المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(79) - (939) - باب الوصية بالثلث - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحدود

- ‌(1) - (861) - بَابٌ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ

- ‌(2) - (862) - بَابُ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ

- ‌(3) - (863) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ

- ‌(4) - (864) - بَابُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(5) - (865) - بَابُ السَّتْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَدَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ

- ‌(6) - (866) - بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

- ‌(7) - (867) - بَابُ حَدِ الزِّنَا

- ‌(8) - (868) - بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ

- ‌(9) - (869) - بَابُ الرَّجْمِ

- ‌(10) - (870) - بَابُ رَجْمِ الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيَّةِ

- ‌(11) - (871) - بَابُ مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ

- ‌(12) - (872) - بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌(13) - (873) - بَابُ مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

- ‌(14) - (874) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْإِمَاءِ

- ‌فرع

- ‌(15) - (875) - بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌(16) - (876) - بَابُ حَدِّ السَّكْرَانِ

- ‌(17) - (877) - بَابُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا

- ‌(18) - (878) - بَابُ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(19) - (879) - بَابُ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ

- ‌(20) - (880) - بَابُ مَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا

- ‌(21) - (881) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ .. فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌(22) - (882) - بَابُ حَدِّ السَّارِقِ

- ‌فائدة

- ‌(23) - (883) - بَابُ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي الْعُنُقِ

- ‌(24) - (884) - بَابُ السَّارِقِ يَعْتَرِفُ

- ‌(25) - (885) - بَابُ الْعَبْدِ يَسْرِقُ

- ‌(26) - (886) - بَابُ الْخَائِنِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْمُخْتَلِسِ

- ‌(27) - (887) - بَابٌ: لَا يُقْطَعُ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ

- ‌(28) - (888) - بَابُ مَنْ سَرَقَ مِنَ الْحِرْزِ

- ‌(29) - (889) - بَابُ تَلْقِينِ السَّارِقِ

- ‌(30) - (890) - بَابُ المُسْتَكْرَهِ

- ‌(31) - (891) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ

- ‌(32) - (892) - بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌تتمة

- ‌(33) - (893) - بَابٌ: الْحَدُّ كفَّارَةٌ

- ‌(34) - (894) - بَابُ الرَّجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا

- ‌(35) - (895) - بَابُ مَنْ تَزَوَّجَ أمْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ

- ‌(36) - (896) - بَابُ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ

- ‌تتمة

- ‌(37) - (897) - بَابُ مَنْ نَفَى رَجُلًا مِنْ قَبِيلَتِهِ

- ‌(38) - (898) - بَابُ الْمُخَنَّثِينَ

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌(39) - (899) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا

- ‌(40) - (900) - بَابُ هَلْ لِقَاتِلِ مُؤْمِنٍ تَوْبَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(41) - (901) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ .. فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ

- ‌(42) - (902) - بَابُ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَرَضُوا بِالدِّيَةِ

- ‌(43) - (903) - بَابٌ: دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(44) - (904) - بَابُ دِيَةِ الْخَطَأَ

- ‌(45) - (905) - بَابُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ .. فَفِي بَيْتِ الْمَالِ

- ‌(46) - (906) - بَابُ مَنْ حَالَ بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ

- ‌(47) - (907) - بَابُ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ

- ‌(48) - (908) - بَابُ الْجَارِحِ يُفْتَدَى بِالْقَوَدِ

- ‌تتمة في ترجمة أبي الجهم

- ‌(49) - (909) - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

- ‌(50) - (910) - بَابُ الْمِيرَاثِ مِنَ الدِّيَةِ

- ‌(51) - (911) - بَابُ دِيَةِ الْكَافِرِ

- ‌(52) - (912) - بَابٌ: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ

- ‌(53) - (913) - بَابٌ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا وَمِيرَاثُهَا لِوَلَدِهَا

- ‌(54) - (914) - بَابُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ

- ‌تتمة في دفع التعارض الواقع بين الروايات المختلفة الواقعة في هذه القصة

- ‌(55) - (915) - بَابُ دِيَةِ الْأَسْنَانِ

- ‌(56) - (916) - بَابُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ

- ‌(57) - (917) - بَابُ الْمُوضِحَةِ

- ‌(58) - (918) - بَابُ مَنْ عَضَّ رَجُلًا فَنَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَ ثَنَايَاهُ

