المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث حكم بيع شعر الميتة - البيوع المحرمة والمنهي عنها

[عبد الناصر بن خضر ميلاد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالبيع

- ‌المطلب الأول: البيع لغة

- ‌المطلب الثاني: البيع اصطلاحاً

- ‌المطلب الثالث: أركان البيع

- ‌المطلب الرابع: شروط المعقود عليه "المبيع

- ‌المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه

- ‌المبحث الثالث: المقصود بالأعيان المحرمة

- ‌المطلب الأول: تعريف العين لغة واصطلاحاً والمحرم لغة والحرام عند الأصوليين

- ‌المطلب الثاني: الأعيان المحرمة لنجاستها

- ‌المطلب الثالث: الأعيان المحرمة لغلبة المفسدة فيها

- ‌المطلب الرابع: الأعيان المحرمة لكرامتها

- ‌الباب الأول: في النجاسات

- ‌التمهيد في بيان اختلاف الفقهاء في حرمة بيع النجاسات وأسبابه

- ‌الفصل الأول: بيع الميتة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول حكم بيع الميتة

- ‌المبحث الثاني حكم بيع أجزاء الميتة

- ‌المطلب الأول: حكم بيع عظم الميتة

- ‌المطلب الثاني حكم بيع جلد الميتة

- ‌المطلب الثالث حكم بيع شعر الميتة

- ‌المبحث الثالث خلاصة القول بشأن بيع الميتة

- ‌الفصل الثاني بيع الدم

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف الدم المسفوح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الدم المسفوح

- ‌المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الدم

- ‌الفصل الثالث: بيع فضلات الإنسان والحيوان

- ‌المبحث الأول حكم المني وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم المني

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المني

- ‌المبحث الثاني: حكم أرواث الحيوانات وحكم بيعها

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع رجيع الحيوانات

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي بأبوال الحيوانات

- ‌الفصل الرابع: بيع الكلب والخنزير

- ‌المبحث الأول: حكم الكلب وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم الكلب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الكلب

- ‌المبحث الثاني: حكم الخنزير وحكم بيعه وبيع شعره

- ‌المطلب الأول: حكم الخنزير

- ‌المطلب الثاني حكم بيع الخنزير

- ‌المطلب الثالث: حكم بيع شعر الخنزير

- ‌الفصل الخامس: بيع الخمر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر

- ‌المبحث الثاني: حكم الخمر

- ‌المبحث الثالث: حكم التداوي بالخمر، وحكم بيعها

- ‌المطلب الأول: حكم التداوي بالخمر

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الخمر

- ‌الفصل السادس: حكم بيع المتنجسات والانتفاع بها

- ‌الباب الثاني: مانهى الشارع عن الانتفاع به

- ‌الفصل الأول: بيع أواني الذهب والفضة

- ‌المبحث الأول: حكم أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال واقتناء أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع أواني الذهب

- ‌المبحث الثاني: حكم المضبب بالذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثالث: حكم استعمال المضبب بالفضة

- ‌المطلب الرابع: حكم بيع المضبب بالفضة

- ‌المطلب الخامس: حكم استعمال المموه بالذهب والفضة

- ‌المطلب السادس: حكم بيع المموه بالذهب أو الفضة

- ‌المطلب السابع: حكم اتخاذ خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال واستعمالهما

- ‌المطلب الثامن: حكم بيع خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال

- ‌المطلب التاسع في المستثنيات

- ‌الفصل الثاني: وبيع الأصنام والصور

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: بيان حكم الشرع للصور بأنواعها

- ‌المطلب الأول الصور المجسمة

- ‌المطلب الثاني: التصوير لغير ذي الروح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الصور بأنواعها

