المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(16) - (1163) - باب الضب - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الصَّيْد

- ‌(1) - (1148) - بَابُ قَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ

- ‌(2) - (1149) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ إِلَّا كلْبَ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ

- ‌(3) - (1150) - بَابُ صَيْدِ الْكَلْبِ

- ‌فائدة مذيلة

- ‌(4) - (1151) - بَابُ صَيْدِ كَلْبِ الْمَجُوسِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ

- ‌(5) - (1152) - بَابُ صَيْدِ الْقَوْسِ

- ‌(6) - (1153) - بَابُ الصَّيْدِ يَغِيبُ لَيْلَةً

- ‌(7) - (1154) - بَابُ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ

- ‌(8) - (1155) - بَابُ مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ

- ‌(9) - (1156) - بَابُ صَيْدِ الْحِيتَانِ وَالْجَرَادِ

- ‌(10) - (1157) - بَابُ مَا يُنْهَى عَنْ قَتْلِهِ

- ‌(11) - (1158) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ

- ‌(12) - (1159) - بَابُ قَتْلِ الْوَزَغِ

- ‌(13) - (1160) - بَابُ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌(14) - (1161) - بَابُ الذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ

- ‌(15) - (1162) - بَابُ الضَّبُعِ

- ‌(16) - (1163) - بَابُ الضَّبِّ

- ‌(17) - (1164) - بَابُ الْأَرْنَبِ

- ‌(18) - (1165) - بَابُ الطَّافِي مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ

- ‌(19) - (1166) - بَابُ الْغُرَابِ

- ‌(20) - (1167) - بَابُ الْهِرَّةِ

- ‌كتاب الأَطعِمة

- ‌(21) - (1168) - بَابُ إِطْعَامِ الطَّعَامِ

- ‌(22) - (1169) - بَابُ طَعَامِ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ

- ‌(23) - (1170) - بَابٌ: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعىً وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ

- ‌فائدة

- ‌تتمة

- ‌(24) - (1171) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُعَابَ الطَّعَامُ

- ‌(25) - (1172) - بَابُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الطَّعَامِ

- ‌(26) - (1173) - بَابُ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا

- ‌(27) - (1174) - بَابُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الطَّعَامِ

- ‌(28) - (1175) - بَابُ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ

- ‌(29) - (1176) - بَاب لَعْقِ الْأَصَابِعِ

- ‌(30) - (1177) - بَابُ تَنْقِيَةِ الصَّحْفَةِ

- ‌(31) - (1178) - بَابُ الْأَكْلِ مِمَّا يَلِيكَ

- ‌(32) - (1179) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ مِنْ ذُرْوَةِ الثَّرِيدِ

- ‌(33) - (1180) - بَابُ اللُّقْمَةِ إِذَا سَقَطَتْ

- ‌(34) - (1181) - بَابُ فَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطعَامِ

- ‌(35) - (1182) - بَابُ مَسْحِ الْيَدِ بَعْدَ الطعَامِ

- ‌(36) - (1183) - بَابُ مَا يُقَالُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّعَامِ

- ‌(37) - (1184) - بَابُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ

- ‌(38) - (1185) - بَابُ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ

- ‌(39) - (1186) - بَابٌ: إِذَا أَتَاهُ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ .. فَلْيُنَاوِلْهُ مِنْهُ

- ‌(40) - (1187) - بَابُ الْأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ

- ‌(41) - (1188) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُقَامَ عَنِ الطَّعَامِ حَتَّى يُرْفَعَ، وَأَنْ يَكُفَّ يَدَهُ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ

- ‌(42) - (1189) - بَابُ مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ

- ‌(43) - (1190) - بَابُ عَرْضِ الطَّعَامِ

- ‌(44) - (1191) - بَابُ الْأَكلِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌(45) - (1192) - بَابُ الْأَكْلِ قَائِمًا