- ‌(59) - (919) - بَابٌ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

- ‌(60) - (920) - بَابٌ: لا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ

- ‌(61) - (921) - بَابُ هَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ

- ‌(62) - (922) - بَابٌ: يُقْتَادُ مِنَ الْقَاتِلِ كمَا قَتَلَ

- ‌(63) - (923) بَابٌ: لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ

- ‌(64) - (924) - بَابٌ: لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ

- ‌(65) - (925) - بَابُ الْجُبَارِ

- ‌(66) - (926) - بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌(67) - (927) - بَابٌ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(68) - (928) - بَابٌ: أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ

- ‌(69) - (929) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ

- ‌(70) - (930) - بَابُ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌(71) - (931) - بَابُ مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ

- ‌(72) - (932) - بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقَاتِلِ

- ‌(73) - (933) - بَابُ الْعَفْوِ فِي الْقِصَاصِ

- ‌(74) - (934) - بَابُ الحَامِلِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَوَدُ

- ‌كتاب الوصايا

- ‌(75) - (935) - بَابٌ: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(76) - (936) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ

- ‌(77) - (937) - بَابُ الْحَيْفِ فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌(78) - (938) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِمْسَاكِ فِي الْحَيَاةِ وَالتَّبْذِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌(79) - (939) - بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ

- ‌(80) - (940) - بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ

- ‌(81) - (941) - بَابٌ: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ

- ‌(82) - (942) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ هَلْ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ

- ‌(83) - (943) - بَابُ قَولِهِ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

الفصل: ‌(79) - (939) - باب الوصية بالثلث

(79) - (939) - بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ

(175)

- 2666 - (1) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ وَسَهْلٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ،

===

(79)

- (939) - (باب الوصية بالثلث)

(175)

- 2666 - (1)(حدثنا هشام بن عمار) السلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(والحسين بن الحسن) بن حرب السلمي أبو عبد الله (المروزي) نزيل مكة، صدوق، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ). يروي عنه:(ت ق).

(وسهل) بن أبي سهل زنجلة بن أبي الصغدي الرازي الخياط، صدوق، من العاشرة، مات في حدود الأربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(ق).

(قالوا) أي: قال كل من الثلاثة:

(حدثنا سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه في آخره، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار، مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ)، وله إحدى وتسعون سنة. يروي عنه:(ع).

(عن) محمد بن مسلم (الزهري) إمام حجة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

(عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة (104 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 532

عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى أَشْفَيْتُ عَلَى الْمَوْت،

===

(عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري أبي إسحاق المدني أحد العشرة رضي الله تعالى عنه وعنهم، مات بالعقيق سنة خمس وخمسين (55 هـ) على المشهور، وهو آخر العشرة وفاةً. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) سعد: (مرضت عام الفتح) فتح مكة (حتى أشفيت) أي: قاربت وأشرفت (منه) أي: من ذلك المرض؛ كما في "مسلم"(على الموت) يقال: أشفى وأشاف بمعنىً واحد، قاله الهروي.

وقال القتيبي: لا يقال: أشفى إلا على شر، وأصله من الشفا - بفتح الشين - وهو حد الشيء وجانبه، فكأنه قال: بلغت حد الموت.

وفيه عيادة الفضلاء والكبراء للمرضى، وتفقد الرجل الفاضل أصحابه وإخوانه، وفي رواية مسلم:(في حجة الوداع) وهذا صريح في كون هذه الواقعة في حجة الوداع، وعليه اتفق أصحاب الزهري.

وشذ ابن عيينة، فذكر هذه الواقعة في فتح مكة، فيما أخرجه الترمذي وابن ماجه عنه، ويؤيده ما أخرجه أحمد (4/ 60) والبزار والبخاري في "التاريخ" من حديث عمرو بن القاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة، فخلف سعدًا مريضًا في مكة حيث خرج إلى حنين، فلما قدم من الجعرانة معتمرًا .. دخل عليه وهو مغلوب، فقال سعد: يا رسول الله؛ إن لي مالًا، وإني أورث كلالة، أفأوصي بمالي

؟ الحديث، وفيه: قلت: يا رسول الله؛ أميِّت أنا بالدار الذي خرجت منها مهاجرًا؟ قال: "لا؛ إني لأرجو أن يرفعك الله حتى ينتفع بك أقوام

" الحديث، ذكره الحافظ في "الفتح" (5/ 270).

