل البدع إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحد عليهم وقاتلوا عليه، وأهل البغي، والمحاربون، ومن أشبههم، ويتناولهم لفظ:(المفارق للجماعة) بحكم العموم، وإن لم يكن كذلك .. لم يصح؛ لحصر المذكور في أول الحديث؛ حيث قال:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" فلو كان المفارق للجماعة إنما يُعنى به المفارقة بالردة فقط .. لبقي من ذكرناه من المفارقين للجماعة بغير الردة لم يدخلوا في الحديث ودماؤهم حلال بالاتفاق، وحينئذ لا يصح الحصر ولا يصدق، وكلام الشارع منزه عن ذلك، فدل على أن ذلك الوصف يعم جميع ذلك النوع، والله سبحانه أعلم.

وتحقيقه: أن كل من فارق الجماعة .. يصدق عليه أنه بدل دينه، غير أن المرتد بدل كل الدين، وغيره من المفارقين بَدَّلَ بَعْضَه. انتهى من "المفهم".

ص: 20

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الديات، باب قوله تعالى:(أن النفس بالنفس)، ومسلم في كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم، وأبو داوود في كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد، والترمذي في كتاب الديات، باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث عن ابن مسعود، قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح، والنسائي في كتاب تحريم الدم، باب ذكر ما يحل به دم.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:

الأول منهما للاستدلال، والثاني للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 21