- ‌فائدة

- ‌(46) - (1193) - بَابُ الدُّبَّاءِ

- ‌(47) - (1194) - بَابُ اللَّحْمِ

- ‌(48) - (1195) - بَابُ أَطَايِبِ اللَّحْمِ

- ‌(49) - (1196) - بَابُ الشِّوَاءِ

- ‌(50) - (1197) - بَابُ الْقَدِيدِ

- ‌(51) - (1198) - بَابُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ

- ‌(52) - (1199) - بَابُ الْمِلْحِ

- ‌(53) - (1200) - بَابُ الائْتِدَامِ بِالْخَلِّ

- ‌(54) - (1201) - بَابُ الزَّيْتِ

- ‌(55) - (1202) - بَابُ اللَّبَنِ

- ‌(56) - (1203) - بَابُ الْحَلْوَاءِ

- ‌(57) - (1204) - بَابُ الْقِثَّاءِ وَالرُّطَبِ يُجْمَعَانِ

- ‌(58) - (1205) - بَابُ التَّمْرِ

- ‌(59) - (1206) - بَابُ إِذَا أُتِيَ بِأَوَّلِ الثَّمَرَةِ

- ‌(60) - (1207) - بَابُ أَكلِ الْبَلَحِ بِالتَّمْرِ

- ‌(61) - (1208) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ قِرَانِ التَّمْرِ

- ‌(62) - (1209) - بَابُ تَفْتِيشِ التَّمْرِ

- ‌(63) - (1210) - بَابُ التَّمْرِ بِالزُّبْدِ

- ‌(64) - (1211) - بَابُ الْحُوَّارَى

- ‌(65) - (1212) - بَابُ الرُّقَاقِ

- ‌(66) - (1213) - بَابُ الْفَالُوذَجِ

- ‌(67) - (1214) - بَابُ الْخُبْزِ المُلَبَّقِ بِالسَّمْنِ

- ‌فائدة

- ‌(68) - (1215) - بَابُ خُبْزِ الْبُرِّ

- ‌(69) - (1216) - بَابُ خُبْزِ الشَّعِيرِ

- ‌(70) - (1217) - بَابُ الاقْتِصَادِ فِي الْأَكلِ وَكَرَاهَةُ الشِّبَعِ

- ‌(71) - (1218) - بَابٌ: مِنَ الْإِسْرَافِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ

- ‌(72) - (1219) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِلْقَاءِ الطَّعَامِ

- ‌(73) - (1220) - بَابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الْجُوعِ

- ‌(74) - (1221) - بَابُ تَرْكِ الْعَشَاءِ

- ‌(75) - (1222) - بَابُ الضِّيَافَةِ

- ‌(76) - (1223) - بَابٌ: إِذَا رَأَى الضَّيْفُ مُنْكَرًا .. رَجَعَ

- ‌(77) - (1224) - بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّمْنِ وَاللَّحْمِ

- ‌(78) - (1225) - بَابٌ: مَنْ طَبَخَ .. فَلْيُكْثِرْ مَاءَهُ

- ‌(79) - (1226) - بَابُ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ

- ‌(80) - (1227) - بَابُ أَكْلِ الْجُبْنِ وَالسَّمْنِ

- ‌تنبيه

- ‌(81) - (1228) - بَابُ أَكْلِ الثِّمَارِ

- ‌(82) - (1229) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ مُنْبَطِحًا

الفصل: ‌(16) - (1163) - باب الضب

(16) - (1163) - بَابُ الضَّبِّ

(37)

- 3182 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَصابَ النَّاسُ ضِبَابًا

===

(16)

- (1163) - (باب الضب)

(37)

- 3182 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي، ثقة تغير حفظه في الآخر، من الخامسة، مات سنة سمت وثلاثين ومئة (136 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن زيد بن وهب) الجهني أبي سليمان الكوفي، ثقة مخضرم جليل، لم يصب من قال: في حديثه خلل، من الثانية، مات بعد الثمانين، وقيل: مات سنة سمت وتسعين (96 هـ). يروي عنه: (ع).

(عن ثابت بن يزيد الأنصاري) - قيل: ثابت بن يزيد بن وديعة، وقيل: أبوه يزيد، ووديعة أمه - ابن عمرو بن قيس الخزرجي أبي سعيد المدني الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) ثابت بن يزيد: (كنا) معاشر الصحابة ماشين (مع النبي صلى الله عليه وسلم وفي "أبي داوود" زيادة لفظة: (في جيش) أي: كنا ماشين مع جيش من الصحابة (فأصاب الناس) من الصحابة؛ أي: وجدوا (ضبابًا) بكسر

ص: 114

فَاشْتَوَوْهَا فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَأَصَبْتُ مِنْهَا ضَبًّا فَشَوَيْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ جَرِيدَةً فَجَعَلَ يَعُدُّ بِهَا أَصَابِعَهُ

===

الضاد المعجمة جمع ضب (فاشتووها) أي: اشتوى الناس ضبابهم وطبخوها على فحم الحطب.

