الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21)
- كتَابُ الْوَصَايَا
(75) - (935) - بَابٌ: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
؟
(162)
- 2653 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ،
===
(21)
- (كتاب الوصايا)
(75)
- (935) - (باب: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ )
والوصايا: جمع وصية؛ كهدايا جمع هدية؛ مأخوذة من وصيت الشيء - بالصاد المخففة - بالشيء؛ إذا وصلته به.
فمعنى الوصية لغةً: الإيصال؛ لأن الموصي وصل خير عقباه؛ وهو الوصية بخير دنياه؛ وهو الطاعات التي عملها في حياته.
وشرعًا: تبرع بحق مضاف لما بعد الموت ولو تقديرًا، فإذا قال: أوصيت لزيد بكذا .. فالمعنى: بعد موتي.
ومضاف: بالجر صفة لحق، لا بالرفع صفة لتبرع؛ لأن الحق إنما يعطى للموصى له بعد موت الموصي، والتبرع في الحال.
وأركانها أربعة: موصٍ، وموصىً له، وموصىً به، وصيغة.
* * *
ثم استدل المؤلف على الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها، فقال:
(162)
- 2653 - (1)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني - بسكون الميم - الكوفي أبو عبد الرحمن، لقبه درة العراق، ثقة حافظ فاضل، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).
حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ شَقِيقٍ،
===
(حدثنا أبي) عبد الله بن نمير - بنون مصغرًا - الهمداني أبو هشام الكوفي، ثقة، صاحب حديث من أهل السنة، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ)، وله أربع وثمانون سنة. يروي عنه:(ع).
(وأبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي، عمي وهو صغير، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في غيره، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه: (ع).
(ح وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الواسطي الأصل نزيل الكوفة، ثقة حافظ صاحب تصانيف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م دس ق).
(وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه: (ق).
كلاهما (قالا: حدثنا أبو معاوية) هذا لفظ علي بن محمد بلا ذكر عبد الله بن نمير، (قال أبو بكر): حدثنا أبو معاوية (وعبد الله بن نمير) بزيادة عبد الله بن نمير مع أبي معاوية، كلاهما؛ أي: كل من أبي معاوية وعبدِ الله بن نمير رويا:
(عن الأعمش) سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين ومئة (147 هـ)، أو ثمان وأربعين. يروي عنه:(ع).
(عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، ثقة، من الثانية مخضرم،
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاة وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ.
===
مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مئة سنة. يروي عنه:(ع).
(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه: (ع).
(عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ماتت سنة سبع وخمسين (57 هـ) على الصحيح. يروي عنها:(ع).
وهذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لورثته (دينارًا ولا درهمًا، ولا شاةً ولا بعيرًا، ولا أوصى) لأحد من ماله (بشيء) قليل ولا كثير؛ لعدم تركه مالًا، وإنه أوصى بالكتاب والسنة، ولا أوصى لأحد بالخلافة؛ فإنها المقصودة بالنفي في قولها:(ولا أوصى بشيءٍ).
قوله: (ما ترك
…
) إلى آخره، ولعل من تمام هذا الحديث ما أخرجه ابن سعد في "طبقاته " (2/ 316) بطرق مختلفة عن زر بن حبيش عن عائشة:(أن إنسانًا سألها عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألني لا أبا لك، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع دينارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا ولا أمةً، ولا شاةً ولا بعيرًا).
قوله: (دينارًا ولا درهمًا
…
) إلى آخره، كذا ثبت عن غير واحد من الصحابة والتابعين أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارًا ولا درهمًا، ذكره
(163)
- 2654 - (2) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ،
===
أيضًا عمرو بن الحارث وابن عباس وعلي بن الحسين زين العابدين وغيرهم، راجع لروايتهم في "طبقات ابن سعد "(2/ 216) و (217).
وذكر المحب الطبري في "خلاصة السير": ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبي حبرة، وإزارًا عمانيًّا، وثوبين صحاريين، وقميصًا سحوليًّا، وجبةً يمنية، وقميصًا وكساء بيضًا، وقلانس صغارًا لاطية ثلاثًا أو أربعًا، وإزارًا طوله خمسة أشبار، وملحفة مورسة، كذا في "تاريخ الخميس" للإمام الديار بكري (2/ 173).