- ‌المبحث الثالث: المستثنيات

- ‌الفصل الثالث: بيع آلات اللهو

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: آلات اللهو

- ‌المطلب الأول: حكم سماع الغناء

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع آلات اللهو

- ‌المبحث الثاني: النرد

- ‌المطلب الأول حكم اللعب بالنرد

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع النرد

- ‌المبحث الثالث: الشطرنج

- ‌المطلب الأول: حكم اللعب بالشطرنج

- ‌المطلب الثاني بيع الشطرنج

- ‌الفصل الرابع: بيع المخدرات والمفترات

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمخدرات والمفترات

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع المخدرات

- ‌المبحث الثالث: حكم بيع المفترات

- ‌الفصل الخامس: بيع الإنسان الحر وأجزائه

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكم بيع الإنسان الحر

- ‌المبحث الثاني: حكم نقل وبيع بعض أجزاء الإنسان الحر

- ‌المطلب الأول حكم نقل أعضاء الإنسان

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع بعض أجزاء الإنسان

- ‌الفصل السادس: بيع الأشياء المحرمة لقدسيتها

- ‌المبحث الأول: بيع المصحف

- ‌المبحث الثاني: بيع المصحف للكافر

- ‌المبحث الثالث: بيع أرض مكة

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث حكم بيع شعر الميتة

هذا فضلاً عن أن الجلد جزء محرم من الميتة بالموت فكان نجساً كما لو كان قبل الدبغ حيث تأبدت نجاسته فامتنع بيعه خاصة عند من يشترط طهارة المبيع وإمكان الانتفاع به شرعاً1.

والراجح في هذا الخلاف: هو القول بجواز بيع جلد الميتة بعد دبغه حيث يؤثر الدبغ على الجلد بالطهارة، وإمكان الاستعمال والانتفاع به، وترتيباً على هذا جاز بيعه، لأن هذا هو إعمال للأثر المباشر للدبغ خاصة لو كانت الميتة لمباح أي حلال وقت الحياة تخريجاً على إباحة استعمال وبيع جلد المدبوغ والمذكى ذكاة شرعية، وهذا الذي يترجح هنا موافق لما عليه كل من الحنفية والشافعية وبعض المالكية وبعض الحنابلة بمراعاة ما قالوه من الاستثناءات الواردة في شأن طهارة الجلد المدبوغ كالخنْزير عند الحنفية، والكلب والخنْزير عند الشافعية، حيث لا يؤثر فيه الدبغ، وبالتالي فلا إمكان من بيعه حتى بعد الدبغ، وذلك لنجاسة أصله عند من اشترط طهارة المبيع، وإمكان الانتفاع به، كالشافعية والحنابلة، وحتى عند من لم يشترط هذا واكتفى بالمالية، وذلك لإهانة الخنْزير والكلب، حيث إن في البيع رفعاً لتلك الإهانة.

ومما يؤكد هذا الرجحان: قوة ما استدل به المجوزون لبيع جلد الميتة المدبوغ، وسلامته من المعارضة والاضطراب، فضلاً عن أن الدبغ أزال النجاسة المانعة من البيع، والله أعلم.

1 نيل الأوطار للشوكاني 1/80 – 81، وجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير 7/112 – 113.

ص: 80

‌المطلب الثالث حكم بيع شعر الميتة

اختلف الفقهاء بشأن بيع شعر1 الميتة ونحوه، كالصوف2 والوبر3 والريش وزغب

1 الشعر: نبتة الجسم مما ليس بصوف ولا وبر وهو في الإنسان وغيره مثل الماعز. راجع: لسان العرب لابن منظور 7/133.

2 والصوف: للشاة أي للضأن والغنم. راجع: لسان العرب لابن منظور 7/443.

3والوبر: للإبل والأرانب ونحوها. راجع: لسان العرب لابن منظور 15/199.

ص: 80

الريش1، بناء على خلافهم في حكم طهارتها، وهذا يعني أن الحديث عن إظهار حكم الشرع بخصوص بيع شعر الميتة، متوقف على القول بطهارة هذا الشعر وما في حكمه من عدمه، وهذا يستدعي ضرورة إلقاء الضوء على ما قاله الفقهاء بخصوص طهارة الشعر والصوف ونحوه، حتى نتمكن من إظهار حقيقة الخلاف بشأن حكم بيع الشعر وما يترجح فيه.

أولاً: موقف الفقهاء من طهارة الشعر والصوف ونحوهما اختلف الفقهاء بشأن طهارة شعر الميتة ونحوه، من الصوف، والوبر، والريش، والزغب، ونحوه، وذلك على النحو الآتي:

مذهب الحنفية: يقولون بطهارة شعر الميتة ونحوه، واستثنوا من ذلك شعر الخنْزير على الصحيح عندهم، فقد قالوا إنه نجس لا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتم بدونه، والفيل نجس العين كالخنْزير عند محمد بن الحسن، وعندهما بمنْزلة السباع فيباح عظمه وينتفع به.