والضب - بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة -: هي دويبة تشبه الجرذون، ولكنه أكبر منه قليلًا، ويقال للأنثى: ضبة، قال ابن خالويه: يعيش سبع مئة سنة، وإنه لا يشرب الماء، ويبول في كل أربعين يومًا قطرةً، ولا يسقط له سن، ويقال: بل أسنانه قطعة واحدة. انتهى من "العون"، وحكى غيره: أن أكل لحمه يذهب العطش.

ومن الأمثال: (لا أفعل كذا حتى يرد الضب الماء) يقوله من أراد ألا يفعل الشيء، لأن الضب لا يرد الماء، بل يكتفي بالنسيم وبرد الهواء، ولا يخرج من جحره في الشتاء. انتهى، انتهى "تحفة".

وقال السندي: والضب: حيوان من الزحافات شبيه بالجرذان، ذنبه كثير العقد. انتهى.

قال ثابت بن يزيد: (فأكلوا) أي: فأكل الناس الذي مع الرسول صلى الله عليه وسلم (منها) أي: من الضباب التي اشتووها.

قال ثابت: (فأصبت) أنا أي: وجدت (منها) أي: من تلك الضباب (ضبًا) واحدًا؛ أي: ذكرًا منها (فشويته) أي: طبخته على فحم الحطب (ثم) بعدما شويته (أتيت به) أي: بذلك الضب المشوي (النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ) النبي صلى الله عليه وسلم (جريدة) أي: غصنًا من النخل جرد من الخوص والورق (فجعل) أي: شرع النبي صلى الله عليه وسلم (يعد) ويحسب (بها) أي: بتلك الجريدة (أصابعه) أي: عدد

ص: 115

فَقَالَ: "إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْض، وَإنِّي لَا أَدْرِي

===

أصابع ذلك الضب، وفي رواية للنسائي:(فجعل ينظر إليه ويقلبه).

(فقال) النبي صلى الله عليه وسلم بعدما عد أصابعه: (إن أمةً) أي: طائفةً (من بني إسرائيل مسخت) أي: قلبت (دواب) باقية (في الأرض) إلى الآن حين خالفوا أمر ربهم وقوله: (مسخت) بالبناء للمجهول.

والمسخ: قلب حقيقةٍ من الشيء؛ كالإنسان إلى شيء آخر؛ كالضب والقردة والخنازير.

قال في "مرقاة الصعود": قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: كيف يجمع بين هذا الحديث وبين ما ورد أن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، ولا يعقب له؛ أي: لا يترك نسلًا له بعده؟

والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخبر بأشياء مجملةً ثم يتبين له؛ كما قال في الدجال: "إن يخرج وأنا فيكم .. فأنا حجيجه" ثم أُعلِم بعد ذلك أنه لا يَخْرج إلا في آخر الزمان قبل نزول عيسى عليه السلام، فَأَخْبرَ أصحابه بذلك على وَجْهه، فكذلك هذا عَلِم صلى الله عليه وسلم بالمسخ، ولم يعلَم أنَّ الممسوخ لا يعيشُ ولا يُعقِبُ له، فكان في الظن والحساب على حسب القرائنِ الظاهرةِ. انتهى، انتهى من "العون".

وعبارة السندي: يحتمل أنه قال ذلك قبل العلم بأن الممسوخ لا يبقى أكثر من ثلاثة أيام، أو امتنع من الأكل بمجرد المجانسة للممسوخ.

والحاصل: أن حديث الممسوخ لا يبقى أكثر من ثلاثة أيام .. صحيحٌ، وهذا الحديث غير صريح في البقاء؛ كما لا يخفى، وعلى تقدير أنه يقتضي البقاء .. يجب حمله على أنه قبل العلم. انتهى.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإني لا أدري) ولا أعلم أهي هي

ص: 116

لَعَلَّهَا هِيَ"، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اشْتَوَوْهَا فَأَكَلُوهَا، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ.

(38)

- 3183 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَرَوِيُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ،

===

أم لا؟ و (لعلها) أي: ولعل هذه الضباب (هي) أي: تلك الممسوخة من بني إسرائيل.

