الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الكبير، العليم القدير، الحكيم الخبير، الذي جل عن الشبه والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وصلى الله وسلم على رسوله البشير النذير، السراج الهادي المنير، المخصوص بالمقام المحمود، والحوض المورود، وعلى أصحابه الأطهار الأخيار، وأهل بيته الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وخصهم بالتطهير، وعلى التابعين لهم بإحسان، والمقتدين بهم في كل زمان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الشريعة الإسلامية بقواعدها الكلية، وموازينها المنضبطة، وأسسها الثابتة، وعطائها المستمر، صالحة لكل زمان ومكان، فكمال الشريعة وشمولها من أبرز عوامل ثباتها، فما من نازلة إلاّ ولله سبحانه فيها حكم، ولقد بذل العلماء المسلمون قديماً وحديثاً جهوداً كبيرة من أجل تقرير قواعدها الشرعية، وإيضاح أحكامها، وتجلية مميزاتها، وترسيخ مفاهيمها، وتجسيدها واقعاً يحتذى به في شتى ضروب الحياة.
وبعد أن وفقني الله في الحصول على شهادة الماجستير، رأيت أن أواصل دراستي العليا، لكي أحصل على شهادة الدكتوراه، وقد رأيت أن يكون بحثي في مجال المعاملات الشرعية.
سبب اختياري للموضوع: إن اختيار الموضوع بالنسبة لطالب العلم ليس بالأمر السهل الهين، بل يحتاج إلى جهد كبير، لأن اختيار موضوع يحتاجه الناس لا يتحقق للباحث بسهولة ويسر دون توفيق من المولى جلّ وعلاّ، ثم بعد الاستخارة والدراسة والمشورة -والحمد لله- فقد يسر الله لي اختيار موضوع "بيع الأعيان المحرمة في الفقه الإسلامي"
وهو موضوع له أهمية عظمى في حياة الناس، لتعلقه بالتعامل وتداول المنافع فيما
بينهم، ويحتاج لوضع الضوابط اللازمة، حتى تظهر أحكامه جلية واضحة، وتحد حدوده حتى لا يقعوا في المحظور، ولا يخفى عليهم غير المحظور، لتتحقق مصالحهم، ويرفع الحرج عنهم، فهداني الله تعالى لأن أخص مسألة "بيع الأعيان المحرمة" بالبحث كي أساهم مع من سبقني في الكتابة في مسائل البيع، لكي يستبين حكم الشرع في بيع الأعيان المحرمة، لأن هذه الأحكام معروضة في كتب الفقه، في أبواب مختلفة، تحتاج إلى جمع ولّم لشملها في موضع واحد، لتسهل معرفتها، خاصة وأن أغلب الناس يجهلون هذه الأحكام، ويصعب عليهم التعامل مع كتب الفقه لاستخلاص أحكامها، وجمع مسائلها، والله أسأل أن أوفيه حقه في البحث وعرض جميع جوانبه، وبذل الجهد والطاقة، بعون الله وتوفيقه.
منهجي في البحث:
بعد أن وفقني الله سبحانه لاختيار موضوع بيع الأعيان المحرمة في الفقه الإسلامي، كان لا بد من تحديد المسلك العلمي اللازم لإعداد هذا البحث في إطار من الوضوح والسهولة واليسر، بغية تحقيق الإفادة الكاملة على النحو المحقق للقصد من البحث، فاقتصرت على المذاهب الفقهية الأربعة، والسبب في هذا أنها معتمدة ومقررة ومقدرة لدى جميع المسلمين، مع تفردها بالاعتدال والوسطية، وفي سبيل هذا راعيت الترتيب الزمني لهذه المذاهب، بدءاً من المذهب الحنفي ثم المالكي ثم الشافعي ثم الحنبلي، بمراعاة ما يرد داخل كل مذهب من أقوال، وذلك في كل مسألة على حدة مهما تناهت في صغرها، مراعياً في كل مذهب النقل من أمهات الكتب المعتمدة فيه، وذلك بعرض الأقوال داخل المذهب الواحد، موثقاً ذلك بنقل أقوال الأئمة، مرجحاً لما ترجح منها لدي للاعتماد عليه عند الموازنة مع المذاهب الأخرى، حتى يتسنى لي ترجيح الرأي الذي أرى صوابه وصحته وقوة دليله، أو أن الأخذ به والعمل بمقتضاه يحقق مصلحة حقيقية عامة.
وكل هذا بمراعاة الدقة الكاملة، تحقيقاً لمبدأ الأمانة العلمية كأحد أهم أسس المنهج العلمي السليم، محاولاً تدعيم كل قول ورد في مذهب من المذاهب الأربعة بما استدل له به، مع عقد المناقشة اللازمة للأدلة عندما يستدعي الترجيح ذلك، مورداً كل المناقشات والرد
عليها، غير متعصب لرأي مذهب معين، أو فقيه بذاته، واضعاً نصب عيني قوة الدليل، وصحة الاستدلال به، وخلوه من الاعتراض والمناقشة، وتحقيقه للمصلحة أو درءه للمفسدة.
