الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوه هناك، وما استدلوا به، والمستفاد منه ما تقرر هنا قولاً واستدلالاً. والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني: التصوير لغير ذي الروح
يدخل في هذه المسألة التصوير المجسم والمرقوم لما لا روح له، وقد اختلف الفقهاء في هذا على النحو الآتي:
مذهب الحنفية: القول بجواز التصوير لما لا روح له كالشجرة ونحوه، وقالوا بأن مثل هذا النوع من التصوير لا يوجب الكراهة، لأنه لا يحصل الشبه به بمن يعبد التمثال ونحوه. فقد جاء في بدائع الصنائع: "
…
فأما صورة ما لا حياة له كالشجر ونحو ذلك فلا يوجب الكراهة، لأن عبدة الصورة لا يعبدون تمثال ما ليس بذي روح فلا يحصل الشبه بهم،.."1. وجاء في شرح فتح القدير: "
…
ولا يكره تمثال غير ذي الروح، لأنه لا يعبد،.."2.
مذهب المالكية: القول بجواز التصوير لما لا روح له كغير الحيوان كالشجر ونحوه. فقد جاء في شرح منح الجليل: "
…
وأما تصوير غير الحيوان كشجرة وسفينة وجامع ومنار فجائز، ولو كان له ظل ويدوم،.."3. وفي مواهب الجليل: "
…
قال الشيخ: التمثال إن كان لغير حيوان كالشجر جاز
…
"4.
مذهب الشافعية: القول بجواز تصوير ما لا روح له مثل الشجر والشمس والقمر ونحو ذلك.
فقد جاء في الزواجر عن اقتراب الكبائر: "
…
وأما تصوير صور الشجر ونحوها
1 الكاساني 1/116.
2 ابن الهمام 1/416.
3 الشيخ محمد عليش 2/167.
4 الحطاب 1/551.
مما ليس بحيوان فليس بحرام...."1.
وفي مغني المحتاج: "ويجوز
…
صورة شجر ونحوه مما لا روح فيه، كشمس وقمر
…
"2.
وجاء في شرح النووي: "
…
وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام،،.. وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته، ولا التكسب به، وسواء الشجر المثمر وغيره، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهداً3 فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه، قال القاضي4: لم يقله أحد غير مجاهد،.."5.
مذهب الحنابلة: جواز تصوير شجر وسفن وشمس وقمر ونحو ذلك، من غير ذي الروح. فقد جاء في كشاف القناع: "
…
وتباح صورة غير حيوان كشجر وكل ما لا روح فيه،.."6. وجاء في الإنصاف:".... لا يحرم تصوير الشجر ونحوه،.."7. وفي إعلان النكير على بعض المفتونين بالتصوير: "
…
فقوله في هذا الحديث: "يخلق خلقا كخلقي" يعم ذوات الأرواح والشجر وغيره،.."8.
الموازنة: بمراجعة نصوص الفقهاء بشأن تصوير غير ذي الروح يتضح الآتي:
1 الهيتمي 2/63.
2 الشربيني 3/316.
3 هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي مولى بني مخزوم، تابعي مفسر من أهل مكة، أخذ التفسير عن ابن عباس، قرأه عليه ثلاث مرات يقف عند كل آية يسأله فيم نزلت وكيف كانت تنقل في الأسفار، واستقر في الكوفة، ويقال إنه مات رحمه الله وهو ساجد سنة 104 هـ. راجع: الأعلام للزركلي 5/278.
4 هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي ولد بسبته سنة 496هـ كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، توفي رحمه الله بمراكش سنة 544هـ. راجع: الأعلام للزركلي 5/99.
5 النووي 14/81 – 91.
6 البهوتي 1/331.
7 المرداوي 1/436.
8 حمود عبد الله التويجري صفحة 45.
أ- أن عامة الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وكذا الحنابلة يرون جواز تصوير ما لا روح له نحو الشجر والقمر وغيره، على خلاف طفيف في التعبير عن هذا، فمنهم من قال بالجواز كالحنفية والمالكية والشافعية، ومنهم من عبر بالإباحة كالحنابلة.
ب- أن بعض الفقهاء والمحدثين يرون حرمة تصوير غير ذي الروح، وأنه في هذا شأنه شأن تصوير ذي الروح كالحيوان ونحوه، وذلك على نحو ما ورد بإعلان النكير المقرر فيه رأي بعض الحنابلة المحدثين.
?- أن مجاهداً -صاحب ابن عباس- فرق بين الشجر المثمر الذي قال بأن تصويره مكروه، وبين الشجر غير المثمر الذي جوز تصويره.