قال ثابت بن يزيد: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (إن الناس قد اشتووها) وطبخوها على الشواء (فأكلوها) قال ثابت: (فلم يأكل) ها؛ أي: لم يأكل تلك الضباب مع الناس؛ لعيافته لها (ولم ينه) الناس عن أكلها؛ لأنها كانت حلالًا، فكان ترك نهيهم عن أكلها دليلًا على حليتها؛ لأنها لو كانت حرامًا .. لبينه؛ لأن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الأطعمة، باب في أكل الضب، والنسائي في كتاب الصيد، باب الضب.

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به للترجمة.

ثم استشهد المؤلف لحديث ثابت بن يزيد بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(38)

- 3183 - (2)(حدثنا أبو إسحاق الهروي إبراهيم بن عبد الله بن حاتم) نزيل بغداد، صدوق حافظ تكلم فيه بسبب القرآن، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومئتين (244 هـ). يروي عنه:(ت ق).

(حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه

ص: 117

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحَرِّمِ الضَّبَّ وَلكِنْ قَذِرَهُ،

===

الأسدي مولاهم البصري، ثقة حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم البصري، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس واختلط، من السادسة، مات سنة ست، وقيل: سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه: (ع).

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة مدلس، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن سليمان) بن قيس (اليشكري) - بفتح التحتانية بعدها معجمة ساكنة - البصري، ثقة، من الثالثة، مات قديمًا قبل الثمانين في فتنة ابن الزبير. يروي عنه:(ت ق).

(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ لأنه حكى الترمذي في "الجامع" عن البخاري أن قتادة لم يسمع من سليمان اليشكري، ففيه انقطاع.

(أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم) بضم الياء وتشديد الراء مكسورة (الضب) أي: لم يحكم بحرمتها تصريحًا ولا تعريضًا (ولكن قذره) من باب سمع؛ أي: عده قذرًا عنده، وكرهه طبعًا لا دينًا؛ لأنه لم يكن بأرض قومه قريش؛ يعني: مكة أصلًا، أو لم يكن كثيرًا مشهورًا أكله، فلم يأكلوه، وكره أكله طبعًا لا شرعًا.

ص: 118

وَإِنَّهُ لَطَعَامُ عَامَّةِ الرِّعَاء، وَإِنَّ اللهَ عز وجل لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لَأَكَلْتُهُ.

===

(و) قال صلى الله عليه وسلم: (إنه) أي: إن الضب (لطعام عامة) أكثر (الرعاء) للمواشي (وإن الله عز وجل لينفع به) أي: بالضب (غير واحد) من الناس؛ لكونه طعامهم (ولو كان) ذلك الضب (عندي) في أرض قومي وألفت أكله أولًا

(لأكلته) الآن، ولا أعافه؛ لعدم إلفي أكله.

والحديث يدل على أن الضب حلال، وأصرح منه حديث مسلم:"كلوه؛ فإنه حلال، ولكن ليس من طعامي" الذي ألفته أولًا.

قال القاري الحنفي في "المرقاة": أغرب ابن الملك حيث خالف مذهبه مذهب الحنفية، وقال: فيه إباحة أكل الضب، وبه قال جمع؛ إذ لو حرم لما أكل بين يديه. انتهى.

قلت: وكذلك أغرب الإمام الطحاوي الحنفي حيث خالف مذهبه، وقال في كتابه "معاني الآثار" بعد البحث: فثبت بهذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب، وبه أقول. انتهى.

لكن عند المحقق المنصف ليس فيه غرابة؛ فقد ثبت في إباحة أكل الضب أحاديث صحيحة صريحة، ولا مذهب للمسلم إلا مذهب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

نعم؛ عند المقلدين الذين يظنون أن لا مذهب لهم غير مذهب إمامهم فيه غرابة بلا مرية، والله الموفق، وهو يهدى السبيل الحق. انتهى من "العون".

وهذا الحديث رواه مسلم في "صحيحه" في كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب من حديث جابر أيضًا، لكن بلفظ: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بضب، فأبى أن يأكل منه، وقال:"لا أدري لعله من القرون التي مسخت"،

ص: 119

(39)

- 3184 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب،

===

وله شاهد من حديث خالد بن الوليد وابن عباس وابن عمر في "الصحيحين" وغيرهما، وفي "مسلم" وغيره من حديث عمر بن الخطاب في كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، ومن حديث أبي سعيد الخدري في كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الصيد.