ومن الجدير الإشارة إليه أنني سوف أحرص على مراعاة عرض الخلاصة المعقولة لكل مذهب، أظهر من خلالها ما يستفاد من نصوصه، وهذا التلخيص للمذهب سيسعفني عند عقد الموازنة بين أقوال أصحاب المذاهب الأربعة لإجراء المقابلة والمقارنة بينها، ولتحقيق دمج ما يمكن دمجه منها، لإبراز خلاصة المذاهب مجتمعة في المسألة، لأن هذا سيكون معيناً عند عرض الأدلة ومناقشتها، كي انتهي إلى ترجيح ما هو راجح في كل مسألة على حدة، بناء على قوة ما استدل به، أو على أساس مناقشته لما استدل به خصمه، مع مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية من تحقيق مصالح العباد، تفضلا من الله سبحانه، ورفعاً للحرج، ودفعاً للضيق عنهم.
وعزوت الآيات القرآنية، وخرجت الأحاديث النبوية، وترجمت للأعلام الوارد ذكرها في ثنايا البحث، عند أول ذكر لهذه الأمور، واعتمدت فهرساً خاصاً بكل منها بعد نهاية البحث، ثم وثقت لأهم المراجع التي استعنت بها، سواء كان ذلك من كتب الفقه المعتمدة، أم الأصول، أم كتب السنة والسيرة والتاريخ، أم كانت من كتب اللغة العربية، أو مقررات المؤتمرات الإسلامية في العالم الإسلامي، واللجان المنعقدة بشأن ما يخصنا في البحث، والفتاوى الصادرة في مسائل البحث على مستوى العالم الإسلامي وحذفتها عند الطباعة حتى لا يكبر حجم الكتاب.
ولقد واجهتني صعوبات جمة في سبيل إعداد هذا البحث بسبب أن موضوعه يشتمل على أمرين مهمين: أحدهما يعد من التراث نصاً. والآخر من المسائل المستحدثة، ومن ذلك على سبيل المثال بيع أجزاء الإنسان، وبيع الأشرطة المسجل عليها بعض الأفلام، والمسلسلات، والصور الفوتوغرافية ونحوها.
فقد كنت أعتقد سهولة الموضوع، غير أنني بعد الولوج فيه وجدته على قدر
كبير من الصعوبة من حيث جمع المادة العلمية، والأدلة، خاصة عند الترجيح لما أراه راجحاً.
فقد استعصت عليّ بعض المسائل، خاصة ما تباينت فيها الآراء، وكثر فيها الجدل، لأن كتب المذاهب فيها كثير من الأخذ والرد والتأييد والنقد والتنازع فيما بينها عند اختلاف وجهات النظر، كما أن بعضها لم يتعرض لذكر الأدلة، أو التعليل لما جاء فيه من أحكام مختلفة، خلال عرضها للأقوال في المسألة داخل المذهب في أغلب الأحيان.
فاستعنت بالله سبحانه فكان توفيقه بمساندة ومساعدة فضيلة الدكتور عبد الرحمن الصديق دفع الله الأستاذ المشارك المشرف على الرسالة في إزالة تلك الصعاب حتى بات الأمر -بحمد الله- في متناول يدي.
خطة البحث:
وقد رأيت أن تكون خطة البحث على النحو التالي:
المقدمة: وتشتمل على سبب اختيار الموضوع، ومنهجي في البحث، وخطة البحث.
التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالبيع. وفيه أربعة مطالب.
المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه.
المبحث الثالث: المقصود بالأعيان المحرمة. وفيه أربعة مطالب.
الباب الأول: في النجاسات: وفيه تمهيد وستة فصول:
التمهيد في بيان اختلاف الفقهاء في حرمة بيع النجاسات وأسبابه
الفصل الأول: بيع الميتة: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حكم بيع الميتة.
المبحث الثاني: حكم بيع أجزاء الميتة. وفيه ثلاثة مطالب.
المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الميتة.
الفصل الثاني: بيع الدم وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الدم المسفوح.
المبحث الثاني: حكم بيع الدم المسفوح.
المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الدم.
الفصل الثالث: بيع فضلات الإنسان والحيوان: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم المني وحكم بيعه: وفيه مطلبان:
المبحث الثاني: حكم أرواث الحيوانات وحكم بيعها: وفيه ثلاثة مطالب.
الفصل الرابع: بيع الكلب والخنْزير: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم الكلب، وحكم بيعه: وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: حكم الخنْزير، وحكم بيعه، وحكم بيع أجزائه. وفيه ثلاثة مطالب.
