المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(9) - (869) - باب الرجم - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحدود

- ‌(1) - (861) - بَابٌ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ

- ‌(2) - (862) - بَابُ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ

- ‌(3) - (863) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ

- ‌(4) - (864) - بَابُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(5) - (865) - بَابُ السَّتْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَدَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ

- ‌(6) - (866) - بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

- ‌(7) - (867) - بَابُ حَدِ الزِّنَا

- ‌(8) - (868) - بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ

- ‌(9) - (869) - بَابُ الرَّجْمِ

- ‌(10) - (870) - بَابُ رَجْمِ الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيَّةِ

- ‌(11) - (871) - بَابُ مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ

- ‌(12) - (872) - بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌(13) - (873) - بَابُ مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

- ‌(14) - (874) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْإِمَاءِ

- ‌فرع

- ‌(15) - (875) - بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌(16) - (876) - بَابُ حَدِّ السَّكْرَانِ

- ‌(17) - (877) - بَابُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا

- ‌(18) - (878) - بَابُ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(19) - (879) - بَابُ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ

- ‌(20) - (880) - بَابُ مَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا

- ‌(21) - (881) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ .. فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌(22) - (882) - بَابُ حَدِّ السَّارِقِ

- ‌فائدة

- ‌(23) - (883) - بَابُ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي الْعُنُقِ

- ‌(24) - (884) - بَابُ السَّارِقِ يَعْتَرِفُ

- ‌(25) - (885) - بَابُ الْعَبْدِ يَسْرِقُ

- ‌(26) - (886) - بَابُ الْخَائِنِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْمُخْتَلِسِ

- ‌(27) - (887) - بَابٌ: لَا يُقْطَعُ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ

- ‌(28) - (888) - بَابُ مَنْ سَرَقَ مِنَ الْحِرْزِ

- ‌(29) - (889) - بَابُ تَلْقِينِ السَّارِقِ

- ‌(30) - (890) - بَابُ المُسْتَكْرَهِ

- ‌(31) - (891) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ

- ‌(32) - (892) - بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌تتمة

- ‌(33) - (893) - بَابٌ: الْحَدُّ كفَّارَةٌ

- ‌(34) - (894) - بَابُ الرَّجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا

- ‌(35) - (895) - بَابُ مَنْ تَزَوَّجَ أمْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ

- ‌(36) - (896) - بَابُ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ

- ‌تتمة

- ‌(37) - (897) - بَابُ مَنْ نَفَى رَجُلًا مِنْ قَبِيلَتِهِ

- ‌(38) - (898) - بَابُ الْمُخَنَّثِينَ

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌(39) - (899) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا

- ‌(40) - (900) - بَابُ هَلْ لِقَاتِلِ مُؤْمِنٍ تَوْبَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(41) - (901) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ .. فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ

- ‌(42) - (902) - بَابُ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَرَضُوا بِالدِّيَةِ

- ‌(43) - (903) - بَابٌ: دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(44) - (904) - بَابُ دِيَةِ الْخَطَأَ

- ‌(45) - (905) - بَابُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ .. فَفِي بَيْتِ الْمَالِ

- ‌(46) - (906) - بَابُ مَنْ حَالَ بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ

- ‌(47) - (907) - بَابُ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ

- ‌(48) - (908) - بَابُ الْجَارِحِ يُفْتَدَى بِالْقَوَدِ

- ‌تتمة في ترجمة أبي الجهم

- ‌(49) - (909) - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

- ‌(50) - (910) - بَابُ الْمِيرَاثِ مِنَ الدِّيَةِ

- ‌(51) - (911) - بَابُ دِيَةِ الْكَافِرِ

- ‌(52) - (912) - بَابٌ: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ

- ‌(53) - (913) - بَابٌ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا وَمِيرَاثُهَا لِوَلَدِهَا

- ‌(54) - (914) - بَابُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ

- ‌تتمة في دفع التعارض الواقع بين الروايات المختلفة الواقعة في هذه القصة

- ‌(55) - (915) - بَابُ دِيَةِ الْأَسْنَانِ

- ‌(56) - (916) - بَابُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ

- ‌(57) - (917) - بَابُ الْمُوضِحَةِ

- ‌(58) - (918) - بَابُ مَنْ عَضَّ رَجُلًا فَنَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَ ثَنَايَاهُ