فدرجته: أنه صحيح بغيره من الشواهد والمتابع، وإن كان سنده منقطعًا، فغرضه: الاستشهاد به لحديث ثابت بن يزيد.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ثابت بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(39)

- 3184 - (3)(حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف) الباهلي البصري الجوباري - بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة - صدوق، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م د ت ق).

(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي - بالمهملة - أبو محمد البصري، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا سعيد بن أبي عروبة) ثقة، من السادسة، مات سنة ست، وقيل: سبع وخمسين ومئة. يروي عنه (ع).

(عن قتادة عن سليمان) بن قيس.

(عن جابر، عن عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه.

ص: 120

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.

(40)

- 3185 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُودَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،

===

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات، غرضه من حيث السند: بيان متابعة عبد الأعلى لإسماعيل ابن علية في الرواية عن سعيد بن أبي عروبة، ومن حيث المتن: الاستشهاد بحديث عمر لحديث ثابت بن يزيد، ولكن أحال المتن في حديث عمر على حديث جابر المذكور قبله.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق عبد الأعلى (نحوه) أي: نحو حديث إسماعيل ابن علية؛ أي: قريبه في اللفظ والمعنى.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ثابت بن يزيد بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(40)

- 3185 - (4)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني أو الطائي الكوفي، ثقة، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن داوود بن أبي هند) القشيري مولاهم البصري، اسم أبيه دينار بن عذافر، ثقة متقن كان يهم بأخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).

(عن أبي نضرة) العبدي المنذر بن مالك بن قطعة - بضم القاف وفتح

ص: 121

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَادَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ مَضَبَّةٌ فَمَا تَرَى فِي الضِّبَابِ؟ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنَّهُ أُمَّةٌ مُسِخَتْ"، فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ.

===

المهملة - العوقي - فتح المهملة والواو ثم بالقاف - البصري مشهور بكنيته، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (109 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو سعيد: (نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الصفة) أي: من سكانها بأعلى صوته، والصفة: موضع مظلل خلف المسجد يسكنه الفقراء والغرباء، ولم أر من ذكر اسم الرجل، ولعله من الأعراب.

(حين انصرف) وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم (من الصلاة) الفرض (فقال) الرجل: (يا رسول الله؛ إن أرضنا) ووطننا (أرض مضبة) أي: كثيرة الضباب (فما ترى) وتعلم وتحكم (في) شأن (الضباب) يا رسول الله؛ هل هي حلال أم حرام؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل المنادي: (بلغني) من بعض أخبار الناس (أنه) أي: أن الضب (أمة) أي: طائفة من الأمم الماضية (مسخت) أي: قلبت من حقيقة الإنسان إلى حقيقة الضب حين عصوا رسوله الذي أرسل إليهم عقوبةً لهم.

قال أبو سعيد: (فلم يأمر) النبي صلى الله عليه وسلم الرجل (به) أي: بأكل الضب (ولم ينه) النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: لم يزجر الرجل (عنه) أي: عن أكل الضب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بشيء منهما.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الصيد والذبائح،

ص: 122

(41)

- 3186 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ،

===

باب إباحة الضب، والبيهقي في "السنن الكبرى" في كتاب الضحايا، باب ما جاء في الضب.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث ثابت بن يزيد بحديث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(41)

- 3186 - (5)(حدثنا محمد بن المصفى) بن بهلول (الحمصي) القرشي، صدوق له أوهام وكان يدلس، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ). يروي عنه:(د س ق).

(حدثنا محمد بن حرب) الخولاني الحمصي الأبرش - بالمعجمة -، ثقة، من التاسعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا محمد بن الوليد) بن عامر (الزبيدي) - بالزاي والموحدة مصغرًا - أبو الهذيل الحمصي القاضي، ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري، من السابعة، مات سنة ست أو سبع أو تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(عن الزهري) محمد بن مسلم.

(عن أبي أمامة) أسعد أو سعد (بن سهل بن حنيف) الأنصاري معروف بكنيته معدود في الصحابة، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه، مات سنة مئة (100 هـ)، وله اثنتان وتسعون سنة. يروي عنه:(ع).

ص: 123

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ فَقُرِّبَ إِلَيْه، فَأَهْوَى بِيَدِهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ،

===

(عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

(عن خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي سيف الله، من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنه، مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين. يروي عنه:(خ م د س ق).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي) - بضم الهمزة على صيغة المجهول - أي: جيء (بضب مشوي) أي: محنوذ؛ كما في رواية مسلم؛ أي: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بضب مشوي على الرضف؛ وهي الحجارة المحماة. انتهى "نووي".

