المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(49) - (909) - باب دية الجنين - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحدود

- ‌(1) - (861) - بَابٌ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ

- ‌(2) - (862) - بَابُ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ

- ‌(3) - (863) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ

- ‌(4) - (864) - بَابُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(5) - (865) - بَابُ السَّتْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَدَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ

- ‌(6) - (866) - بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

- ‌(7) - (867) - بَابُ حَدِ الزِّنَا

- ‌(8) - (868) - بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ

- ‌(9) - (869) - بَابُ الرَّجْمِ

- ‌(10) - (870) - بَابُ رَجْمِ الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيَّةِ

- ‌(11) - (871) - بَابُ مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ

- ‌(12) - (872) - بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌(13) - (873) - بَابُ مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

- ‌(14) - (874) - بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْإِمَاءِ

- ‌فرع

- ‌(15) - (875) - بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌(16) - (876) - بَابُ حَدِّ السَّكْرَانِ

- ‌(17) - (877) - بَابُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا

- ‌(18) - (878) - بَابُ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

- ‌(19) - (879) - بَابُ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ

- ‌(20) - (880) - بَابُ مَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا

- ‌(21) - (881) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ .. فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌(22) - (882) - بَابُ حَدِّ السَّارِقِ

- ‌فائدة

- ‌(23) - (883) - بَابُ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي الْعُنُقِ

- ‌(24) - (884) - بَابُ السَّارِقِ يَعْتَرِفُ

- ‌(25) - (885) - بَابُ الْعَبْدِ يَسْرِقُ

- ‌(26) - (886) - بَابُ الْخَائِنِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْمُخْتَلِسِ

- ‌(27) - (887) - بَابٌ: لَا يُقْطَعُ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ

- ‌(28) - (888) - بَابُ مَنْ سَرَقَ مِنَ الْحِرْزِ

- ‌(29) - (889) - بَابُ تَلْقِينِ السَّارِقِ

- ‌(30) - (890) - بَابُ المُسْتَكْرَهِ

- ‌(31) - (891) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ

- ‌(32) - (892) - بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌تتمة

- ‌(33) - (893) - بَابٌ: الْحَدُّ كفَّارَةٌ

- ‌(34) - (894) - بَابُ الرَّجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا

- ‌(35) - (895) - بَابُ مَنْ تَزَوَّجَ أمْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ

- ‌(36) - (896) - بَابُ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ

- ‌تتمة

- ‌(37) - (897) - بَابُ مَنْ نَفَى رَجُلًا مِنْ قَبِيلَتِهِ

- ‌(38) - (898) - بَابُ الْمُخَنَّثِينَ

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌(39) - (899) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا

- ‌(40) - (900) - بَابُ هَلْ لِقَاتِلِ مُؤْمِنٍ تَوْبَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(41) - (901) - بَابٌ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ .. فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ

- ‌(42) - (902) - بَابُ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَرَضُوا بِالدِّيَةِ

- ‌(43) - (903) - بَابٌ: دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ

- ‌تتمة

- ‌(44) - (904) - بَابُ دِيَةِ الْخَطَأَ

- ‌(45) - (905) - بَابُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ .. فَفِي بَيْتِ الْمَالِ

- ‌(46) - (906) - بَابُ مَنْ حَالَ بَيْنَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ

- ‌(47) - (907) - بَابُ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ

- ‌(48) - (908) - بَابُ الْجَارِحِ يُفْتَدَى بِالْقَوَدِ

- ‌تتمة في ترجمة أبي الجهم

- ‌(49) - (909) - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

- ‌(50) - (910) - بَابُ الْمِيرَاثِ مِنَ الدِّيَةِ

- ‌(51) - (911) - بَابُ دِيَةِ الْكَافِرِ

- ‌(52) - (912) - بَابٌ: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ

- ‌(53) - (913) - بَابٌ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا وَمِيرَاثُهَا لِوَلَدِهَا