الفصل الخامس: بيع الخمر: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر.
المبحث الثاني: حكم الخمر.
المبحث الثالث: حكم التداوي بالخمر، وحكم بيعها: وفيه مطلبان.
الفصل السادس: حكم بيع المتنجسات والانتفاع بها.
الباب الثاني: ما نهى الشارع عن الانتفاع به، ويشتمل على ستة فصول:
الفصل الأول: بيع أواني الذهب والفضة: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم أواني الذهب والفضة. وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: حكم المضبب بالذهب والفضة وفيه تسعة مطالب.
الفصل الثاني: بيع الأصنام والصور: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: بيان حكم الشرع للصور بأنواعها: وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: حكم بيع الصور بأنواعها.
المبحث الثالث: في المستثنيات.
الفصل الثالث: بيع آلات اللهو: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: آلات اللهو: وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: النرد: وفيه مطلبان
المبحث الثالث: الشطرنج: وفيه مطلبان.
الفصل الرابع: بيع المخدرات والمفترات: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالمخدرات والمفترات.
المبحث الثاني: حكم بيع المخدرات.
المبحث الثالث: حكم بيع المفترات.
الفصل الخامس: بيع الإنسان الحر وأجزائه وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم بيع الإنسان الحر.
المبحث الثاني: حكم نقل وبيع بعض أجزاء الإنسان الحر: وفيه مطلبان.
الفصل السادس: بيع الأشياء المحرمة لقدسيتها: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: بيع المصحف.
المبحث الثاني: بيع المصحف للكافر.
المبحث الثالث: بيع أرض مكة المكرمة.
ثم أنهيت البحث بعمل خاتمة ثم خلاصة وافية لأهم ما ورد فيه، ثم عرضت لتنظيم الفهارس الفنية، مع بيان بأهم المراجع والفهارس العامة للرسالة.
وأسأل الله سبحانه أن ينال عملي هذا القبول، وأن يكون خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به يوم أن نلقاه، وعلى الله قصد السبيل، وصلى الله وسلم وأنعم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وعرفاناً بالفضل واعترافا بالجميل وعملا بقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} 1.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر النّاس لم يشكر الله"2.
أتقدم بالشكر الجزيل إلى جمهورية السودان التي فتحت أبوابها لطلبة العلم، كما وأشكر جامعة الخرطوم ممثلة بكلية القانون ممثلة بقسم الشريعة الإسلامية الذي أتاح لي هذه الفرصة الثمينة لمواصلة الدراسة في هذا العلم الشريف لنشر تعاليم الإسلام الحنيف، فأسأل الله تعالى أن يوفق القائمين عليها وأن يسدد خطاهم ويجزيهم عنا خير الجزاء.
كما أتقدم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى من وجدت منه شيم العلماء العاملين، ويقين المخلصين وأخلاق العباد الصالحين، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله
1 سورة إبراهيم: آية 7.
2 أخرجه الترمذي في البر والصلة 4/339، وقال حسن صحيح حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أحد. فضيلة الدكتور/ عبد الرحمن الصديق دفع الله أستاذ الشريعة الإسلامية المشارك بكلية القانون، الذي أعتز بالتتلمذ على يديه، حيث عاملني معاملة الوالد لولده والأخ لأخيه، فما بخل بنصح وما ضن عليّ بإرشاد، فكان واسع الصدر بشوش الوجه لين الجانب كثير الصبر، فما مل من اتصالي ولقائي، ولا قصر في جواب عن سؤالي، حتى خرج البحث على هذه الصورة، فقد وجدته عالماً عاملاً مدققاً محققا صاحب إشارات دقيقة وعبارات رقيقة، فكانت توجيهاته نافعة، وفرت علىّ جهداً ووقتاً كبيراً، فنصحني بألطف وأدق إشارة، فمند تفضله بقبول الإشراف على هذه الرسالة -رغم شواغله الجمة- وهو يتعهدني بالرعاية والعناية والنصح السديد والإشارات القيمة، فكان نعم الأستاذ والمعلم والموجه - حفظه الله ذخرا للإسلام والمسلمين - فقد قوي عزمي على يديه حيث شد ساعدي وأقال عثراتي وذلل لي الصعاب، فالله أسأل أن يحفظه ويبارك فيه ويطيل عمره ويمده بالصحة والعافية، وأن يجعل هذا العمل في سجل حسناته، وأن يجزيه عني خير الجزاء إنه نعم المولى ونعم النصير.
كما لا يفوتني أن أشكر كل من قدم لي معروفا أو أسدى إليّ نصحاً أو وقف بجانبي في إنجاح هذا العمل من الأخوة والأصدقاء والزملاء.
فجزى الله الجميع خير الجزاء، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.