ص: 533

فَعَادَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

===

وجمع بينهما بحملهما على واقعتين، ولكن القلب لا يطمئن بأن هذه الواقعة وقعت مرتين، وكيف ينسى مثل سعد بن أبي وقاص ما قال له صلى الله عليه وسلم قبل سنتين في أمر الوصية حتى يسأله مرة أخرى عن عين ما سأله في فتح مكة؟ ! فالأظهر ما ذكره الحافظ عن المحققين أن ابن عيينة قد وهم في تاريخ هذه الواقعة حيث ذكرها في فتح مكة، والصحيح ما ذكره أكثر أصحاب الزهري من أنها وقعت في حجة الوداع، وبه جزم البيهقي؛ كما في "عمدة القاري"(4/ 99).

وأما حديث عمرو بن القاري .. ففيه عبد الله بن عثمان بن خثيم، وهو وإن كان من رواة مسلم، غير أنه جعله ابن المديني منكر الحديث، وقال ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية، وقال النسائي فيه مرة: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ولكن قال: كان يخطئ؛ كما في "تهذيب التهذيب"(5/ 315).

وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 213) هذا الحديث، فقال: وفيه عراض بن عمرو بن القاري، ولم يجرحه أحد ولم يوثقه، وربما يخطر بالبال أن أحد الرواة في حديث عمرو بن القاري خلط قِصَّةَ سَعْدٍ بقصَّةِ جابرٍ رضي الله تعالى عنهما؛ فقد تقدم في باب الكلالة أن مثل هذا الكلام جرى بين جابر وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك قولُه: وَإِنِّي أُورَثُ كلالةً، ولم يكن سعد بن أبي وقاص كلالة، وإنما يحفظ هذا القول من جابر رضي الله تعالى عنه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: زارني، ولا يقال ذلك إلا لزيارة المريض، فأما الزيارة .. فأكثرها للصحيح، وقد تقال للمريض، فأما

ص: 534

فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِيْ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ:"لَا"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ:

===

قوله تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (1) .. فكناية؛ كني به عن الموت.

(فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (أي) حرف نداء؛ لنداء القريب؛ أي: يا (رسول الله؛ إِن لي مالًا كثيرًا) قال المنذري: فيه إباحة جمع المال الكثير (وليس) لي وارث (يرثني إلا ابنة) واحدة (لي) أي: ولا يرثني من الولد وخواص الورثة إلا ابنة واحدة لي، وإلا .. فقد كان له عصبة، واسم تلك البنت عائشة (أ) أتبرع (فأتصدق بثلثي مالي) يا رسول الله؟ والهمزة فيه للاستخبار والاستئذان داخلة على محذوف؛ كما قدرناه، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف.

قال القرطبي: ظاهر هذا السؤال أنه إنما سأل عن الوصية بثلثي ماله؛ لتنفذ بعد الموت، يدل على ذلك قرائن المرض، وذكر الورثة وغير ذلك.

ويحتمل أن يكون السؤال عن صدقة منجَّزة حالَّة يُخرِجُها في سبيل الله تعالى في الحال، وفيه بعد، وكيفما كان .. فقد أجيب بأن ذلك لا يجوز إلا بالثلث خاصة.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله التصدق بالثلثين: ("لا") تتصدق بثلثي مالك، فقال سعد:(قلت) له صلى الله عليه وسلم: (فالشطر) أي: شطر مالي ونصفه أتصدق به؟ وفي رواية مسلم: (أفأتصدق بشطره؟ ) أي: بنصفه؛ كما يدل عليه سياق الكلام (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: ("لا") أي: لا تتصدق الشطر (قلت: فالثلث، قال)

(1) سورة التكاثر: (2).

ص: 535

"الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ

===

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثلث) تصدق به (والثلث كثير) بالمثلثة، ويروى بالموحدة، وكلاهما صحيح.

قوله: "الثلث" ذكر النووي عن القاضي جواز نصب الثلث ورفعه، أما النصب .. فعلى الإغراء أو على تقدير فعل؛ أي: أعط الثلث، وأما الرفع .. فعلى أنه فاعل فعل محذوف؛ أي: يكفيك الثلث، أو على أنه مبتدأ حذف خبره، أو عكسه؛ يعني: الثلث كافٍ مثلًا، وأما الثلث الثاني .. فمرفوع على كونه مبتدأ، وخبره:(كثير).