وعليه فالمسألة فيها ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: يقول بالجواز على الإطلاق.
المذهب الثاني: يقول بالحرمة على الإطلاق.
المذهب الثالث: فرق بين تصوير الشجر المثمر وغير المثمر، وهذا ما قال به مجاهد - صاحب ابن عباس رضي الله عنهما، حيث ذكر مذهب هذا صاحب فتح الباري فقد ورد فيه "وقد قيد مجاهد -صاحب ابن عباس- جواز تصوير الشجر بما لا يثمر، أما ما يثمر فألحقه بماله روح، قال عياض: لم يقله أحد غير مجاهد،
…
"1.
الأدلة:
أ - استدل القائلون بجواز التصوير لغير ذى الروح بما يأتي:
1-
ما روي أن رجلاً 2 جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما: فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فافتني فيها؟ فقال له أدن مني، فدنا
1 ابن حجر العسقلاني 10/409.
2 هذا الرجل من أهل العراق كما جاء ذلك في رواية عند النسائي أنه قال: "إني من أهل العراق، وإني أصور هذه التصاوير....". راجع: السنن الكبرى للبيهقي 7/269.
منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه وقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فيعذبه في جهنم"، فقال:"إن كنت لا بد فاعلاً، فاصنع الشجر وما لا نفس له"1.
فحديث ابن عباس رضي الله عنهما نص صريح على جواز تصوير الشجر وكل شيء ليس فيه روح، فتُخصص به عموم النصوص الواردة في النهي عن كل صورة، لأنه في حكم المرفوع.
2-
ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل عليك البيت الذي أنت فيه إلا أنه كان فيه تمثال، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، فُمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومُر بالستر يقطع فيجعل منه وسادتان، ومر بالكلب فيخرج"2.
3-
ما روي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".
وفي الحديث: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ"3.
ففي الحديث تخصيص النهي بذوات الأرواح، إذ إن المصور سيؤمر يوم القيامة بنفخ الروح فيما صوّره، ولا يكون النفخ إلا فيما له روح.
قال النووي: "أي اجعلوه حيواناً ذا روح كما ضاهيتم"4.
ب - استدل القائلون بتحريم التصوير لغير ذي الروح: بعموم الأدلة الواردة في حرمة التصوير عموماً، حيث إنها لم تفرق بين ذي الروح وغيره، ومن هذه الأدلة.
1 – قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا
1 أخرجه البخاري برقم 2112. مسلم برقم 2110.
2 أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/305، وأبو داود كتاب اللباس برقم 4158 والترمذي برقم 2804 وقال هذا حديث حسن صحيح.
3 الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري برقم 2112. مسلم برقم 2110.
4 شرح النووي على صحيح مسلم 14/91.
بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} 1.
قال القرطبي عند تفسير الآية: "وقد يستدل من هذا على منع تصوير شيء 2 سواء كان له روح أم لم يكن"3.
2 – ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة".
وهذا الحديث عام شمل الذم والتهديد والتقبيح، فعم كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع وهذا واضح 4، وهو يشمل ما فيه روح وما ليس فيه روح.
3 – عموم الأحاديث الواردة في تحريم التصوير والصور وزجر المصورين، حيث إنها لم تفرق بين ذي الروح وغيره، ومن هذه الأدلة بما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون".
4 – أن من الكفار من كان يصور مالا روح فيه كالشمس والقمر فيعبده من دون الله، فيمتنع تصويره لذلك5.
ج- استدل مجاهد صاحب ابن عباس فيما يتعلق بالشق الأول، وهو كراهية
1 سورة النمل: الآية 60.
2 هكذا في النص ولعلها أي شيء.
3 الجامع لأحكام القرآن 13/147.
4 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 13/147.
5 راجع: فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 1/409.
تصوير الشجر المثمر خاصة بنفس الأدلة التي ساقها المانعون من تصوير غير ذي الروح، أما فيما يتعلق بالشق الثاني وهو إباحة تصوير الشجر غير المثمر خاصة فقد تمسك بذات ما استدل به المجوزون لتصوير غير ذي الروح مطلقاً.
والذي يترجح لدي: هو القول بجواز تصوير غير ذي الروح كالشجر والنبات والشمس ونحوها، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وذلك لقوة ما استدلوا به، وأنه لا وجه لتفرقة مجاهد بين الشجر المثمر وغير المثمر، ويترتب على هذا الرجحان القول بجواز التجارة فيها بيعاً وشراء فضلاً عن القيام بصناعتها، وأن القول بحرمة تصوير غير ذي الروح قول ضعيف، وأن الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما وقد جوز تصوير الشجر وما لا نفس فيه، وكل شيء ليس فيه روح، وما يدعم ذلك: أن هذا الحديث ورد في الصحيحين، ويمكن الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض فيجب حمل التصوير المذموم في الأحاديث على تصوير ذي الروح.