- ‌(54) - (914) - بَابُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ

- ‌تتمة في دفع التعارض الواقع بين الروايات المختلفة الواقعة في هذه القصة

- ‌(55) - (915) - بَابُ دِيَةِ الْأَسْنَانِ

- ‌(56) - (916) - بَابُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ

- ‌(57) - (917) - بَابُ الْمُوضِحَةِ

- ‌(58) - (918) - بَابُ مَنْ عَضَّ رَجُلًا فَنَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَ ثَنَايَاهُ

- ‌(59) - (919) - بَابٌ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

- ‌(60) - (920) - بَابٌ: لا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ

- ‌(61) - (921) - بَابُ هَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ

- ‌(62) - (922) - بَابٌ: يُقْتَادُ مِنَ الْقَاتِلِ كمَا قَتَلَ

- ‌(63) - (923) بَابٌ: لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ

- ‌(64) - (924) - بَابٌ: لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ

- ‌(65) - (925) - بَابُ الْجُبَارِ

- ‌(66) - (926) - بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌(67) - (927) - بَابٌ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(68) - (928) - بَابٌ: أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ

- ‌(69) - (929) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ

- ‌(70) - (930) - بَابُ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌(71) - (931) - بَابُ مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ

- ‌(72) - (932) - بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقَاتِلِ

- ‌(73) - (933) - بَابُ الْعَفْوِ فِي الْقِصَاصِ

- ‌(74) - (934) - بَابُ الحَامِلِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَوَدُ

- ‌كتاب الوصايا

- ‌(75) - (935) - بَابٌ: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(76) - (936) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ

- ‌(77) - (937) - بَابُ الْحَيْفِ فِي الْوَصِيَّةِ

- ‌(78) - (938) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِمْسَاكِ فِي الْحَيَاةِ وَالتَّبْذِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌(79) - (939) - بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ

- ‌(80) - (940) - بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ

- ‌(81) - (941) - بَابٌ: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ

- ‌(82) - (942) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ هَلْ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ

- ‌(83) - (943) - بَابُ قَولِهِ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

الفصل: ‌(49) - (909) - باب دية الجنين

(49) - (909) - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

(106)

- 2597 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ

===

(49)

- (909) - (باب دية الجنين)

الجنين - على وزن عظيم -: هو حمل المرأةِ ما دام في بطنها.

سمي بذلك؛ لاستتاره؛ فإن خرج حيًّا .. فهو ولد، أو ميتًا .. فهو سقط، وقد يطلق عليه جنين. انتهى "عون".

* * *

(106)

- 2597 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة حافظ، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).

(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (قضى) وحكم (رسول الله صلى الله عليه وسلم في) دية (الجنين) الساقط من بطن أمه بجناية عليها (بـ) ضمان (غرة) لوارثه،

ص: 348

عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ،

===

سواء كانت تلك الغرة من (عبد أو) من (أمة) سمي ذلك الرقيق غرة؛ لأنه من خيار مال الشخص؛ لأنه من العقلاء.

قوله: (قضى في الجنين) قال في "القاموس": الجنين: الولد في البطن، والجمع أجنة، ومنه قوله تعالى:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (1).

قوله: (بغرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وبالتنوين.

وقوله: (عبد) عطف بيان لغرة (أو أمة)، "أو" ليست للشك، بل للتنويع والتفصيل، قال الجزري في "النهاية": الغرة: العبد نفسه أو الأمة، وأصل الغرة: البياض في وجه الفرس، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: الغرة: عبد أبيض أو أمة بيضاء.

وسمي غرةً؛ لبياضه، فلا يقبل في الدية عبد أسود ولا جارية سوداء، وليس ذلك شرطًا عند الفقهاء، وإنما الغرة عندهم: ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية الكاملة من العبيد والإماء.

وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتًا؛ فإن سقط حيًّا ثم مات .. ففيه الدية الكاملة، وقد جاء في بعض روايات الحديث بلفظ بغرة عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل، وقيل: إن الفرس والبغل غلط من الراوي. انتهى، انتهى من "تحفة الأحوذي".