فقد جاء في الهداية: "

ولا بأس ببيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وقرنها وشعرها ووبرها والانتفاع بذلك كله، لأنها طاهرة لا يحلها الموت لعدم الحياة

ولا يجوز بيع شعر الخنْزير لأنه نجس العين، فلا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة، فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه

والفيل كالخنْزير نجس العين عند محمد رحمه الله، وعندهما بمنْزلة السباع حتى يباح عظمه وينتفع به

"2.

وجاء في بدائع الصنائع: "

وأما عظم الميتة

وشعرها وصوفها ووبرها وريشها

إن هذه الأشياء طاهرة عندنا

وأما شعره فقد روى أنه طاهر

والصحيح أنه نجس

"3.

1 والريش: كسوة الطائر، أما زغب الريش فهو ما التف حول القصبة من الجانبين. راجع: لسان العرب لابن منظور 5/388.

2 المرغيناني 6/425 - 427.

3 الكاساني 5/142.

ص: 81

فالمستفاد من نصوص مذهب الحنفية: أن عظم الميتة وشعرها وصوفها ووبرها وريشها طاهرة عند الحنفية، أما عظم الخنْزير وكذا شعره، فقد اختلف في المذهب بشأن طهارته، فقيل إنه طاهر، غير أن الصحيح في المذهب أنه نجس، وأن الفيل كالخنْزير نجس العين عند محمد بن الحسن وكذا شعره.

مذهب المالكية: صوف ووبر وشعر وزغب وريش جميع الدواب طاهر، حتى ولو كان من الخنْزير وحتى لو جزت بعد موتها، لأن هذه الأشياء لا تحلها الحياة، وما لا تحله الحياة لا ينجس بالموت، واستحب في المدونة1 والرسالة2 أن تغسل إذا جزت من ميتة، وروى ابن رشد من سماع أشهب أن الغسل لا معنى له إذا لم تصبه نجاسة، أما ابن حبيب3 فقد أوجب غسلها مطلقاً، والصحيح في المذهب وجوب غسلها إذا تيقنت إصابتها بالنجاسة.

فقد جاء في حاشية الدسوقي: "والطاهر صوف من غنم، ووبر من إبل وأرنب ونحوهما، وزغب ريش -وهو ما حول القصبة، مما يشبه الشعر-، وشعر-بفتح العين- وقد تسكن من جميع الدواب ولو من خنزير، وأشار إلى شرط طهارة هذه الأشياء بقوله: إن جزت ولو بعد الموت، لأنها مما لا تحله الحياة وما لا تحله الحياة، لا ينجس

1 المدونة: وتسمى عند المالكية بالأم، أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين، وهي أصل المذهب وعمدته، فإذا أطلق الكتاب فإنما يريدونها لصيرورته عندهم علما بالغلبة عليها، من إملاء ابن القاسم أجل تلامذة مالك. راجع: اصطلاح المذهب للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي صفحة 148

2 الرسالة الفقهية، أكثر كتب ابن أبي زيد انتشارا، وأعظمها تأثيرا في الميدان التعليمي الفقهي بخاصة، زادت شروح الكتاب عن مائة شرح، ومؤلفها لقب بمالك الصغير، وهو جامع مذهب مالك وشارح أقواله. راجع: اصطلاح المذهب للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي صفحة 243.

3 هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي، من ولد العباس بن مرداس، كان عالم الأندلس رأساً في فقه المالكية، أديباً، مؤرخاً، سكن قرطبة ورحل إلى الشرق وسمع فيها من عبد الملك بن الماجشون وتوفي رحمه الله تعالى في رمضان سنة 238?. راجع: الأعلام للزركلي 4/302، الديباج المذهب لابن فرحون 2/154.

ص: 82

بالموت"1.

وجاء في التاج والإكليل: "وصوف ووبر وزغب ريش وشعر ولو من خنزير إن جزت ابن عرفه الشعر والصوف والوبر من أي محل أخذ من غير قلع من غير مذكى طاهر، وكذا شعر الخنْزير عند مالك وابن القاسم"2.

