الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: النرد
النرد: فارسي معرَّب وهو النرد شير1، والنرد عبارة عن قطع صغيرة من مادة العاج أو الخشب وله أوجه ستة ولكل وجه من الأوجه الستة نقاط مرتبة من الواحد إلى الستة جميعاً، وهي منقسمة بحيث يكون مجموع النقاط في وجهين متقابلين سبعة ويسمى في عرف المشارقة "بلعبة الطاولة" وفي عرف المغاربة "دادوس" ويسمى بأسماء مختلفة حسب اختلاف اللعب به2.
المطلب الأول حكم اللعب بالنرد
مذهب الحنفية: القول بحرمة اللعب بالنرد.
فقد جاء في مجمع الأنهر: "ويحرم اللعب بالنرد، أو الشطرنج، والأربعة عشر"3. وجاء في البحر الرائق: "واللعب بالشطرنج والنرد، وكل لهو، يعني لا يجوز
…
"4.
فمذهب الحنفية: على حرمة اللعب بالنرد وعدم جواز مباشرته.
مذهب المالكية: حرمة اللعب بالنرد. فقد جاء في شرح منح الجليل: "ولم يباشر لعب نرد.... وهو آلة مربعة مخططة يلعب عليها بفصوص ويقال لها نرد شير، وتسمى في عرف مصر طاولة، فمباشر لعبها لا تقبل شهادته ولو مرة بغير قمار"5.
فمذهب المالكية: حرمة اللعب بالنرد حتى ولو كان بدون قمار وأن هذا اللعب يرد الشهادة.
1 راجع: لسان العرب لابن منظور 14/103.
2 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/188.
3 عبد الرحمن الكيبولي 4/221 - 222.
4 ابن نجيم 8/379 - 380.
5 الشيخ محمد عليش 4/219.
وجاء في حاشية الخرشي: "وحكم اللعب بالنرد الحرمة...."1.
وهكذا يرى المالكية حرمة اللعب بالنرد، وأن من يلعب به ترد شهادته ولا تقبل لما فيه من الفساد وأن الذي يلعب النرد ملعون شرعاً.
مذهب الشافعية: القول بحرمة اللعب بالنرد، وذلك على الصحيح في المذهب، ومقابل هذا القول كراهية اللعب بالنرد، والصحيح الحرمة. فقد جاء في شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين مع حاشتي قليوبي وعميرة:"ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح"2. وجاء في الأم: ".... يكره من وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي...."3. وجاء في الزواجر عن اقتراب الكبائر: ".... قال عامة أصحابنا يكره اللعب بالنرد، وترد به الشهادة، والكراهة للتحريم...."4
فمذهب الشافعية: على حرمة اللعب بالنرد، وأن هذا هو الصحيح من مذهب الشافعية وترد الشهادة، ومقابلة القول بالكراهة والكراهية للتحريم.
مذهب الحنابلة: حرمة اللعب بالنرد حتى ولو كان ذلك بدون قمار، أي مع عدم العوض المشروط من الجانبين ولا من أحدهما. فقد جاء في المغني والشرح الكبير: "كل لعب فيه قمار فهو محرم أي لعب كان، وهو الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه،
…
وما خلا من القمار وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ولا من أحدهما، فمنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح، فأما المحرم فاللعب بالنرد
…
"5.
فالمستفاد من هذا: أن اللعب بالنرد محرم شرعاً، حتى ولو لم يكن على سبيل المقامرة أي سواء كان بعوض من الجانبين أو من أحدهما، أو لم يكن كذلك، فهو محرم
1 الخرشي 8/8.
2 النووي 4/319.
3 الإمام الشافعي 6/208.
4 الهيتمي 2/399.
5 ابن قدامة 12/35
على الإطلاق.
الموازنة: بمراجعة ما قاله الفقهاء على اختلاف مذاهبهم يتضح لنا أن عامة الفقهاء وأهل العلم على أن اللعب بالنرد محرم شرعاً، سواء كان على سبيل المقامرة أو لم يكن كذلك، وأنه محرم على الإطلاق، وأن مباشرته ممنوعة، وأنها تسبب إسقاط الشهادة.
وهذا هو إجماع الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وهناك قول لدى الشافعية بكراهة اللعب بالنرد.
واستدل الجمهور بما يأتي: ما روي عن بريدة بن حصيب رضي الله عنه أن رسول الله قال "من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في دم خنْزير"1.
وما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله"2.
وما روي عنه –أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله"3.
هذا: ولم أجد دليلاً على القول في مذهب الشافعية القائل بكراهية اللعب بالنرد علماً بأن الأمام الشافعي رضي الله عنه كثيراً ما يطلق الكراهية ويريد بها التحريم 4.
ولهذا كان الراجح: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء أن اللعب بالنرد محرم، لقوة ما استدلوا به، ولخلو القول بالكراهية عن دليل يرتكن إليه، ومما يقوي هذا الترجيح أن
1 أخرجه مسلم في كتاب الشعر باب تحريم اللعب بالنرد شير برقم 2260.
2 أخرجه الإمام مالك برقم 1718، وأبو داود برقم 4938، وابن ماجة كتاب الأدب باب اللعب بالنرد برقم 3762، والحاكم في المستدرك 1/114 وقال صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي في السنن 214، 215. راجع: إرواء الغليل برقم 2670.
3 الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/392، والحاكم في المستدرك، عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى الأشعري.
4 الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي 2/400.