الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر
اتفق الفقهاء على تحريم الخمر، لأنها أم الخبائث بسبب إفسادها للعقول، ولصدها عن ذكر الله وعن الصلاة، فضلاً عن إيقاعها للعداوة بين الناس، فهي رجس وعمل من أعمال الشيطان وأداة تلاعبه بالناس، من أجل هذا كانت محلاً للنهي، والأمر باجتنابها حيث قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 1.
فالخمر أم الخبائث لأنها تفسد العقول والأبدان والأخلاق والأنفس والمجتمعات، وتحريم الخمر أشد من تحريم اللحوم الخبيثة2، فإن الخمر يجب اجتنابها مطلقاً ولا يجوز اقتناؤها، ويحرم بيعها وشراؤها والمساهمة فيها، لأن المفاسد الناشئة عنها أعظم من مفاسد الأطعمة الخبيثة3، وحيث إن الشارع قد حرم الخبائث لما فيها من الفساد والأضرار بالعقول والأبدان والأخلاق، فقد ظهر على الذين استحلوا بعض المحرمات من الأطعمة والأشربة من النقص بقدر ما فيها من المفسدة 4.
وفي هذا يقول ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان: "حرم الله شرب القطرة من الخمر وإن لم تحصل مفسدة الكثير لكون قليلها ذريعة إلى شرب كثيرها"5.
وقال في إعلام الموقعين: "إن الله تعالى حرم الخمر لما فيها من المفاسد الكثيرة
1 سورة المائدة: الآية 90 - 91.
2 أي غير المذكاة وغير المأكول حتى ولو كانت مذكاة.
3 مجموع فتاوى ابن تيمية 20/336.
4 فقه الأشربة وحدها للدكتور عبد الوهاب عبد السلام طويلة صفحة 69.
5 1/361.
المترتبة على زوال العقل
…
والتحريم لكافة المحرمات على هذه الأمة هو تحريم حفظ وصيانة لا تحريم عقوبة وتحريم الخمر صيانة للعقول وحفظ لها
…
"1.
وقال في مدارج السالكين: "حرم الله السكر لشيئين ذكرهما في كتابه، وهما إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وذلك يتضمن حصول المفسدة الناشئة من النفوس بواسطة زوال العقل وانتفاء المصلحة التي لا يتم بها إلا بالعقل"2.
وقد علل بعض المعاصرين ذلك التحريم بمدى تأثير الخمر على مكونات الدم والسائل المنوي وخلافه في جميع خلايا جسم الإنسان ومن هؤلاء الدكتور الطبيب محمد على البار في كتابه الخمر بين الطبّ والفقه حين قال: "
…
إن الأغذية والأشربة تتحول بعد الهضم والامتصاص، إما إلى طاقة تحرك الجسم ووقود للعقل والقلب، أو إلى مواد لبناء الأنسجة وإبدال التالف منها بجديد صالح حتى لا تنقص عن ميزانها الذي طبعها الله عليه، والمواد الدهنية والنشوية تتحول إلى طاقة، بينما تتحول المواد البروتنية إلى خلايا وأنسجة، ويقع ذلك ضمن عمليات كيمائية معقدة، فما نأكله أو نشربه يتحول بالتالي إلى محرك لعضلة اليد أو القلب أو اللسان، أو قادح لزند الفكر يتحول إلى بناء لنفس العضلة في اليد أو اللسان أو القلب، أو يجري في العروق مع الدم مكوناً لكريات الدم الحمراء أو البيضاء أو الصفائح أو حيوانات منوية تخرج من الصلب، فكيف إذا كان الطعام أو الشراب خبيثاً كالخمر ولحم الخنْزير وغير ذلك مما حرم الله
…
"3.
إن المطالع لآيات تحريم الخمر وما ورد في كتب السنة بشأن هذا التحريم يجد أن المولى سبحانه قد قرنها بالميسر وهو القمار، وقرنها بالأنصاب وهي حجارة وأوثان كانوا يذبحون قرابينهم عندها، وقرنها بالأزلام وهي قداح كانوا يستقسمون بها
1 3/151.
2 3/306.
3 صفحة 26 – 27.
واعتبرها رجساً من عمل الشيطان وأمر باجتنابها تماماً كما أمر باجتناب عبادة الأوثان وقول الزور، وسماها رجساً وهو أشد الدنس وأوضح بعضاً من مضارها الاجتماعية والدينية كإيقاع العداوة بين الناس والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وفي هذا يقول الحق سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 1.
وهكذا: فقد حرمت الشريعة الإسلامية الخمر لا لشيء إلا من أجل إسعاد البشرية وحمايتها من شرورها وأذاها، فكم دمرت الخمر بيوتاً عامرة، وكم يتمت أطفالاً ورملت نساء، فضلاً عن أنها تجمع بين ضرر القلوب وضرر الأبدان وهي تميت الحياء في الجنس البشري والحياء سياج الأخلاق وأساس التدين ولا دين لمن لا حياء له.
1 سورة المائدة: الآيتان 90 – 91.