وقد جاء في عمدة القارى: أن مراد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح" هو أن المصور إنما يستحق هذا العذاب لكونه قد باشر تصوير حيوان مختص بالله تعالى، وتصوير جماد ليس في معنى ذلك فلا بأس به" 1 والله تعالى أعلم.
أما بالنسبة للصور الشمسية "الفوتوغرافية": فقد اختلف أهل العلم بشأن حكم الشرع فيما يتعلق بالتصوير الفوتوغرافي، وذلك على قولين:
فمنهم من قال بحرمة هذا التصوير كغيره مما سبق، ومنهم من قال بعدم حرمته لعدم وجود علة التحريم فيه، ولهذا كان منشأ هذا الخلاف هو الإجابة على سؤال مهم وهو: هل التصوير الفوتوغرافي يشتمل على العلة التي من أجلها حرم التصوير بالأيدي أم لا؟ وبمعنى آخر هل التصوير الفوتوغرافي مثل التصوير بالأيدي؟ أم أنه غير مماثل له؟ فمن رأى أنه مثله واشتمل على نفس العلة قال بتحريمه، ومن رأى أنه غير مماثل له قال بجوازه وعدم حرمته، وذلك على النحو الآتي:
1 العيني 12/39.
المذهب الأول: يرى أن التصوير الفوتوغرافي غير محرم، وأنه مباح شرعاً، وذلك لعدم وجود علة التحريم فيه، وذلك لأن أخذ الصورة بالفوتوغرافيا ليس إلا حبس للضوء، ولهذا كان أخذ الصورة على هذا الوجه ليس خلقاً للصورة، فالتصوير بواسطة هذه الآلة المستحدثة ليس من التصوير المنهي عنه، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم المعاصرين.
فقد جاء في فقه السنة: "
…
والصور الفوتوغرافية فهذه كلها جائزة، وكانت ممنوعة في أول الأمر ثم رخص فيها بعد،.."1.
وجاء في الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي: "
…
إن أخذ الصورة بالفوتوغرافيا الذي هو عبارة عن حبس الظل بالوسائط المعلومة لأرباب هذه الصناعة، ليس من التصوير المنهي عنه في شيء، لأن التصوير المنهي عنه هو إيجاد صورة وصنع صورة لم تكن موجودة ولا مصنوعة من قبل، يضاهي بها حيواناً خلقه الله تعالى، وليس هذا المعنى موجوداً في أخذ الصورة بتلك الآلة"2.
وجاء في كتاب الحلال والحرام: "
…
وأما الصور الشمسية الفوتوغرافية فالأصل فيها الإباحة، ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم كتقديس صاحبها تقديساً دينياً أو تعظيمه تعظيماً دنيوياً، وخاصة إذا كان المعظم من أهل الكفر والفساق،.."3.
وجاء في كتاب المجموع الثمين: "
…
والتقاط الصورة بالآلة ليس مضاهاة لخلق الله، بل هو نقل الصورة التي خلقها الله تعالى نفسها، فهو ناقل لخلق الله لا مضاهاة له،
…
فلو قلد شخص كتابة شخص لكانت كتابة الثاني غير كتابة الأول وهي مشابهة لها، ولو نقل كتابته بالصورة الفوتوغرافية لكانت الصورة هي كتابة الأول، وإن كان عمل نقلها من الثاني، فهكذا نقل الصورة بالآلة الفوتوغرافية الكاميرا هي تصوير
1 السيد سابق 3/262.
2 الشيخ محمد نجيب المطيعي صفحة 22.
3 د. يوسف القرضاوي صفحة 113.
الله نقل بواسطة آلة التصوير
…
"1.
المذهب الثاني: فيرى تحريم التصوير الفوتوغرافي وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم المعاصرين.
فقد جاء في كتاب الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام: ".... أن التصوير بجميع أنواعه تماثيل أو غير تماثيل منقوشاً باليد أو فوتوغرافيا مأخوذاً بالآلة كله حرام،.."2.
وجاء في كتاب إعلان النكير على المفتونين بالتصوير: "
…
ولا يخفي على عاقل أن التصوير بالآلة الفوتوغرافية هو الذي يطابق صور الحيوانات غاية المطابقة، بخلاف التصوير المنقوش بالأيدي فإنه قد لا يطابقها من كل وجه وعلى هذا فيكون التصوير بالآلة الفوتوغرافية أشد تحريماً من التصوير المنقوش بالأيدي والله أعلم،.."3.