قوله: (ولا أوصى بشيء) يعني: في أمر المال والخلافة، وإلا .. فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم عدة وصايا نصح بها الأمة، وإن الكلام كان في وصيته بالمال أو الخلافة، ولذلك نفت الوصية مطلقًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الوصية، باب ترك الوصية، وأبو داوود في كتاب الوصايا، باب ما جاء فيما يؤمر به من الوصية، والنسائي في كتاب الوصايا، باب هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(163)
- 2654 - (2)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا،
===
(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن مالك بن مغول) - بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الواو - أبي عبد الله الكوفي، ثقة ثبت، من كبار السابعة، مات سنة تسع وخمسين ومئة على الصحيح (159 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن طلحة بن مصرف) بن عمرو بن كعب اليامي - بالتحتانية - الكوفي ثقة قارئ فاضل، من الخامسة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة (112 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(قال) طلحة: (قلت لعبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، شهد الحديبية، وعُمِّرَ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة سبع وثمانين (87 هـ)، وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
أي: قال طلحة: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: هل (أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء) من الوصايا عند وفاته؟ بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري؛ كما هو مصرح به في رواية مسلم، فـ (قال) لي عبد الله بن أبي أوفى:(لا) أي: ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء عند وفاته، هكذا أطلق الجواب، وكأنه فهم أن السؤال وقع عما اشتهر بين الجهال من الوصية إلى أحد، أو فَهِمَ السُّؤالَ عن الوصيةِ في الأموال، فلذاك ساغ نفيها،
قُلْتُ: فَكَيْفَ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالْوَصِيَّةِ؟
===
لا أنه أراد نفي الوصية مطلقًا؛ لأنه ثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله، أي: بدينه، أو به ونحوه؛ ليشمل السنة، لأنه سيأتي حديث: "أوصيكم بثلاث
…
" إلى آخره. انتهى من بعض الهوامش.
ولعل سبب هذا السؤال أن الشيعة كانوا قد وضعوا أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله تعالى عنه، فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك، منهم علي رضي الله تعالى عنه؛ كما سيأتي في شرح حديثه الآتي، وكذلك زعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم ترك أموالًا وصيةً لأقاربه.
قوله: (فقال: لا) إنما نفى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه الوصية بالمال وبالخلافة، فهذا الجواب لا ينافي ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أوصى المسلمين بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزه ونحو ذلك، فإن السؤال كان في الوصية بالمال وبالخلافة؛ كما فهمه عبد الله بن أبي أوفى من سياق الكلام، فأجابه بما يطابقه.
قال طلحة: (قلت) لابن أبي أوفى: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص شيئًا .. (فكيف أمر المسلمين بالوصية) يعني: بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} (1)، وهذه الآية منسوخة عند الجمهور بآية الميراث.
ويحتمل أن يكون طلحة بن مصرف ممن يزعم أن آية وجوب الوصية غير منسوخة؛ نظرًا إلى تأكد استحبابه.
(1) سورة البقرة: (180).
قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: قَالَ الْهُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ: أَبُو بَكْرٍ كَانَ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ !
===
ويحتمل أن يكون مراده ندب الوصية، واختار لفظ:(كتب) لما هو مستحب؛ نظرًا إلى تأكد استحبابه.
(قال) عبد الله بن أبي أوفى في جواب سؤال طلحة: هو؛ أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوصى) إلى الناس (بكتاب الله) عز وجل؛ أي: بالتمسك بكتاب الله ودينه وسنة رسوله، لا بالمال ولا بالخلافة، لعله أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به .. لن تضلوا: كتاب الله"، وأما ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الوصية الجزئية .. فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه، وإنما اقتصر على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهم، ولأن فيه تبيان كل شيء؛ إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، أو كان لم يحضر شيئًا من الوصايا الجزئية، أو لم يستحضرها حالة الجواب، كذا في "فتح الباري"(5/ 268).
(قال مالك) بن مغول: (وقال طلحة بن مصرف) أيضًا معطوف على قوله: قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: (قال الهزيل) بالتصغير (ابن شرحبيل) الأودي الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية. يروي عنه:(خ عم): هل (أبو بكر) الصديق (كان يتأمر) ويتسلط، بتقدير الاستفهام الإنكاري؛ أي: هل يجيء ويحصل من أبي بكر أن يكلف نفسه بالإمارة (على) علي بن أبي طالب (وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان هو وصيًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما يزعمه الروافض؟ ! ثم قال هزيل في جواب استفهامه بنفسه: حاشاه الله؛ أي: نزهه الله من ذلك؛ أي: نزه الله أبا بكر من قصد تأمره عليه لو
وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهْدًا فَخَزَمَ أَنْفَهُ بِخِزَامٍ؟
===
كان علي وصيًّا بالخلافة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الهزيل أيضًا: هل (ود) وتمنى (أبو بكر أنه) أي: أن أبا بكر (وجد) ورأى (من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدًا) لأحد غيره بالخلافة (فخزم) أبو بكر؛ أي: ربط (أنفه بخزام) أي: بحبل فيقوده ذلك الأحد الذي عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بالخلافة وينقاد له؛ كما ينقاد الجمل بحبل في يد قائده ويتبعه؟ وهذه الجملة أيضًا على تقدير الاستفهام التقريري.
قال هزيل في جواب استفهامه هذا بنفسه أيضًا: نعم، تمنى أبو بكر ذلك.