ثم يحتمل أن يكون المراد بقوله: "الثلث كثير" أن الثلث أقصى ما يجوز، ولكن يستحب أن ينقص منه، ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل؛ أي: كثير أجره، ويحتمل أن يكون معناه: أنه كثير غير قليل، وعلى الأول عول ابن عباس؛ كما عند مسلم، ورجح الشافعي الاحتمال الثالث؛ كما في "فتح الباري"(5/ 272)، والظاهر أن الاحتمال الثاني أبعد الثلاثة.

قوله: (أن تذر) ورثتك في رواية مسلم زيادة: (إنك) بكسر الهمزة على الاستئناف (أن تذر) وتترك - بفتح الهمزة في أن على أنها مصدرية - والجملة الفعلية صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء.

وقوله: (ورثتك أغنياء) مفعولان لتذر، والخبر قوله:(خير) والتقدير: على رواية المؤلف: تركك ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالةً، والجملة الاسمية مستأنفة، والجملة الاسمية على رواية مسلم في محل الرفع خبر إن؛ والتقدير: إنك تركك ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم فقراء، وجملة إن مستأنفة؛ أي: إنك تركك بنتك وأولاد أخيك عتبة بن أبي وقاص - منهم هاشم بن عتبة الصحابي - مستغنين عن الناس .. خير (من أن تذرهم) وتتركهم

ص: 536

عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".

===

(عالة) بتخفيف اللام؛ أي: فقراء (يتكففون الناس) أي: يسألونهم بمد الأكف إليهم؛ بأن يبسطوها للسؤال، أو يسألونهم ما يكف عنهم الجوع.

وروي كسر همزة (إن تذر) على أنها شرطية، و (تذر) مجزوم بها و (خير) خبر لمبتدأ محذوف مع فاء الجزاء؛ والتقدير: إن تذر ورثتك أغنياء .. فهو خير من أن تذرهم

إلى آخره، ومثل هذا الحذف سائغ شائع، غير مختص بضرورة الشعر؛ كما قيل.

قال ابن المنير: إنما عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظة (الورثة) ولم يقل: أن تدع بنتك، مع أنه لم يكن له يومئذٍ إلا ابنة؛ لكون الوارث حينئذ لم يتحقق؛ لأن سعدًا إنما قال ذلك بناءً على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه، وكان من الجائز أن تموت هي قبله، فأجاب صلى الله عليه وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة، ولم يخص بنتًا من غيرها، وقال الفاكهي: إنما عبر النبي صلى الله عليه وسلم بالورثة؛ لأنه اطلع بالوحي على أن سعدًا سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة، وقد حكى الحافظ في "الفتح"(5/ 273) القولين، ثم قال: وليس قوله: أن تدع بنتك متعينًا؛ لأن ميراثه لم يكن منحصرًا فيها؛ فقد كان لأخيه عتبة بن أبي وقاص أولاد إذ ذاك، منهم هاشم بن عتبة الصحابي الذي قتل بصفين، فجاز التعبير بالورثة؛ لتدخل البنت وغيرها ممن يرثه لو وقع موته إذ ذاك أو بعد ذلك.

وقوله: "عالة" - بتخفيف اللام - جمع عائل؛ والعائل: الفقير، وقيل: العيل والعالة: الفقر، والفعل منه عال؛ إذا افتقر، كذا في "فتح الباري".

قوله: "يتكففون الناس" أي: يطلبون الصدقة من أكف الناس، وقيل:

ص: 537

(176)

- 2667 - (2) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو،

===

يسألونهم بأكفهم، يقال: تكفف الناس واستكف؛ إذا بسط كفه لسؤال، أو سأل ما يكف عنه الجوع، أو سأل كفًا كفًا من الطعام. انتهى "كرماني".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية الحسنة، ومسلم في كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، وأبو داوود في كتاب الوصايا، باب ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله، والترمذي في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية، والنسائي في كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، وأخرجه غيرهم من أهل الصحاح والسنن.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(176)

- 2667 - (2)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(حدثنا وكيع) بن الجراح، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن طلحة بن عمرو) بن عثمان الحضرمي المكي، متروك، من السابعة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئة (152 هـ). يروي عنه:(ق).