قال في "القاموس": الحنذ - بفتح الحاء المهملة وسكون النون، والتحناذ على وزن التذكار -: تشويةُ مثلِ الجذعة والعجل، يقال: حنذ الشاة؛ من باب سمع حنذًا وتحناذًا: شواها وجعل فوقها حجارة محماة لتنضجها. انتهى.

وقال البيضاوي: في قوله: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} (1)؛ أي: مشوي بين حجرين. انتهى.

(فقرب) الضب (إليه) صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول، من التقريب (فأهوى) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: مد وبسط وأمال (بيده) الشريفة إلى ذلك الضب المشوي (ليأكل) ويتناول (منه) أي: من ذلك الضب

(1) سورة الذاريات: (26).

ص: 124

فَقَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ، فَرَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَحَرَامٌ الضَّبُّ؟ قَالَ: "لَا، وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ"،

===

وهو لا يعرف أن ذلك اللحم لحم ضب (فقال له) صلى الله عليه وسلم: (من حضره) أي: بعض من كان في حضرته ومجلسه صلى الله عليه وسلم من نسائه وأزواجه وهو في بيت ميمونة، ولفظ مسلم:(فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة): (يا رسول الله؛ إنه) أي: إن جنس هذا اللحم الذي قدم إليك (لحم ضب فرفع) رسول الله (يده) الشريفة؛ أي: كف يده (عنه) أي: عن أخذ اللحم، ورفعه للأكل.

(فقال له) صلى الله عليه وسلم (خالد) بن الوليد: (يا رسول الله؛ أحرام الضب؟ ) أي: هل الضب حرام أم لا؟ فلم رفعت يدك عن أخذ لحمه؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالدٍ: (لا) أي: ليس الضب حرامًا أكله، بل هو حلال، ثم اعتذر عن تركه الأكل (و) قال في اعتذاره:(لكنه) أي: لكن الضب (لم يكن بأرضي) أي: بأرض قومي قريش؛ يعني: مكة؛ أي: لم يكن فيها كثيرًا، ولم أتعود أكلها، بل ما أكلته قط (فأجدني) أي: فأجد نفسي (أعافه) أي: تعافه وتكرهه طبعًا تقذرًا، ولا ينافي ذلك وجود الضباب في غير مكة من مناطق الحجاز، يقال: عفت الشيء أعافه عيفًا؛ إذا كرهته، وعفته أعيفه عيافةً؛ من الزجر، وعاف الطير يعيف؛ إذا حام على الماء ليشرب.

وقوله: "بأرض قومي" ظاهره أنه لم يكن موجودًا في مكة، وقد حكي عن بعض العلماء أن الضب موجود عندهم في مكة غير أنه قليل فيها، وأنهم لا يأكلونه، والله أعلم. انتهى من "المفهم".

ص: 125

قَالَ: فَأَهْوَى خَالِدٌ إِلَى الضَّبِّ فَأَكَلَ مِنْهُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَيْهِ.

===

(قال) ابن عباس: (فأهوى خالد) بن الوليد؛ أي: بسط يده (إلى الضب) فأخذه (فأكل منه ورسول الله صلى الله عليه وسلم أي: والحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينظر إليه) أي: ينظر إلى خالد؛ أي: ينظر إلى أكله من الضب، ولو كان حرامًا .. لم يقره عليه ولا أكل على مائدته ولا بحضرته، فثبت أنه حلال مطلق لعينه، وإنما كرهه لأمور خارجةٍ عن عينه؛ كما نص عليه فيما ذكرناه آنفًا. انتهى من "المفهم".

قال السندي الحنفي: والحديث صريح في أنه حلال، لكنه متقذر طبعًا، لا يوافق كل ذي طبع شريف، فلذلك من يقول بحرمته .. يقول: كان هذا قبل نزول قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (1)، وبعد نزوله حرم الخبائث، والضب من جملتها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستقذره، والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو، ومسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، وأبو داوود في كتاب الأطعمة، باب في أكل الضب، والنسائي في كتاب الصيد.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث ثابت بن يزيد بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(1) سورة الأعراف: (157).

ص: 126

(42)

- 3187 - (6) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا أُحَرِّمُ"؛ يَعْنِي: الضَّبَّ.