وفي حديث المغيرة بن شعبة زيادة: (وجعله) أي: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرة (على عصبة المرأة) أي: القاتلة، وهم من عدا الولد والوالد وذوي الأرحام؛ كالإخوة والأعمام وبنيهم.

(1) سورة النجم: (32).

ص: 349

فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: أَنَعْقِلُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلْ وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلّ؟ ! وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هَذَا لَيَقُولُ بِقَوْلِ شَاعِرٍ، فِيهِ غُرَّةٌ، عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ".

===

(فقال) بَعْضُ (الذي قُضِيَ) بالبناء للمفعول (عليه) الغرةُ؛ وهو عصبةُ القاتلة، والقَاتِل هو حَمَل - بفتحتَين - ابن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول الله (أنعقل) أي: أندي ونغرم بالغرة (من) أي: جنينًا (لا شرب ولا أكل) أي: كيف نغرم جنينًا لم يشرب شرابًا ولا أكل طعامًا (ولا صاح) أي: ولا نطق كلامًا بعد ولادته (ولا استهل) أي: رفع صوتًا عند خروجه؛ ليعرف أنه مات بعدما كان حيًّا؟ ! والاستهلال": رفع الصوت عند الولادة.

(ومثل ذلك) الجنين الذي لم يعرف حياته بالعلامة المذكورة (يطل) - بضم الياء وفتح الطاء على صيغة المجهول - أي: يهدر ولا يضمن، يقال: طل دمه - بضم الطاء - إذا أهدر، وطلَّه الحاكم؛ إذا أَهْدَره، ويقال: أطَلَّه أيضًا فطُلَّ هو وأُطِل مبنيين للمفعول؛ كما في "المصباح"، وذكر النووي رواية:(بطل) - بالباءِ على صيغة الماضي - من البطلان، وإنما غرم الغرة حمَل ابن النابغة زوج القاتلة؛ لكونه من عصبتها؛ أي: ابن عمها.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمل ابن النابغة عندما سمع كلامه المُسجَّعَ: (إن هذا) القائل (ليقول بقول شاعر) أي: ليقول قولًا يُشْبِه قولَ الشاعر في السجع؛ لمشابهة كلامِه كلامَه في السجع، والسجع: هو تناسب أواخر الكلمات في النثر لفظًا، وأصله: الاستواء، وفي اصطلاح البديعيين: هو الكلام المُقفَّى بقافيةٍ مخصوصة في النثرِ؛ والجمعُ أَسجَاعٌ وأَساجِعُ.

بل (فيه) أي: في الجنين الساقط ميتًا بسبب الجناية على أمه (غرة) هي (عبد أو أمة) هذا حكم قضاه الله تعالى من فوق سبع سماوات، ليس

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

باطلًا تُعارِضُه بكلامِك المسجَّعِ، فلا تُنكِرهُ أيُّها الشاعر.

قال ابن بطال: في هذا الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لحمل ابن النابعة ذم الكفار، وذم من تشبه بهم في ألفاظهم، وقد تمسك به من كره السجع في الكلام، ولكن ليس على إطلاقه، بل المكروه منه ما يقع مع التكلف في معرض مدافعة الحق، وأما ما يقع اتفاقًا بلا تكلف في الأمور المباحة؛ كالخطب والمواعظ وبدء المؤلفات وختمها وإنشاء الرسائل .. فجائز، وعلى ذلك يحمل ما ورد منه صلى الله عليه وسلم في خطبه ومواعظه، كذا في "فتح الباري" في كتاب الطب (10/ 218).

قال النووي: قال العلماء: إنما ذم صلى الله عليه وسلم سجعه لوجهين؛ أحدهما: أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله، والثاني: أنه تكلفه في مخاطبته، وهذان الوجهان من السجع مذمومان.

وأما السجع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله في بعض الأوقات، وهو مشهور في الحديث .. فليس من هذا النوع؛ لأنه لا يعارض حكم الشرع ولا يتكلفه، فلا نهي فيه، بل هو حسن، ويؤيد ما ذكرنا من التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات:"كسجع الأعراب" فأشار إلى أن بعض السجع هو المذموم. انتهى منه.