جاء في مواهب الجليل: "فرع" إذا جزت هذه الأشياء المذكورة من ميتة فاستحب في المدونة والرسالة أن تغسل؛ قال ابن رشد في سماع أشهب ولا معنى له إذا علم أنه لم يصبه أذى، وأوجب ابن حبيب غسلها فإن تيقنت نجاسته فلا شك في وجوب غسله"3.

مذهب الشافعية: يرون أن شعر أو صوف أو ريش أو وبر مأكول اللحم طاهر بالإجماع، وإن الجزء المنفصل من الحيوان الحي –عامة– يأخذ حكم ميتة ذلك الحيوان، فإن كان طاهراً فهو طاهر، وإن كان نجساً فجزؤه نجس، فالمنفصل من الآدمي أو السمك أو الجراد طاهر والمنفصل من غيرها نجس، وأن المنفصل من الحيوان بعد موته فهو كميتته، كذلك أي أنه يكون نجسا، وقالوا إن الشعر على العضو المبان نجس إن كان ذلك العضو نجساً تبعاً، وقالوا إن شعر المأكول المنتف الطالع بأصوله من الجلد في حال حياته طاهر وإلا فهو متنجس يطهر بغسله طالما أن أصله قد انفصل مع شيء مما نبت فيه من الجلد لما فيهما من رطوبه، وقالوا بأن المنفصل من غير المأكول كالحمار الأهلي يكون نجساً، وأنه لو شككنا هل الجزء المنفصل كان من طاهر أو من نجس؟ قلنا بطهارته وذلك لأن الأصل الطهارة والشك في النجاسة والأصل عدم هذه النجاسة فستصحبنا الأصل، وهذا بخلاف الحال فيما لو شككنا هل الجزء المنفصل من مذكي أم لا؟ حيث يعتبر من غير المذكى؛ لأن الأصل عدم التذكية، وأنهم لم يستثنوا من ذلك سوى الشعر، وما في حكمه كالصوف، والريش، والوبر، طالما كان ذلك من

1 الدسوقي 1/49.

2 المواق مطبوع بهامش مواهب الجليل 1/89.

3 الحطاب 1/89.

ص: 83

مأكول اللحم، حيث قالوا بطهارته.

فقد جاء في مغني المحتاج: "والجزء المنفصل من الحيوان الحي ومشيمته كميتته أي ذلك الحي، إن طاهر فطاهر، وإن نجساً فنجس لخبر "ما قطع من حي فهو ميتة" رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين1. فالمنفصل من الآدمي أو السمك أو الجراد طاهر، ومن غيرها نجس، وسواء في المشيمةـ وهي غلاف الولدـ مشيمة الآدمي وغيره. أما المنفصل من بعد موته فحكمه حكم ميتة بلا شك إلا شعر أو صوف أو ريش أو وبر المأكول اللحم فطاهر بالإجماع، ولو نتف منها أو انتتف؛ قال تعالى:{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} 2 وهو محمول على ما إذا أخذ بعد التذكية أو في الحياة كما هو المعهود، وذلك مخصص للخبر السابق، أما المنفصل من غير المأكول كالحمار الأهلي فنجس، ولو شككنا فيما ذكر هل انفصل من طاهر أو من نجس حكمنا بطهارته لأن الأصل الطهارة وشككنا في النجاسة والأصل عدمها بخلاف ما لو رأينا قطعة لحم وشككنا هل هي من مذكاة ٍ أولا؛ لأن الأصل عدم التذكية.

والشعر على العضو المُبان3 نجس إن كان العضو نجساً تبعاً له؛ وشعر المأكول المنتتف الطالع بأصوله من الجلد في حال حياته طاهر، فإن انفصل أصله مع شيء مما نبت فيه من الجلد وفيهما رطوبة، قال شيخي4: فهو متنجس يطهر بغسله

"5.

فخلاصة مذهب الشافعية: أن شعر الميتة طاهر، وذلك استثناء من الأصل المقرر لديهم من أن المنفصل من الميتة بعد موتها فحكمه حكم ميتته، وقالوا إن الشعر إذا نتف أم انتتف من الميتة فهو طاهر، وما قالوه محمول على المأكول بعد التذكية أو في

1 سبق تخرج الحديث صفحة 63.