ص: 538

عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ".

===

(عن عطاء) بن أبي رباح - بفتح الراء الموحدة - اسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه طلحة بن عمرو، وهو متروك متفق على ضعفه.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) عز وجل (تصدق عليكم) أي: رخص لكم وأذن لكم (عند وفاتكم بثلث أموالكم) أي: في أن تتصرفوا في ثلث أموالكم من التبرعات؛ وقفًا وهبةً وصدقةً، حالة كون ذلك الثلث (زيادة لكم) في الأجر (في أعمالكم) أي: أجور أعمالكم التي عملتموها في حال صحتكم.

قال السندي: "تصدق عليكم" أي: جعل لكم ورخص لكم أن تتصرفوا فيه بما شئتم من التبرعات وإن لم ترض الورثة.

ومعنى: "عند وفاتكم" أي: عند قرب وفاتكم، بظهور مقدمات الموت وأسبابه.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وسنده: ضعيف؛ لأن فيه طلحة بن عمرو الحضرمي، وهم اتفقوا على ضعفه، ولكن له شاهد في "الصحيحين" وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص المذكور قبل هذا الحديث، وحديث ابن عباس الآتي في هذا الباب.

فهذا الحديث درجته: أنه صحبح بما قبله وبما بعده، وسنده ضعيف،

ص: 539

(177)

- 2668 - (3) حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا مُبَارَكُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بْنَ آدَمَ؛ اثْنَتَانِ

===

وغرضه: الاستشهاد به لما قبله، فهو ضعيف السند، صحيح المتن بغيره.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(177)

- 2668 - (3)(حدثنا صالح بن محمد بن يحيى بن سعيدٍ القطَّان) التميمي البصري، مقبول، من الحادية عشرة. يروي عنه:(ق).

(حدثنا عبيد الله بن موسى) بن أبي المختار باذام العبسي أبو محمد الكوفي، ثقة كان يتشيع، من التاسعة، قال أبو حاتم: كان أثبت الناس في إسرائيل من أبي نعيم، واستصغر سفيان الثوري، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنبأنا مبارك بن حسان) السلمي أبو يونس البصري نزيل مكة، لين الحديث، من السابعة. يروي عنه:(ق).

(عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه صالح بن محمد، وهو مقبول، وفيه مبارك بن حسان، وهو لين الحديث، ووثقه ابن معين، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين.

(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: قال الله عز وجل: (يا بن آدم؛ اثنتان) أي: خصلتان مبتدأ، سوغ الابتداء

ص: 540

لَمْ تَكُنْ لَكَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ، حِينَ أَخَذْتُ بِكَظَمِكَ لِأُطَهِّرَكَ بِهِ وَأُزَكِّيَكَ، وَصَلَاةُ عِبَادِي عَلَيْكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِكَ".

===

بالنكرة وصفه بقوله: (لم تكن لكَ واحدةٌ منهما) وخبر المبتدأ محذوف؛ تقديره: خصلتان عادمتان كونهما عملًا لك، أعطيتهما لك تفضلًا مني عليك.

أحدهما: أني (جعلت لك نصيبًا) أي: جزءًا (من مالك حين أخذت) من جسمك (بكظمك) أي: بقوتك وصحتك وأساس حياتك؛ أي: أحدهما: أني جعلت لك أن تتصرف في جزء مالك بما شئت من التبرعات؛ وذلك النصيب هو ثلث ماله؛ أي: أذنت لك في التصرف فيه بما شئت حين أخذت وأزلت عنك بكظمك وأسباب حياتك؛ وهي صحة الجسم (لأطهرك) من الذنوب والمَعَاصِي (به) أي: بذلك النصيب؛ أي: بثواب تبرعك بذلك النصيب (و) لـ (أزكيك) أي: ولأزيد لك في أجور أعمالك الصالحة به؛ أي: بذلك النصيب؛ أي: بسبب تبرعك بذلك النصيب الذي أذنت لك في التصرف فيه.

قال السندي: قوله: (لم تكن لك واحدة منهما) أي: لا تستحقها إلا برحمته تعالى؛ إذ المال للحياة، فإذا جاء الموت .. ينبغي أن ينتقل كله إلى غيره من الوارث، لكنه تعالى أبقى له التصرف في الثلث.