يعني بذلك: أنه تشبه بالكهان، فسجع كما يسجعون حين يخبرون عن المغيبات؛ كما قد ذكر ابن إسحاق من سجع شق وسطيح؛ هما كاهنان من كهان العرب وغيرهما، وهي عادة مستمرة في الكهان.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطب، باب الكهانة، ومسلم في كتاب القسامة، باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل

ص: 351

(107)

- 2598 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ

===

الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، والترمذي في كتاب الديات، باب في دية الجنين، وقال: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(107)

- 2598 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن هشام بن عروة) بن الزبير، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبيه) عروة بن الزبير، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن المسور) بكسر الميم وفتح الواو (ابن مخرمة) - بفتحتين بينهما خاء ساكنة - ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري المكي أبي عبد الرحمن، له ولأبيه صحبة رضي الله تعالى عنهما، مات سنة أربع وستين (64 هـ). يروي عنه:(ع)، وَوُلِدَ المسورُ بمكة في السنة الثانية من

ص: 352

قَالَ: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ؛ يَعْنِي: سِقْطَهَا، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ؛ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَقَالَ عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ،

===

الهجرة، فتُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وكان ممن يلزم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وقيل: توفي مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين (73 هـ)، يقال: إنه أصابه المنجنيق وهو يصلي في الحِجْر.

(قال) المسور: (استشار عمر بن الخطاب الناس) أي: شاور معهم (في) حكم (إملاص المرأة) وإسقاطها جنينها إذا أسقطته بالجناية عليها؛ أي: شاور معهم فيما يضمن به ذلك الجنين.

قال عروة: (يعني) المِسورُ بقوله: إملاص المرأة: (سِقْطَها) أي: جنينَها الذي سقط منها (فقال المغيرة بن شعبة) بن مسعود بن معتب الثقفي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، أسلم قبل الحديبية، ووَليَ إمرةَ البصرة، ثم الكوفة، مات سنة خمسين رضي الله تعالى عنه. يروي عنه:(ع).

(شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: حضرته حين (قضى) وحكم (فيه) أي: في الجنين الذي سقط من المرأة بالجناية عليها (بغرة) أي: بضمان عاقلة الجانية عليها بغرة (عبد أو أمة).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(فقال عمر) بن الخطاب للمغيرة بن شعبة: (ائتني بمن يشهد معك) ذلك الحكم الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في إملاص المرأة بالغرة عبد أو أمة، ومعروف أن عمر رضي الله عنه كان يطلب شاهدًا ممن يروي عنده حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيادة الاستيثاق؛ لئلا يتسارع الناس في رواية الحديث غير مبالين لخطورته، لا لأن خبر الواحد ليس بحجة، والله أعلم.

ص: 353

فَشَهِدَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ.

(108)

- 2599 - (3) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ،

===

قال المسور: (فشهد معه) أي: مع المغيرة (محمد بن مسلمة) بن سلمة الأنصاري الأوسي الحارثي أبو عبد الله المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه قاتل كعب بن الأشرف، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، ثم ضرب فسطاطه بالربذة، واعتزل الفتن حتى مات سنة (43 هـ) ثلاث وأربعين، في صفر، في خلافة معاوية بالمدينة، وهو ابن سبع وسبعين (77) سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم، ودفن بالبقيع، له ستة عشر حديثًا، انفرد له (خ) بحديث، ويروي عنه:(ع)، والمسور بن مخرمة في الديات، والمغيرة بن شعبة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب القسامة، باب دية الجنين، وأبو داوود في كتاب الديات، باب دية الجنين.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(108)

- 2599 - (3)(حدثنا أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) أبو جعفر السرخسي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(خ م د ت ق).

(حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني البصري، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة ومئتين (212 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

ص: 354

أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُوسًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ نَشَدَ النَّاسَ قَضَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ؛ يَعْنِي: فِي الْجَنِينِ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: كُنْتُ

===

(أخبرني) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من السادسة، مات سنة خمسين، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(حدثني عمرو بن دينار) الجمحي المكي، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنه) أي: أن عمرًا (سمع طاووس) بن كيسان اليماني، ثقة، من الثالثة، مات سنة ست ومئة، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

(عن عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، وفيه رواية صحابي عن صحابي.

(أنه) أي: أن عمر (نشد) أي: سأل (الناس) سؤالًا كثيرًا (قضاء النبي صلى الله عليه وسلم أي: عن قضائه وحكمه (في ذلك) أي: في إلقاء المرأة جنينها ميتًا بجناية الأخرى عليها، قال طاووس:(يعني) ابن عباس بسؤال عمر الناس: سؤاله الناسَ (في الجنين) أي: في حكم إلقاء المرأة جنينها بجناية الأخرى عليها؛ أي: نَشَد الناسَ عمَّا حكَم النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الجنين؛ أَحكَم فيه الديةَ أم الغُرةَ؟

قال ابن عباس: (فقام حمل) بفتحتين (بن مالك بن النابغة) الهذلي من بين الناس الحاضرين عند عمر (فقال) حمل مجيبًا لسؤال عمر: (كنت) جالسًا

ص: 355

بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لِي، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَقَتَلَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا.

===

(بين امرأتين) أي: زوجتين (لي) اسم إحداهما مليكة، والأخرى أم عطية، وكانتا ضرتين تحت حمل بن مالك بن النابغة الهذلي، كذا أخرجه أبو داوود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: إن الأخرى أم عفيف بنت مسروح كذا أخرجه الطبراني بطريق ضعيف؛ كما في "مجمع الزوائد "(6/ 300)، وذكر الحافظ في ترجمة أم عفيف من "الإصابة" (4/ 456) أن أم عفيف يقال لها: أم غطيف أيضًا، ولكن ذكر في ترجمة مليكة أن كنيتها أيضًا أم عفيف، وقيل: أم غطيف، والله سبحانه وتعالى أعلم.

أي: كنت بين امرأتين لي اجتمعتا معًا عندي فتغايرتا (فضربت إحداهما) وهي المعاوية (الأخرى) وهي اللحيانية؛ أي: منسوبة إلى بني لحيان بطن من هذيل (بمسطح) - بكسر الميم - أي: بعود من أعواد الخباء؛ أي: الخيمة (فقتلتها) أي: قتلت الضاربة المضروبة (وقتلت) الضاربة أيضًا (جنينها) أي: جنين المضروبة (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في) ضمان (الجنين بغرة عبد و) قضى أيضًا (أن تقتل) القاتلة بالبناء للمفعول (بها) أي: بسبب قصاص المقتولة.

قال العيني في "عمدة القاري"(11/ 223): وفي رواية يونس وعبد الرحمن بن خالد: (فرمت إحداهما الأخرى بحجر) كما مر، وزاد عبد الرحمن:(فأصاب بطنها، وهي حامل)، وروى أبو داوود من طريق حمل بن مالك (فضربت إحداهما الأخرى بمسطح)، وفي رواية أبي داوود من حديث بريدة:(أن امرأة خذفت أخرى)، وفي "مسلم" عن المغيرة بن شعبة:(ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط).

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قلت: فتعارضت الروايات بين الحجر والمسطح وعمود فسطاط.

فالجواب في الجمع بينها؛ إما بأن يحمل على أن القاتلة جمعت بينها كلها، وإما بأن يحمل بعض الروايات على وهم بعض الرواة، ومثل ذلك لا يقدح في أصل الحديث، والله أعلم. انتهى، انتهى من "الكوكب".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الديات، باب دية الجنين، والنسائي في كتاب القسامة، باب قتل المرأة بالمرأة.

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث: ثلاثة:

الأول للاستدلال به على الترجمة، والأخيران للاستشهاد بهما للأول.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 357