الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(81) - (941) - بَابٌ: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ
(182)
- 2673 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِث،
===
(81)
- (941) - (باب: الدَّين قبل الوصية)
أي: قضاء الدين قبل تنفيذ الوصية.
(182)
- 2673 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي إسحاق) عمرو بن عَبدِ الله الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن الحارث) بن عبد الله الأعور الهمداني - بسكون الميم - الحوتي - بضم المهملة وبالمثناة فوق - نسبة إلى حوت؛ بطن من همدان، أبي زهير الكوفي صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حَديثِه ضَعْفٌ، مات في خلافة ابن الزبير سنة خمس وستين (65 هـ). يروي عنه:(عم).
قال ابن عبد البر في كتابِ "العلم" له: لما حُكِيَ عن إبراهيم أنه كَذَّب
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَأَنْتُمْ تَقْرَؤُونَهَا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ،
===
الحارثَ أَظُنُّ الشعبيَّ .. عُوقب بقوله في الحارث: كذاب، ولم يَبِنْ من الحارث كذب، وإنما نقم عليه إفراطَه في حُبِّ علي.
وقال ابن سعد: كان له قول سوء، وهو ضعيف في رأيه، وقال ابن شاهين في "الثقات": قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي! وأثنى عليه، قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب، قال: لم يكن يكذب في الحديث، إنما كان كذبه في رأيه، وقرأت بخط الذهبي في "الميزان" والنسائي مع تعنته في الرجال: قَدِ احْتُجَّ به، والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب.
وقال الدوري عن ابن معين: الحارث قد سمع من ابن مسعود، وليس به بأس، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة.
وعلى كل حال فهو مختلف فيه، يرد السند من الصحة إلى الحسن.
(عن علي) بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه الحارث الأعور، وهو مختلف فيه.
(قال) علي: (قضى) وحكم (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين) أي: بقضاء الدين عن الميت من تركته (قبل الوصية) أي: قبل تنفيذ وصيته وتَوْزِيعِها للموصَى لهم من ثلث ما بقي بعد الدين، ثم قال علي لمن عنده:(وأنتم) أي: والحال أنكم أيها المسلمون (تقرؤونها) أي: تقرؤون الوصية قبل قراءة الدين في قوله تعالى: ({مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ})(1)، فلا
(1) سورة النساء: (11).
وَإِنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ لَيَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ.
===
تفهموا ولا تظنوا من التقديم اللفظي - أي: من تقديم الوصية على الدين في قراءة الآية - التقديمَ الحكميَّ؛ أي: تقديم الوصية على الدين في حكم الأداء والإخراج من التركة.
(و) إنما قلت: الدين مقدم على الوصية؛ لـ (أن أعيان بني الأم) وهم الإخوة الأشقاء لأم وأب، يقال لهم: أولاد الأعيان (ليتوارثون) من الميت (دون بني العلات) وهم الإخوة لأب، سواء كانوا من أم، أو أمهات أخر؛ والعلات: الضرائر.
ولعل سبب التقديم اللفظي في الوصية الاهتمام بشأنها؛ لقلة الرغبة في إجرائها وإخراجها من التركة؛ لأنها بلا مقابل، بخلاف الدين، فإنه يؤخذ بالجبر والقهر؛ لأنه مقابلة ومعاوضة. انتهى من "السندي" بتصرف وزيادة.
وفي "شرح الترمذي": قوله: وأن أعيان بني الأم والأب - بفتح أن - والواو للعطف؛ أي: وقضى بأن أعيان الأم؛ والمراد من أعيان بني الأم: الإخوة والأخوات لأب واحد وأم واحدة؛ مأخوذ من عين الشيء؛ وهو النفيس منه.
قوله: (ليتوارثون) وفي بعض النسخ: (يرثون)، (دون بني العلات) وهم: الإخوة لأب وأمهات شتى.
والمعنى: أن بني الأعيان إذا جتمعوا مع بني العلات .. فالميراث لبني الأعيان؛ لأنهم يحجبونهم؛ لقوة القرابة فيهم، وازدواج الوصلة.