(و) ثاني الخصلتين: (صلاة عبادي عليك) يعني: صلاة الجنازة (بعد انقضاء) وانتهاء (أجلك) ومدتك التي أجلها الله في دار الدنيا بخروج روحك، والظرف متعلق بالصلاة؛ لأنه اسم مصدر بمعنى وأنْ يُصلِّي عبادي عليك، فصلاة المصلين على الجنازة لهم لا للميتِ؛ لأنها عملهم، فالظاهر ألا ينتفع بها الميت؛ كما قال تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (1)، لكنه تعالى بمنه وكرمه جعلها نافعة للميت؛ كأنها بمنزلة ما سعى.

(1) سورة النجم: (39).

ص: 541

(178)

- 2669 - (4) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

===

قوله: "بكظمك" الكظم - بفتحتين -: مجامع النفس وقوامها وصحتها، وأخذه عند خروج روحك وانقطاع نفسك.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه الدارقطني وعبد بن حميد بإسناده ومتنه.

فدرجته: أنه حسن، لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به.

وموضع الترجمة قوله: "جعلت لك نصيبًا من مالك".

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(178)

- 2669 - (4)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبيه) عروة بن الزبير، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

ص: 542

قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ؛

===

(قال) ابن عباس: (وددت) وأحببت وتمنيت (أن الناس) الذين يريدون الإيصاء من أموالهم عند الموت أن (غضوا) ونقصوا (من الثلث إلى الربع) ولا يستكملوا الثلث، وفي رواية مسلم:(لو أن الناس غضوا)، فكلمة (لو) للتمني، فلا تحتاج إلى جواب.

والمعنى: أتمنى نقصهم في الإيصاء من الثلث إلى الربع، وإن كانت للشرط .. فالجواب محذوف؛ تقديره: لو أنهم نقصوا من الثلث إلى الربع .. كان خيرًا لهم وأحب إلي، وكذلك رواه الإسماعيلي بلفظ:(كان أحب إلي)، وفي رواية أخرى:(كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه الحافظ في "الفتح" (5/ 277).

والغض والغضاضة؛ من باب نصر: النقص، ومنه قوله تعالى:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (1)؛ يعني: انقص من جهارته، كذا في "مجمع البحار" للفشني، وفي هذا الأثر حجة للحنفية؛ لاستحباب نقص الوصية من الثلث عندهم وإن كانت الورثة أغنياء.

وقوله: "من الثلث إلى الربع" هذا اجتهاد من ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قدر النقص من الثلث.

وقد رويت عن غيره مقادير مختلفة؛ فعن أبي بكر رضي الله عنه أنه أوصى بالخمس، وقال: إن الله تعالى رضي من غنائم المؤمنين بالخمس، وقال معمر عن قتادة: أوصى عمر رضي الله تعالى عنه بالربع، وقال ابن إسحاق: السنة الربع، وروي عن علي رضي الله عنه: لأن أوصي بالخمس .. أحب إلي من الربع، ولأن أوصي بالربع .. أحب إلي من الثلث.

(1) سورة لقمان: (19).

ص: 543

لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ".

===

واختار آخرون السدس، وقال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يوصوا مثل نصيب أحد الورثة حتى يكون أقل منه، وكان السدس أحب إليهم من الثلث، واختار آخرون العشر، كذا في "عمدة القاري"(6)(483).

قوله: (لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث) يكفيك والثلث (كثير أو كبير) تعليل لما اختاره ابن عباس من النقصان من الثلث، وكأنه أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة، والله أعلم، وكلمة (أو) في قوله:(أو كبير) للشك.

ولفظ "مسلم مع شرحه": (وفي حديث وكيع) وروايته: (كبير) بالموحدة (أو كثير) بالمثلثة، والشك من الراوي، والمعنى فيهما واحد، ويحتمل الفرق بينهما أن الكبر من حيث الذات، والكثرة من حيث العدد.

والحاصل منهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم استكثر الثلث مع أنه أجازه أولًا بقوله؛ فينبغي أن ينقص منه شيء له بال، وهو غير محدود. انتهى من "المفهم".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث؛ يعني: هذا الأثر: البخاري في كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، ومسلم في كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، والنسائي في كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، وأحمد في "مسنده".

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 544