وجاء في كتاب آداب الزفاف: ".... سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل أو لا ظل لها، يدوية أو فوتوغرافية، فإن ذلك كله لا يجوز،.."4.
جاء في كتاب النهضة الإصلاحية: "
…
وإني أحب أن تجزم الجزم كله أن التصوير بآلة التصوير "الفوتوغراف" كالتصوير باليد تماماً، فيحرم على المؤمن تسليطها للتصوير، ويحرم عليه تمكين مسلطها لالتقاط صورته بها، ولأنه بهذا التمكين يعين فعلاً على فعل محرم غليظ، وليس من الصواب في شيء ما ذهب إليه أحد علماء عصرنا هذا من استباحة التصوير بتلك الآلة،.."5.
الأدلة: استدل المذهب الأول القائل بأن التصوير الفوتوغرافي غير محرم وأنه مباح بما يأتي:
1-
أن الأصل في الأشياء الإباحة وذلك عملاً بقوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي
1 الشيخ محمد بن صالح العثيمين 2/247.
2 الدكتور صالح فوزان الفوزان صفحة 53.
3 الشيخ حمود عبد الله التويجري صفحة 94.
4 محمد ناصر الدين الألباني صفحة 113.
5 كتاب النهضة الإصلاحية للشيخ مصطفى الحمامي نقلاً عن كتاب الإعلام للشيخ صالح االفوزان صفحة 40 – 41.
خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا} 1. فقد دلت هذه الآية على إباحة كل ما أوجده الله لنا في الأرض2، والتصوير الفوتوغرافي يدخل في معنى هذه الآية، لأنه مما خلق الله لنا في الأرض، ولم يرد في الشرع نص على تحريمه3.
2 – إن هذا النوع من التصوير غير متحقق فيه علة التحريم التي قام على أساسها النهي عن التصوير وهي المضاهاة التي تعتبر علة التحريم في التصوير، وذلك لأن التقاط الصورة بالآلة ليس مضاهاة لخلق الله، بل هو نقل للصورة التي خلقها الله تعالى نفسها، فهو ناقل لخلق الله وليس مضاهاة له، فالصورة في التصوير الفوتوغرافي مجرد نقل لتصوير الله سبحانه بآلة التصوير المستخدمة لهذا الغرض4.
3 – أن التصوير الفوتوغرافي لا يخرج عن مجرد حبس للصورة الموجودة، وأنه بهذا لا يسمى تصويرا، لأن التصوير إيجاد صورة لم تكن، ولهذا فإن التصوير الفوتوغرافي يشبه الصورة في المرآة وهي لا يمكن أن يقال لها صورة أو إن أحدا صورها، والذي تصنعه آلة التصوير هو صورة لما في المرآة، غاية الأمر أن المرآة "الفوتوغرافي" تثبت الظل الذي يقع عليها، والمرآة ليست كذلك5.
4 – أن التصوير الفوتوغرافي له فوائد عديدة، وأن الحاجة داعية إليه، وفيه تحقيق لمنافع العباد حيث إن فيه الإعانة على كمال أمور الدنيا والدين بالنسبة للأمة في مجموعها في هذا العصر.
ب- واستدل المذهب الثاني القائل بتحريم التصوير الفوتوغرافي:
1 – أن علل تحريم التصوير الواردة في النصوص الشرعية موجودة في الصور
1 سورة البقرة: الآية 29.
2 الحلال والحرام في الإسلام د. يوسف القرضاوي صفحة 113.
3 حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية للشيخ صالح الغزالي 371.
4 المجموع الثمين محمد بن صالح العثيمين بتصرف 2/247.
5 تفسير آيات الأحكام محمد علي السايس 4/431 – 432.
الفوتوغرافية، فمن ذلك كونها -أي الصورة- سبباً لتعظيم غير الله، ومن ذلك كونها مضاهاة لخلق الله، ومن ذلك كونها تمنع دخول الملائكة.
2 – أن عموم الأحاديث المستفاد منها تحريم التصوير ولعن المصورين والأمر بطمس الصورة وهتكها وتمزيقها، أن هذا العموم يرد على التصوير الفوتوغرافي، حيث إن هذا يسمى صوراً، وأن ذات العمل يسمى تصويراً، ومن يقوم به يسمى مصوراً، ومن هذه النصوص:
قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المصورين" 1 حيث إن لفظ المصورين في الحديث عام بدخول أل المفيدة استغراق الجنس، أي جنس المصورين جميعاً دون استثناء، ومنهم أصحاب التصوير الفوتوغرافي.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مصور في النار" 2 والمعروف أن لفظ "كل" من ألفاظ العموم ولهذا شمل النص كل مصور، ومنه صاحب التصوير الفوتوغرافي.
3 – أن الأحاديث الآمرة باتقاء الشبهات شاملة للتصوير الفوتوغرافي، حيث إنه لا يخرج عن دائرة المتشبهات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باجتنابها والاحتياط بالامتناع منه، ومن الأحاديث الآمرة باتقاء الشبهات قولهصلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى مالا يريبك" 3 وقوله صلى الله عليه وسلم:"الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور متشبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"4.
وبعد الموازنة بين القولين السابقين: تقرر أن التصوير الفوتوغرافي لاشك داخل في
1 أخرجه البخاري برقم 5617 بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي، ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور، وفي كتاب الطلاق برقم 5032 بلفظ: ولعن المصورين.
2 الحديث أخرجه مسلم وقد سبق تخريجه.
3 أخرجه أحمد 1/200، والترمذي برقم 2518 والنسائي برقم 5711 من طريق الحسن بن علي، وصححه الشيخ الألباني.
راجع: إرواء الغليل للشيخ الألباني برقم 12، 2074.
4 أخرجه البخاري برقم 52، وبرقم 1946، ومسلم برقم 1599.
عموم نصوص النهي عن التصوير، وذلك بحسب الأصل، لأن النصوص عامة شاملة لكل أنواع التصوير، وعلة التحريم حاصلة في التصوير الفوتوغرافي من عدم دخول الملائكة المكان الذي توجد به صور، وأن الشرع لم يصرح باستثناء ذلك النوع من التصوير، غير أن الحاجة إلى التصوير الفوتوغرافي ماسة في العصر الحاضر مما يجوز إباحته استثناء من أصل المنع والتحريم، عملاً بقواعد الشرع في إباحة بعض المحرمات عند وجود الحاجة الداعية إليها.
فالتصوير الفوتوغرافي على هذا جائز خاصة في العصر الحالي، وذلك لترتب قضاء مصالح الناس عليه كالتصوير من أجل استخراج البطاقات الشخصية والعائلية وجواز السفر ورخصة القيادة ونحو ذلك.
وهذا الجواز وإن كان فيه خروجاً عن الأصل إلا أنه ورد في السنة الصحيحة إباحة جواز اتخاذ الصور المحرمة عند وجود الحاجة إليها ترتب المصلحة المعتبرة عليها، ومن ذلك ما صح عن الربيع بنت معوذ قالت:
"أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة، من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا الصغار منهم -إن شاء الله- ونذهب إلى المسجد ونجعل لهم اللعبة من العهن1 فنذهب بهم معنا، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم ذاك حتى يكون عند الإفطار وفي رواية: فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم"2.
فقد أجازت السنة الشريفة بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن.
ومن ذلك أيضاً ما صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "أنها كانت تلعب بالبنات– أي اللعب الصغيرة على صورة البنات– فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي لي بصواحبي يلعبن
1 العهن: هو الصوف الملون: ومفرده: عهنة. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 3/295 مادة عهن.
2 أخرجه البخاري برقم 1859، ومسلم برقم 1136.
معي"1 فقد خص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصورة، وبه جزم القاضي عياض ونقله عن الجمهور2.
وعليه: فأرى إباحة وجواز التصوير الفوتوغرافي للحاجة الماسة إليه في الوقت الحاضر، ولتحقيقه للمصلحة العامة، فهو يحقق مصلحة دينية متمثلة في تصوير الأعمال الحربية النافعة، ومصلحة دنيوية تتمثل في تصوير من يشتبه في أمرهم، وتصوير من يحتاج إلى تحقيق شخصيتهم لئلا يشبهوا بغيرهم، كما أن المصور بالآلة الفوتوغرافية لا يفعل إلا مجرد تثبيت الصورة التي أمامه بحالها على نحو ما خلق الله سبحانه، فهو لا يحاكي الخالق بل يثبت ما أوجده الله سبحانه بنفس الهيئة والرسم، وهذا الجواز مشروط بعدم اشتمال موضع الصور على محرم كإظهار مواطن الفتنة والأنوثة في النساء بتصويرهن عاريات أو شبه عاريات أو متبرجات ونحو ذلك مما حرم شرعاً، فلا مانع من ممارسة هذا العمل والاتجار فيه بيعاً وشراء وإن الضرورات تقدر بقدرها. والله تعالى أعلم.
1 أخرجه مسلم برقم 2440، وأحمد في المسند 6/57، 166، 233، 234.
2 فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 10/544.