2 سورة النحل: الآية 80.

3 أي المنفصل.

4 يقصد به شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة الرملي ت 1004?، وكلامه بنصه في نهاية المحتاج 1/228 قال:"كما أفتى به الوالد رحمه الله".

5 الشربيني 1/115.

ص: 84

الحياة، أما المنفصل من غير المأكول كالحمار الأهلي فنجس. وقالوا إنه عند الشك في طهارة أو نجاسة الأصل المنفصل عنه حكمنا بطهارته. وقالوا عن الشعر على العضو المبان نجس إن كان العضو نجساً تبعاً له. وقالوا إن شعر المأكول المنتتف الطالع بأصوله من الجلد في حالة حياته طاهر، لكنه إذا انفصل أصله مع شيء مما نبت فيه من الجلد وفيهما رطوبة فهو متنجس يطهر بغسله.

مذهب الحنابلة: أن الميتة إذا كانت طاهرة في الحياة كالغنم، فصوفها ووبرها وشعرها وريشها طاهر، تبعاً له سواء كانت مأكول اللحم أم غير مأكول اللحم كالهرة وما دونها في الخلقة كابن عرس1 والفأر لقوله تعالى:{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} 2 الذي سيق للامتنان فيشمل حالتي الحياة والموت، أما أصول الشعر والريش إذا نتف وهو رطب أو يابس فنجس، مُعللين ذلك بأن هذه الأصول تعد جزءاً من اللحم فهي نجسة باعتبارها من جملة أجزاء الميتة.

فقد جاء في الإنصاف: "

وصوفها وشعرها وريشها طاهر وكذلك الوبر، يعني الطاهر في حال الحياة وهو المذهب"3.

وجاء في كشاف القناع: "

وأصول شعرها إذا نتف وأصول ريشها إذا نتف وهو رطب أو يابس، نجس لأنه من جملة أجزاء الميتة، أشبه سائرها، ولأن أصول الشعر والريش جزء من اللحم لم يستكمل شعراً ولا ريشاً، وصوف ميتة طاهرة في الحياة كالغنم طاهر، وشعرها ووبرها وريشها طاهر، ولو كانت غير مأكولة كهر وما دونها في الخلقة كابن عرس والفأر"4.

وبالموازنة بين أقوال الفقهاء: بشأن طهارة شعر الميتة من عدمه نجد أنهم قد

1 ابن عِرْس: دويبة كالفأرة تفتك بالدجاج. المعجم الوسيط للدكتور إبراهيم أنيس وجماعه 2/592 مادة عرس.

2 سورة النحل: الآية 80.

3 المرداوي 1/93.

4 البهوتي 1/70.

ص: 85

اختلفوا في هذا على النحو الآتي:

المذهب الأول: يرى أن شعر جميع الميتة طاهر، وهم الشافعية، والحنابلة، وما عليه الحنفية في إحدى الروايتين عندهم، والمالكية فيما نقله ابن رشد عن سماع أشهب، وجاء في نص المدونة والرسالة باستحباب غسل الشعر إذا جز، ونقل عن ابن حبيب بوجوب الغسل مطلقا، والصحيح في مذهب المالكية وجوب غسل الشعر إذا تيقنت إصابته بالنجاسة.

المذهب الثاني: وهو القول الصحيح عند الحنفية أن شعر ميتة الخنْزير نجس وأضاف محمد بن الحسن شعر ميتة الفيل كذلك.

الأدلة: استدل أصحاب المذهب الأول بما يأتي:

أ – قوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} 1.

حيث امتن الله سبحانه في هذه الآية على عباده ببعض النعم، وهي أنهم ينتفعون في حياتهم الدنيا بأصواف الشياه وأوبار الإبل وأشعار الماعز، فعم بالإباحة والانتفاع حال الحياة والموت، فقد ورد ذلك بلفظ العموم الشامل لإباحة الانتفاع حال الحياة والموت على السواء.

ب- ما روى عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء" 2 مع مراعاة الخلاف عند المالكية بشأن مسألة الغسل على ما تقرر في أصل المذهب، وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميتة لحمها، وأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به"3.

فهذه النصوص ونحوها تفيد طهارة شعر الميتة وصوفها ونحوهما، وهذا ما قال به أصحاب المذهب الأول.

1 سورة النحل: الآية 80.

2 الحديث سبق تخريجه صفحة 66.

3 أثر ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه الدارقطني 1/47، والبيهقي في السنن 1/23.

ص: 86

واستدل أصحاب المذهب الثاني: بقولهم إن كل حيوان تنجس بالموت، كان شعره وصوفه نجس على المنصوص، وذلك لأن الشعر ونحوه متصل بالحيوان اتصال خلقة، فيتنجس بالموت حتى ولو كان من مأكول اللحم، طالما أنه لم يذك حيث اعتبر فيه حكم أصله، وهو ذلك الحيوان الميت.

والذي يترجح لدي في هذا الخلاف: هو القول بطهارة شعر الميتة ونحوه - إلا شعر الخنْزير- وذلك للأحاديث الدالة على طهارة شعر الميتة وصوفها ونحوهما وذلك على نحو ما مرّ من استدلال المذهب الأول.

فالشعر وما في حكمه كالصوف والوبر والريش لا وجه للقول بنجاسته، لأنه لو كان كذلك لما أبيح أخذه من الحي –أي حال الحياة– ولهذا كان القول بطهارة الصوف والشعر والريش والوبر ونحو ذلك هو المتمشى مع تحقيق مصالح العباد التي تهدف إلى تحقيقها الشريعة الإسلامية دائماً خاصة وأن هذه الأشياء كثيراً ما تدخل في الصناعات التي تعود علينا بالنفع العظيم، والله تعالى أعلم.

ثانياً: آراء العلماء بشأن حكم بيع شعر الميتة: اختلف الفقهاء بشأن حكم بيع شعر الميتة وما في حكمه، وذلك كأثر طبيعي لاختلافهم السابق بشأن طهارة شعر الميتة ونحوه، فمن قال بطهارة هذه الأشياء، جوز بيعها والتصرف فيها تحقيقاً لمصالح العباد في الانتفاع بهما، في حين أن من قال بنجاسته وعدم طهارته فإنه يمنع بيع هذه الأشياء، ويتضح هذا من خلال ما يأتي:

مذهب الحنفية: القول بجواز بيع شعر الميتة وصوفها ووبرها وريشها ونحو ذلك والانتفاع بها.

فقد جاء في بدائع الصنائع: "

وأما عظم الميتة وعصبها وشعرها وصوفها ووبرها وريشها وخفها وظلفها وحافرها فيجوز بيعها والانتفاع بها عندنا

"1.

غير أن فقهاء المذهب قد اختلفوا بشأن حكم بيع شعر الخنْزير، فقيل يجوز بيعه

1 الكاساني 5/142.

ص: 87

لأنه طاهر، وقيل لا يجوز بيعه إهانة له لأنه نجس، وهو الصحيح في المذهب، إلا أنهم جوزوا استعماله للخرازين للضرورة لأن عمل الخرز لا يتأتى إلا به1.

وجاء في بدائع الصنائع: "

وأما عظم الخنْزير وعصبه فلا يجوز بيعه لأنه نجس العين، وأما شعره، فقد روي أنه طاهر يجوز بيعه، والصحيح أنه نجس لا يجوز بيعه، لأنه جزء منه، إلا أنه رخص في استعماله للخرازين للضرورة"2.

وجاء في الهداية: "ولا يجوز بيع شعر الخنْزير لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة، فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه

"3

وجاء في البحر الرائق: "قوله: "وشعر الخنْزير" أي لم يجز بيعه إهانة له لكونه نجس العين كأصله"4.

فنص البحر الرائق على أن شعر الخنْزير لم يجز بيعه، وذلك إهانة له لكونه نجس العين لأصله، ولم يتكلم عن الخرازة به، خلافا لما ورد في الهداية وبدائع الصنائع وغيرهما من النص على أن الخرز بشعر الخنْزير جائز للضرورة خروجا عن الأصل العام عندهم وهو منع بيع شعر الخنْزير عملا بحرمة أصله ونجاسته.

مذهب المالكية: قالوا بجواز بيع شعر الميتة مطلقاً –أي حتى ولو كان ذلك من خنزير- فهؤلاء يرون طهارة صوف الميتة ووبرها وشعرها وريشها وزغب الريش، وعلى هذا فإنه يجوز عندهم الانتفاع به وإمكان بيعه، غير أنه يجب على البائع إخبار المشتري بأنه أو ما نسج منه لميتة وسبب ذلك ليس النجاسة وإنما هو كراهة النفوس لذلك.

فقد جاء في مواهب الجليل: "فإن أراد بيع الصوف وما معه المأخوذ من الميتة أو

1 حاشية ابن عابدين 1/398.

2 الكاساني 5/142.

3 المرغيناني 6/425.

4 ابن نجيم 6/132.

ص: 88

بيع ما نسج منه فعليه أن يبين ذلك فإن النفوس تكرهه"1.

مذهب الشافعية: عدم جواز بيع شعر الميتة وريشها وصوفها وما في حكم ذلك، وهذا ما عليه اتفاق فقهاء المذهب الشافعي، بناءً على نجاسة هذه الأشياء، حيث قالوا إن كل حيوان تنجس بالموت، فإن شعره وصوفه نجس على المنصوص، وذلك لأن الشعر ونحوه متصل بالحيوان اتصال خلقه فيتنجس بالموت.

فقد جاء في المجموع: "

ودهن الميتة وعصبها وشعرها.. وكذلك ريشها.. ولا يجوز بيعها بلا خلاف عندنا"2.

وجاء في شرح المحلي على منهاج الطالبين بهامش قليوبي وعميرة "

وللبيع شروط خمسة: أحدها طهارة عينه، فلا يصح بيع الكلب والخمر وغيرها من نجس العين

والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره، لأنه في معنى نجس العين، كالخل واللبن، وكذا الدهن كالزيت والسمن، لا يمكن تطهيره في الأصح. والثاني يمكن غسله بأن يصب عليه في إناء ماء يغليه ويحرك بخشبه حتى يصل إلى جميع أجزائه

"3.

فالاتفاق في مذهب الشافعية: على عدم جواز بيع شعر الميتة لنجاسته، وقد اشترطوا في المبيع طهارة عينه، وقالوا بأن الحيوان يتنجس بالموت، حتى ولو كان أصله طاهراً مأكولاً، وذلك بناء على أن الشعر متصل بالحيوان بطبيعة خلقته، وبالتالي فإن الشعر يتنجس بمجرد الموت.

مذهب الحنابلة: جواز بيع شعر وريش الميتة ووبرها، إذا كانت لطاهر حالة الحياة، حيث إن هذه الأشياء طاهرة في المذهب عند الحنابلة، على نحو ما سبق بيانه4، فلا مانع من بيعها، فإن كانت هذه الأشياء لغير طاهر حال حياته، فإنها تكون نجسة، وبالتالي فلا يجوز بيعها.

فقد جاء في الإنصاف: "وصوفها وشعرها طاهر وكذلك الوبر يعني الطاهر في

1 الحطاب 1/89.

2 النووي 9/270.

3 النووي 2/157.

4 راجع: صفحة101.

ص: 89

حال الحياة وهو المذهب"1.

أما بالنسبة لأصول الشعر إذا نتفت وأصول الريش إذا نتف فلا يجوز بيعه، سواء كان رطباً أو يابساً وذلك لنجاسته، لأنه من جملة أجزاء الميتة فأشبه سائرها، ولأن أصول الشعر والريش جزء من اللحم.

جاء في كشاف القناع: "الميتة

وأصول شعرها إذا انتف وأصول ريشها إذا انتف وهو رطب أو يابس نجس، لأنه من جملة أجزاء الميتة أشبه سائرها، ولأن أصول الشعر والريش جزء من اللحم

"2.

ويظل هذا على عموم منع بيع الميتة وجميع أجزائها على نحو ما ورد في المرجع السابق أيضاً "

ولا يصح بيع ميتة ولا شيئ منها ولو لمضطر

"3

وعلى هذا فمذهب الحنابلة: أن الشعر إذا كان من حيوان طاهر في حال حياته كالغنم ونحوها فإن ذلك الشعر يكون هو الآخر طاهراً ولا مانع من بيعه، بخلاف ما إذا كان لميتة غير طاهرة حال الحياة، وكذلك أصول الشعر وأصول الريش إذا انتفت وهي رطب فإنها نجسة لا يجوز بيعها.

الموازنة: نجد أن أقوال العلماء بشأن بيع شعر الميتة وما في حكمه تتلخص فيما يأتي:

أ- جواز بيع شعر الميتة وصوفها ووبرها وما في حكم ذلك والانتفاع به، وهذا مذهب الحنفية والمالكية ومذهب الحنابلة، إلا أن الحنفية استثنوا شعر الخنْزير، واشترط المالكية على البائع إبانة ذلك، يعني إبانة أن الصوف صوف ميتة، أو إنه صنع من صوف ميتة أي أنه يجب على البائع بيان ذلك للمشتري، حتى يكون المشتري على بينة من أمره. خاصة وان نفوس الناس تعاف وتكره صوف الميتة. وهذا التحفظ عند المالكية كان لهذا السبب، وليس لأن صوف الميتة عندهم نجس.

1 المرداوي 1/93.

2 البهوتي 1/70.

3 المرجع السابق 4/1386.

ص: 90

ب - منع بيع شعر الميتة وما في حكمه وعدم جواز الانتفاع بذلك، وهو مذهب الشافعية.

علماً بأن وجه بحث حكم الشرع بشأن بيع شعر الميتة هنا هو أن أصل الميتة المراد بيع شعرها نجس، وأن الخلاف حاصل بين الفقهاء بشأن مدى طهارة شعر الميتة من عدمه، فجريان الكلام عن بيع شعر الميتة كان مؤسساً على هذا.

وقد استدل الحنفية ومن وافقهم: على جواز بيع شعر الميتة وما في حكمه والانتفاع به، استدلوا بأدلة متعددة سبق الاستناد إليها عندما قرر هؤلاء طهارة شعر الميتة وصوفها وريشها وما في حكم ذلك، لأنهم يقولون بطهارة هذه الأشياء، وقد ترتب على هذا قولهم بجواز بيعها وإمكان اعتبارها محلا ً للتعاقد بالبيع ونحوه من جميع التصرفات الأخرى فضلاً عن أن الشعر وما شابهه لا تحله الحياة، وذلك بدليل أن الحيوان لا يتألم ولا يحس إذا قطع منه، وما لا تحله الحياة لا يحله الموت، وذلك لأن الموت خلف الحياة، ولما كان الموت لا يحله، فإنه لا يتنجس به فيكون طاهراً وحيث كان كذلك، فلا مانع من بيعه طالما أنه محل لانتفاع الناس به، لأنه من متطلبات حياتهم.

وقد استند الشافعية: فيما ذهبوا إليه من قولهم بمنع بيع شعر الميتة وما في حكمه، استندوا على ما تأصل لديهم من اشتراط طهارة المبيع، وما تقرر من قولهم بنجاسة شعر الميتة وصوفها ووبرها ونحو ذلك، بناء على أنَّ الشعر متصل بالحيوان اتصال حياة وخلقة، وأنه يتنجس بالموت، وبالتالي فإنه لا يمكن الانتفاع به شرعا، ً مما يترتب عليه القول بعدم جواز بيع هذه الأشياء1.

والذي يترجح هنا -والله أعلم- هو القول بجواز بيع شعر الميتة وصوفها وريشها ونحو ذلك تأسيساً على رجحان القول بطهارة هذه الأشياء فيما سبق بيانه، مع مراعاة أن هذا الحكم بجواز البيع يستثنى منه شعر الخنْزير لنجاسة عينه، وهذا الترجيح قائم على قوة ما استدل به هؤلاء، ومما يؤكد رجحان القول بجواز بيع شعر الميتة وما في

1 المجموع للنووي 1/269 – 270، والمهذب للشيرازي 1/11.

ص: 91

حكمه كالصوف، والريش، والوبر ونحو ذلك خاصة وأن هذا القول يتلاءم مع مقاصد الشريعة الإسلامية من تحقيق مصالح العباد، لأن هذه الأشياء غالبا ً ما تدخل في الصناعات المتعددة، والتي يتحقق منها النفع العظيم للعباد والذي يعد هدفا ً أسمى من تشريع الأحكام لهؤلاء للعباد.

ص: 92