===

(42)

- 3187 - (6)(حدثنا محمد بن المصفى) بن بهلول القرشي الحمصي، صدوق، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ). يروي عنه:(د س ق).

(حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي ثم المكي، ثقة حجة، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم؛ مولى ابن عمر، أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحرم) ما أحله الله؛ (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الذي لا يحرمه: (الضب) دويبة معروفة من الزحافات مثل الجرذان، لكنها أكبر منه؛ كما مر.

وفي "القسطلاني": الضب - بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة -: حيوان بري يشبه الورل، ولحمه - فيما قيل - يذهب العطش. انتهى.

وفي "الفتح": الضب: دويبة تشبه الجرذان، لكنه أكبر من الجرذان، ويكنى أبا حسل - بمهملتين مكسورة ثم ساكنة - ويقال للأنثى: ضبة، وبه سميت القبيلة من العرب، وبالخيف من منىً جبل يقال له: ضب، والضب أيضًا: داء في خف البعير.

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ويقال: إن لأصل ذكرِ الضب فرعين، ولهذا يقال له: ذكران، إلى آخر ما قدمنا في أول الباب فراجعه، كذا في "الفتح".

وفي رواية ابن ماجه اختصار وحذف، ولفظ مسلم عن عبد الله بن دينار:(قال سمعت ابن عمر يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب) أي: سئل عن حكم الضب؛ هل هو من الحلال أو من الحرام أكله؟

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: (لست) أنا (بآكله) أي: بآكل لحم الضب؛ لأنه ليس من طعام قومي، ولست متمرنًا على أكله، ولا متعودًا أكله في صغري، فلذلك أعافه وأكرهه ولا أحبه و (لا أحرمـ) ـه على من أكله؛ لأنه مما استطابته العرب، فدل الحديث على أنه حلال.

ولم أر من ذكر اسم هذا السائل، ولعل هذا السائل هو خزيمة بن جزء، ويدل عليه ما رواه ابن ماجه من حديث خزيمة بن جزء: قلت: يا رسول الله؛ ما تقول في الضب؟ فقال: "لا آكله ولا أحرمه" قال: فقلت: فإني آكل ما لم تحرمه. وسنده ضعيف.

وعند مسلم والنسائي من حديث أبي سعيد: قال رجل: يا رسول الله؛ إني بأرض مضبة، فما تأمرنا؟ قال:"ذكر لي أن أمةً من بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه"، وفي مسلم:"كلوه؛ فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي".

فكله هذه الروايات صريحة في الإباحة، فيحل أكله بالإجماع، ولا يكره عندنا، خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة، وحكى القاضي عياض تحريمه عن قوم، قال النووي: ما أظنه يصح عن أحد. انتهى من "القسطلاني".

ص: 128

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم في الضب: "لست بآكله ولا محرمه" وقول خالد: أحرام الضب يا رسول الله؟ فقال: "لا" .. دليل على أنه ليس بحرام، وهذا يبطل قول من قال بتحريمه، حكاه المازري عن قوم ولم يعينهم.

وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه النهي عن أكله، والجمهور من السلف والخلف على إباحته؛ لما ذكرناه، وقد كرهه آخرون؛ فمنهم من كرهه استقذارًا، ومنهم من كرهه مخافةَ أن يكون مما مسخ، وقد جاء في هذه الأحاديث التنبيه على هذين التعليلين، وقد جاء في غير كتاب مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال عن رائحته:"إني يحضرني من الله حاضرة" رواه مالك في "الموطأ"(2/ 967) يريد: الملائكة، فيكون هذا كنحو ما قال في الثوم:"إني أناجي من لا تناجي" رواه البخاري (855 و 564).

قلت: ولا بعد في تعليل كراهة الضب بمجموعها. انتهى من "المفهم".

وحمل الحافظ حديث المنع على ابتداء الإسلام، وأحاديث الإباحة على ما آل إليه الأمر، فزعم أنها ناسخة لأحاديث المنع. انتهى من "التكملة".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب ما جاء في الصيد، ومسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، والترمذي في كتاب الأطعمة، باب في أكل الضب، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في كتاب الصيد والذبائح، باب الضب، وأحمد في "المسند"، وعبد الرزاق في "مصنفه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"، والحميدي في "مسنده"، والبيهقي والبغوي.

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:

الأول منها للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 130