يقال: خزم البعير بالخزامة؛ وهي حلقة من شعر تجعل في وترة أنفه، يشد بها الزمام، ثم يقاد. انتهى "م خ".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث، أعني: حديث عبد الله بن أبي أوفى: البخاري؛ أخرجه في كتاب الوصايا، باب الوصايا، ومسلم في كتاب الوصية، باب الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، والترمذي في كتاب الوصايا، باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول، والنسائي في كتاب الوصايا، باب هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة، لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
وأما أثر هزيل بن شرحبيل .. فقد انفرد به ابن ماجه. انتهى "تحفة الأشراف".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال القرطبي: قول طلحة بن مصرف لابن أبي أوفى: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) ظاهره أنه سأله هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم وصية بشيء من الأشياء؛ لأنه لو أراد شيئًا واحدًا .. لعينه، فلما لم يقيده .. بقي على إطلاقه، فأجابه بنفي ذلك، فلما سمع طلحة هذا النفي العام .. قال مستبعدًا: كيف كتب على المسلمين الوصية؟ !
ومعناه: كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوصية، والله تعالى قد كتبها على الناس؟ ! وهذا يدل على أن طلحة وابن أبي أوفى كانا يعتقدان أن الوصية واجبة على كل الناس، وأن ذلك الحكم لم ينسخ، وفيه بعد، ثم إن ابن أبي أوفى غفل عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وهي وصايا كثيرة؛ فمنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا، ولا نورث؛ ما تركناه صدقة".
وقال عند موته: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب، وأخرجوا المشركين منها، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم"، وآخر ما وصى به أنه قال:"الصلاة وما ملكت أيمانكم"، وهذه كلها وصايا منه ذهل عنها ابن أبي أوفى.
وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته لجماعة من قبائل العرب بجداد أوساق من تمر سهمه بخيبر، ذكره في "السيرة"، ولم يذكر ابن أبي أوفى من جملة ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم إلا كتاب الله إما ذهولًا، وإما اقتصارًا؛ لأنه أعظم وأهم من كل ما وصى به، وأيضًا: فإذا استوصى الناس بكتاب الله فعملوا به .. قاموا بكل ما أوصى به، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى من "المفهم".
* * *
(164)
- 2655 - (3) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ:
===
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(164)
- 2655 - (3)(حدثنا أحمد بن المقدام) أبو الأشعث العجلي بصري، صدوق صاحب حديث، طعن أبو داوود في مروءته، من العاشرة، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(خ ت س ق).
(حدثنا المعتمر بن سليمان) التيمي البصري، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه:(ع).
قال معتمر: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئة (143 هـ). يروي عنه:(ع).
(يحدث عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، ولكنه مدلس، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لقصور أحمد بن المقدام عن درجة أهل الضبط والحفظ، قاله البوصيري.
(قال) أنس: (كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغلبها (حين حضرته الوفاة) ومقدماتها (وهو) أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يغرغر بنفسه) أي: يردد نفسه وروحه في حلقومه؛ والنفس - بسكون الفاء -: الروح؛ والغرغرة: تردد الروح في الحلق. انتهى "م خ".
"الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".
(165)
- 2656 - (4) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ،
===
قوله: (الصلاة) لازموا الصلاة وواظبوا عليها؛ يعني: الصلاة الخمس (و) راعوا حقوق (ما ملكت أيمانكم) من الدواب والأرقاء، من النفقات والكسوة.
(والصلاة
…
) إلى آخره .. منصوب على الإغراء بفعل محذوف وجوبًا؛ لنيابة المَعْطُوفِ منابه، والفعل المحذوف مقول لقول محذوف منصوب على أنه خبر لكان؛ تقديره: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة قوله: "الزموا الصلاة المفروضة ومراعاة حقوق ما ملكت أيمانكم".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح بما بعده وإن كان سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة بحديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(165)
- 2656 - (4)(حدثنا سهل بن أبي سهل) زنجلة بن أبي الصغدي الرازي الخياط الحافظ، صدوق، من العاشرة، مات في حدود الأربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان - بفتح المعجمة وسكون الزاي - الضبي مولاهم الكوفي، صدوق عارف رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن مغيرة) بن مقسم الضبي مولاهم الكوفي الأعمى، ثقة متقن، من السادسة، مات سنة ست وثلاثين ومئة (136 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ أُمِّ مُوسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ آخِرُ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".
===
(عن أم موسى) سرية علي، اسمها فاختة، وقيل: حبيبة، مقبولة، من الثالثة. روت عن؛ علي، وعن أم سلمة، ويروي عنها: مغيرة بن مقسم الضبي.
قال الدارقطني: حديثها مستقيم، وقال العجلي: كوفية تابعية ثقة. يروي عنها: (دس ق).
(عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) علي: (كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم: الزموا (الصلاة، و) راعوا حقوق (ما ملكت أيمانكم) أي: آخر كلامه في الأحكام، وإلا .. فقد جاء أن آخر كلامه على الإطلاق:"الرفيق الأعلى". انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الأدب، باب في حق المملوك.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم