المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) - (867) - باب حد الزنا - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحدود

- ‌(1) - (861) - بَابٌ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ

- ‌(2) - (862) - بَابُ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ

- ‌(3) - (863) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ

- ‌(4) - (864) - بَابُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(5) - (865) - بَابُ السَّتْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَدَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ

- ‌(6) - (866) - بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

- ‌(7) - (867) - بَابُ حَدِ الزِّنَا

- ‌(8) - (868) - بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ

- ‌(9) - (869) - بَابُ الرَّجْمِ

- ‌(10) - (870) - بَابُ رَجْمِ الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيَّةِ

- ‌(11) - (871) - بَابُ مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ

- ‌(12) - (872) - بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌(13) - (873) - بَابُ مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

- ‌(14) - (874) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْإِمَاءِ

- ‌فرع

- ‌(15) - (875) - بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌(16) - (876) - بَابُ حَدِّ السَّكْرَانِ

- ‌(17) - (877) - بَابُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا

- ‌(18) - (878) - بَابُ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(19) - (879) - بَابُ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ

- ‌(20) - (880) - بَابُ مَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا

- ‌(21) - (881) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ .. فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌(22) - (882) - بَابُ حَدِّ السَّارِقِ

- ‌فائدة

- ‌(23) - (883) - بَابُ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي الْعُنُقِ

- ‌(24) - (884) - بَابُ السَّارِقِ يَعْتَرِفُ

- ‌(25) - (885) - بَابُ الْعَبْدِ يَسْرِقُ

- ‌(26) - (886) - بَابُ الْخَائِنِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْمُخْتَلِسِ

- ‌(27) - (887) - بَابٌ: لَا يُقْطَعُ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ

- ‌(28) - (888) - بَابُ مَنْ سَرَقَ مِنَ الْحِرْزِ

- ‌(29) - (889) - بَابُ تَلْقِينِ السَّارِقِ

- ‌(30) - (890) - بَابُ المُسْتَكْرَهِ

- ‌(31) - (891) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ

- ‌(32) - (892) - بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌تتمة

- ‌(33) - (893) - بَابٌ: الْحَدُّ كفَّارَةٌ

- ‌(34) - (894) - بَابُ الرَّجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا

- ‌(35) - (895) - بَابُ مَنْ تَزَوَّجَ أمْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ

- ‌(36) - (896) - بَابُ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ

- ‌تتمة

- ‌(37) - (897) - بَابُ مَنْ نَفَى رَجُلًا مِنْ قَبِيلَتِهِ

- ‌(38) - (898) - بَابُ الْمُخَنَّثِينَ

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌(39) - (899) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا

- ‌(40) - (900) - بَابُ هَلْ لِقَاتِلِ مُؤْمِنٍ تَوْبَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(41) - (901) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ .. فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ

- ‌(42) - (902) - بَابُ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَرَضُوا بِالدِّيَةِ

- ‌(43) - (903) - بَابٌ: دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(44) - (904) - بَابُ دِيَةِ الْخَطَأَ

- ‌(45) - (905) - بَابُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ .. فَفِي بَيْتِ الْمَالِ

- ‌(46) - (906) - بَابُ مَنْ حَالَ بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ

- ‌(47) - (907) - بَابُ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ

- ‌(48) - (908) - بَابُ الْجَارِحِ يُفْتَدَى بِالْقَوَدِ

- ‌تتمة في ترجمة أبي الجهم

- ‌(49) - (909) - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

- ‌(50) - (910) - بَابُ الْمِيرَاثِ مِنَ الدِّيَةِ

- ‌(51) - (911) - بَابُ دِيَةِ الْكَافِرِ

- ‌(52) - (912) - بَابٌ: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ

- ‌(53) - (913) - بَابٌ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا وَمِيرَاثُهَا لِوَلَدِهَا

- ‌(54) - (914) - بَابُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ

- ‌تتمة في دفع التعارض الواقع بين الروايات المختلفة الواقعة في هذه القصة

- ‌(55) - (915) - بَابُ دِيَةِ الْأَسْنَانِ

- ‌(56) - (916) - بَابُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ

- ‌(57) - (917) - بَابُ الْمُوضِحَةِ

- ‌(58) - (918) - بَابُ مَنْ عَضَّ رَجُلًا فَنَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَ ثَنَايَاهُ

- ‌(59) - (919) - بَابٌ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

- ‌(60) - (920) - بَابٌ: لا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ

- ‌(61) - (921) - بَابُ هَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ

- ‌(62) - (922) - بَابٌ: يُقْتَادُ مِنَ الْقَاتِلِ كمَا قَتَلَ

- ‌(63) - (923) بَابٌ: لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ

- ‌(64) - (924) - بَابٌ: لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ

- ‌(65) - (925) - بَابُ الْجُبَارِ

- ‌(66) - (926) - بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌(67) - (927) - بَابٌ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(68) - (928) - بَابٌ: أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ

- ‌(69) - (929) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ

- ‌(70) - (930) - بَابُ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌(71) - (931) - بَابُ مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ

- ‌(72) - (932) - بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقَاتِلِ

- ‌(73) - (933) - بَابُ الْعَفْوِ فِي الْقِصَاصِ

- ‌(74) - (934) - بَابُ الحَامِلِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَوَدُ

- ‌كتاب الوصايا

- ‌(75) - (935) - بَابٌ: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(76) - (936) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ

- ‌(77) - (937) - بَابُ الْحَيْفِ فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌(78) - (938) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِمْسَاكِ فِي الْحَيَاةِ وَالتَّبْذِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌(79) - (939) - بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ

- ‌(80) - (940) - بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ

- ‌(81) - (941) - بَابٌ: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ

- ‌(82) - (942) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ هَلْ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ

- ‌(83) - (943) - بَابُ قَولِهِ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

الفصل: ‌(7) - (867) - باب حد الزنا

(7) - (867) - بَابُ حَدِ الزِّنَا

(16)

- 2507 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ

===

(7)

- (867) - (باب حد الزنا)

(16)

- 2507 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ خطيب، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).

(قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري) محمد بن مسلم المدني إمام مشهور، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

(عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني، ثقةٌ ثبت، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، وقيل: ثمان وتسعين، وقيل غير ذلك، من فقهاء المدينة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنهما (وشبل) - بكسر المعجمة وسكون الموحدة - ابن حامد، ويقال: ابن خالد، ويقال: ابن خُليد، ويقال: ابن معبد المزني، روى عن عبد الله بن مالك الأوسي حديث:(الوليدة إذا زنت .. فاجلدوها) وعنه به؛ أي: وروى عن شبل بهذا الحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.

ص: 52

قَالُوا: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ

===

كذا رواه أصحاب الزهري عنه، وخالفهم ابن عيينة، فروى عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل جميعًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثَ العسيف، ولم يُتابع على ذلك، رواه النسائي والترمذي وابن ماجة، وهذا هو الموافق لما في "ابن ماجة"، قال النسائي: الصواب: الأول، قال: وحديث ابن عيينة خطأ، وروى البخاري حديث ابن عيينة فأسقط عنه شبلًا، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة فذكروه فيه؛ أي: شبْل، وأهل مصر يقولون: شبل بن حامد عن عبد الله بن مالك الأوسي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا عندي أشبه. انتهى من "التهذيب".

وفي "التقريب": شبل بن حامد، أو ابن خليد المزني، مقبول، من الثالثة، وأخطأ من قال: هو شبل بن معبد. يروي عنه: (س). انتهى منه.

وقال العسكري: ولا يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو علي بن السكن: يقال: له صحبة، وقال ابن عبد البر: لا ذكر له في الصحابة إلَّا في رواية ابن عيينة، وقال الدارقطني: يعد في التابعين، وعلى كلّ فهو لا يضر السند؛ لأنه ذكر على وجه المقارنة.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قالوا) أي: قال أبو هريرة ومن معه: (كنا) حاضرين (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل) من الأعراب؛ كما في رواية مسلم، ولم أر من ذكر اسمه، ولا اسم بقية المبهم الذي في هذا الحديث. انتهى من "تنبيه المعلم على مبهمات مسلم".

(فقال) ذلك الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنشدك الله) أي: أقسم لك بالله، فلفظ الجلالة منصوب بنزع الخافض الذي هو حرف القسم؛

ص: 53

لَمَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ خَصمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَأْذَنْ لِي حَتَّى أَقُولَ قَالَ:"قُلْ"، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا وَإِنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ،

===

أي: أسألك بالله رافعًا نشيدي؛ أي: صوتي (لما قضيت) أي: إلَّا قضيت (بيننا بكتاب الله) تعالى؛ أي: بيني وبين خصمي بحكم كتاب الله تعالي، و (لما) هنا بمعنى: إلَّا؛ كما هو مصرح به في رواية مسلم، (فقال خصمه وكان) خصمه (أفقه منه) أي: من هذا القائل؛ أي: أكثر فقهًا وفهمًا وأحسن أدبًا من الرجل الأول؛ لأنه التزم بأدب الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في كلامه من الجفوة ما كان في كلام الأول:(اقض بيننا) يا رسول الله (بكتاب الله) وحكمه (و) لكن (ائذن لي) يا رسول الله في الكلام (حتى أقول) شيئًا من مهماتي.

فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ("قل") ما شئت؛ فقد أذنت لك، فـ (قال) ذلك الرجل الذي استأذن في الكلام:(إن ابني كان عسيفًا) أي: أجيرًا (على هذا) أي: عند خصمي هذا المتكلم (وإنه) أي: وإن ابني (زنى بامرأته) أي: بزوجته، وأخبرت بأن على ابني الرجم (فافتديت) ابني (منه) أي: من الرجم (بمئة شاة وخادم).

ولفظ "مسلم" مع "الكوكب": (قالوا: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل من الأعراب، فقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلَّا قضيت بيننا بكتاب الله) أي: إلَّا قضيت بما تضمنه كتاب الله؛ أي: لا أسالك إلَّا بالتشاغل بالقضاء بيننا بحكم الله تعالي، ولا أترك السؤال إلَّا إذا قضيت به بالفصل بيننا بالحكم الصرف لا بالتصالح والترغيب فيما هو الأرفق، إذ للحكم أن يفعل ذلك، ولكن برضى الخصمين، وفي قوله:(إلَّا قضيت لي بكتاب الله) فيه

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويله بمصدر، وإن لَمْ يكن فيه حرف مصدري؛ لضرورة افتقار المعنى إليه، وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موضع الاسم، ويراد به النفي المحصور فيه المفعول.

والمعنى هنا: لا أسألك إلَّا القضاء بكتاب الله تعالي، ويحتمل أن تكون إلَّا جواب القسم؛ لما فيها من معنى الحصر، والمعنى على هذا: أسألك بالله لا تفعل شيئًا إلَّا القضاء بكتاب الله تعالي، كذا في "فتح الباري"(12/ 138) باب الاعتراف بالزنا.

وفي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام شيء من الجفوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصور منه إلَّا القضاء بحق موافق لكتاب الله، فنشده على ذلك بما لا داعي إليه، ولكن الرجل كان من الأعراب، وهم يُعْذَرُون في مثل هذا الكلام، ولذلك لَمْ يعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم ولا لامه، وفيه حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه على من يخاطبه بما لا يليق به.

ثم المراد بكتاب الله ها هنا: ما كتبه الله على عباده، سواء كان مذكورًا في القرآن الكريم أو في السنة؛ لأن الرجم والتغريب ليس لهما ذكر صريح في القرآن إلَّا بواسطة أمر الله تعالى باتباع رسوله.

وقيل المراد بكتاب الله: ما فيه من النهي عن أكل المال بالباطل؛ لأنه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حق، فلذلك قال:"الغنم والوليدة رد عليك"، ولكن رجح الحافظ ابن حجر في "الفتح" أن المراد بكتاب الله: ما يتعلق بجميع القصة مما وقع فيه الجواب الآتي ذكره، والله تعالى أعلم.

فقال الخصم الآخر له غير الرجل المذكور أولًا (وهو) أي: وهذا الآخر

ص: 55

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

(أفقه) أي: أكثر فقهًا وفهمًا وأحسن أدبًا (منه) أي: من الرجل الأول؛ لأنه التزم بأدب الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث استأذنه، ولم يكن في كلامه من الجفوة ما كان في كلام الأول، ودلت هذه الكلمة على أن الفقه ليس مجرد علم بالمسائل الفقهية، وإنما هو أدب وخلق ووضع كلّ شيء في محله المناسب عمليًّا.

ويحتمل أيضًا أن يكون الراوي عارفًا بهما قبل أن يتحاكما، فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول إما مطلقًا، وإما في هذه القصة الخاصة، قاله ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" كما في "فتح الباري".

قال القرطبي: إنما فضل الراوي الثاني على الأول؛ لأن هذه الجملة مدرجة من كلام الراوي؛ أي: وإنما فضله عليه بالفقه؛ لأن الثاني ترفق ولم يستعجل، ثم تلطف بالاستئذان في القول، بخلاف الأول؛ فإنه استعجل، وأقسم على النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كان يفعله بغير يمين، ولم يستأذن، وهذا كله من جفاء الأعراب، فكان للثاني عليه مزية في الفهم والفقه، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لأن الثاني وصف القضية بكمالها، وأجاد سياقها؛ حيث قال: نعم (اقض بيننا) ومن هنا رجعنا إلى لفظ ابن ماجة؛ أي: (اقض بيننا) يا رسول الله (بكتاب الله) تعالى وحكمه، والجملة الجوابية مقول قال، وما قبلها معترض مدرج من كلام الراوي؛ كما مر آنفًا، وفي رواية مسلم: الجمع بين نعم وما نابت عنه.

(و) لكن (ائذن لي يا رسول الله) في الكلام (حتى أقول) وأذكر لك ما جرى بيني وبين خصمي (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل) ما شئت من حاجتك؛ فقد أذنت لك، فـ (قال) هذا الرجل الثاني؛ كما هو

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ظاهر سياق الكلام، خلافًا للكرماني، ولكن رد عليه الحافظ في "الفتح" (13/ 139) بما وقع في كتاب الشروط من "صحيح البخاري" عن عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب بلفظ: (فقال: صدق، اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني هذا

) إلى آخره؛ فإنه كالصريح في أن المتكلم هو الثاني لا الرجل الأول.

أي: فقال هذا الخصم الثاني: (إن ابني) ووقع في رواية عند البخاري في المحاربين: (إن ابني هذا) فهذا مما يدلُّ على أن ذلك الابن كان حاضرًا عند هذا الكلام (كان عسيفًا) أي: أجيرًا، وجمعه عسفاء؛ كاجير وأجراء، وفقيه وفقهاء (على هذا) إشارة إلى خصم المتكلم؛ وهو زوج المرأة المزنية لابنه، وكان الرجل الأول استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور، فكان ذلك سببًا لما وقع له معها، فعلى هنا بمعنى عند؛ أي: عند هذا الرجل الأول.

ووقع في رواية عمرو بن شعيب عند النسائي في "الكبرى": (كان ابني أجيرًا لامرأته) وهو يعني معنى العسيف يطلق على الأجير وعلى الخادم وعلى العبد وعلى السائل وعلى من يستهان به، وسمي الأجير عسيفًا؛ لأن المستأجر يعسفه في العمل، والعسف: الجور.

(وإنه) أي: وإن ابني (زنى بامرأته) أي: بزوجته، ولم يكن هذا من الأب قذفًا لابنه ولا للمرأة؛ لاعترافهما بالزنا على أنفسهما. انتهى من "المفهم".

وإنما وقع له ذلك الزنا؛ لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال، فيستفاد منه: الحث على إبعاد الأجنبي من الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويثور بها الشيطان إلى الفساد.

ص: 57

فَسَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِئَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ: الْمِئَةُ الشَّاةُ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ،

===

(فسألت رجالًا من أهل العلم) بالحكم من الصحابة (فأخبرت) بالبناء للمجهول (أن على ابني جلد مئة وتغريب عام) إلى مسافة القصر حدًا عند الشافعية، وتعزيرًا عند الحنفية (وأن على امرأة هذا) الرجل المخاصم لي (الرجم) أي: الرمي إليها بالحجارة حتى تموت.

قال الحافظ: لَمْ أقف على أسماء هؤلاء الذين أخبروه من أهل العلم، ولا على عددهم، ولا على اسم الخصمين، ولا على اسم الابن ولا على اسم المرأة.

ودل الحديث على أن رجم المحصن كان معروفًا عند أهل العلم في ذلك الزمان، ودل أيضًا على أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: وقد سألت من يعلم أحكام الزنا من الصحابة، فأخبروني أنما على ابني جلد مئة وتغريب، وأن على امرأة هذا الخصم الرجم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده؛ لأقضين بينكما) أيها الخصمان (بكتاب الله) تعالي، دل هذا الحديث على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت بطريق قطعي .. فإنها مساوية لكتاب الله في وجوب العمل بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن قضاءه مبني على كتاب الله مع أنه كان مشتملًا على رجم المرأة، ولم يثبت الرجم صريحًا في كتاب الله، ولكنه نسبه إلى كتاب الله؛ لما فيه من الأمر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

(المئة الشاة والخادم رد عليك) أي: مردودتان عليك، فخذهما منه،

ص: 58

وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا

===

قال النووي: معناه: يجب ردهما عليه، وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد، وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده، وأن الحدود لا تقبل الفداء. انتهى.

يعني: أن زوج المزنية يجب عليه أن يردهما إليك؛ لأنه لَمْ يقبضها بحق (وعلى ابنك جلد مئة، وتغريب عام) إلى مسافة القصر؛ أي: إذا ثبت الزنا بوجهه لا بمجرد قول الأب (واغد) أمر من الغدو؛ وهو هنا بمعنى: الذهاب المطلق من غير تقييد بوقت الغدوة، ويحتمل أن يكون هذا الحديث في آخر وقت النهار، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالذهاب غدوة اليوم التالي، والله أعلم؛ والمعنى: وامض وسر، وليس معناه: سر بكرة إليها؛ كما هو موضوع الغداة.

(يا أنيس) - بضم الهمزة مصغرًا - قال ابن عبد البر في "الاستيعاب"(1/ 37) عن بعض العلماء: هو أنيس بن الضحاك الأسلمي رضي الله تعالى عنه، ويشهد لهذا ما وقع في رواية شعيب وابن أبي ذئب من قوله:(وأما أنت يا أنيس) لرجل من أسلم .. (فاغد) وفي بعض النسخ: (اغد يا أنيس) وهو أمر بالذهاب إليها، وأنيس صحابي أسلمي، والمرأة أيضًا أسلمية، وهذا الأمر - كما قال النووي - محمول على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفهما بابنه؛ ليعرفها بأن لها عنده حقًّا؛ وهو حد القذف أخذت أو تركت، إلَّا أن تعترف بالزنا، فلا يجب عليه الحد، بل يجب عليها حد الزنا، وهو الرجم؛ لكونها محصنةً (على امرأة هذا) الإشارة فيه إلى خصم المتكلم أخيرًا الذي زعم أن ابنه زنى بامرأة الآخر، وزاد في رواية محمد بن يوسف:(فاسألها) كما في "الفتح".

وقد دل فعله صلى الله عليه وسلم في إرسال أنيس رضي الله عنه أن المخدرة التي لا تعتاد البروز لا تكلف الحضور لمجلس الحكم، بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها، كذا في "فتح الباري".

ص: 59

فَإِنِ اعْتَرَفَتْ .. فَارْجُمْهَا"، قَالَ هِشَامٌ: فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.

===

(فإن اعترفت) بالزنا على نفسها (فارجمها).

(قال هشام) بن عروة المتابع للزهري في روايته عن عبيد الله بن عبد الله: (فغدا عليها) أنيس؛ أي: مشى إليها وسار نحوها، فسألها (فاعترفت) بالزنا، فأخبر باعترافها لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فرجمها) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: أمر برجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجموا؛ كما هو مصرح به في رواية "مسلم".

قال النووي: ولا بد من التأويل؛ لأن ظاهره أنه بعث لإقامة الحد، وهذا غير مراد؛ لأن حد الزنا لا يحتاط له بالتجسس والتفتيش عنه، بل لو أقر به الزاني .. استحب أن يلقن الرجوع، وفي هذا دليل على جواز استنابة الحاكم في القضاء وإقامة الحدود، واستدل الشافعي ومالك بهذا الحديث أن الإقرار بالزنا يوجب الحد وإن كان مرّة واحدة، ولا يجب أن يكون أربع مرات.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في مواضع كثيرة؛ منها: كتاب الحدود، باب الوكالة في الحدود، وكتاب الصلح، وكتاب الشروط، وكتاب الإحكام، ومسلم في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، وأبو داوود في كتاب الحدود، باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، والترمذي في كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم على الثيب، والنسائي في كتاب القضاء، قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة وزيد بن خالد حديث حسن صحيح.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

قال القرطبي: وفي هذا الحديث أبواب من الفقه؛ فمنها: أن كلّ صلح

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

خالف السنة .. فهو باطل ومردود، وأن الحدود التي هي محضة لحق الله تعالى لا يصح الصلح فيها، واختلف في حد القذف؛ هل يصح الصلح فيه أم لا؟ ولم يختلف في كراهته؛ لأنه ثمنُ عِرْضٍ، ولا خلاف في أنه يجوز قبل رفعه إلى الإمام.

وأما حقوق الأبدان من الجراح وحقوق الأموال .. فلا خلاف في جوازه مع الإقرار، واختلف في الصلح على الإنكار: فأجازه مالك، ومنعه الشافعي.

وفيه أيضًا جواز استنابة الحاكم في بعض القضايا من يحكم فيها مع تمكنه من مباشرته، وفيه أن الإقرار بالزنا لا يشترط فيه تكرار أربع مرات، وأن المرجوم لا يجلد قبل الرجم، وقد تقدم الخلاف فيهما.

وفيه أن ما كان معلومًا من الشروط والأسباب التي تترتب عليها الإحكام لا يحتاج إلى السؤال عنها؛ فإن إحصان المرأة كان معلومًا عندهم؛ فإنها كانت ذات زوج معروف الدخول عليها، وعلى هذا يحمل حديث الغامدية؛ إذ لو لَمْ تكن محصنة .. لما جاز رجمها بالإجماع.

وفيه إقامة الحاكم الحد بمجرد إقرار المحدود وسماعه منه من غير شهادة عليه، وهو أحد قولي الشافعي وأبي ثور، ولا يجوز ذلك عند مالك إلَّا بعد ضبط الشهادة عليه، وانفصل عن ذلك بأنه ليس في الحديث ما ينص على أنه لَمْ يسمع إقرارها إلَّا أنيس خاصة، بل العادة قاضية بأن مثل هذه القضية لا تكون في خلوة ولا ينفرد بها الآحاد.

وفيه دليل على الاستفتاء والفتيا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إمكان الوصول إليه، وجواز استفتاء المفضول مع وجود الأفضل، ولو كان ذلك غير جائز .. لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 61

(17)

- 2508 - (2) حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بِشْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،

===

وفيه دليل على جواز اليمين بالله تعالى وإن لَمْ يستحلف، وعلى أن ما يفهم منه اسم الله يمين جائزة، وإن لَمْ يكن من أسمائه تعالى؛ فإن قوله:"والذي نفسي بيده" ليس من أسماء الله تعالي، ولكنه تنزل منزلة الأسماء في الدلالة، فيلحق به كلّ ما كان في معناه؛ كقوله:"والذي خلق الخلق وبسط الرزق" وما أشبه ذلك.

وفيه ما يدلُّ على أن زنا المرأة تحت زوجها لا يفسخ نكاحها، ولا يوجب الزنا تفرقة بينها وبين زوجها؛ إذ لو كان كذلك .. لَفُرق بينهما قبل الرجم، ولفسخ النِّكَاح، ولم ينقَل شيء من ذلك، ولو كان .. لَنُقِلَ؛ كما نُقلت القصةُ وكثيرٌ من تفاصيلها.

وفيه دليل على صحة الإجارة للمرأة، إلى غير ذلك من المستنبطات منه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وشِبْلٍ بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(17)

- 2508 - (2)(حدثنا بكر بن خلف) البصري ختن المقرئ (أبو بشر) صدوق، من العاشرة، مات بعد سنة أربعين ومئتين. يروي عنه:(د ق).

(حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري، ثقةٌ حافظ إمام، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 62

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا:

===

(عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، من السادسة، ولكنه مدلس، مات سنة ست، وقيل: سبع وخمسين ومئة. يروي عنه: (ع).

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقةٌ، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن يونس بن جبير) الباهلي أبي غلاب البصري، ثقةٌ، من الثالثة، مات قبل المئة بعد التسعين. يروي عنه:(ع).

(عن حطان بن عبد الله) الرقاشي البصري، ثقةٌ، من الثانية، مات في ولاية بشر على العراق بعد السبعين. يروي عنه:(م عم).

(عن عبادة بن الصامت) بن قيس الأنصاري الخزرجي أبي الوليد المدني، بدري مشهور رضي الله تعالى عنه، مات سنة أربع وثلاثين، وقيل: عاش إلى خلافة معاوية. يروي عنه: (ع).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) عبادة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني) حدودهن (قد جعل الله لهن سبيلًا) وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (1).

فكان حكم الآية أن تحبس الزانية في البيوت إلى الموت، أو إلى أن ينزل الله

(1) سورة النساء: (15).

ص: 63

الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ سَنَةٍ،

===

حكمًا آخر؛ وهو المراد بالسبيل في الآية، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك الحكم الجديد قد نزل، وهو قوله:(البكر بالبكر) أي: حد البكر الذي زنى بالبكر أو بالثيب (جلد مئة) مرّة؛ أي: ضرب مئة مرّة، وسمي الضرب في الزنا وغيره من موجبات الحد جَلدًا - بفتح الجيم - لاتصاله بالجِلد - بكسر الجيم - أي: لإيصاله الألم إليه.

(وتغريب سنة) أي: نفي سنة من بلد الزنا إلى مسافة القصر.

وقوله: "بالبكر" قال النووي: ليس هذا على سبيل الاشتراط، بل حد البكر الجلد والتغريب، سواء زنى ببكر أم بثيب، وكذا حد الثيب الرجم، سواء زنى بثيب أم ببكر، فهو شبيه بالتقييد الذي خرج مخرج الغالب. انتهى.

وقوله: "وتغريب سنة" استدل به الشافعية والحنابلة على أن النفي والتغريب من حد الزاني البكر.

وفي المسألة ثلاثة مذاهب:

الأول: حد الزاني البكر مجموع الجلد والتغريب مطلقًا، رجلًا كان أو امرأة، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وعطاء وطاووس، رحمهم الله تعالى.

الثاني: يغرب الرجل دون المرأة؛ لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة، وهو قول مالك والأوزاعي.

والثالث: ليس التغريب جزءًا من حد الزنا، وإنما هو تعزير فيه، يخير فيه الحاكم إن رأى فيه مصلحة .. غربه، وإلا .. فلا، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهم الله تعالي، هذا ملخص ما في "المغني" لابن قدامة (1/ 123).

ص: 64

وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ".

===

قوله: (والثيب) أي: وحد الثيب الذي زنى (بالثيب جلد مئة) والجلد منسوخ فيه بحديث ماعز بن مالك وبحديث الغامدية، كما سيأتي (والرجم) أي: الرمي بحجارة معتدلة؛ بحيث تكون قدر ملء الكف حتى يموت، لا بحجارة صغيرة؛ لئلا يطول عليه الأمر، ولا بحجارة كبيرة؛ لئلا يموت حالًا، فيفوت التنكيل.

والتقييد بالثيب خرج مخرج الغالب - كما مر آنفًا - فالمراد بالثيب، ويسمى بالمحصن: هو الشخص البالغ العاقل الحر الذي غيب حشفته أو قدرها من مقطوعها في قبل في نكاح صحيح، فإذا زنى بعد ذلك .. فحده الرجم والقتل بالحجارة، والبكر ويسمى بغير المحصن ضد الثيب؛ وهو الذي لَمْ يغيب حشفته في قبل في نكاح صحيح، والزنا بالقصر لغة حجازية، وبالمد لغة تميم.

وفي "المصباح": زنى يزني زنًا بالقصر، وزاناها مزاناةً وزناء بالمد، ومنهم من يجعل المقصور والممدود لغتين في الثلاثي، ويقول: المقصور لغة الحجاز، والممدود لغة نجد. انتهى.

وإلى هذا مال ابن الهمام، فقال: الزنا مقصور في اللغة الفصحى، لغة أهل الحجاز التي نزل بها القرآن، قال تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (1)، ويمد في لغة نجد، وعليها قال الفرزدق:

أبا طاهر مَن يَزْنِ يُعرف زِناؤهُ

ومَن يشرب الخُرطومَ يُصبِحْ مُسكَّرَا

بفتح الكاف وتشديدها؛ من السكر، والخرطوم من أسماء الخمر. انتهى من بعض الهوامش.

(1) سورة الإسراء: (32).

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وهو إيلاج المكلف الواضح حشفته الأصلية المتصلة أو قدرها عند فقدها في فرج واضح محرم لعينه في نفس الأمر مشتهىً طبعًا مع الخلو عن الشبهة.

وهو من أفحش الكبائر بعد القتل، واتفق أهل الملل كلها على تحريمه؛ لأنه لَمْ يحل في ملة قط من لدن آدم إلى هذه الملة المحمدية. انتهى "ب ج" بتصرف.

قال النووي: واعلم: أن المراد بالبكر من الرجال والنساء: من لَمْ يجامع في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، سواء كان جامع بوطء شبهة أو نكاح فاسد أو غيرهما، أم لا.

والمراد بالثيب: من جامع في دهره مرةً في نكاح صحيح وهو بالغ عاقل حر، والرجل والمرأة في هذا سواء، وسواء في كلّ هذا المسلم والكافر والرشيد والمحجور عليه لسفه، والله أعلم.

والحكمة في جعل حد الزنا الجلد دون قطع الذكر؛ كما جعل حد السرقة قطع اليد؛ لأنَّها آلة السرقة .. إبقاءً للتناسل بين البشر؛ كما بينته في تفسيرنا "الحدائق" بأبسط مما هنا في آية السرقة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الحدود، باب حد الزني، وأبو داوود في كتاب الحدود، باب في الرجم، والترمذي في كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم على الثيب، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.

فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ص: 66

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثين:

الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 67