قال الطيبي: قوله: (وأنتم تقرؤون) إخبار فيه معنى الاستفهام؛ يعني: إنكم تقرؤون هذه الآية، هل تدرون معناها؟ فالوصية مقدمة على الدين في القراءة مستأخرة عنه في القضاء، والآخرة فيها مطلق يوهم التسوية، فقضى رسول الله بتقديم الدين على الوصية، وقضى في الإخوة بالفرق. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وذكر الحافظ هذا الحديث في "التلخيص" وفيه: يَرث الرجلَ أَخوهُ لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه، وعزاه للترمذي وابن ماجه والحاكم.
فإن قلت: إذا كان الدين مقدمًا على الوصية .. فلم قدمت عليه في التنزيل؟ قلت: اهتمامًا بشأنها.
وفي "الكشاف": لما كانت الوصية مشبهة بالميراث في كونها مأخوذة من غير عوض .. كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظم ولا تطيب أنفسهم بها، كان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين؛ فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فلذلك قدمت على الدين؛ بعثًا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين، ولذلك جيء بكلمة "أو" فيه للتسوية بينهما في الوجوب، قاله القاري.
قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم؛ أنه يبدأ بالدين قبل الوصية.
قال الحافظ في "الفتح": ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية إلا في صورة واحدة؛ وهي ما إذا أوصى لشخص بألف مثلًا، وصَدَّقَه الوارثُ وحُكم به، ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينًا يستغرق موجوده، وصدقه الوارث .. ففي وجه للشافعية أنها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة، وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1) .. فقد قيل في ذلك: إن الآية ليس فيها صيغة قرتيب، بل المراد: أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية، وأتى بـ (أو) للإباحة، وهي كقولك: جالس زيدًا أو عمرًا؛ أي: لك مجالسة كل واحد منهما
(1) سورة النساء: (11).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
اجتمعا أو افترقا، وإنما قدمت على الدين لمعنىً يقتضي الاهتمامَ بتقديمها، واختلف في تعيين ذلك المعنى.
وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور:
أحدها: الخفة والثقل؛ كربيعة ومضر؛ فمضر أشرف من ربيعة، لكن لفظ ربيعة كان أخف، قدم في الذكر، وهذا يرجع إلى اللفظ.
ثانيها: بحسب الزمان؛ كعاد وثمود.
ثالثها: بحسب الطبع؛ كثلاث ورباع.
رابعها: بحسب الرتبة؛ كالصلاة والزكاة؛ لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال، فالبدن مقدم على المال.
خامسها: تقديم السبب على المسبب؛ كقوله تعالى: {عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1).
وقال بعض السلف: عز، فلما عز .. حكم.
سادسها: بالشرف والفضل؛ كقوله تعالى: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} (2).
وإذا تقرر ذلك .. فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين؛ لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة، بخلاف الدين؛ فإنه إنما يقع غالبًا بعد الميت بنوع تفريط، فوقعت البداءة بالوصية؛ لكونها أفضل.
وقال غيره: قدمت الوصية؛ لأنها شيء يؤخذ بغير عوض، والدين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين، فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين، وأيضًا فهي حظ فقير ومسكين غالبًا، والدين
(1) سورة البقرة: (209).
(2)
سورة النساء: (69).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
حظ غريم يطلب بقوة، وله مقال؛ كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن لصاحب الدين مقالًا"، وأيضًا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه، فقدمت تحريضًا على العمل بها، بخلاف الدين. انتهى، انتهى من "تحفة الأحوذي".
وحديث علي المذكور ضعيف، قال في "النيل": قد أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من طريق الحارث الأعور عن علي رضي الله تعالى عنه، قال: قضى محمد أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين، والحديث وإن كان إسناده ضعيفًا، لكنه معتضد باتفاق عامة أهل العلم على العمل به. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الوصايا، باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية، وفي كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الإخوة من الأب والأم.
فدرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما مر، وللمشاركة فيه، ولاتفاق عامة أهل العلم على العمل به، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا هذا الحديث.
والله سبحانه وتعالى أعلم