- ‌(59) - (919) - بَابٌ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

- ‌(60) - (920) - بَابٌ: لا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ

- ‌(61) - (921) - بَابُ هَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ

- ‌(62) - (922) - بَابٌ: يُقْتَادُ مِنَ الْقَاتِلِ كمَا قَتَلَ

- ‌(63) - (923) بَابٌ: لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ

- ‌(64) - (924) - بَابٌ: لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ

- ‌(65) - (925) - بَابُ الْجُبَارِ

- ‌(66) - (926) - بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌(67) - (927) - بَابٌ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(68) - (928) - بَابٌ: أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ

- ‌(69) - (929) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ

- ‌(70) - (930) - بَابُ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌(71) - (931) - بَابُ مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ

- ‌(72) - (932) - بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقَاتِلِ

- ‌(73) - (933) - بَابُ الْعَفْوِ فِي الْقِصَاصِ

- ‌(74) - (934) - بَابُ الحَامِلِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَوَدُ

- ‌كتاب الوصايا

- ‌(75) - (935) - بَابٌ: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(76) - (936) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ

- ‌(77) - (937) - بَابُ الْحَيْفِ فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌(78) - (938) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِمْسَاكِ فِي الْحَيَاةِ وَالتَّبْذِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌(79) - (939) - بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ

- ‌(80) - (940) - بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ

- ‌(81) - (941) - بَابٌ: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ

- ‌(82) - (942) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ هَلْ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ

- ‌(83) - (943) - بَابُ قَولِهِ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

الفصل: ‌(9) - (869) - باب الرجم

(9) - (869) - بَابُ الرَّجْمِ

(20)

- 2511 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصبَّاحِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ:

===

(9)

- (869) - (باب الرجم)

(20)

- 2511 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).

(قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، وقيل: ثمان، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

(قال) ابن عباس: (قال عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات، وفيه رواية صحابي عن صحابي.

أي: قال عمر وهو واقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا: والله (لقد خشيت) وخفت (أن يطول بالناس زمان) ويتطاول عليهم دهور (حتى يقول قائل) منهم؛ أي: من الملاحدة، وقد وقع ما خشيه عمر بعده لقومٍ من الخوارجِ والنَّظَّامِ من المعتزلة؛ فإنهم أنكروا الرجم، فهم ضالون بشهادة عمر رضي الله عنه، وهذا من الحق الذي أجرى الله تعالى على لسان عمر وقلبه،

ص: 74

مَا أَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ إِذَا أُحْصِنَ الرَّجُلُ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ حَمْلٌ

===

ومما يدلُّ على أنه كان محدثًا بكثير مما غاب عنه بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له بذلك، كما ورد في "الصحيحين".

أي: حتى يقول ذلك القائل: (ما أجد) أنا (الرجم) أي: فريضته (في كتاب الله) تعالى وما أنزل في القرآن (فيضلوا) أي: فيترك الناس الرجم اقتداءً بذلك القائل، فيضلوا عن الحق (بترك فريضة من فرائض الله) تعالى فرضها عليهم (ألا) أي: انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم أيها الناس (وإن الرجم) أي: وإن قتل الزاني المحصن بالحجارة (حق) أي: ثابت يعمل به إلى يوم القيامة واجب على من زنى (إذا أحصن الرجل) وعف من الزنا بالوطء في نكاح صحيح ولو مرّة، وكذا المرأة إذا أحصنت (وقامت البينة) على زناهما بإخبار أربعة شهود على زناهما من الرجال العدولِ المُؤدِّين للشهادة في فور واحد، الذين يصفون رؤية فرجه في فرجها؛ كالمرود في المكحلة، المقيمين على شهادتهم إلى أن يقام الحد على ما هو معروف في كتب الفقه.

(أو كان) ووجد (حمل) في خصوص المرأة؛ يعني به: أن يظهر الحمل بامرأة لا زوج لها ولا سيد.

قال النووي: وجوب الحد بمجرد الحمل مذهب عمر رضي الله تعالى عنه، وتابَعَه مالك وأصحابه، فقالوا: إذا حبلت ولم يعلم لها زوج ولا سيد ولا عرفْنا إكراهها .. لزمها الحد، إلَّا أن تكون غريبةً طارئةً وتدعي أنه من زوج أو سيد، قالوا: ولا تقبل دعواها الإكراه إذا لَمْ تقم بذالك مستغيثة عند الإكراه قبل ظهور الحمل.

وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء: لا حد عليها بمجرد الحبل،

ص: 75

أَوِ اعْتِرَافٌ، وَقَدْ قَرَأْتُهَا:(الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا .. فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ) رَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ.

===

سواء كان لها زوج أو سيد أو لا، وسواء الغريبة وغيرها، وسواء ادعت الإكراه أم سكتت، فلا حد عليها مطلقًا، إلَّا ببينة أو اعتراف؛ لأن الحدود تسقط بالشبهات.

(أو) كان (اعتراف) أي: إقرار من الزاني بالزنا على نَفْسِهِ، واختلفوا فيه؛ هل يكفي فيه مرّة واحدة أم لا؟ فقال أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهما: إن الإقرار بالزنا لا يثبت حتى يقر أربع مرات، واحتجوا بحديث ماعز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه حتى أقر أربع مرات، وقال مالك والشافعي وآخرون: يثبت الإقرار به بمرة واحدة ويرجم، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم:"واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت .. فارجمها" ولم يشترط عددًا، وحديث الغامدية ليس فيه أيضًا إقرارها أربع مرات، واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربع مجالس. انتهى "نووي" بتصرف.

وقال عمر في خطبته: (إن الله قد بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بـ) الدين (الحق) المستقيم (وأنزل عليه الكتاب) العزيز والقرآن الكريم (فكان مما أنزل عليه) صلى الله عليه وسلم (آية الرجم).

(وقد قرأتها) أي: قد قرأت ألفاظ تلك الآية بلساني، ووعيتها؛ أي: حفظت ألفاظها عن ظهر قلبي، وعقلتها؛ أي: عرفت معناها وحققته؛ يعني بها قوله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا زنيا .. فارجموهما ألبتة) أي: رجمًا ألبتة؛ أي: قطعيًّا لا هوادة فيه، فهذه الآية مما نسخ لفظه وبقي حكمه، فـ (رجم) بها (رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصن والمحصنة في حياته (ورجمنا) نحن بها معاشر الخلفاء (بعده) أي: بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ يعني:

ص: 76

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

نفسه وأبا بكر رضي الله تعالى عنهما، وهذا نص من عمر رضي الله تعالى عنه أن هذا كان قرآنًا يتلى، وفي آخره ما يدلُّ على أنه نسخ كونها من القرآن وبقي حكمها معمولًا به؛ وهو الرجم.

وقال ذلك عمر بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وفي مركز الوحي، وشاعت هذه الخُطبة في المسلمين، وتناقَلَها الرُّكْبَان، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مما قاله عمر، ولا راجعه لا في حياته ولا بعد وفاته، فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ؛ وهو نسخ التلاوة مع بقاء المعني، ولا يلتفت إلى خلاف مَن تأخَّر زمانه، وقَلَّ علمه، وكثُر جداله في ذلك.

وقد بينا في الأصول أن النسخ على ثلاثة أضرب:

1 -

نسخ التلاوة والحكم؛ كآية عشر رضعات يحرمن.

2 -

نسخ التلاوة مع بقاء الحكم؛ كما هنا.

3 -

ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة؛ كآية الحول في العدة. انتهى من "المفهم".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المظالم، باب ما جاء في السقائف، ومسلم في كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنا، وأبو داوود في كتاب الحدود، باب في الرجم، والترمذي في كتاب الحدود، باب في تحقيق الرجم، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ص: 77

(21)

- 2512 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ

===

ثم استشهد المؤلف لحديث عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(21)

- 2512 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عباد بن العوام) بن عمر الكلابي مولاهم، أبو سهل الواسطي، ثقةٌ، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومئة (185 هـ) أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري المدني، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (جاء ماعز بن مالك) الأسلمي رضي الله عنه.

وكان في قصته ما أخرجه أحمد في "مسنده"(5/ 217) عن نعيم بن هَزَّال قال: إن هزالًا كان استأجر ماعز بن مالك، وكانت له جارية يقال لها: فاطمة، قد أُملكت - بالبناء للمجهول - أي: أَمْلكَتْ أَمْرَها؛ يعني: طُلقت من زوجها - كذا في "الفتح الرباني" - وكانت ترعى غنمًا لهم، وإن ماعزًا وقع عليها، فأخبر هزالًا، فخدعه، فقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، عسى أن ينزل فيك قرآن

إلى آخره؛ وسنده جيد.

ص: 78

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ،

===

وأخرج ابن سعد في "طبقاته"(4/ 324) من طريق الواقدي عن هزال قال: كان أبو ماعز قد أَوْصَى إليَّ ابنَه ماعزًا، وكان في حجري أَكْفُلُه بأحسنِ ما يَكْفُلُ به أحدٌ أحدًا، فجاءني يومًا، فقال لي: إني كنتُ أَطْلُبُ مُهيرةً امرأةً كنتُ أَعْرِفُها حتى نلت منها الآن ما كنت أريد، ثم ندمت على ما أتيت، فما رأيك؟ فأمره أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره

إلى آخره.

أي: فجاء ماعز (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فناداه (فقال) له: (إني زنيت) يا رسول الله؛ أي: وطئت فرجًا محرمًا عليَّ بلا شبهة (فأعرض عنه) النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه الشريف من جانب إلى الجانب الآخر (ثم) تنحى ماعز بن مالك؛ أي: تحول تلقاء وجهه صلى الله عليه وسلم؛ أي: تحول من الجانب الذي أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجانب الذي أقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فـ (قال) له:(إني قد زنيت) يا رسول الله.

(فأعرض عنه) النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجانب الأول (ثم) تحول ماعز إلى الجانب الثاني، فـ (قال) مرّة ثالثة:(إني قد زنيت، فأعرض عنه) النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجانب الأول (ثم) تحول ماعز إلى ذلك الجانب، فـ (قال) ماعز مرّة رابعة:(قد زنيت، فأعرض عنه) النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ماعز للنبي صلى الله عليه وسلم: إني زنيت (حتى) كرر عليه هذا القول و (أقر أربع مرات).

قال السندي: ظاهره دليل لمن يشترط في الإقرار التَّكْرير أربع مرات؛ كما قاله علماؤُنا الحنفية، كلّ مرّة يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه

ص: 79

فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَلَمَّا أَصَابَتْهُ الْحِجَارَةُ .. أَدْبَرَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ بِيَدِهِ لَحْيُ جَمَل فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِرَارُهُ حِينَ مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ قَالَ:"فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ".

===

تعريض للمُقرِّ بالزنا أن يرجع من إقراره، ويُقبَلُ رجوعه بلا خلاف.

(فـ) لما أقر بأربع مرات (أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (به) أي: برجمه.

وقوله: (أن يرجم) بدل من ضمير (به)، بدل كلّ من كلّ بتأويله بمصدر، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده: " اذهبوا به فارجموه" كما في رواية مسلم؛ أي: فارجموه حتى يموت، وفي هذا جواز استنابة الإمام مَن يُقِيمُ الحدُّ، قال العلماء: لا يستوفي الحدَّ إلَّا الإمامُ أو مَن فَوَّض ذلك إليه، وفيه دليل على أنه يكفي الرجم ولا يجلد معه. انتهى "نووي".

(فلما) ذهبوا به فرجموه و (أصابته الحجارة) التي يرمى بها وأضعفته .. (أدبر) الجماعة الذين يرمونه وجعل دبره وظهره إليهم وهرب عنهم حالة كونه (يشتد) في هربه؛ أي: يعدو ويسرع في الفرار عنهم (فلقيه) أي: لقي ماعزًا في قُبالته حين هروبه من القوم؛ أي: استقبله (رجل بيده لَحي جَمل) أي: عَظْمُ جمل؛ واللحي - بفتح اللام وسكون الحاء المهملة -: عظمه الذي ينبت عليه الأسنان السفلى، والجمل ذكر الإبل (فضربه) أي: فضرب ماعزًا ذلك الرجل باللحي (فصرعه) أي: فصرع ماعزًا، فأسقطه على الأرض.

(فذكر) وأخبر (للنبي صلى الله عليه وسلم فراره) وهروبه (حين مسته الحجارة) وآلمته فـ (ـقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن رجموه: ("فهلا تركتموه") أي: لولا تركتموه فلم تقتلوه حين شرد، (وهلا) هنا: للعرض؛ وهو الطلب برفق ولين، وفي هذا دليل: لمن يقول إن من ثبت عليه الحد بالإقرار إذا هرب .. يُترك.

ص: 80

(22)

- 2513 - (3) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ،

===

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحدود، باب لا يرجم المجنون والمجنونة، ومسلم في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، والترمذي في كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحد عن المعترف، والنسائي في كتاب الجنائز، باب ترك الصلاة على المرجوم.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به، والله أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمر بن الخطاب بحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(22)

- 2513 - (3)(حدثنا العباس بن عثمان) بن محمد البجلي أبو الفضل (الدمشقي) المعلم، صدوق يخطئ، من كبار الحادية عشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (239 هـ). يروي عنه:(ق).

(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي أبو العباس الدمشقي، ثقةٌ لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبو عمرو) عبد الرَّحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي أبو عمرو الفقيه، ثقةٌ جليل، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(ع).

قال: (حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقةٌ ثبت لكنه يدلس ويرسل، من الخامسة، مات سنة اثنتين

ص: 81

عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أمْرَأَةً

===

وثلاثين ومئة (132 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر البصري، ثقةٌ فاضل كثير الإرسال، من الثالثة، مات بالشام هاربًا من القضاء سنة أربع ومئة (104 هـ)، وقيل: بعدها. يروي عنه: (ع).

(عن أبي المهاجر) عن عمران بن حصين، هذا وهم من الأوزاعي، صوابه:(عن أبي المهلب) الجرمي البصري عم أبي قلابة، اسمه عمرو أو عبد الرَّحمن بن معاوية، أو ابن عمرو، وقيل: النضر، وقيل: معاوية، ثقةٌ، من الثانية. يروي عنه:(م عم).

(عن عمران بن الحصين) بن عُبيد بن خَلَف الخزاعي أبي نُجيد - بنون وجيم مصغرًا - أسلم عام خيبر وصحب، وكان فاضلًا، وقضى بالكوفة، مات سنة اثنتين وخمسين (52 هـ) بالبصرة، رضي الله تعالى عنهما. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(أن امرأة) من جهينة - مصغرًا - اسمها سبيعة، وقيل: أُبيَّةُ بنت فرج، اختلف العلماء في هذه المرأة؛ هل هي الغامدية أو هي غيرها؟ فالذي يظهر من صنيع أبي داوود رحمه الله تعالى أنَّها هي الغامدية؛ لأنه ترجم على أحاديث الغامدية بقوله:(باب المرأة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة)، ثم أتى فيه بأحاديث الجهنية والغامدية جميعًا، وقال: قال الغساني: جهينة وغامد وبارق واحد، وبه صرح صاحب "البذل" حيث قال: الجهنية هي المرأة التي تقدم ذكرها في الحديث المتقدم، وغامد بطن من جهينة. انتهى.

ولكن يظهر من كلام الحافظ في رجم الحبلى من "فتح الباري"(12/ 146)

ص: 82

أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا، فَأَمَرَ بِهَا فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا

===

أنه مائل إلى تعدد المرأتين؛ حيث يقول: وجمع بين حديثي عمران وبريدة أن الجهنية كان لولدها من يرضعه، بخلاف الغامدية.

والظاهر هو القول الأول؛ يعني: اتحاد المرأتين؛ لأن قصة الحديثين واحدة، وأما ما ذكره الحافظ من الاختلاف بين حديثي عمران وبريدة .. فيمكن الجمع بينهما بأن بريدة ذكر الإرضاع، ولم يذكره عمران بن حصين اختصارًا، وبأن ذكر الإرضاع في حديث بريدة جاء من طريق بشير بن مهاجر، وقد قدمنا أنه ضعيف، فيحتمل أن يكون قد وهم في ذكر الإرضاع، والله أعلم. انتهى من "الكوكب".

(أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترفت) وأقرت (بالزنا) على نفسها، فقالت: يا نبي الله؛ إني أصبت حدًا فأقمه (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بها) أي: بشد ثيابها عليها (فشكت) أي: شدت ولفت وجمعت (عليها ثيابها) لئلا تنكشف في تقلبها عند الرجم، قال القرطبي: قوله (فشكت عليها ثيابها) أي: جمع بعضها إلى بعض بشوك أو خيوط، ومنه المِشَكُّ؛ وهي الإبرة الكبيرة، وشكَكْتُ الصيد بالرمح؛ أي: نفَذْتُه بالرمح.

وقوله: (فشكت) بالبناء للمجهول؛ والشك: اللزوم واللصوق، وشك عليه الثوب؛ أي: جمع وزر بشوكة أو خلالة أو أرسل عليه، كذا في "تاج العروس"(7/ 151)، وقيل: معناه: أرسلت عليها ثيابها، قال النووي: هكذا في معظم النسخ: (فشكت)، وفي بعضها (فشدت) وهو بمعنى الأول؛ أي: ربطت عليها رباطًا قويًّا، وفي هذا استحباب جمع ثيابها عليها وشدها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلبها وتكرار اضطرابها. انتهى.

واتفق العلماء على أنَّها لا ترجم إلَّا قاعدة، وأما الرجل .. فجمهورهم على

ص: 83

ثُمَّ رَجَمَهَا، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا.

===

أنه يرجم قائمًا، وقال مالك: قاعدًا، وقال غيره: يخير الإمام بينهما.

(ثم رجمها) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: أمر برجمها، فرجمت (ثم) بعد رجمها وغسلها وتكفينها (صلى عليها) رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة، وروى المؤلف هذا الحديث مختصرًا، وغيره مطولًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الحدود، باب إقامة الحد على من اعترف بالزنا، وأبو داوود في كتاب الحدود، باب في المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، والترمذي في كتاب الحدود، باب منه، والنسائي في كتاب الجنائز، باب ترك الصلاة على المرجوم.

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح، لصحة سنده وللمشاركة فيه.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث: ثلاثة:

الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 84